الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موت الدماغ
لسعادة الدكتور محمد علي البار
مستشار قسم الطب الإسلامي بمركز الملك
فهد للبحوث الطبية جامعة الملك عبد العزيز
بسم الله الرحمن الرحيم
موت الدماغ
إن موت الإنسان كموت أي كائن حي هو أمر طبيعي فرضه الله على كل نفس قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} .
ولم تكن هناك صعوبات شتى في تشخيص الموت إلا فيما ندر فملايين من البشر أتوا إلى هذه الدنيا دون شهادة طبيب وغادروها دون الحاجة إلى معاينة طبيب وشهادته.
وفي العصور الحديثة نتيجة لحصول بعض الأخطار، أو كل تحديد الحياة بدءًا ونهاية إلى الأطباء ولم يعد من المقبول دخول إنسان إلى الحياة دون إثبات شهادة ميلاد يصدرها طبيب.. وكذلك لا يسمح له بالمواراة في جوف الأرض ما لم يحصل على شهادة طبيب تثبت الوفاة.
وفي ذلك خير كثير.. فلا بد أن تكون الوفاة طبيعية وأن يشهد بذلك الطبيب وإلا فكم من جريمة قتل بصورة (تسميم مثلًا وهو أمر كان شائعًا عند القدماء وخاصة لدى الطبقات الحاكمة) يمكن أن يتم دون أن تكتشف إذا لم يكن هناك هذا الإجراء المتشدد، كما أن ذلك يحد من الوقوع في خطأ تشخيص الوفاة بينما الشخص مغمى عليه وهو لا يزال حيًا.
وكان تشخيص الوفاة أمرًا غير عسير على الأطباء في الأغلبية الغالبة من الوفيات، فلا بد أن يتوقف القلب والدورة الدموية والتنفس وما يصحبها من علامات لإعلان الوفاة، وإذا شك الطبيب في سبب الوفاة أحال ذلك إلى الطبيب الشرعي، أما إذا شك في بقاء الحياة استخدم وسائل أخرى للتأكد من حصول الوفاة.
ومع التقدم الطبي في العشرين عامًا الماضية بدأ استخدام أجهزة الإنعاش يتطور بسرعة مذهلة، وأمكن إيقاف القلب لعدة ساعات أثناء عمليات القلب المفتوح، وأن يستبدل القلب والرئتان في هذه المرحلة بمضخة، فإذا ما تمت العملية أعاد الأطباء القلب إلى وظيفته السابقة بعد أن تعاد درجة حرارته بالتدريج (يثلج القلب أثناء العملية حتى يقل استهلاك الطاقة إلى أدنى درجة) كما تمكن الأطباء من إخراج القلب واستبداله بقلب إنسان أو قلب قرد أو قلب صناعي.
ولأول مرة في التاريخ تمكن الإنسان أن يعيش بدون قلب لعدة ساعات وبقلب إنسان آخر قد لاقى حتفه لعدة سنين وبقلب صناعي لعدة أشهر.
ولم يعد مفهوم الموت مرتبطًا بالقلب في كثير من الحالات، وخاصة الحالات التي يصاب فيها الدماغ إصابات بالغة نتيجة الحوادث، أو نزف داخلي في الدماغ أو وجود ورم بالدماغ، ومع هذا فإن مفهوم موت الدماغ لم يشكل في بريطانيا حتى عام 1981 سوى 8 آلاف من مجموع الوفيات، ولا يزال توقف القلب والدورة الدموية هو الأساس في تشخيص 99.2? من جميع الوفيات في بريطانيا، ومثلها أو ما يقاربها في دول أوروبا والولايات المتحدة وكندا.. إلخ.
موت الدماغ أو جذع الدماغ:
يموت الدماغ إذا انقطع عنه الدم لمدة أربع دقائق، ولذلك فإن موت القلب يتبعه موت الدماغ، ولهذا فإنه إذا لم يكن إنقاذ القلب وإعادته إلى العمل فإن الدماغ سيموت خلال أربع دقائق من توقف عمل القلب، وبالتالي يعتبر مثل ذلك الشخص في عداد الموتى.
ولكن المشكلة تأتي حين يصاب الدماغ إصابات بالغة نتيجة الحوادث (سيارات، ارتطام، إطلاق نار، إلخ) أو نتيجة نزف في الدماغ أو نتيجة ورم بالدماغ، وفي هذه الحالات قد يموت الدماغ وتقوم الأجهزة الحديثة بإنعاش القلب والتنفس وجعلهما يستمران في وظيفتهما.
وبما أن جذع الدماغ هو المتحكم في جهازي التنفس والقلب والدورة الدموية فإن توقف جذع الدماغ وموته يؤدي لا محالة إلى توقف القلب والدورة الدموية والتنفس ولو بعد حين.
وفي كثير من الحالات عندما توضع أجهزة الإنعاش لا يكون الطبيب متيقنًا من أن جذع الدماغ قد مات حيث تتميز تلك الحالات بالإغماء التام وتوقف التنفس وتحتاج إلى سرعة كبيرة لمحاولة الإنقاذ، وبالتالي يبقى المصاب تحت المنفسة Ventilator.
ولكي يشخص الطبيب موت جذع الدماغ لا بد من مواصفات نجملها فيما يلي:
1-
الإغماء الكامل:
وعدم الاستجابة لأي مؤثرات لتنبيه المصاب مهما كانت وسائل التنبيه قوية ومؤلمة، ولو ظهرت من المصاب حركة ولو بسيطة أو صوت ولو حشرجة دل ذلك على حياة المصاب ولا يمكن بالتالي إعلان موت الدماغ.
2-
عدم التنفس لمدة ثلاث دقائق (شروط مجموعة هارفارد) أو أربع دقائق (مجموعة مينوسوتا) أو 10 دقائق (المدرسة البريطانية) بعد إبعاد المنفسة، ويشترط لإيقاف المنفسة أن يتنفس المصاب أوكسجين 95 بالمائة مع 5? ثاني أكسيد الكربون لمدة 10 دقائق بواسطة قنطرة (Catheter) تدخل إلى القصبة الهوائية ويتم التنفس بواسطة المنفسة، وذلك يؤدي إلى رفع ضغط ثاني أكسيد الكربون في الدم إلى 40 مم زئبق أو فوقها) وهو مسئول عن تنبيه مركز التنفس في جذع الدماغ.
فإذا لم يتنفس المصاب بعد كل هذه التنبيهات لمركز التنفس في جذع الدماغ يعتبر ذلك دلالة على موت جذع الدماغ.
3-
عدم وجود الأفعال المنعكسة من جذع الدماغ: وهي تتمثل في الآتي:
(أ) عدم حركة بؤبؤ العين للضوء الشديد.
(ب) لا يرمش المصاب رغم وضع قطعة من القطن على قرنية العين.
(جـ) لا تتحرك مقلة العين رغم إدخال ماء بارد في الأذن.
(د) لا يقطب المصاب جبينه رغم الضغط على الجبين بالإبهام.
(هـ) عدم التحكم أو الكحة عند لمس الحنك وباطن الحلق بالإبهام.
4-
عدم وجود حركة الدمية:
عدم تحريك الرأس No Dolling إعادة فحص وظائف الدماغ من فريق آخر بعد مرور عدة ساعات (6 ساعات المدرسة البريطانية- 24 ساعة مجموعة هارفارد) .
5-
لا يعتبر رسم الدماغ أساسيًا:
في تشخيص موت الدماغ وإذا توفر كان دليلًا إضافيًا مفيدًا من الناحية القانونية وخاصة في الولايات المتحدة.
ولا تكفي هذه الشروط لإعلان موت الدماغ بل لا بد أن يكون توقف وظائف جذع الدماغ مصحوبًا بإصابات باثوليجية وتشريحية وليس فقط إصابة وظيفة فسيوليجية وهناك مجموعة من الإصابات الوظيفية التي تؤدي إلى توقف جذع الدماغ وبالتالي إلى توقف التنفس مع وجود الإغماء وعدم وجود الأفعال المنعكسة، ورغم هذا كله لا تعتبر هذه الأسباب كافية لإعلان موت الدماغ، ولا بد من إزالة الأسباب المؤقتة لتوقف وظيفة جذع الدماغ قبل إعلان موت الدماغ، وهذه الأسباب المؤقتة أو الأسباب الوظيفية التي تؤدي إلى توقف وظائف جذع الدماغ تتمثل في الآتي:
1-
العقاقير:
وقائمتها طويلة جدًّا وتشمل الكحول والمنومات مثل الباربيتورات والمهدئات مثل الفاليوم والليبيريم والمخدرات مثل المورفين والهروين وأدوية الصرع مثل الفيناتوين والأدوية المضادة للكآبة مثل التربتلين والمعقلات مثل الستيلازين والكلوبرومزين والمسكنات مثل الأسبرين.
وقد يحدث أن يتناول الشخص كمية من أحد هذه العقاقير أو ما يقاربها كوسيلة للانتحار فيؤدي إلى حدوث توقف وظائف جذع الدماغ.. ولهذا لا بد من التريث في إعلان موت الدماغ في هذه الحالات حتى يزول كل أثر من آثار العقار من الجسم، ويمكن أن يتبين ذلك بفحص الدم وفحص البول، فإذا كان الدم خاليًا من العقار المتهم فإن ذلك يعني زوال تأثيره من الجسم ومن الدماغ خلال بضع ساعات.
2-
برودة الجسم:
كما يحدث في الجو القارس حيث تحدث نوبة إغماء ويتوقف التنفس وتنخفض حرارة الجسم، ولا بد في هذه الحالات من استمرار أجهزة الإنعاش حتى يتم رفع حرارة الجسم إلى درجتها الطبيعية، ولا يعلن موت الدماغ إلا بعد ذلك.
3-
التسمم نتيجة الغازات السامة وغاز أول أكسيد الكربون:
قد يؤدي التسمم إلى توقف وظائف جذع الدماغ، ولهذا لا بد من إزالة السموم من الجسم أولًا والاستمرار في الإنعاش حتى يتضح أن تأثير المواد والغازات السامة قد انتهى من الجسم ثم يمكن بعد ذلك إعلان موت الدماغ.
4-
زيادة البولينا في الدم:
قد يؤدي فشل الكلى إلى الغيبوبة التامة وإلى توقف وظائف جذع الدماغ، ولهذا لا بد من خفض البولينا في الدم بواسطة الديلزة (الكلى الصناعية) قبل إعلان موت الدماغ.
5-
نقص السكر أو زيادته في الدم:
قد تؤدي إلى الغيبوبة التامة وإلى توقف وظائف جذع الدماغ، ولا بد من إعادة توازن السكر في الدم إلى وضعه الطبيعي قبل إعلان موت الدماغ.
6 -
نقص الهرمونات أو زيادتها في الدم:
قد تؤدي إلى توقف وظائف جذع الدماغ مؤقتًا ولا بد من إعادة هذه الهرمونات إلى وضعها الطبيعي قبل إعلان موت الدماغ.
7-
حالات الغرق وتوقف القلب الفجائي:
التي يتم إنعاشها بالوسائل الحديثة وفي نفس الوقت يظهر للأطباء من الفحوصات الخاصة بجذع الدماغ أن هذا الجذع قد توقف عن وظيفته مما أدى إلى الإغماء وتوقف التنفس، وفي هذه الحالات لا يتم إعلان موت جذع الدماغ إلا بعد رفع الأوكسجين في الدم لفترة لا تقل عن 24 ساعة.
8-
الحالات التي أجري لها عمليات كبيرة في الدماغ:
مثل ورم في الدماغ أو نزف تحت الأم العنكبوتية Subarchnoid hoemorrhage أو وجود أم الدم aneury Sm في الدماغ، وفي هذه الحالات قد يحدث توقف لوظائف جذع الدماغ من إغماء تام وتوقف عن التنفس، ولهذا لا يمكن إعلان موت جذع الدماغ قبل مرور 24 ساعة على الأقل.
9-
اخماج (انتانات) ميكروبية (فيروسية وبكترية) تصيب جذع الدماغ:
بالإضافة إلى إصابة مناطق أخرى من الدماغ، وقد يؤدي ذلك إلى توقف لوظائف جذع الدماغ، ولا بد في هذه الحالات من الاستمرار في أجهزة الإنعاش رغم توقف وظائف جذع الدماغ حتى يتبين بوضوح وجلاء تام عدم وجود توقف وظيفي (فسيولوجي) مؤقت لجذع الدماغ، وأن هناك إصابة دائمة نتيجة هذا الغزو الميكروبي.
10-
في حالات الشك وخاصة في الأطفال تجري فحوص إضافية وهي:
(أ) حقن شرايين الدماغ الأربعة:
فإذا لم توجد دورة دموية في الدماغ كان ذلك دليلًا قاطعًا على موت الدماغ.
(ب) إجراء الفحص السابق بواسطة المواد المشعة Radionuclide
وميزة هذا الفحص سهولته النسبية، وأنه يمكن إجراؤه دون الحاجة لنقل المريض من غرفة الإنعاش إلى غرفة الأشعة.
إعلان الوفاة وأجهزة الإنعاش:
عند ثبوت تشخيص موت جذع الدماغ وعدم وجود أي من الأسباب المؤقتة لتوقف وظائف الجذع يكتب الأطباء المختصون شهادة بوفاة ذلك الشجص.
أما بالنسبة لأجهزة الإنعاش فإنها توقف إلا إذا كان المصاب أو ذووه قد وافقوا على التبرع بأعضائه وفي هذه الحالة تستمر أجهزة الإنعاش حتى تستمر الدورة الدموية، وبالتالي تكون الأعضاء التي ستنتزع في أفضل حالاتها.
وبما أن القلب بالذات سريع التلف ولا فائدة من نقل قلب تالف إلى شخص آخر لإنقاذه فإن الحاجة تبدو واضحة لاستمرار أجهزة الإنعاش لبضع ساعات حتى يتم نزع القلب والأعضاء الأخرى المتبرع بها، وهي في حالة جيدة يمكن أن تعمل في شخص آخر.
في هذه الحالات المحدودة يتم إعلان موت جذع الدماغ وبالتالي موت الشخص بينما القلب لا يزال ينبض والتنفس لا يزال وإن كان بواسطة الأجهزة.
وهذا هو الذي جعل كثيرًا من الفقهاء ورجال القانون يترددون في إعلان الوفاة لمثل هذا الشخص.
ولكن إذا اتضحت الصورة بجلاء وهو أن تشخيص جذع الدماغ يعني أساسًا توقف التنفس التلقائي توقفًا تامًا لا رجعة فيه أدركنا أن الفروق الجوهرية محدودة جدًا، وبالتالي يجعل تشخيص موت الدماغ أو جذع الدماغ مقبولًا من الناحية الشرعية إذا اتخذت كافة الاحتياطات اللازمة في تشخيص جذع الدماغ كما أسلفنا، وذلك بعدم تشخيص موت جذع الدماغ في الحالات التي تتوقف فيها وظائف جذع الدماغ مؤقتًا، وبالتالي لا يمكن تشخيص موت جذع الدماغ إلا بعد التيقن من توقف تام لا رجعة فيه لوظائف جذع الدماغ مع وجود إصابة مرضية (باثوليجية) وتشريحية.
ولا غضاضة في استمرار أجهزة الإنعاش بعد إعلان الوفاة من أجل الحصول على أعضاء في حالة جيدة، إذ أن الشخص قد مات فعلًا، وهذه التروية بأجهزة الإنعاش ليست إلا إحدى الوسائل المتعددة التي تستخدم لحفظ الأعضاء في حالة تصلح للاستخدام، ومن المعلوم أن الأعضاء بعد انتزاعها من الجثة تحفظ في سائل معين وفي درجة برودة معينة، ويمكن أن تبقى محفوظة لفترة من الزمن كما يمكن نقلها بالطائرة من بلد إلى بلد آخر واستخدامها لإنقاذ شخص آخر يوشك أن يحتضر.
وعليه فإن الاحتفاظ بهذه الأعضاء بواسطة أجهزة الإنعاش لبضع ساعات أمر لا غبار عليه ولا يغير من حقيقة الوفاة شيئًا.
(1)
قسم الأبحاث الطبية
نهاية الحياة الإنسانية
للدكتور مختار المهدي
رئيس قسم جراحة المخ والأعصاب
مقدمة:
لم يكن التساؤل عن نهاية الحياة الإنسانية يثير الكثير من الجدل والنقاش مثل ما يفعل الآن، ويرجع ذلك إلى طفرة التقدم في العلوم الحديثة ومنها العلوم الطبية، وقد كشف لنا هذا التقدم عن الكثير من دقائق الحياة، وأيضًا الكثير من أسرار الموت، وذلك من خلال استعمال الأجهزة الحديثة في أقسام العناية المركزة ومنها أجهزة التنفس الصناعي، وكذلك أجهزة قياس عمل المخ وقياس وظائف محددة بالمخ واختبار هذه الأجزاء المختلفة، ومن خلال تفهم هذه الظواهر الجديدة أصبح تحديد توقيت نهاية الحياة الإنسانية ممكنًا على درجة كبيرة من الدقة، ودقة هذا التحديد وأهميته لا ترجع فقط لما يترتب على هذه النهاية من شرع وقوانين ومراسم، ولكن أيضًا لما قد يستخلصه ذلك من بعث فرحة الأمل في إنقاذ حياة ما من خلال مرارة فقد حياة ولت وانتهت، وذلك بفتح آفاق علمية كبيرة في علم نقل وزراعة الأعضاء البشرية، وهو الأمل في الحياة من جديد عندما يصل علاج بعض الأمراض إلى طريق مسدود وتبدو في الأفق علامات نهاية حياة المريض.
من هو الإنسان وما موضع المخ الحي منه؟
كلنا يذكر ببساطة أن الإنسان عبارة عن جسد وروح ولن نتحدث هنا عن كنه هذه الروح حيث إننا لا نعلم عنها شيئًا ولكننا ندرك تأثيرها في الجسد، فالجسد الميت الجامد لا يختلف كيميائيًا عن الجسد الحي على الإطلاق، كما أنه لا يختلف عنه أيضًا من الناحية الشكلية أو التشريحية أو حتى من خلال فحص الأنسجة بالميكروسكوب، وبكلام أعم لا يوجد اختلاف مادي بين الجسد الحي والميت ولكن الفرق هو في تأدية الوظائف.
الجسد الحي جميع أجزائه تعمل وهذا العمل يكون على مستويات مختلفة من خلايا أو أعضاء أو كجسد متكامل، الخلية الواحدة تعمل ويتم في داخلها العشرات من الأعمال المختلفة، كلها تتم في آن واحد ولكنها تدرك أنها ليست وحدها في هذا الجسد لأنها تتعامل مع خلايا أخرى في داخل العضو أو في أعضاء أخرى، هذا التعامل يتم بأساليب مختلفة، ولكن هذا الإدراك والتعامل ليس إدراك الواعي العاقل ولكنه إدراك البرمجة بما تحتويه نوايا هذه الخلايا من أشرطة متوارثة من وقت آدم، بها تفاصيل أعمال كل خلية إنسانية ومتى تعلمها بحيث يكون عمل أجهزة الجسم كلها في انسجام وتوافق، كل في اختصاصه، بعض هذه الخلايا دائم التجدد، أي القديم يشيخ ويبلى ويحل محلها خلايا أخرى جديدة، وأخرى لا تتجدد طوال حياة الإنسان وحتى هذه فإن مكوناتها من مركبات عضوية وغير عضوية دائمة التبديل، حتى مادة الكالسيوم الصلبة التي في العظام فإنها تتجدد تدريجيًا مرة كل عدة شهور مع المحافظة على الشكل العام وذلك أيضًا بفعل البرمجة، وبمعنى آخر فالإنسان الذي نراه أمامنا بكتلته التي قد تصل إلى سبعين أو ثمانين كيلو جرامًا يتبدل تمامًا جسده من ماء وأملاح ومعادن بجسد جديد تدريجيًا كل فترة من الزمن وهذه الكيماويات تذهب في إفرازات الجسم المختلفة وتحدد من غذائه وهو ما يمكن أن نسميه بالبعث المتكرر في أثناء حياة الإنسان.
وهنا حقيقة كبرى يجب أن نتفهمها من البداية، وهي وإن كانت الخلية الإنسانية تمثل حياة وهي إحدى مظاهر إعجاز الخالق، سبحانه وتعالى، إلا أن حياة الغالبية العظمى من خلايا جسد الإنسان وكذلك أعضاؤه التي يحتويها هذا الجسد لها حياتها المستقلة عن حياة الإنسان كفرد، وكحقيقة مطلقة لا ترتبط حياة إحداهما بالأخرى، وبمعنى أوضح أن خلايا جسم الإنسان وأعضائه لا تشاركه "روحه" بدليل أننا يمكن أن نأخذ بعض خلايا من جسم الإنسان لزراعتها ودراستها بالمعمل ولا تفقد هذه الخلايا "حياتها" بخروجها من جسم الإنسان ومن الأمثلة الأخرى استئصال كلية حية من جسم إنسان لزراعتها في جسم إنسان آخر، إنها لا تفقد حياتها باستئصالها ولا تكتسب حياة جديد من الجسد المنقولة إليه ولا تتأثر لو حدث أن توفي صاحبها الأول ولكنها تستمر في حياتها الذاتية وتؤدي نفس العمل الذي خلقت له أساسًا وتحيا حياة فيها نماء وهدم وبناء طالما توافرت لها إمكانية الغذاء المناسب، بصرف النظر عمن يحتويها.
هل يمكن أن نعود إلى التساؤل من هو الإنسان مرة أخرى ونقول هذه المرة هو جسد يحتوي على خلايا وأعضاء حية تعمل بوحي ذاتي على مستوى الخلية الواحدة وعلى مستوى العضو بشرط توافر أسباب هذه الحياة ماديًا، بالإضافة إلى روح قد نسميها نفسًا أو ذاتًا إنسانية وبها يتم تحديد شخصية هذا الإنسان وفرديته.
أين هي إذن النفس الإنسانية من هذا التركيب؟
إننا نتعرف على بعضنا البعض بالمظهر الخارجي من شكل الجسم أو الوجه أو لون العينين أو لون البشرة وأحيانًا من بصمة الإصبع! ولكن كل هذا يمكن أن يتغير، ولن يغير ذلك من ذات الإنسان، أما عن الأعضاء الداخلية والأجهزة السابق ذكرها فإنها جميعًا يمكن استئصالها والاستغناء عنها كما أسلفنا إلا المخ، فالقلب والرئتان والكبد والكلى يمكن استئصالها واستبدالها بأعضاء أخرى إنسانية أو حتى بلاستيكية.. أيضًا مع استمرارية الذات الإنسانية وعدم تغيرها، ما هي إذن وأين تكمن هذه الذات؟
قد نظن الآن أن النفس الإنسانية تكمن في مخ الإنسان لأنه مكان استقبال جميع الحواس من سمع وبصر وشم وذوق ولمس، إنه مكان الاستقبال الوحيد من العالم الخارجي، كما أنه يحتوي على مخازن الذاكرة من قراءات وسمع وبصر.. إلخ والخبرات السابقة ومكان التفكير والابتكار، وبه تم إرسال الطباع والعادات والمثل المكتسبة، والمميزة لكل إنسان ومكان تواجد الغرائز الموروثة أيضًا، كما أنه مصدر الأفعال المترتبة على ما يستقبله من معلومات، وقد عرفنا ذلك كله لأن تلف أجزاء محددة من المخ ينتج عنه فقد قدرات معينة اختصت بها هذه الأجزاء ولكل هذه القدرات استخلفنا الله في الأرض وعلى استخدامها سنحاسب في النهاية وإذا ما فقدها إنسان فقد الأهلية وسقط عنه الحساب.
ولو نظرنا بتكبير مجهري داخل المخ لوجدناه يتكون من ملايين الخلايا العصبية التي تشبه البطاريات الكهربائية الصغيرة يترجم فيها كل شيء من أحاسيس وأفكار ورغبات إلى ومضات كهربية تحملها أسلاك دقيقة معزولة تنتهي إلى أطراف دقيقة تترجم هذه الومضات السابقة إلى طاقات كيمائية تقوم بدورها بتنبيه خلايا أخرى، وهكذا تستقبل الأحاسيس من سمعية وبصرية وخلافه وتنفذ المهام من فكر وأفعال.
وهنا يجب أن نلاحظ أن جميع الأحاسيس الواردة للمخ وأيضًا جميع الإشارات الصادرة عنه لتنفيذ المهام تصل منها للعلم إلى مكان معين من المخ يكون باستمرار على علم تام بمجريات الأمور ذلك هو جذع المخ وعلى الأدق نسيج معين داخله يسمى النسيج الشبكي، وهذا الجزء له تأثير كبير على أجزاء المخ الأخرى، وقد أثبتت البحوث الكثيرة أن هذا النسيج الشبكي هو المسؤول عن وعي الإنسان، وأنه إذا فقد الإنسان وعيه لسبب أو آخر فإن ذلك يحدث لأن هذا النسيج قد تعرض لضرر ما، وذلك كالإصابة في الحوادث أو بالتأثير من السموم أو الأمراض ويدخل في ذلك التخدير أو تعاطي العقاقير من منومة ومهدئة ومهلوسة، وهو المسؤول عن نوم الإنسان ويقظته.. ويبدو لنا الآن أن هذا هو الغالب مكمن النفس الإنسانية (شكل 2) .
تأثير توقف القلب على أعضاء الجسم:
في ظني أن الجسم البشري يحتوي على مستويات متعددة من الحياة وتعتبر الحياة الإنسانية هي المستوى الأعلى.
فعند توقف القلب عن العمل نهائيًا لأي سبب من الأسباب، وهو ما يحدث في الغالبية العظمى من حالات الموت فإن ذلك يتبعه فورًا فقدان الوعي وتوقف التنفس وهما وظيفتان من وظائف المخ الذي لا يتحمل توقف دورته الدموية إلا لثوان معدودة ولو أن خلاياه تظل حية لبضع دقائق إلا أنها تتوقف في أثنائها عن العمل.
ويستنتج توقف الدورة الدموية ذلك حرمان جميع أعضاء وأنسجة الجسم من الغذاء اللازم لها وهو أساسًا سكر الجلوكوز والأكسوجين اللازمين لتوليد الطاقة وتشغيل الخلايا، كما أن الفضلات السامة المتخلفة عن هذه العملية وغالبيتها حمضية تتراكم في أماكن تولدها لعدم تصريفها بتوقف الدورة الدموية بالأنسجة.
وبناء على هذه التغيرات الكيماوية تموت الخلايا والأعضاء المكونة لجسم الإنسان وهذه الأعضاء تتفاوت في فترة بقائها حية بعد توقف الدورة الدموية والتنفس اعتمادًا على درجة حساسية هذه الخلايا لنقص الغذاء وتحمل درجات الحموضة فالمخ مثلًا لا تتحمل خلاياه وبالذات خلايا القشرة (قشرة المخ) نقص الجلوكوز والأكسوجين أكثر من نحو أربع دقائق وهناك خلايا بالمخ قد تتحمل البقاء لثوان أخرى أكثر من ذلك ثم يلي ذلك خلايا الكبد والكلى، أما العضلات والعظام والجلد، فقد تستطيع الحياة لعدة ساعات بعد توقف القلب والدورة الدموية، كل هذه التوقيتات في درجات الحرارة العادية للجسم.
فترة الاحتضار:
يتضح مما سبق أن هناك فترة لا تقل عن أربع دقائق بعد توقف القلب والتنفس عن العمل وتشخيص موت الإنسان الأكلينيكي من فقد للحس والوعي والإدراك والحركة والنبض والتنفس ولكن يكون الكثير من أعضائه لا يزال حيًا بل وبعضها تعمل وقابلة للاستمرار في العمل إذا أمكن إنعاشها بتوفير المحيط الملائم لها من تغذية وتصريف للفضلات، وفي هذه الدقائق الأربعة تكون خلايا مخ الإنسان ما تزال حية ولو أسعف هذا الشخص بتدليك قلبه أو بإعطائه الصدمات الكهربية مع التنفس الصناعي لدفع الأكسوجين بالدم وإعطاء المنشطات والمسعفات اللازمة قد يمكن أحيانًا أن يعود القلب للعمل ويبدأ التنفس الذاتي في العمل من جديد ويعود الإنسان إلى وعيه هذا إذا كان سبب الوفاة الأصلي يسمح بذلك وبهذه الطريقة يمكن إنقاذ حياة بعض المرضى في هذه الفترة الحرجة التي يعتبر فيها الإنسان ميتًا بكل المقاييس الأكلينيكية الطبية ولكنه بالفعل لا يكون كذلك لأن مخه ومن ثم معظم أعضاء الجسم لازالت حية فنحن لا يمكننا أن نقول إننا نستطيع أن نعيد الحياة لإنسان قد مات بالفعل، ويمكننا أن نسمي هذه الفترة بفترة الاحتضار وأرى أنه يتحتم على كل طبيب يحضر هذه الفترة أن يحاول هذه المحاولة وإذا لم يفعل فهو نوع من إهمال العلاج.
تلف قشرة المخ:
وفي أحيان نادرة، عند محاولة إنعاش مريض في فترة الاحتضار قد يعود القلب والتنفس للعمل بعد فترة الدقائق الأربع بعدد من الثوان ولكن قشرة المخ الحساسة تكون قد تلفت جزئيًا أو كليًا، على حين تستمر أجزاء المخ الأخرى ومنها جذع المخ في العمل، وقد يحدث هذا التلف نفسه نتيجة هبوط شديد في ضغط الدم لفترة طويلة حتى بدون توقف القلب والتنفس وذلك لوصول الغذاء للمخ بكميات غير كافية في هذه الفترة، وأحيانًا يحدث ذلك نتيجة إصابة شديدة ولكن غير مميتة للمخ.
وينعكس تأثير ذلك على حالة المريض بدرجات متفاوتة حسب درجة التلف ما بين عته بسيط أو ضياع كامل للعقل أو فقدان كامل للوعي وهذه الحالات ليست لها علاج على الإطلاق فخلايا المخ التي تموت لا يمكن تعويضها.
وفي الحالة الأخيرة حيث يكون هناك فقد كامل للوعي يستمر هذا الإنسان في حياة يصفها البعض خطأ بالحياة النباتية والبعض الآخر بالحياة الخلوية وكلها تعبيرات غير دقيقة من الناحية العلمية وقد تكون وصف "حياة جسدية" هو الوصف الأدق ومن الناحية النظرية يمكن لإنسان من هذا النوع أن يعيش مدى حياة كامل على هذا الوضع ويعتمد ذلك على مستوى كفاءة التمريض، والرعاية الطبية وعلاج الأمراض العارضة والتي قد تصيبه نتيجة الرقاد الطويل.
وهذا المرض يحتاج إلى إطعام عن طريق أنبوب إلى المعدة بغذاء شبه سائل بنسب متوازنة وعناية مستمرة بالجلد وتقليب الجسد أو تغيير أوضاعه كل ساعتين تقريبًا لمنع قرح الفراش وكذلك العناية بتصريف البول والبراز، وإنسان من هذا النوع يتنفس ذاتيًا لأن جذع المخ سليم ولكن حياة مثل هذه لا تكون إلا داخل مستشفى وهي بالتأكيد كارثة اقتصادية، للتكلفة المادية الباهظة وانعدام الأمل في عودة المريض إلى وعيه، وقد رأيت بنفسي إحدى هذه الحالات استمرت حياتها لمدة خمسة عشر عامًا على هذا الوضع في إحدى المستشفيات الأوروبية وكان الاحتفاظ بهذا المريض من قبيل استعراض العناية التمريضية الفائقة ولعرضه على الزوار من الأطباء الأجانب، وعادة هذه الحالات تموت نتيجة قرح الفراش أو النزلات الرئوية العارضة ومن الأطباء من يتراخى عمدًا في علاج ما يطرأ عليه من الأمراض العارضة لتسهيل موت المريض من هذا النوع.
وفاة المخ (جذع المخ) :
كما أسلفنا فإنه في أغلب الأحيان تنتهي الحياة الإنسانية بتوقف القلب الذي يعقبه فورًا توقف التنفس وفقدان الوعي ثم تموت الأعضاء بدءًا بالمخ في الدقائق الأولى.. إلخ ولكن هناك حالات أخرى يموت فيها المخ أولًا، وأرجو ألا يستنتج البعض أن هناك أنواعًا مختلفة من الموت ولكن هناك بالفعل أسباب مختلفة له فمريض الكبد أو مريض القلب أو مريض الرئة أو مريض الكلى قد ينتهي به الأمر إلى الموت لأن عضوًا هامًا حيويًا قد تلف في جسمه ويؤدي ذلك إلى اختلال الوظائف الحيوية بهذا الجسم مما يؤدي في أغلب الأحيان إلى هبوط في الدورة الدموية وتوقف القلب عن العمل وبالتالي موت المخ، ولكن هذا لا يمنع أبدًا أن تلف المخ المباشر يؤدي أيضًا إلى وفاة الإنسان حتى لو كانت بقية الأعضاء الأخرى بما في ذلك القلب سليمة وذلك مثل ما يحدث في بعض إصابات الرأس الشديدة في حوادث الطرق أو السقوط من أماكن مرتفعة وكذلك في بعض الأمراض مثل نزيف المخ أو أورام المخ وفي هذه الأحوال يموت المخ بالكامل أو أساسًا جذع المخ وطبيعي تبدأ سلسلة الموت في هذه الحالة بفقد الوعي وتوقف التنفس، وانقطاع الأكسجين عن الدم، إن الدورة الدموية التي ما تزال تعمل ينقص فيها الأكسجين ويتراكم ثاني أكسيد الكربون وبالتدريج تموت بقية الأعضاء الأخرى ولكن هذا لا يعني أن تزويد الجسم بالأكسجين بواسطة أجهزة التنفس الصناعي أن المخ الذي مات قد يعود ثانية، كلا فكما أسلفنا فإن خلايا المخ التي تتلف لا يمكن تعويضها، ولكننا بهذه الطريقة، وأقصد باستعمال التنفس الصناعي، يمكننا المحافظة على أعضاء الجسم الأخرى (خلاف المخ) حية لفترة من الزمن تمتد من عدة ساعات إلى أسبوعين أو نحو ذلك، وهذه المدة لا تطول حتى مع استمرار إعطاء جميع المنشطات الممكنة، فيبدأ ضغط الدم بعد ذلك في الانخفاض وتباطؤ عمليات التمثيل الغذائي وتنخفض درجة حرارة الجسم وأخيرًا يتوقف القلب ويمكننا أن نصف هذه الفترة التي يمكن الاحتفاظ فيها ببعض أعضاء الميت حية بفترة الحياة العضوية (نسبة إلى الأعضاء المتبقية) .
ومن الأمثلة المعروفة عن الموت الفوري عملية الإعدام شنقًا وفيه تنخلع الفقرات العنقية العليا عن الرأس حيث يوجد جذع المخ وعلى الفور يموت جذع المخ ولاشك أنه كان من الفهم الخاطئ وفي وقت سابق، أن طبيب السجن كان يقوم بجس نبض المذنب ولا يأذن بإنزال جثته حتى يتوقف النبض والذي يستمر لعدة دقائق ولكن جذع المخ يكون قد تلف من اللحظة الأولى لعملية الشنق والتي يفقد فيها الوعي ويقف التنفس ولو أسعف هذا المذنب في خلال هذه الدقائق بجهاز تنفس صناعي لتكررت نفس الأحداث وطالت فترة الحياة العضوية لفترة من الزمن، أسبوع أو أكثر، ولكن هذا لا يعني أن الذي شنق قد استمر في الحياة لأن الذات الإنسانية تكون قد ذهبت بلا عودة، وأجهزة الاستقبال والتفاعل والإرسال التي تتعامل بها النفس الإنسانية مع البيئة قد تدمرت نهائيًا.
تلخيصًا لما سبق فإن موت الإنسان يكون عند وفاة جذع المخ سواء نتج ذلك عن توقف القلب أولًا لأكثر من دقائق معدودة تقطع الجلوكوز والأكسوجين بدرجة تسبب تلف المخ أو تكون وفاة جذع المخ والمخ عمومًا بإصابة موجهة إليه مباشرة ولا يهم موقف الأعضاء الأخرى فهي تبدأ في التحلل والتعفن مباشرة أو يمكن الاحتفاظ بحيويتها لفترة محددة باستعمال أجهزة الإنعاش الصناعية، والحقيقة التي نريد أن نؤكدها أن توقف القلب عن العمل لا يعني بالضرورة الوفاة (فترة الاحتضار) كما أن استمرار القلب في العمل بعد موت المخ لا يعني الحياة.
تشخيص وفاة المخ:
لقد اتفقت بعض دول العالم المتقدمة على وضع تعريف لموت المخ ووضع أسس لتشخيصه وذلك بناء على وجود علامات معينة يتفق على وجودها أكثر من أخصائي أخصائي في العلوم العصبية كل على حدة ويشترط ألا تربط أحدهما بالمريض أية معرفة سابقة وأن تمر فترة لا تقل عن ست ساعات بين فحص كل منهما للمريض ومن هذه العلامات:
1-
عدم استجابة المريض للتنبيه بالألم على أي صورة من الصور (مما يعبر عن الغيبوبة العميقة وفقد الحس والحركة) .
2-
فشل التنفس التلقائي نهائيًا ويختبر ذلك بفصل المريض عن جهاز التنفس الصناعي لمدة دقيقتين كاملتين وملاحظة أي محاولة ذاتية للتنفس.
3-
اتساع حدقتي العينين وعدم استجابتهما للضوء.
4-
اختفاء الموجات الكهربية الصادرة عن المخ في تخطيط المخ.
5-
هبوط الوظائف الحيوية للمخ وجذعه وهذه يمكن الكشف عليها بأجهزة قياس حديثة.
6-
توقف الدورة الدموية للمخ وهذه يمكن قياسها بطرق مباشرة أو غير مباشرة.
كل هذه الاختبارات أو حتى بعضها لا يدع أي مجال للشك فيما نحن بصدده ويكون التشخيص نهائيًا، ويستبعد من هذه الحالات تمامًا حالات الغيبوبة الناتجة عن التسمم أو التهابات المخ المختلفة.
وأما عن خبراتي الشخصية في هذا المجال فإننا في خلال السنوات العشر الأخيرة وحتى اليوم وبالرغم من تشخيص وفاة جذع المخ فإننا لا نرفع أجهزة التنفس الصناعي ولا نتوقف عن إعطاء كافة المسعفات حتى يتوقف القلب نهائيًا وذلك انتظارًا لكلمة الشرع في هذا المجال من ناحية، ولتوافر الأجهزة اللازمة وعدم وجود تكلفة مادية على أهل المرضى من ناحية أخرى، وعلى الرغم من ذلك ففي خلال هذه الفترة لم أشاهد أيًا من هذه الحالات قد تحسنت حالته أو استمر قلبه في الخفقان لفترة طويلة بعد هذا التشخيص، وإذا تصادف وأجريت الصفة التشريحية لمتوفي من هذا النوع عند توقف قلبه نجد أن المخ قد تحلل تمامًا وتحول إلى مادة سائلة داخل الجمجمة.
وهنا قد يثار تساؤل: إذا كان نقل الأعضاء ممكنًا فماذا عن نقل المخ لمن تلف مخه والرد على هذا التساؤل بديهي لأن القاعدة هي نقل العضو الحي، ولكن المخ الحي لا يكون إلا في إنسان حي ونقل المخ منه هو قتل له، ناهيك عن الاستحالة التكنيكية للعملية فإن ذلك يتطلب نقل المخ والنخاع الشوكي مع زوائد المخ وهي العينان والأنف وتوصيل عدد من الأعصاب يصل إلى ثمانين عصبًا وعدد من الشرايين والأوردة يصل إلى مثل هذا العدد في فترة زمنية لا تتعدى الأربع دقائق!
وإذا فرضنا جدلًا إمكانية حدوث ذلك فالأغلب أن الذي يتم هو نقل الجسم الذي توفي مخه إلى المخ الحي وليس العكس لأن المخ الحي يحمل معه صاحبه أي تصحبه ذاته أما الذات الإنسانية التي توفي مخها فقد انتهت من عالمنا وسبحان من له الدوام، ولنذكر قول الله تعالى في سورة الزمر آية 42:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} صدق الله العظيم.
فالموت إذن هو النهاية للحياة الإنسانية والنفس الإنسانية وليس بالضرورة لأعضاء وخلايا الجسم الأخرى والتي قد تعيش سنوات وسنوات بعد نقلها في أجساد أخرى وفي الآيات السابقة وصف الله النوم بالوفاة وهي درجة من درجات الحياة كما في حالات التخدير وهو ما أطلقنا عليه الحياة الجسدية.
وأرى أن أنتهز هذه الفرصة لأسجل هذه المسميات والتي قد تكون أقرب للناحية العملية والمنطق من المسميات الشائعة والخاطئة والواردة حتى في الكتب الطبية.
أولًا: الحياة الإنسانية اليقظة وهي التي تشمل على حس ووعي وحركة.
ثانيًا: الحياة الجسدية وهي حياة النوم، وقد رأيت ألا أطلق عليها "حياة الوفاة" لأن هذا الوصف قد يحدث منه لبس لشيوع المعنى العكسي للكلمة وهي على أي الأحوال حياة ليس بها حس ولا وعي ولا حركة، ويجب أن نعرف أن للنوم درجات، والدرجات السطحية منه يخالطها بعض اليقظة وبعض الحس والحركة من تقليب وخلافه وأما الدرجات العميقة فلا، ونفس الشيء يحدث في التخدير وفقد الوعي المؤقت مهما اختلفت أسبابه وفقد الوعي الدائم كتلف قشرة المخ الكامل.
ثالثًا: الحياة العضوية وهي ما تبقى من حياة في بعض أعضاء الجسم بعد وفاة الإنسان وهو ما زال تحت أجهزة الإنعاش ويكون جذع المخ قد تلف وما زال القلب يعمل وكلمة الحياة هنا لا تعود على الإنسان كفرد ولكن على ما تبقى من أعضائه حيًا كالقلب والكبد والكليتين.. إلخ ما عدا المخ، وهي فترة محدودة، وحدها الأقصى نحو أسبوعين وفي خلال هذه الفترة يكون كل شيء امتدادًا لما كان معتادًا قبل وفاة الإنسان من تغذية وهدم وبناء.
رابعًا: الحياة النسيجية وهي تصف مجموعة خلايا حية غالبًا ما تكون في مزرعة في مختبر ما.
خامسًا: الحياة الخلوية وهي عبارة عن خلية إنسانية واحدة.
وفي المعامل تؤخذ خلية أو أكثر في أطباق زجاجية وتحاط بسوائل معينة بغرض تغذيتها وذلك لأعمال الدراسة المعملية.
ولو تأملنا بداية الحياة الإنسانية لوجدنا أن هذه الدرجات أو المستويات المختلفة للحياة تتجمع تدريجيًا فتبدأ بخلية واحدة هي البويضة كالقلب ولم تنفخ الروح بعد فهنا تكون الحياة العضوية ثم تنفخ الروح في الجنين فتتتابع الحياة الجسدية مع الحياة الإنسانية اليقظة حسب نومه ويقظته.
في ضوء ما وصلنا إليه الآن لو عدنا مرة ثالثة للسؤال من هو الإنسان؟ فإن الإجابة تكون: الإنسان هو مخ حي يحمل نفسًا إنسانية، هذا المخ الحي تقوم على خدمته أجهزة كثيرة، بعضها لتغذيته وبعضها لتصريف فضلاته والبعض الآخر لحركته والتنقل به حيث يشاء، ومن خلال المخ تقوم النفس الإنسانية بالتحكم، والسيطرة على جميع أعضاء الجسم وأفعاله.
نعود بعد ذلك لبحث موضوع تحديد وقت وفاة المخ لما لذلك من أهمية شرعية كبيرة. وأرى أن هناك أكثر من طريقة ولكن أكثرها دقة وتحديدًا هي أن يوصل أي مريض مصاب بإصابة شديدة بالمخ بأجهزة تخطيط المخ أو أجهزة قياس عمل المخ. أو أجهزة فحص عمل جذع المخ وهذه كلها أجهزة دقيقة تقوم بتحديد المطلوب وعندما تعطي هذه المؤشرات ما يفيد وفاة المخ تتم عملية الفحص الإكلينيكي بغرفة طبيبين ذوي خبرة كما ذكر سالفًا.
والأهمية الكبرى لهذا التوقيت ليس فقط من الناحية الشرعية، ولكن أيضًا من ناحية قواعد علم نقل وزراعة الأعضاء والذي يتطلب الحصول على الأعضاء بعد الوفاة الإنسانية وأثناء الحياة العضوية للمتوفى وهي الطريقة الوحيدة علميًا البديلة لعملية تبرع الأحياء بأحد أعضائهم لذويهم وهذا التبرع الأخير لا يكون إلا في حالات محدودة (الأعضاء المزدوجة) كالكلى مثلًا وذلك علاوة على ما قد يتعرض له المتبرع من أخطار جراحية أو احتمال احتياجه مستقبلًا للعضو الذي تبرع به.
وفي النهاية إذا ما ثبت لنا ذهاب الحياة الإنسانية فعلى الشرع عندئذ أن يدلي برأيه آخذًا في الاعتبار مئات المرضى الذين يموتون كل يوم في عالمنا الإسلامي وقد تلفت أعضاؤهم من قلوب وأكباد وكلى والذين كان بالإمكان إنقاذ بعض منهم.
الموت والحياة بين الأطباء والفقهاء
للدكتور عصام الدين الشربيني
مستشار الأمراض الباطنية
م. الصباح الكويت
الطب علم سريع التطور والنمو، والطبيب في عمله يتعرض بالتالي لقضايا متجددة يحب أن يؤدي فيها واجبه، ويحب في أداءه هذا أن يسترشد بهدي دينه ويلتزم بحدود شريعته.
والدين رسالة الله في الناس، قد كملت يوم نزل قول الله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} .
فلا ينبغي أن تعرض للناس قضية لا يكون للشريعة حكم فيها بنص أو باجتهاد، سواء كان الحكم بالفرض أو المنع أو الإباحة.
ومع ذلك يبدو للطبيب في عمله، كما يبدو لغير الطبيب، أن هناك فجوة بين الأحكام الشرعية وبين القضايا المستحدثة في الممارسات الطبية.
ومرد ذلك في نظري إلى أمرين:
أولهما: المحاولات الجارية منذ أكثر من قرن بعزل الشريعة الإسلامية عن المجرى الرئيسي لحياة المسلمين، والتي بلغت ذروتها بعد سقوط الخلافة العثمانية وسيطرة دول غير إسلامية على بلاد المسلمين، وترتب على ذلك أن الطلب لم يعد مستمرًا ولا ملحًا لرأي الشريعة فيما يعرض من قضايا، وكذلك الاستجابة من الفقهاء لم تكن متصلة ولا شاملة ولا مسلمة، كما فقد عنصر التطبيق وما يقدمه من خبرة وإثراء.
ثانيهما: التفاوت الكبير في ثقافة الأطباء وتربيتهم الدينية.
ونستطيع أن نجملهم في طوائف ثلاث..
1-
طائفة بحكم إيمانها والتزامها وثقافتها، تحرص على تحري التوجيه الديني والحكم الشرعي، وتستطيع أن تصل إليه في أغلب الأحوال، وأحسبهم قلة نرجو أن تزيد.
2-
طائفة لا تستطيع ولا تهتم بتحري ذلك.
3-
طائفة يحرصون أو يغفلون عن تحري الحكم، ويصيبون أو يخطئون إن تحروا ذلك، معتمدين على أنفسهم أو مستعينين بسواهم ممن هم أكثر معرفة.
ولا شك أن جهود المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية هي محاولة لسد هذه الفجوة بمؤتمريها الأول والثاني، والندوات التي تعقدها لموضوعات محددة مثل ندوة الإنجاب، وندوتكم هذه، وهي جهود تستوجب الشكر والتقدير، وتحفز الهمم لمواصلة السعي وتكثيف الجهد.
وندوتنا هذه عن الحياة والموت، أو الحياة بدايتها ونهايتها، وهي كما فهمت ندوة حوار بالدرجة الأولى يطلع فيها الفقهاء على بعض ما يعرض للأطباء وما يعانون ويواجهون، ووجهة نظرهم في ذلك، ويطلع فيها الأطباء على بعض ما يبني عليه الفقهاء آراءهم، وما يستمدون منه أحكامهم، ويسمع بعضنا لبعض وهو ما لا غنى عنه لكلا التخصصين، استقصاءً لجوانب البحث وتقليبًا لأوجه الرأي واستجلاءً لمشاكل التطبيق.
وأحسب أن خير ما أشارك به من جهد هو أن أعرض على سيادتكم بعض ما يواجه الطبيب من قضايا، ومحاولتي كطبيب مسلم أن ألتمس الطريق الذي أسلكه إزاءها في ضوء التزامي المهني بالمحافظة على حياة المريض وتخفيف آلامه ما استطعت، واحترامي كذلك لنهاية هذه الحياة في مرحلتها الدنيوية وهي الموت.
ثم أسألكم فقهاء وأطباء جميعًا أن تروا فيه رأيكم وتقدموا نصحكم، لا رأيًا في نقطة بعينها وحسب ولكن توجيهًا للمنهج الذي يجدر أن يتبع.
اجتهاد أم نص:
وأقول ابتداء إنني حاولت فيما يتيسر لطبيب مسلم متوسط الثقافة أن أجد للموت تعريفًا محددًا للحياة أو للموت، فلم أصل إلى نص شرعي يحدد أيًا من الاثنين، الابتداء أو الانتهاء، فإن صح ذلك معناه أنها تركت للاجتهاد البشري والخبرة البشرية.
وقد أجد إشارات في أبواب كالإرث، مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم ((إذا استهل المولود يرث)) (رواه أبو داود) أو قوله:((لا يرث الصبي حتى يستهل)) (ابن ماجة)، جاء في الموسوعة الفقهية: وتعرف حياته بالاستهلال صارخًا، واختلف الفقهاء فيما سوى الاستهلال
…
ولأن الاستهلال لا يكون إلا من حي والحركة تكون من غير حي
…
الخ، وفي رواية عن أحمد إذا علمت حياته بصوت أو حركة أو رضاع أو غيره ورث. وثبتت له أحكام المستهل لأنه حي، وبهذا قال النووي والأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه (1)
…
(1) الموسوعة الفقهية الجزء الثالث فقرة 112 ص 66
وواضح أن هذا يستند إلى خبرة بشرية بجانبيها الفقهي والطبي، وأجد في باب الجنازة، (1) المسارعة في تجهيز الميت إذا تيقن موته، وإن اشتبه أمر الميت اعتبر بظهور أمارات الموت، وإن مات فجأة انتظر به حتى يتيقن موته" (معجم الفقه الحنبلي) .
فإذا رجعت إلى كتاب من كتب الفقه الحديثة وجدته يقول " لا بد من تحقق الموت بواسطة الأطباء وغيرهم من العارفين". (2)
ولست هنا أحاول إيجاد حكم فقهي، فتلك مهمة السادة الفقهاء، وكل ما أقوله هو توضيح ما يلمسه الطبيب من أن الحكم يعتمد على خبرة بشرية وهذه قابلة للتطور مع تطور المعرفة البشرية.
النقطة الثانية التي أحب توضيحها:
عملية الموت:
إن الموت ليس نقطة واحدة أو خطًّا رفيعًا، ولكنه عملية لها امتداد يطول أو يقصر، والناس من قديم يعرفون أن فلانا دخل مرحلة الموت أو بدأ عملية الموت أو في حالة احتضار، وتتحدث كتب السنة عما يسن "عند الاحتضار"، وربما كان اللفظ مأخوذًا مما في الكتاب الكريم {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ} (3) وقوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} (4) ولا شك أن الآيتين الكريمتين تشيران إلى مرحلة من الموت دون المرحلة التي لا تقبل عندها التوبة والتي تشير إليها الآية الكريمة {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ} (5)
وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لقنوا موتاكم لا إله إلا الله)) (6)(مسلم وغيره)(وفي حديث آخر إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)(7)(الترمذي) وهنا أيضًا مرحلتان مختلفتان.
والخبرة الطبية لا تختلف عن ذلك.
(1) معجم الفقه الحنبلي جـ 1 ص 193
(2)
فقه السنة (سيد سابق) ط، جـ 4 ص 53
(3)
سورة البقرة / 133
(4)
سورة البقرة / 180
(5)
سورة النساء/ 18
(6)
مختصر صحيح مسلم 453
(7)
رياض الصالحين للنووي باب التوبة
فالجسم مجموعة من الخلايا والأعضاء والأجهزة تقوم كل منها بوظيفتها، ولها متطلبات لأداء هذه الوظائف من غذاء أو طاقة أو وسط يحيط بها في توازن دقيق، ويعتمد كل منها في ذلك على الآخر، فإذا اختلت وظيفة عضو أثر ذلك على أداء الأعضاء الأخرى لوظائفها بدرجات متفاوتة كما في تشبيه الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤمنين بالجسد ((إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى)) (1)
…
والخلل إذا لم يتوقف تداعى إليه عضو بعد عضو حتى يحدث الموت.
ولنذكر بعض الأمثلة:
لا بد للأعضاء والخلايا من أكسجين، وهذه وظيفة الجهاز التنفسي فإذا امتنع ذلك لخنق أو غرق أو توقف إدخال الهواء إلى الرئتين لشلل في عضلات التنفس أو كسر في عظام القفص الصدري، أو غلبة غاز غير الأكسجين، أو مرض بالرئتين يمنع انتقال الأكسجين إلى الدم أو مادة كيميائية تمنع انتقال الأكسجين من الدم إلى الأنسجة، اختلت وظيفة الأعضاء وتداعى الخلل حتى يموت الإنسان، وتختلف الأعضاء في المدة التي تحتملها بغير أكسجين قبل أن تتلف تلفًا كاملًا.
وإذا عجز القلب عن القيام بوظيفة ضخ الدم إلى أعضاء الجسم حدث مثل ذلك، سواء كان العجز لسبب من خارج القلب يعوق عمله، أو لسبب في العضلة نفسها يجعل ضخها غير مُجْدٍ أو لاضطراب في نظام القلب الكهربي، مثل ارتجاف البطين الذي يجعل كل مجموعة من الألياف تنقبض مستقلة عن غيرها من الألياف فلا يكون هناك ضخ على الإطلاق، وتختلف الأعضاء كذلك في تحملها لهذا الخلل قبل أن تتلف، ومن المشهور بين الناس أن الضخ الفعال إذا لم يعد قبل مرور دقائق أربع فإن المخ يتلف تلفًا لا يمكن علاجه.
ومثل ذلك إذا أصيب الإنسان بنزف، ولم يصل للأعضاء حاجتها من الدم ولم يوقف النزف، ويعوض الدم المفقود في الوقت المناسب، أي قبل أن تتلف الأعضاء.
(1) مختصر صحيح مسلم 1774
وإذا عجزت الكليتان عن أداء وظيفتها وتعذر تخلص الجسم من المواد التي لا بد أن يتخلص منها، وتعذرت المحافظة على التوازن الحمضي القاعدي في سوائل الجسم، والتوازن الدقيق بين عناصر الأملاح التي تدخل في تركيبها وما يصحبها من شحنات كهربية، وكل هذا مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالوظائف البيولوجية العديدة التي تقوم بها الخلايا والأعضاء، أقول إذا حدث هذا اختلت وظائف الأعضاء وتداعى الخلل، حتى يموت الإنسان، إلا أن نقدم ما يوقف الخلل ويصححه في الوقت المناسب كالكلية الصناعية مثلًا
…
وربما لاحظتم في الأمثلة السابقة تكرار تعبير الوقت المناسب، وذلك أن الخلل الوظيفي إذا لم يعالج قبل فوات هذا الوقت استمرت الأعضاء في تداعيها إلى خلل إثر خلل وقصور إثر قصور إلى أن يتم الموت، حتى لو أمكن علاج وتصحيح الخلل الأول الذي بدأ سلسة التداعي هذه.
ومن أوضح الأمثلة على ذلك.. النزيف الدموي، فإنه إذا لم يسارع بوقفه قبل مرحلة معينة استمرت عملية الموت حتى لو أوقف النزيف بعد ذلك وعوض الدم المفقود.
ويختلف الوقت أو المدة التي نحن بصددها تبعًا لسرعة أو بطء حدوث الخلل الوظيفي، لأن الجسم يحاول تلقائيًا تصحيح أو تعويض الخلل بما خلق الله فيه، كما تختلف بطبيعة المرض أو قل بطبيعة العضو أو الجهاز الذي يكون قد أصابه الخلل قبل وصول العلاج إلى المريض. فالعضو الواحد يختلف عن غيره في مدة احتماله لهذا القصور أو ذلك قبل أن يتلف تلفًا غير قابل للإصلاح، وقد سبق أن المخ يحتمل توقف القلب أقل من أربع دقائق، فإذا عاد القلب لعمله بعد ذلك بقي المخ تالفًا، كما أن توقف التنفس يتبعه توقف القلب بعد أقل من ذلك وهكذا
…
موت الأعضاء وموت الإنسان:-
وفي ضوء ما سلف نستطيع أن نستوعب إعلان سيدني (1)"الذي صدر عن اتحاد الأطباء العالمي في جمعيته الثانية والعشرين في سيدني باستراليا سنة 1968م، وجاء فيه "أن الموت على مستوى الخلية (أو مستوى الأنسجة) عملية تدريجية، والأنسجة تختلف في تحملها لحرمانها من الأكسجين، وليس المهم تحديد موت الأعضاء المختلفة أو مجموعات الخلايا، وإنما المهم التأكد من أن عملية الموت قد وصلت إلى نقطة لا يمكن عندها وقفها مهما استعمل من وسائل العلاج والإنعاش. وأن وجود عضو أو مجموعة من الخلايا حية لا يغني بالضرورة أن الكائن ذاته حي".
وربما اتضح ذلك أكثر إذا تذكرنا أن القلب يستمر في الضرب بعد أن يشنق صاحبه، وقد جرت عادة المنفذين أن يسجلوا المدة التي استمر فيها النبض بعد التنفيذ، وما نشاهده الآن من نقل كلية من أمريكا أو أوروبا بالطائرة لتزرع في مريض في الكويت مثلًا، وهي كلية حية لمريض مات ودفن قبل أن تزرع، وما نعرفه من إمكان استزراع خلايا بشرية مرة بعد مرة في المختبر بعد فصلها عن صاحبها.
ويبذل أهل الاختصاص جهودًا متنامية للإبقاء على حياة هذه الأعضاء أو تلك الخلايا أطول مدة ممكنة بحفظها مثلًا في درجة حرارة معينة، وقد تصل إلى التجميد، أو بإبقائها في سائل ذي خواص معينة جار أو غير جار، يمر أو لا يمر خلاله الأكسجين.
كيف يحدد الموت:-
وهنا لا بد أن تنشأ قضايا أو أسئلة، هي ما نحاول في ندوتنا هذه أن نجيب على بعضها.
أولها كيف يحدد الموت؟ حتى يترتب على هذا التحديد ما يترتب من قضايا فقهية وقانونية لا غنى للناس عنها.
وهذا سؤال قديم لم يزل الناس على مر العصور يجتهدون في تحري الدقة في الإجابة عليه، وفي اتباع إجراءات تتيح الرصة لبعض التصحيح إن كان القرار خاطئًا، أو للتثبت إن كان الشك قائمًا. (2)
وقد نذكر من بعض الوثائق صورة الراهب الذي يمر بشمعة مضاءة أمام وجه الميت حتى يتأكد أن التنفس قد توقف، ونذكر تعليمات المستشفيات منذ كنا طلبة للطب أن يسجل الطبيب في أوراق المريض الذي شهد وفاته ما قام به من محاولات لإسعافه أو إنعاشه ثم يكتب: ينقل إلى غرفة الموتى بعد ساعتين.
ومنذ ظهرت السماعة الطبية تركز الانتباه على دقات القلب كعلامة مؤكدة على استمرار الحياة تتوقف بتوقفها.
(1) BMJ 1968، 3، 493 - 494
(2)
Jennet، B 1981 B. J. Anaesth، 53، 1112
ولا يزال العديد من الموتى تحدد وفاتهم بهذه العلامات التقليدية، أي توقف القلب والتنفس كمن يموت في منزله أو في المستشفى نتيجة تطورات مرضية معروف انتهاؤها بالموت، أو كمن يموت لأي سبب وفي أي مكان قبل أن تتاح الفرصة لإسعافه بوسائل العلاج الحديثة، ولا توجد عادة صعوبة في تحديد الموت في مثل هذه الأحوال فإن مرور دقائق بعد توقف القلب والتنفس يحل المشكلة، ويحيل الشك إلى يقين.
موت جذع الدماغ:-
إلا أن الصورة تغيرت بعض الشيء بتطور المعرفة البشرية في مجال الطب والعلوم المساعدة له، ومن أهم هذه التطورات إمكان استمرار التنفس إذا عجز أو توقف بواسطة أجهزة صناعية، حتى فيمن يصاب إصابة قاتلة، فإذا أصيب شخص في رأسه ودماغه أمكن استمرار التنفس الصناعي، وفي هذه الحالة يستمر القلب في النبض أيامًا بعد أن يكون الدماغ قد توقف، بل بعد أن يكون قد بدأ في التحلل.
ومن هنا بدأت تظهر فكرة تحديد الموت بواسطة العلامات الدالة على موت الدماغ ونعني بالتحديد موت جذع الدماغ. (Brain – stem death) .
وقد أتيحت الفرصة لاستعمال هذه الأجهزة على نطاق واسع على جرحى الحرب الكورية (1950- 1953) ثم على المصابين في وباء شلل الأطفال في الدانمارك 1952م وفي أمريكا 1953 (إذ إن الشلل يصيب أيضًا عضلات التنفس) ، ثم بدأت تنتشر وحدات العناية المركزة التي تتوفر فيها هذه الأجهزة، ثم استعملت بصورة واسعة لعلاج إصابات الرأس (في إنجلترا)
…
وهكذا.
وتزايدت الخبرة المتجمعة، وتوافرت المعلومات الدقيقة، وبدأت تظهر دراسات محددة تحاول تحديد علامات واضحة يمكن عند توافرها الاطمئنان إلى تشخيص "موت الدماغ"، ونشرت دراسة فرنسية 1959م ثم العلامات التي حددتها جامعة هارفارد 1968م بعد دراسة قامت بها لجنة من الأطباء والمحامين ورجال الدين، ثم إعلان سيدني 1968 الذي سلفت الإشارة إليه، ثم دراسة جامعة مينيسوتا
…
الخ، (1) كما أخذت السلطات الطبية في بلد إثر بلد تصدر تعليمات محددة يعتمد عليها الأطباء في تشخيص موت الدماغ.
وحسبنا هنا الإشارة إلى الإعلان الصادر 1976 عن المؤتمر المشترك للكليات الملكية للأطباء في المملكة المتحدة (2) فهو يعتبر تلخيصًا وتنقيحًا ومراجعة للدراسات التي سبقته، وقد أصبح بعد عام من صدوره تعليمات قائمة من السلطات الصحية في المملكة المتحدة للأطباء العاملين بها، وهي تحدد شروطًا لا بد من توافرها لتشخيص موت الدماغ منها على سبيل المثال:
1-
أن يكون المريض في حالة غيبوبة عميقة، وأن نستبعد الغيبوبة القابلة للعلاج كليًا أو جزئيًا مثل العقاقير المهدئة أو المنومة أو الانخفاض الشديد في حرارة الجسم
…
الخ.
2-
أن يكون المريض معتمدا على أجهزة التنفس الصناعي، لانعدام التنفس التلقائي.
3-
ألا يكون هناك شك في وجود تلف في الدماغ غير قابل للعلاج (مثل إصابة بالرأس، أو نزيف تلقائي بالدماغ، أو بعد عملية جراحية في المخ
…
الخ) .
4-
أن يثبت الفحص السريري علامات موت جذع الدماغ كاتساع إنسان العينين اتساعًا ثابتًا لا يتأثر بالضوء، وانعدام التأثر الانعكاسي في منطقة الأعصاب القحفية وهكذا.
5-
انعدام الاستجابة لمحاولات تنبيه التنفس التلقائي.....
وليس هنا مجال استقصاء هذه الشروط والعلامات، ويسهل التماس ذلك في مظانه، وإنما أحببت أن أبين أنها علامات محددة اتضحت وتجمعت وتأكدت بعد دراسات ومراجعات امتدت على طول سنوات عديدة، وأصبح من الثابت أنه متى حدث موت جذع الدماغ، فإن الأعضاء الأخرى ستتوقف عن العمل عضوًا إثر عضو مهما استمرت أجهزة التنفس الصناعي وغيرها من الأجهزة في العمل.
أما إذا أوقفت الأجهزة فإن القلب يتوقف بعدها مباشرة.
(وأنبه إلى أن جذع الدماغ قد يكون حيًّا في مرضى مصابين بغيبوبة أو بمرض يمنع الكلام ويمنع الحركة أو يمنع الإدراك أو يمنع الاستجابة لمحاولة الاتصال به إلخ، وهذه لا تندرج تحت تعبير موت جذع الدماغ بشروطه المحددة) .
(1) Julius Korein، 1980، Anaesthesia & Neurosurgery، 289 - Molby Co، Ed. James E. Gothell
(2)
B. M. J. 1976، 2. 1187 - 1188
مراجعة وتمحيص:-
والأطباء مثلهم مثل الفقهاء لا يسلمون بالجديد، على كثرة البحوث واستمرارها، حتى يقتلوه بحثًا وتمحيصًا، وذلك ما اتبعوه مع قضيتنا هذه أي اعتبار موت جذع الدماغ موتا للمريض، ولما كان قرار تشخصي الموت يتبعه إيقاف الأجهزة الصناعية ووقف التنفس يتبعه توقف القلب، فقد كان من الضروري تمحيص هذه القضية بصورة أخرى.
فأجريت دراسة استقصائية للحالات التي تم فيها تشخيص موت الدماغ، ولكن الأجهزة لم توقف لسب من الأسباب وقد زادت على سبعمائة حالة وقد ماتت الحالات جميعًا رغم استمرار الأجهزة، هذا وقد توقف القلب فيها جميعًا. بعد ساعات أو أيام من موت الدماغ، وكان متوسط المدة ثلاثة أيام ونصف يوم إلى أربعة أيام ونصف يوم وأقصى مدة سجلت لاستمرار القلب في الدق هي أربعة عشر يومًا. (1)
ثم أجريت دراسة أخرى من الزاوية المقابلة على أكثر من ألف حالة أدخلوا إلى المستشفيات في حالة غيبوبة عميقة إثر إصابة بالغة بالرأس وتمت معالجتهم، وكانوا جميعًا أحياء وقت إجراء الدراسة، أي بعد ثلاثة أشهر من إصابتهم، وقد روجعت البيانات المسجلة لكل منهم، وذلك للإجابة على سؤال واحد محدد "هل كان يمكن أن يشخص موت الدماغ في إحدى هذه الحالات"؟
فلم يجد الدارسون حالة واحدة من بين هذه الحالات استوفت شروط هذا التشخيص، حتى في أسوأ مراحل الإصابة. (2)
وبتعبير آخر فإن الحالات السبعمائة التي تم فيها تشخيص موت الدماغ لم يعش أحد منها على الرغم من استمرار الأجهزة الصناعية في عملها.
والحالات الألف التي عاشت لم يكن من الممكن أن يشخص في إحداها موت الدماغ.
متى توقف الأجهزة:-
وبهذا يطمئن الطبيب عندما يشخص موت الدماغ إلى اتخاذ قرار بوقف الأجهزة، وهو هنا لا يوقف علاجًا ليسلم المريض إلى الموت، وإنما يوقف إجراءات لا طائل من ورائها في شخص قد مات بالفعل. (3)
وقد أوضح بعض الباحثين أننا لسنا بصدد مفهومين للموت: أحدهما توقف الدماغ والآخر: توقف القلب والتنفس، بل هما مجموعتان من الأدلة والظواهر تنتهيان إلى نهاية واحدة هي محل الاعتبار، وهي موت الدماغ في كل الأحوال، إذ إن ذلك هو ما يحدث أيضًا عند التوقف النهائي للقلب والتنفس خلال دقائق إن لم تكن ثوان. (4)
(1)(Julius Korein 1980 Anaesthesia & Neurosurgery) Jinnet B، 1981 BJ. Anaesth.، 53، 1112
(2)
Jennet B et aL 1981 BMJ، 282، 533- 39
(3)
Jennet B 1981 Anaesth. 33، 1113
(4)
Julius Korein 1980 Anaesthesia & NeuroSurgery
ولعل ما أسلفت يكفي للإجابة على السؤال الثاني من الأسئلة المطروحة وهو متى يوقف الطبيب أجهزة الإنعاش؟
وكما أن المهنة الطبية لم تستقر على قبول موت جذع الدماغ كموت للإنسان إلا بعد معاناة ومخاض فكري ودراسي وتمحيصي، فكذلك الطبيب الذي يتخذ القرار وينفذه لا يأتي ذلك بسهولة أو دون روية أو دون معاناة نفسية.
فالعاطفة الإنسانية غلابة بالرغم من الاقتناع العقلي وخاصة إذا كان القرار يصدر من الطبيب الذي يتولى العلاج المباشر للمريض، وقد شهدت أكثر من مرة أطباء لا جدال في طول خبرتهم وعلو كفاءتهم، وكأنهم لا يستطيعون أن يتوقفوا عن محاولات الإنعاش، بل يقاومون وقفها بالرغم من ثبوت الموت حتى يفيئوا بعد جهد إلى تذكير زملائهم وإلحاحهم.
زراعة الأعضاء:
وينشأ بعد ذلك السؤال الثالث وهو عن زراعة الأعضاء.
وقد صدرت فتاوى تبيح نقل عضو من حي تبرع به لسواه بشروط.
من أهمها ضرورة ذلك للمستفيد وعدم هلاك المتبرع، وسؤالنا هنا عن جواز أخذ أعضاء من الموتى لزراعتها في الأحياء.
ونقول ابتداء: إنه لا يوجد طبيب صحيح العقل فضلًا عن طبيب مسلم يفكر في الإجهاز على مريض محتضر لنقل عضو من أعضائه إلى مرض آخر يوشك أن يموت، فللطبيب التزامه المهني بالمحافظة على الحياة الإنسانية ابتداء من لحظة الحمل حتى تحقق الموت، والمسلم يعرف قوله تعالى {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (1) ويستشعر حرمة الحياة الإنسانية في قوله تعالى {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} (2) ويحذوه في عمله الطبي قوله تعالى في نفس الآية {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (3) وإحياء النفس بإنقاذها من هلكة يندرج تحته كل أنواع العلاج بما فيها زراعة الأعضاء.
وإذا كانت الفتاوى قد أجازت للحي أن يتبرع بعضو من أعضائه أثناء حياته فما يمنع أن يوصي – بالانتفاع - بهذا العضو بعد وفاته؟ وإذا لم يوص هل يجوز ذلك من وليه؟ وهل يجوز أن يحل الحاكم أو المجتمع أو القانون مكان الولي إذا لم يكن الميت قد أوصى بالتبرع أو بعدم التبرع؟
بعض الدول سنت قانونًا يبيح أخذ الأعضاء من الميت ما لم يكن قد أوصى بغير ذلك، وبعضها يمنع أخذ الأعضاء ما لم يكن الميت قد أوصى بالتبرع، وبعضها يشترط فوق ذلك موافقة الولي على إنفاذ الوصية.
أين نحن كمسلمين من هذا الخضم؟ هذا ما ننتظر جوابه من الندوة الموقرة.
(1) سورة آل عمران/ 145
(2)
سورة المائدة/ 32
(3)
سورة المائدة/ 32
احتياط واستبراء:
وسأكتفي هنا بذكر الاحتياطات التي تتخذها المهنة الطبية حتى تتأكد من صحة القرار الصادر بأن المريض قد مات قبل أن يؤخذ أي عضو من أعضائه ومن ذلك: (1)
1-
وجود تعليمات واضحة بشروط محددة يجب توافرها لتشخيص الموت وقد سبق توضيح ذلك.
2-
اشتراك أكثر من طبيب ذي خبرة كافية في قرار تشخيص الموت.
3-
في الحالات التي ينتظر أخذ أعضاء منها لا يكون أحد من الأطباء المشار إليهم في الفقرة السابقة مرتبطًا بالفريق الطبي الذي ينتظر الأعضاء لزراعتها.
4-
أن تكون الشروط والإجراءات واحدة سواء كان الميت ستؤخذ منه أعضاء أو لا تؤخذ.
"وليس صحيحًا أن الأطباء قد يستعجلون وقف الأجهزة، بهدف أخذ أعضاء للزراعة وهي في حالة أفضل، بل العكس هو الذي قد يحدث، بمعنى أن المريض عندما يتأكد موته قد يؤجل وقف الأجهزة حتى يتاح لوليه أن يفكر في روية ويقرر في غير عجلة الموافقة على أخذ أعضاء إن شاء..".
الخلاصة:
وتلخيصًا لما سبق أقول: إننا تحدثنا عن تحديد الموت في غيبة النص الشرعي باجتهاد بشري (بشقيه الفقهي والطبي) وأن الموت عملية لها امتداد يطول أو يقصر، وأن حياة عضو أو مجموعة من الخلايا لا تعني بالضرورة حياة الإنسان نفسه، وأن تحديد الموت يتم عند توقف القلب والتنفس، أو عند توقف جذع الدماغ في الحالات التي يستمر فيها التنفس بوسائل صناعية، وأن موت الدماغ له شروط وعلامات محددة استقرت المهنة الطبية عليها بعد سنوات من الدراسة والتمحيص، ويترتب على هذا التشخيص وقف الأجهزة، ثم تعرضت لجواز أخذ أعضاء من الميت وتساءلت عن موقفنا من بعض القوانين التي تنظم أخذ أعضاء الموتى في دول مختلفة.
ماذا عن الأحكام التي تترتب على الموت؟
وأضيف جوابًا على سؤال بعض الزملاء أننا هنا لم نتعرض لشيء من الأحكام الفقهية التي تترتب على الموت كإرث أو وصية أو قصاص.. فهي أحكام تترتب على الموت، والذين نتحدث عنه هو الموت كيف نحدده؟ ومتى صدر هذا القرار فالأحكام هي هي لم تتغير.
وأحسب الوقت المتاح لي لا يتسع للحديث عن حياة الجنين والمولود، وحسبي أن أحيل إلى مداولات ندوة الإنجاب، وإلى مداولات اللجنة التي شكلها ورأسها معالي وزير صحة الكويت ورئيس المنظمة، والتي كان لي شرف عضويتها، وقد أعدت المواد الخاصة بالإجهاض من قانون مزاولة المهن الطبية الذي أقره مجلس الأمة الكويتي موافقة لجنة الفتوى عليه.
وأشكر للسادة الذين نظموا هذه الندوة إتاحتهم الفرصة لي كي أتشرف بالحديث إليكم وأشكركم جميعًا على استماعكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
(1) Jennet B، 1981 Anaesth، 53، 117 (BMJ 1976، 2، 1188)