الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم الإحرام من جدة للواردين إليها من غيرها
القرار الثاني لمجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة
القرار الثاني
حكم الإحرام من جدة للواردين إليها من غيرها
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وسيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد ناقش في جلسته الثالثة صباح يوم الخميس الموافق 10/4/1402 هـ. والمصادف 4/2/1982 م موضوع "حكم الإحرام من جدة وما يتعرض إليه الكثير من الوافدين إلى مكة المكرمة للحج والعمرة عن طريق الجو والبحر" لجهلهم عن محاذاة المواقيت التي وقتها النبي صلى الله عليه وسلم، وأوجب الإحرام منها على أهلها ومن مر عليها من غيرهم ممن يريد الحج أو العمرة.
وبعد التدارس واستعراض النصوص الشرعية الواردة في ذلك قرر المجلس ما يأتي:
أولاً: إن المواقيت التي وقتها النبي صلى الله عليه وسلم وأوجب الإحرام منها على أهلها وعلى من مر عليها من غيرهم ممن يريد الحج والعمرة، وهي: ذو الحليفة لأهل المدينة ومن مر عليهم من غيرهم وتسمى حاليًا (أبيار علي) ، والجحفة وهي لأهل الشام ومصر والمغرب ومن مر عليها من غيرهم وتسمى حاليًا (رابغ) ، وقرن المنازل وهي لأهل نجد ومن مر عليها من غيرهم وتسمى حاليًا (وادي محرم) وتسمى أيضًا (السيل) ، وذات عرق لأهل العراق وخراسان ومن مر عليها من غيرهم وتسمى (الضريبة) ، ويلملم لأهل اليمن ومن مر عليها من غيرهم.
وقرر أن الواجب عليهم أن يحرموا إذا حاذوا أقرب ميقات إليهم من هذه المواقيت الخمسة جوًا أو بحرًا، فإن اشتبه عليهم ذلك ولم يجدوا معهم من يرشدهم إلى المحاذاة وجب عليهم أن يحتاطوا وأن يحرموا قبل ذلك بوقت يعتقدون أو يغلب على ظنهم أنهم أحرموا قبل المحاذاة؛ لأن الإحرام قبل الميقات جائز مع الكراهة ومنعقد، ومع التحرى والاحتياط خوفًا من تجاوز الميقات بغير إحرام فتزول الكراهة؛ لأنه لا كراهة في أداء الواجب، وقد نص أهل العلم في جميع المذاهب الأربعة على ما ذكرنا، واحتجوا على ذلك بالأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في توقيت المواقيت للحجاج والعمار، واحتجوا أيضًا بما ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قال له أهل العراق: إن قرنا جور عن طريقنا.
قال لهم رضي الله عنه: انظروا حذوها من طريقكم. قالوا: ولأن الله سبحانه أوجب على عباده أن يتقوه ما استطاعوا، وهذا هو المستطاع في حق من لم يمر على نفس الميقات، إذا علم هذا فليس للحجاج والعمار الوافدين من طريق الجو والبحر ولا غيرهم أن يؤخروا الإحرام إلى وصولهم إلى جدة؛ لأن جدة ليست من المواقيت التي وقتها رسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا من لم يحمل معه ملابس الإحرام، فإنه ليس له أن يؤخر إحرامه إلى جدة، بل الواجب عليه أن يحرم في السراويل إذا كان ليس معه إزار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:((من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزارا فليلبس السراويل. وعليه كشف رأسه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: عما يلبس المحرم؟ قال: لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا الخفاف إلا لمن لم يجد النعلين)) . الحديث متفق عليه.
فلا يجوز أن يكون على رأس المحرم عمامة ولا قلنسوة ولا غيرهما مما يلبس على الرأس. وإذا كان لديه عمامة ساترة يمكنه أن يجعلها إزارا يتزر بها، ولم يجز له لبس السراويل، فإذا وصل إلى جدة وجب عليه أن يخلع السراويل ويستبدلها بإزار إذا قدر على ذلك، فإن لم يكن عليه سراويل وليس لديه عمامة تصلح أن تكون إزارا حين محاذاته للميقات في الطائرة أو الباخرة أو السفينة؛ جاز له أن يحرم في قميصه الذي عليه مع كشف رأسه، فإذا وصل إلى جدة اشترى إزارا وخلع القميص وعليه عن لبسه القميص كفارة، وهي إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من تمر أو أرز أو غيرهما من قوت البلد، أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة، هو مخير بين هذه الثلاثة كما خيّر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن عجرة لما أذن له في حلق رأسه وهو محرم للمرض الذي أصابه.
ثانيًا: يكلف المجلس الأمانة العامة للرابطة بالكتابة إلى شركات الطيران والبواخر بتنبيه الركاب قبل القرب من الميقات بأنهم سيمرون على الميقات قبل مسافة ممكنة.
ثالثًا: خالف عضو مجلس المجمع الفقهي الإسلامي معال الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء في ذلك، كما خالف فضيلة الشيخ أبو بكر محمود جومي عضو المجلس بالنسبة للقادمين من سواكن إلى جدة فقط، وعلى هذا جرى التوقيع والله ولي التوفيق.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
(توقيع)
محمد علي الحركان (1)
نائب الرئيس - (اعتذر لمرضه)
رئيس مجلس المجمع الفقهى
عبد الله بن حميد
- الأعضاء
-
(توقيع)
عبد العزيز بن عبد الله بن باز - (تخلف عن الحضور)
مبروك العوادي
(توقيع)
محمد بن عبد الله بن السبيل - (حضر بعض الجلسات واعتذر)
عبد القدوس الهاشمي
(1)
مع التحفظ في وجوب الفدية على لبس القميص في هذه الحالة، حيث أنه مضطر لعدم وجود ملابس الإحرام حين عقده وخلعه حين وجود الملابس لما ذكره في الفروع، حيث قال: فإن احرم في قميص ونحوه خلعه ولم يشقه ولا فدية؛ لأن يعلى بن أمية أحرم في جبة فأمره النبي بخلعها. متفق عليه. ولأبي داود: فخلعها من رأسه ولم يأمره بشق ولا فدية. اهـ.
(توقيع)
مصطفى أحمد الزرقاء (توقيع)
أبو بكر محمود جومي
(تخلف عن الحضور)
أبو الحسن على الحسنى الندوي (تخلف عن الحضور)
محمود شتيت خطاب
(توقيع)
محمد رشيد قباني (توقيع)
محمد محمود الصواف
(توقيع)
صالح بن عثيمين (توقيع)
محمد رشيدي
(توقيع)
محمد الشاذلي النيفر (تخلف عن الحضور)
حسنين محمد مخلوف
- (توقيع)
محمد سالم عدود
(مقرر المجمع الفقهي الإسلامي)
محمد عبد الرحيم الخالد نائب الرئيس
محمد علي الحركان
المناقشة
الإحرام للقادم للحج والعمرة بالطائرة والباخرة
11 صفر 1407 هـ/14 أكتوبر 1986م
الجلسة المسائية الثانية بعد المغرب
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.
الموضوع الذي أمامنا هو الإحرام للقادم للحج والعمرة بالطائرة والباخرة. هل يكون ميقاته من جدة أو يكون من المواقيت أو إذا حاذى المواقيت سواء كان جوًا أو بحرًا. وهذه المسألة هي كذلك من المسائل التي طرحت في مجمع الفقه الإسلامي بمكة، ولها تاريخ طويل، وأعد فيها هنا عدة بحوث، ونرجو من فضيلة الشيخ مصطفى الزرقاء أن يتفضل بعرض موجز عن هذه القضية وشكرًا.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
بسم الله الرحمن الرحيم.
إخواني الكرام، استهللت أنا بحثي ببيان حكمة الله تعالى والإسلام في الإحرام وكونه قبل الوصول إلى البيت العتيق، هذه الحكمة استعرضتها بشيء بسيط، يعني بكلام لطيف، وبينت أن هذه فيها تعظيمًا للبيت قبل الوصول إليه، وفيها التهيؤ لهذا التجرد الذي أوجبه الإسلام على الإنسان في ملابسه ورفاهيته وما إلى ذلك حتى يمثل يوم الحشر كيف يلقى ربه لكي يقبل متجردًا عن هذه الدنيا هو رمز للتجرد عن هذه الدنيا.
وكما هو معلوم أشرت إلى هذا إشارة عابرة، ثم بينت أن كلامي في هذا الموضوع سوف يحدد بأني سأقتصر فقط لا غير على بيان حكم الإحرام وميقاته للقادم جوًا بالطائرة، دون الوسائط الأخرى البرية ودون التكلم عن بقية أحكام الإحرام؛ لأن هذه ليست محل بحث، ورأيت أن كثيرين لما يبحثون عن موضوعنا الأساسي وهو القادم بالطائرة يتعرضون لأحكام الإحرام بوجه عام، مما هو ليس محل بحث، وإنما هو إطالة فقط بدون جدوى، بعد ذلك بينت قلت:
مما لا خلاف فيه بين أئمة السلف من محدثين وفقهاء أن المواقيت المكانية للإحرام قد حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم للقادمين من جهات أربع كما يلي:
ذو الحليفة لأهل المدينة من أرد منهم الحج أو العمرة، الجحفة لأهل الشام، قرن المنازل لأهل نجد من الشرق، يلملم لأهل اليمن.
وأعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حددها أن هذه الحدود هي مواقيت لأهل تلك الجهات ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة، ومن كان دون ذلك، أي من كان مقامه في موضع يقع بين أحد هذه المواقيت وبين مكة، فإنه يحرم في مقامه ذلك، حتى إن أهل مكة يهلون من مكة. أخرجه البخاري في باب مهل أهل مكة عن ابن عباس إلى آخر مما هو مدون، ومسلم والنسائي يعني أهل السنن.
واضح، قلت: أن حديث المواقيت هذا لا يشمل بالنص إلا أهل تلك المواقيت ومن مر بها فقط، فليس فيه شيء عمن لا يمر فعلاً بأحدها، ولكنه حاذى من قريب بعض تلك المواقيت، فإلحاق المحاذاة بالمرور إنما تقرر بالاجتهاد.
فقد روى أئمة الحديث أن عمر رضي الله عنه هو الذي حدد ذات عرق ميقاتًا لأهل العراق لمحاذاتها قرن المنازل اجتهادًا منه، وذلك بعد فتح العراق، فقد روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما فتح هذان المصران الكوفة والبصرة أتوا عمر بن الخطاب فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرنًا، وإنه جور عن طريقنا – أي مائل – وإن أردنا أن نأتي قرنًا شق علينا. قال: فانظروا حذوها من طريقكم. قال: فحد لهم ذات عرق. وروى الإمام الشافعي رضي الله عنه في الأم عن ابن جريح عن ابن طاوس عن أبيه قال: لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات عرق، ولم يكن حينئذ أهل مشرق، فوقت للناس ذات عرق.
وروى الشافعي أيضًا مثل ذلك عن أبي الشعثاء في الأم وهذا الإحالة عليه. وهناك من الأئمة من يرى أن تحديد ذات عرق مهلا لأهل المشرق وارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس اجتهادًا من عمر؛ ولكن بينت أن أهل الحديث يضعفون هذه الرواية، ولم يثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد ذات عرق.
يتضح مما تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحدد مواقيت مكانية إلا للقادمين برًا، وأؤكد على كلمة "برًا"، من أطراف شبه الجزيرة العربية الثلاثة، وهي الشمال والشرق والجنوب فقط؛ لأن هذه الجهات الثلاث هي التي يمكن إذ ذاك - وأقول: إذ ذاك وأؤكد عليها أيضًا - أن يأتي منها المسلمون حجاجًا أو معتمرين. وقد حدد للقادمين من الشمال ميقاتين: واحدًا لأهل المدينة ذا الحليفة، وآخر لأهل الشام الجحفة؛ لأن الشام كان فيه لأهل الحجاز رحلة الصيف التجارية، فقد يعودون من الشام قاصدين حجًا أو عمرة.
فهؤلاء عندئذ إما أن يأتوا من طريق يثرب فيتبعون ميقات أهلها، وإما أن يأتوا من طريق أخرى لا تمر بيثرب، فجعل الجحفة عندئذ ميقاتًا لهم، وهي قريب من مكة.
أما جهة الغرب فلم يحدد الرسول صلى الله عليه وسلم لها ميقاتًا مكانيًا؛ لأن الجهة الغربية بحر وفي الغرب منه أفريقية التي لم يصل إليها الإسلام إذ ذاك، ولا يعلم ما سيكون من أمرها إلا الله. وقد حد الفقهاء فيما بعد لأهل مصر والمغرب إذا جاءوا بطريق البحر ميقات أهل الشام وهو الجحفة؛ لأنه طريقهم الطبيعي إذ ذاك قبل شق قناة السويس في عصرنا هذا.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم – كما هو معروف – لا يرغب أن يقرر أحكامًا مسبقة لأمور غير واقعية، حتى إنه لم يكن يرغب أن يسأل عما سكت عنه، بل كان يترك ذلك للاجتهاد في ضوء سنته الشريفة ومقاصد الشريعة المستفادة من كتاب الله تعالى الحكيم، وخاصة منها دفع الحرج، كما نَوّه به القرآن العظيم. ومعروفة قصة الصحابي الذي سأل عن الحج حين أوجبه الله على من استطاع إليه سبيلاً: أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال له: ((لو قلت: نعم، لوجب عليكم، ولما استطعتم)) . وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح أحاديثه: ((إن الله حد حدودًا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم فلا تسألوا عنها)) أي لا تسألوا عنها قبل وقوعها، فإذا وقعت فاجتهدوا برأيكم وعلمكم، أو اسألوا عندئذ أهل الذكر والعلم، أي بعد وقوعها، وليس المراد عدم السؤال عنها أبدًا، إذ لو وقعت في مستقبل الزمن واحتيج إلى معرفة حكم الشرع فيها لا بد حينئذ من السؤال عنها والبحث فيها لمعرفة ما يجب بشأنها في ضوء أدلة الشريعة.
ففي ضوء ما تقدم يتبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدد أيضًا ميقاتًا بحريًا؛ لأن المجيء للحج والعمرة إذ ذاك في حياة الرسول عليه السلام لم يكن بالسفن من جهة البحر الأحمر – بحر القلزم – فيبقى حكمه في المستقبل للاجتهاد أيضًا، إذا قَدّر الله للإسلام أن يمتد غربًا إلى أفريقية، كما حصل فيما بعد، والحمد لله.
هذا، وقد قرر الفقهاء أن من لم يمر بأحد هذه المواقيت، بل سلك طريقًا بين ميقاتين، فإنه يتحرى ما يحاذي أحدهما من طريقه بغلبة الظن فيحرم منه، فإن لم يتبين له قال الحنفية: يهل عندئذ بالإحرام على بعد مرحلتين من مكة؛ لأن هذه المسافة هي مسافة أدنى تلك المواقيت إلى مكة.
هذا ما ذكره في الدر المختار الطبعة البولاقية مبين صفحاتها، والمقنع من كتب الحنابلة، والمغني مع الشرح الكبير، والإنصاف للمرداوي.
في ضوء ما تقدم من عرض الواقع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من تحديد ما حدده بالنص الصريح من مواقيت الإحرام، وما سكت عنه وتركه للاجتهاد من علماء الأمة، وما حدث من اعتماد المحاذاة باجتهاد عمر رضي الله عنه؛ أقول في ضوء ذلك: إن معالجة قضايا الساعة لا يصح منا أن نعالجها ونقرر لها حلولاً شرعية منطلقين من خلفية مذهبية، أو فكرة مسبقة ننظر من زاويتها إلى القضية المستجدة ونجردها من ملابساتها وظروفها الخاصة، لنجرها جرًا إلى المقعد الذي هيأناه سلفًا لها إلحاقًا وتعميمًا، سواء أكان ملائمًا لطبيعتها وظروفها وملابساتها أم غير ملائم، ولو كان هذا الإلحاق والتعميم سيزج بالمكلفين في مشقة وحرج نفتهما النصوص القطعية في الكتاب والسنة عن هذه الشريعة السمحة الخالدة. فهذا - أي معالجة الأمور بهذه الخليفة المذهبية - لا يجوز.
فقضايا الساعة، ومن أكبرها أهمية وحاجة للحلول الشرعية المناسبة اليوم موضوعنا هذا، وهو من أين يجب أن يحرم القادم جوًا بالطائرة إلى الحج أو العمر؟ يجب أن تعالج قضايا الساعة هذه بفكر فقهي حر، كأنما يريد أن يرى النصوص والأدلة المتعلقة بها لأول مرة، مجردًا عن الخلفيات المذهبية والآراء المسبقة التي تتحكم في توجيه فكرة دون أن يشعر، وعليه أن يمعن النظر في النصوص، وأن يتفهمها وفقًا للغة وأساليب البيان المعهودة في وقت ورود النص الشرعي، وما يوحي به للسامع من فهم بحسب القواعد والدلالات العرفية.
هذا إلى جانب الأساس المهم الآخر، وهو مقاصد الشريعة التي دلت عليها النصوص القطعية العامة، والتي لا يمكن عزلها وقطع علاقتها بالنصوص الخاصة إذا أردنا أن نفهمها فهمًا سديدًا، لا نبغي فيه سوى معرفة حكم الشارع والحل الصحيح في القضية المستجدة، سواء وافق تصوراتنا السابقة أو خالفها، فإن التعصب لرأي أو تصور سابق يحجب عن البصيرة الرؤية السليمة والإحاطة بالمسألة من جميع جوانبها وظروفها. فبناء على هذا المنطلق أقول:
إن حديث المواقيت المكانية الذي روته كتب السنة الصحيحة، وهو النص الأصلي الوحيد في الموضوع- وأؤكد أيضًا على كلمة الوحيد في الموضوع - لا يمكن أن يعتبر شاملاً للطريق الجوي اليوم، ولو مرت الطائرة القادمة بقاصدي الحج أو العمرة من فوق أحد المواقيت الأرضية، وبالتالي لا يمكن فيه تطبيق حكم المحاذاة لأحد المواقيت تلك المحاذاة التي ألحقها سيدنا عمر رضي الله عنه بالمرور بالميقات، وذلك لما يلي:
أن حديث المواقيت محمول على الطرق المعروفة المألوفة في ذلك الوقت، وهي الطرق البرية التي يمكن أن يسلكها القادمون لحج أو عمرة من أطراف الجزيرة العربية التي مد عليها الإسلام رواقه. وهو في الوقت نفسه لم يحدد ميقاتًا من جهة الغرب، كما سبق أن أوضحته وبينت سببه، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم حين حدد هذه المواقيت للإحرام قد خصها نصًا وصراحة بمن يمر بها فعلاً، وذلك حين قال عليه السلام:((هن مواقيت لأهلهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) .
وهذا الإتيان لا يمكن أن يتصوره أي سامع إلا أنه المرور في الأرض، وإن كان أهل الميقات المقيمين حوله قد وجب عليهم الإحرام منه فمن أتى على هذا الميقات من خارجه، وكان طريقًا له، أصبح هو وأهل ذلك الميقات سواء؛ لأنه قد أصبح بينهم كواحد منهم، فلا يعقل أن يجب عليهم الإحرام من هذا الميقات ولا يجب عليه. وهذا المعنى لا يتحقق إلا فيمن مر بالميقات نفسه أرضًا؛ لأن المرور فوق الميقات جوًا كما تمر الطيور لم يكن في بال أحد من الصحابة أهل اللسان الذين خوطبوا به ولا في حسبانه ولا يمكن أن يتصوره حتى يفهم أنه داخل في هذا التحديد.
بل أستطيع القول: إن الطيران بالطائرات التي نسافر بها اليوم لو كان موجودًا في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم حين حدد هذه المواقيت الأرضية لأجل الإحرام؛ لما كان المرور جوًا بالطائرة فوق بقعة الميقات مشمولاً بهذا الحديث؛ لأن المرور بالميقات الذي يجعل المار به كأهل الميقات لا يفهم منه بأسلوب البيان إلا المرور الأرضي فعلاً.
فهذا ما يفهمه أهل اللسان الذين خوطبوا به. وهذا أيضًا ما يفهمه أهل اللسان في اللغة التي جاء بها النص هو أساس في فهم النص عظيم الأهمية لا يمكن تجاهله وتجاوزه.
إن الإمام أبا إسحاق الشاطبي رحمه الله في كتابه الإبداعي الموافقات في أصول الشريعة قد بسط القول في قسم المقاصد من كتابه هذا تحت عنوان "قصد الشارع في وضع الشريعة للإفهام"؛ بسط القول حول أساسين في فهم قصد الشارع لا تجوز الغفلة عنهما وهما:
أولاً: أن هذه الشريعة الإسلامية المباركة عربية، كلامه أنا آتي به، وأن القرآن الحكيم عربي.
ثانيًا: أن هذه الشريعة المباركة أمية لأن أهلها كذلك.
أما الأول فلقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] . وقد تكرر هذا الإعلان في آيات أخرى.
وأما الثاني فلقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا} [الجمعة: 2] . وقد تكرر أيضًا هذا في آيات أخرى. وجاء أيضًا في صحاح الأحاديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((بعثت إلى أمة أمية)) ، وقوله:((نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب، الشهر هكذا وهكذا)) هذا كله كلام الشاطبي وقد اختصرت منه بعض مقاطع. ولكن الذي أتينا به كله من كلامه وعباراته بالحرف.
وقد فسر الشاطبي الأمي بأنه منسوب إلى الأم، وهو الباقي على ولادة الأم لم يتعلم كتابًا ولا غيره، فهو على أصل خلقته التي ولد عليها. وفسر الأمة الأمية بأنهم ليس لهم معرفة بعلوم الأقدمين.
أقول: وقد يبدو لأول وهلة أن كون القرآن عربيًا والحديث النبوي عربيًا هو من البديهيات التي لا تحتاج إلى بسط وإيضاح وشواهد وأمثلة وتنبيهات في فصول من كتاب كما فعل الشاطبي رحمه الله في موافقاته.
ولكن الذي يرى النتائج التي بينها الشاطبي رحمه الله بناء على هذين الأصلين الأساسيين في فهم الشريعة، وتنزيل نصوصها في الكتاب والسنة النبوية على منازلها الصحيحة، يدرك عندئذ أن قضية هذين الأساسيين ليست من البساطة والبداهة كما يتراءى لأول وهلة. (فلتنظر الموافقات: 2/64 إلى 107) .
وأول هذه النتائج وأهمها يتلخص في أن المقصود هنا من بيان الأساس الأول هو: أن القرآن قد نزل بلسان العرب وأساليبهم البيانية، فطلب فهمه إنما يكون بالطريق التي يفهمه بها من خوطبوا به حين ألقي إليهم، وهم أهل هذا اللسان خاصة على أميتهم وجهلهم بالعلوم والفلسفات التي وجدت لدى غيرهم من الأمم، وبالاصطلاحات والمفاهيم الطارئة حين أسست العلوم ووضعت فيها الاصطلاحات، وحددت لها المفاهيم العلمية في اللغة العربية بعد ذلك. يعني كل هذا لا يجوز أن ينظر إليه في فهم النص العربي.
وهذا يستلزم أن من يكون أكبر فقيه وأرسخ عالم في العصور اللاحقة يجب أن يفهم النص القرآني أو الحديث النبوي كما يفهمه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما يفهمه البدوي الأمي من العرب إذ ذاك؛ لأنهم هم أهل اللسان الذين خوطبوا به، ففهم أي عالم لمدلول النص بعد ذلك، مهما علا كعبه في العلوم وطال باعه، يجب أن يكون تبعًا لفهم ذلك العربي الأول ابن اللسان الذي جاء به ذلك النص وخوطب به.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله في هذا المقام: "فإن قلنا: إن القرآن نزل بلسان العرب، وأنه عربي لا عجمة فيه، فبمعنى أنه أنزل على لسان معهود العرب في ألفاظها الخاصة وأساليب معانيها، وأنها فيما فطرت عليه من لسانها تخاطب بالعام يراد به ظاهره، وبالعام في وجه والخاص في وجه، وبالعام يراد به الخاص، وبالظاهر يراد به غير الظاهر. وكل ذلك يعرف من أول الكلام أو وسطه أو آخره، وأنها تتكلم بالكلام ينبئ أوله عن آخره أو آخره عن أوله، وتتكلم بالشيء يعرف بالمعنى كما يعرف بالإشارة. وكل هذا معروف عندها لا ترتاب في شيء منه هي ولا من تعلق بعلم كلامها. فإذا كان كذلك فالقرآن في معانيه وأساليبه على هذا الترتيب. والذي نبه على هذا المأخذ في المسألة هو الشافعي الإمام في رسالته الموضوعة في أصول الفقه. وإن كثيرًا ممن أتى بعده لم يأخذها هذا المأخذ، فيجب التنبيه لذلك، وبالله التوفيق". هذا كلام الشاطبي في الموافقات نقلته بحرفه.
أقول: ومن الواضح أن مثل هذا الاعتبار يجب أن يراعى في فهم كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وتنزيل أحاديثه الشريفة وهي من جوامع الكلام العربي على هذا الترتيب نفسه في فهم نصوص القرآن.
ثم أفاض الشاطبي في شرحه: إن الشريعة المباركة أمية لأن أهلها كذلك، إذ لم يكن لهم معرفة بعلوم الأقدمين، وأن تنزيلها على مقتضى حال الذين نزلت عليهم من أميتهم هو الأوفق والأجرى مع رعاية المصالح التي يقصدها الشارع الحكيم.
وقد أوضح العلامة الشيخ عبد الله دراز في تعليقاته، أنه وفقًا لهذا الاعتبار ربطت الشريعة مواقيت الصلاة بالدلائل الحسية المشهودة من الزوال والغروب والشفق، مما لا يحتاج إلى علوم كونية وآلات وتقاويم فلكية.
أقول – من كلامي هذا – وواضح أن الشريعة السمحة الخالدة إذا صلحت للأميين حتى يسهل تطبيقها عليهم، صلحت لغيرهم من أهل العلوم وللناس أجمعين، ولا عكس. وهذا من أسرار آخريتها وصلوحها للخلود، ما دام لبني الإنسان وجود، فجعلت حكمة الله فيما شرع لعباده.
ثم قال الشاطبي بصدد ما تفرع عن أمية الشريعة: " إنه لا بد في فهم الشريعة من اتباع معهود الأميين، وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم، فإن كان للعرب في لسانهم عرف مستمر فلا يصح العدول عنه في فهم الشريعة، وإن لم يكن ثم عرف فلا يصح أن يجرى في فهمهما على ما لا تعرفه. وهذا جار في المعاني والألفاظ والأساليب" إلى آخر ما قال. هذا كلام الشاطبي.
أقول: بعد هذه المقتطفات من كلام الإمام الشاطبي عن أن الشريعة أمية، وأنها ودستورها وهو القرآن عربيان بالمعنى المشروح، وكذلك بيان رسولها نبي الهدى صلى الله عليه وسلم، نعود إلى موضوعنا الآن حول ميقات الإحرام الواجب للقادم جوًا بالطائرة لحج أو لعمرة في ضوء ما نقلناه عن الشاطبي رحمه الله، فأقول:
إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حدد تلك المواقيت لأهلها، ولمن أتى عليها ومر بها من غير أهلها، وهذا منه بيان وتحديد لقوم أميين، وبلسان عربي مبين، هم أهله الأصليون، وأن علينا وعلى جميع الأجيال المسلمة التي تتلوهم من علماء في الشريعة وفي الطبيعة وفي مختلف العلوم من عرب وأعاجم، علينا أن لا نفهم من نصوص القرآن وكلام الرسول عليه السلام إلا ما يفهمه إذ ذاك أولئك الأميون أهل العربية المخاطبون بها بحسب مألوفهم ومعهودهم وعرفهم، كما يقول الإمام الشاطبي.
وإذا كان كذلك فمن الذي يستطيع أن يزعم أنهم يمكن أن يفهموا من تحديد الرسول لهم تلك المواقيت المكانية أنها شاملة للقادم جوًا بطائرة في مستقبل الدهر إذا اخترع البشر آلة تطير بهم، ومرت بأحد ركابها فوق ميقات أرضي وهو في السماء أو حاذى سمته، من الذي يزعم أنهم يفهمون ذلك، مع العلم أننا أوضحنا قبلاً أن الحديث النبوي المذكور لا يشمل المحاذاة من قريب أو بعيد، بل هو مقصور على أهل تلك المواقيت ومن مر بأحدها، وأن إلحاق المحاذاة لأحد المواقيت بالمرور به فعلاً هو اجتهاد عمر رضي الله عنه.
ونحن نضع اجتهاد عمر هذا فوق الرأس والعينين – يعني أنا لا أقصد أن أخالف اجتهاد عمر حاشا لله – ونحن نضع اجتهاده هذا فوق الرأس والعينين، وهو معقول في ذاته؛ لأن ما تقتضيه حرمة البيت المعظم من أن يتهيأ من يقصده لحج أو لعمرة بالإحرام أن يتهيأ له بالإحرام قبل الوصول إليه، هو مما ينبغي أن يستوي فيه كل قاصد، سواء مر بالميقات الذي حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو جاء من طريق أخرى لا تمر به، فجعل المحاذاة لأحد المواقيت هي الحد لغير من يمر بالميقات هي قياس معقول مبني على علة متحددة.
ولكن هذا القياس السليم لا يجوز أن يخرج عن أرضية المسألة، وهي أن تلك المواقيت التي حددها الرسول صلى الله عليه وسلم لا يفهم منها أهل اللسان الذين خوطبوا به إلا أنها لأهلها، أي للساكنين فيها، ولمن يمر بها المرور المعتاد الذي لا يعرفون سواه، وهو المرور بها في موقعها على سطح الأرض؛ لأن هذا هو ما تدل عليه لغتهم التي خوطبوا بها حين قال لهم الرسول عن هذه المواقيت:((هن لأهلهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) ، ولا يمكن أن يتصور أحدهم إذ ذاك مرور أحد من فوق الميقات وهو طائر في الجو.
وقد رأينا آنفًا قول الشاطبي رحمه الله: "أنه لابد في فهم الشريعة من اتباع معهود الأميين، وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم، وأنه لا يصح أنه يجرى في فهمها على ما لا يعرفونه، وأن هذا جاز في المعاني والألفاظ والأساليب" إلى آخره.
فلاجتهاد عمر رضي الله عنه في إلحاق المحاذاة لا يمكن أن يتجاوز الأصل، فكما أن النص الأصلي وهو حديث المواقيت معناه المرور بالميقات فعلاً على سطح الأرض، فإن المحاذاة التي ألحقها به عمر معناها أيضًا المحاذاة ممن يمر فعلا حذو الميقات المرور المعتاد على سطح الأرض؛ ذلك لأن المقيس لا يمكن أن يعطى أكثر من حكم المقيس عليه. فإذا كان نص الحديث النبوي لا يتناول القدوم جوًا، مما لم يكن في حسبان أهل اللسان ولا معهودهم، فكذلك المحاذاة الملحقة بطريق القياس والاجتهاد لا تطبق على طريق الجو الذي لم يكن يتصوره عمر نفسه صاحب هذا الاجتهاد القياسي.
إننى أخلص من جميع ما تقدم بيانه إلى أن القادمين اليوم بطريق الجو في الطائرات لحج أو عمرة لا يشملهم تحديد المواقيت الأرضية التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم في الجو، فهي حالة قد سكت عنها النص، وأكرر قولي فهي حالة قد سكت عنها النص؛ لأنها لم تكن في التصور أصلاً، كما سكت عن القادمين من الجهة الغربية إذ لم يكن إذ ذاك مسلمون يقدمون من أفريقية من وراء البحر ولا من مصر، أما الشام فإنه وإن لم يكن فيه مسلمون إذ ذاك قد كانت تجارة قريش وعرب الحجاز قائمة مع الشام في رحلة الصيف، فقد يعودون منه قاصدين جحا أو عمرة، فلذا حدد رسول صلى الله عليه وسلم للقادمين من الشام الجحفة ميقاتًا لهم كما أسلفنا بيانه.
وإذا كان القادم جوًا ليس مشمولاً بتحديد المواقيت المكانية لما قد بينا، فهو إذن خاضع للاجتهاد في تحديد ميقات مكاني للقادمين منه بالوسائط الجديدة المبتكرة في عصرنا هذا، كسائر قضايا الساعة التي ليس عليها نص، فيجب أن يقرر الاجتهاد لها الحكم المناسب، وأقول الحكم المناسب، في ضوء أصول الشريعة ومقاصدها وفي طليعتها دفع الحرج.
وفي نظري أن الحكم المناسب في هذا الموضوع، والذي لا يترتب عليه حرج ولا إخلال هو أن القادمين بالطائرة اليوم لا يجب عليهم الإحرام إلا من بعد أن تهبط الطائرة بهم في البلد الذي سيسلكون بعده الطريق الأرضي، أما إذا كان ترانزيت ينزلون في بلد وهم لا يزالون يركبون الجو، فهذا أيضًا لا يشملهم متى وصلوا إلى النقطة التي ليس لهم بعدها إلا الطريق الأرضي، هنا التفصيل:
فإذا هبطت الطائرة بهم في بلد يقع خارج المواقيت يكون عندئذ ميقاتهم للإحرام هو الميقات الذي سيمرون به، أو من الموقع الذي يحاذي أحد المواقيت المحددة لمختلف الجهات، إذا كانوا لا يمرون بأحد تلك المواقيت، وهنا تأتي مسألة المحاذاة أما إذا كان المكان الذي تهبط فيه الطائرة بلدا يقع بعد أحد المواقيت المذكورة أي بينه وبين الحرم فإن ميقاته للإحرام هو ذلك البلد نفسه، فيصبح حينئذ كأهله، فلا يجوز له أن يجاوزه إلا محرمًا.
وبما أن المطار الدولي اليوم الذي يهبط فيه الحجاج والمعتمرون، هو في مدينة جدة، وهي واقعة ضمن بعض المواقيت، فإن القادمين بطريق الجو إلى جدة لحج أو لعمرة يكون ميقاتهم للإحرام مدينة جدة، فلا يجوز أن يتجاوزوها إلا محرمين؛ لأنهم يصبحون عندئذ كأهل جدة، فيحرمون من حيث يحرم أهلها.
فلو أن المطار الذي يهبط فيه الحجاج والمعتمرون نقل فيما بعد إلى مكة، لأصبح القادمون جوا كأهل مكة، فيحرمون من حيث يحرم المكيون، أي أن القادم بالطائرة بوجه عام من أي جهة كان قدومه متى هبطت طائرته في آخر مكان لكي يتابع بعده السير بالطريق البري؛ يأخذ عندئذ حكم أهل ذلك المكان بشأن الإحرام.
أما القول بأن عليه أن يحرم وهو في الطائرة في الجو متى مرت الطائرة بأحد المواقيت أو حاذته، فهذا لا أرى دليلاً شرعيًا يوجبه، وهو مبني على تصور أن القدوم جوًا بالطائرة مشمول بالحديث النبوي الذي حدد المواقيت الأرضية. وهذا في نظري رأي غير سليم في فهم النصوص فهما فقهيًا كما سبق إيضاحه، علاوة على ما فيه من حرج شديد وصعوبة قد تصل إلى حد التعذر بالنظر إلى حال الطائرات العامة، ولا سيما الدرجة فيها، وهي التي تأخذها الجماهير، وضيق مقاعدها لاعتبارات تجارية، حتى إن الراكب ينزل في مقعده منها كما ينزل الأسفين في الخشب، ويعسر عليه التحرك في تناول وجبة الطعام، فضلاً عن أن يخلع ملابسه المخيطة ويرتدي الرداء والإزار، وأين في الطائرة مغتسل ومصلى ليقيم سنة الإحرام؟
وأغرب من ذلك قول من يقول: إن هذا الحرج يمكن دفعه بأن يحرم بملابسه في الطائرة، ثم يخلعها بعد الهبوط ويفدي بدم جزاء، فمتى كانت هذه الشريعة الحكيمة السمحة تكلف أحدًا بما يشبه المستحيل لتعسره أو تعذره، على أن يخالفه المكلف ويتحمل بدلاً منه جزاء مكلفًا، إن الشريعة الحكيمة براء من مثل هذا التكليف.
وأشد غرابة من هذا رأي من يقول، وكل هذا قد سمعناه،: إن الحل لهذه المشكلة هو أن يحرم من يريد القدوم بالطائرة من بيته قبل ركوبها، فماذا يقول هؤلاء إذا كان قاصد الحج أو العمرة من أهل موسكو أو سيبيريا قادمًا في الشتاء، حيث درجة الحرارة تصل إلى خمسين تحت الصفر بمقياس سنتيغراد؟
هذا ما يبدو لي أنه الوجه الصحيح في هذه القضية واستنباط الحل والحكم الشريعي الذي يناسبها، وأقول: الذي يناسبها، بعد أعمال الفكر منذ سنوات في ملابساتها، وإمعان النظر في الأدلة، والاستئناس بالدلائل، فقد كثر السؤال عنها، وكلما تقدم الزمن سنة ألحت الحاجة إلى البيان الشافي فيها بصورة مدروسة بصيرة لا تسرع فيها ولا ابتسار، ينظر فيها إلى هذه القضية من مختلف الزوايا لا من زاوية واحدة.
وما يدرينا لعل سنوات قادمة غير بعيدة تصبح فيها الطائرات من الوسائل العتيقة البطيئة، ويحل محلها الصاروخ الذي يطوي المسافات الزمانية والمكانية الطويلة والبعيدة يختزلها في دقائق معدودات، كما يتنبأ به كثير من رجال العلم والفكر. وأن ما شهدناه في هذا العصر من عجيب الإنجازات التي كلما تحقق منها شيء لم يكن ليصدق لو رئي في المنام، فَتَحَ تحققُهُ طريقًا لما هو أعجب منه.
وهذا الحل الذي ارتأيته بالدليل الذي رأيته - وأرجو أن يكون صوابًا - هو صالح لأن يتمشى مع مختلف الوسائل المبتكرة في النقل والأسفار مهما تطورت، فإن كان صوابًا فمن فضل الله تعالى، وإن كان خطأ فمن قصور فكري وعلمي، واللهُ سبحانه أعلم، وهو الهادي إلى سواء السبيل. والسلام عليكم ورحمة الله.
الرئيس:
شكرًا.. فيه سؤلان يا فضيلة الشيخ:
السؤال الأول لم تتعرضوا للقادم بحرا عن طريق البحر.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
يا مولانا أنا لما كتبت هذا البحث كنت متصورًا السؤال في ذهني من السابق أنه عن الجو، وتعرضت إلى البحر عرضًا لكن لم أركز عليه بما يكفي؛ لأني قلت: إنه لم يحدد للجو، الرسول عليه السلام لم يشمل تحديده البحر وبينت السبب لذلك، وقلت: إن الميقات البحري أيضًا غير مشمول بالنص وخاضع للاجتهاد.
الرئيس:
لأنكم ركزتم على كلمة، وهو أنه مواقيت أرضية، والبحار لا يطلق عليها أرض.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
نعم، مادام العرب يقدمون بالسفن من البحر الأحمر.
الرئيس:
فهل معنى هذا أن الذين يقدمون في البواخر أن حكمهم حكم نقلهم في الجو؟
الشيخ مصطفى الزرقاء:
نعم، يعني من جدة.
الرئيس:
إذن معنى هذا أنه بيان هذا الحكم في عصر النبوة لم يحصل والقادم في البواخر موجودين، وعلى عهد عمر رضي الله تعالى عنه وعلى عهد أبي بكر وعلى عهد الخلفاء الراشدين.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
عمر رضي الله تعالى عنه ما حدد لأهل البحر أيضًا بطريق إلا بالقياس.
الرئيس:
لا أنا أقول: ألا يوجد حجاج يأتون من البحر؟
الشيخ مصطفى الزرقاء:
هو مجال للبحث، أنا أرى أن البحر كالجو غير مشمول بالنص، وأن الحل الأحسن له هو من حيث الوصول إلى البر مثل الطائرة، من حيث ينزل، نفس الحكم، وكلامي يشعر بهذا وإن لم أكن قد ذكرت.
الرئيس:
لا، أنا فقط أردت أن أثير الشهادة.
السؤال الثاني، سلمك الله، في قضية أهل المدينة أنت تعرف أن ميقات أهل المدينة مجاور للمدنية. فاليوم الذي يريد أن يطير من المدينة لا يأخذ ولا دقيقة واحدة وهو فوق الميقات، دقيقة واحدة ما يأخذ ويمشي بعد ذلك أربعمائة كيلو متر إلى جدة يترك الإحرام من الميقات ولا يحرم من جدة.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
إذا أراد أن يطير من المدينة بالطائرة إلى جدة عندئذ هذا لم يمر مرورًا أرضيًا بالميقات، فحكمه حكم من يكون قادم من الجو.
الرئيس:
أقل من دقيقة بينه وبين الميقات أو نصف دقيقة.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
ليس هي القضية، الصاروخ قد يصل بثوان ممكن، وقد قرأت كتابًا لبعض العلماء يقدر أنه في سنة 2020 عندئذ ستصبح الأسفار بالصواريخ تحسب بالثواني ما بين القارات.
الرئيس:
شكرًا.. في الواقع قبل أن أعطي الكلمة للشيخ محمد عبده عمر، أحب أن أشير، أعطي ملخصًا عن المرحلة التي مر بها هذا الموضوع من خلال المجمع هذا. فإن هذا الموضوع سبق طرحه في الدورة الثانية، وقُدّمت فيه بعض البحوث التي هي بين أيديكم الآن عدد منها، ثم إنه جرت مداولات بشأنه، وقد رئي تأجيله لأمرين:
الأمر الأول: أنه يحتاج إلى مزيد من الدراسة وقد قدم فضيلة الشيخ عبد الله البسام الدراسة من الوجهة الشرعية في هذا الشأن؛ ولأن هناك أحد الأخوان من السودان الذين يعملون في رابطة العالم الإسلامي بمكة لديه دراسة ميدانية للمواقيت وللخطوط الجوية التي ترد إلى جدة، ليقرر مسألة المحاذاة من عدمها. فدراسة الشيخ البسام وصلت، أما دراسة الأخ السوداني لا يظهر أنها وصلت حتى الآن.
المهم أن هذا الموضوع سبق أن طرح في تلك الدورة، كما سبق، وهو من المواضيع التي يبحثها علماء الحرم بمكة - شرفها الله تعالى - والموضوع ليس جديدًا في بحثه، فقد أُلّفت فيه رسائل عدة من علماء مكة، وإضافة إلى ذلك تتابعت عليه الدراسات، وكان آخر دراسة جماعية هي دراسة مجمع الفقه الإسلامي بمكة الذي فضيلة الشيخ مصطفى هو أحد أعضائه. وقد درس هذا في مجمع مكة كما هو بين أيديكم، وقرر المجمع بالإجماع ما عدا عضوين من أعضاء المجلس على إنفاذ مقتضى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في توقيت المواقيت، وعلى أن الذي يقدم في الطائرة فإنه يحرم إذا حاذى الميقات، وقد عمم هذا القرار على سفارات الدول لإعلانه في طائراتها إذا قدموا للحج أو العمرة. وصارت المخالفة لعضوين: فضيلة الشيخ مصطفى، وفضيلة الشيخ أبو بكر جومي في نقطة واحدة فقط، وهي الذين يقدمون إلى جدة عن طريق السواحل، هذا عرض تلخيص كما سبق أو دار في هذا الموضوع. والكلمة لفضيلة الشيخ عبده عمر.
الشيخ محمد عبده عمر:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين، أما بعد:
سيادة رئيس المجلس، فإن كلمتي تتخلص في ثلاث نقاط:
النقطة الأولى: هي وصف الأمة الإسلامية بالأمية: سمعنا في حديث الأمس من شيخنا الفاضل الشيخ التارزي في حديث أن الأمة الإسلامية موصوفة بأنها أمة أمية، وأن هذا الوصف لازم لها لا ينفك عنها. أيضًا تأكد هذا الوصف من خلال استدلال شيخنا الفاضل مصطفى الزرقاء، حيث استدل بالآية:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة: 2] . أيضًا قال: إن وصف الأمية للأمة الإسلامية وصف لازم لا ينفك عنها، وعلما بأن الإسلام هو دين العلم. ولا يخفى على فضيلة مشايخ المجمع بأن من الآيات التي جاءت تشير بالعلم وبالتعلم وبأن الدين الإسلامي هو دين العلم لا دين الأمية، وأن الأمية هي وصف مؤقت في ذلك، وليس وصف لازم في كل الأوقات للأمة الإسلامية، فمن هذه الآيات على سبيل المثال قوله تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد: 19] . فبدأ جل جلاله بالعلم حتى على التوحيد، قَدّم الله العلم على كلمة التوحيد. فنحن في مجمع إسلامي، وهذه المفاهيم يجب أن تأخذ الصفة العلمية الدقيقة؛ لأنها تحمل إلى جميع بقاع العالم الإسلامي، فوصف الأمة الإسلامية بأنها أمية، وإن وصف الأمة الإسلامية بأنها أمية وأن وصف الأمية وصف ملازم لا ينفك عنها.
أنا هذا الفهم لا يناسبني ولا أنسجم معه، ولا أيضًا النصوص تنسجم ولا الإسلام بكلياته وجزئياته ينسجم مع هذا الفهم.
الرئيس:
أرجو الدخول في الموضوع يا شيخ.
الشيخ محمد عبده عمر:
النقطة الثانية: شيخنا الفاضل مصطفى يقول: أن على جميع أعضاء المجلس أن يدخلوا في أي مسألة دون التأثر بأي مذهب كان أو بأي قول سابق، لكنه من خلال حديثه قال حفظه الله: إن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يعلم بأن الطيران سوف يكون من فوق هذه المواقيت لقال بعدم توقيت المحاذاة من فوق المواقيت التي حددها عليه الصلاة والسلام، وهذا تحكم منه دون دليل.
النقطة الثالثة: هو أن شيخنا الفاضل قال: إن من حكمة توقيت هذه المواقيت في هذه الأماكن وهو الحديث النبوي الصحيح في صحيح البخاري حدد النبي، أو وقت النبي عليه الصلاة والسلام لأهل المدينة: ذو الحليفة، ولأهل الشام ومصر: الجحفة، ولأهل نجد: قرن المنازل، ولأهل اليمن: يلملم. هذه المواقيت، وقال في الحديث ((هن لهم ومن أتى عليهن من غير أهلهن لمن أراد الحج والعمرة حتى أهل مكة من مكة)) . قال حفظه الله: إن من حكمة توقيت هذه المواقيت إنما المقصود بها تعظيم البيت الحرام، بحيث الإنسان أن يتهيأ وتسبيح الله وتقديسه واستذكار عظمة الله وعظمة ما هو قادم عليه، ثم يتناقض في نفس البحث فيقول: إن القادم عن طريق الطيران ليس بلازم أن يخضع لهذه المواقيت، حتى ولو كان الطيران في مكة عليه أيضًا أن ينزل ويحرم من مكة مثل أهل مكة، علمًا بأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، ولم يوقت عليه الصلاة والسلام هذه المواقيت في هذه الأماكن إلا ليتخذ من النصوص قدوة وأسوة لحرمه البيت العتيق، سواء كان طريق الحاج عن طريق الطيران أو عن طريق المواقيت الأرضية، وأيضًا لو قلنا: إنه فيه فرق بين الطيران وبين المواقيت المحددة، الأوتوبيس والسيارة أيضًا، نحن لا نمشي على الأتوبيس والسيارة وأيضًا الناقة والخيل أيضًا في ذلك الوقت أيضًا الحاج ماشي بين السماء والأرض، فلماذا لم نجعل حكم الطيران مثل حكم الخيل والبغال التي تنقل الحجاج في ذلك الوقت هذا، وشكرًا.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
يا مولانا نقطة تصحيح إذا أردت
…
الأخ الكريم حفظه الله وبارك فيه، قال: إنني قلت: إن الرسول عليه الصلاة والسلام لو كان هناك طائرات للنقل تنقل الناس جوًا عندما قال ((هن لأهلهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) فإن الرسول كان لا يجعل المحاذاة أو المرور بالجو واجبًا فيه. أنا لم أقل هذا، قال: هذا تحكم. أنا ما قلت هذا، أنا قلت: إن الرسول عليه السلام لو كان في عهده طائرات تنقل الناس جوًا، وعبر هذا التعبير الذي نقله الرواة إلينا بأن قال ((هن لأهلهن ولمن أتى عليهن)) أي مر بهن، فهذا التعبير باللسان العربي لا يدخل فيه المرور جوًا، هذا الذي قلته، وما قلت: إن الرسول كان يوجب كذا أو لا يوجب كذا، هذا لم أقله.
الشيخ أحمد محمد جمال:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد؛ في البداية لا بد أن نشكر فضيلة الشيخ مصطفى الزرقاء شكرًا عظيمًا على هذه المحاضرة القيمة في فهم النصوص أولاً، وفي فهم موضوع الأمية والأميين، لكن لا أريد أن أعلق على هذا الموضوع لأنه خارج عن نطاق المسألة المطروحة.
ثانيًا: فضيلة الشيخ الزرقاء يقول: إن الرسول عليه الصلاة والسلام حدد المواقيت الأرضية فقط، وأن النص في هذا لا ينسحب على المواقيت للقادمين بطريق الجو والبحر، الواقع لو اتخذنا هذا الفهم في تناول النصوص القرآنية والنبوية لما أجيز لنا كثير من الأعمال أو الأحكام. الرسول عليه الصلاة والسلام يقول ((: جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا)) أفلا نصلي في الطائرة، وهناك نص على أن الأرض فقط للصلاة والطهور. لقد أجيز أن نصلي في الطائرة، وأخيرًا أيضًا أن نصلي في الطابق الثاني والثالث في المسجد والإمام في الطابق الأول. فالقول بأن هذا الحديث النبوي لا يعني إلا المواقيت الأرضية فقط حجر وتضييق من ناحية. فلا بد من الأخذ بأن المواقيت وإن شرعت للمارين بها أرضًا شرعت للمارين بها جوًا وبحرًا، وإذا كانت هناك مصاعب كما تفضل الأستاذ الزرقاء وقام بشرحها للقادمين من بلاد بعيدة كموسكو أو أمريكا، فهؤلاء الحل بالنسبة لهم بسيط وموجود؛ يحرمون من بلادهم وينوون الحج من الطائرة، أي لا يحتاجون إلى اغتسال في الطائرة؛ لأن الطائرة فعلاً ليست مجال اغتسال وتطهر، إنما يحرمون من بلادهم وينوون.
الرئيس:
يتأهبون من بلادهم.
الشيخ أحمد محمد جمال:
يتأهبون من بلادهم، وعدد هؤلاء الحجاج بالنسبة للأكثرية قليل جدًا، الذين يحجون من موسكو ومن واشنطن، ولكن الحجاج الذين يردون من بلاد عربية وإسلامية قريبة حول البيت هم الأكثرية، فلماذا نضيق واسعًا؟ هذه ملاحظتي بالنسبة ما دامت أجيزت الصلاة في الجو، فكذلك يجوز اعتبار المواقيت أيضًا للجو وللبحر كذلك.. وشكرًا.
الشيخ عبد الله البسام:
ملاحظة على سماحة الشيخ مصطفى الزرقاء، هو أن العلماء قالوا: إن الهواء تابع للقران، وحتى قالوا: أن لو قف بعرفة جوًا صح حجه، والآن الأعراف الدولية أن الأجواء لا تنتهك تابعة للقران، تابعة لقرانها، ومملوكة كما أن التخوم مملوكة، وكذلك الهواء تابع للقران، والنبي صلى الله عليه وسلم في أحكامه ليس هذا معناه أنه ترك هذه الأشياء لعدم دخولها، أو أنه لا يسبق الحوادث، وإنما ترك هذا لفهم المسلمين. أي عربي يقول: إن النهر كذا وكذا سواء أن كان عن طريق البر أو عن طريق البحر، فهذه اللغة العربية هي الآن تشمل هذا، الطير الفلاني مر بكذا وكذا وطار على كذا وكذا. وشكرًا.
الشيخ خليل الميس:
في الحقيقة هنالك فكرتان أشترك فيها مع من عقّب: الأولى كما تفضل فضيلة الشيخ وهي المجال الجوي، الآن نعرف أن أي عبور للطائرات لا بد له من إذْنٍ مسبق هذا معروف والمجال الجوي، وأيضًا أضيف المجال البحري تابع للأرض، ولذلك يسمونه وهذا معروف قصة بنزرت والمناورات حولها.
أمر آخر: التحكم على العرب أنهم يفهمون أولا يفهمون هذا أمر عجيب.
ثالثًا: أستاذنا الجليل بالغ بالنقل عن الشاطبي بحيث كان يكفي جملة واحدة، وإذا بالحديث كله يصير للشاطبي، وأن الأفكار أعيدت مرة ثانية وثالثة ورابعة ويكفي مرة واحدة، وما نقله عن الشاطبي كأنه حجة على المحاضر وليس حجة له. والسلام عليكم.
الشيخ وهبة الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
يبدو لي أني يجب عليَّ أن أؤكد ما قاله الأخ الدكتور عمر أن قضية الأمية هي قيد لبيان الواقع، كما هو معروف لدى الجميع، مثل {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: 130] . {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ} [الجمعة: 2] . وهذا يعني غريب في وسط علمي في مستوى القرن العشرين أن نقبل أننا بهذا الوصف والوصف ملازم لنا وإلا كذبه الواقع.
ويستحيل أن يصدر عن النبي عليه الصلاة والسلام أمر وهو يخبر عن المستقبل وبيانه معجز وقد أخبر كثيرًا، وقد وقع أنه سيحدث في آخر الزمان كذا وكذا، ثم نقول: إن وصف الأمية ملازم، إذن هذا قيد إن قبلناه فنحن نكذّب هذا الخبر؛ لأن الواقع يكذب خلاف ما كان موجودًا في الأمة الجاهلية، والإسلام بدد ظلمات الجهل. هذا أول شيء.
الشيء الثاني: من البديهيات المقررة لدى علماء الإسلام أولاً ما قاله الأستاذ البسام، أن الوقوف فوق عرفة يجزئ، وأن الصلاة فوق الكعبة المشرفة مجزئة، وأن العلماء قالوا في أحكام المساجد مثل الزركشي وهو معروف ومطبوع في الكويت وكان فضيلة الأستاذ موجودًا هناك، قالوا: المسجد مسجد إلى سابع سماوات وإلى سابع أراضين. ثم ما قاله الشيخ خليل: الأقليم الجوي تابع للأقليم البري، وهناك أقليم أيضًا بحري تابع للأقليم الجوي، الأعراف الدولية الحديثة تقرر ما قرره فقهاؤنا في الماضي.
فأرى أن الحديث واضح كل الوضوح، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام ماذا ننتظر من وعي يقول أبلغ من هذا البيان الشافي الكافي أنه حدد الجهات الثلاث أو الأربع، وأن سيدنا عمر - ونأخذ من كلام فضيلة أستاذنا فعلاً - قاس قضيةَ ذاتِ عرق على قرن المنازل، فَلِمَ لا نحدد الآن الجهات الأربع ونضع مخططًا جغرافيًا لهذه الأماكن أو دائرة تشملها بحيث تكون قرن المنازل مع الجحفة، فإن تجاوز أهل السودان هذا الخط ودخلوا ما يوازي هذا الخط بين يلملم والجحفة فهم تجاوزوا المحاذاة اللازمة.
فسيدنا عمر الذي قرر ذلك بالنسبة لأهل العراق نحن أولى أن نقرره بالنسبة لأهل الغرب. وتكون هناك دائرة متخصصة وبالتالي لا يجوز تجاوزها بأي حال، أما الحرج في قضية الإحرام، حجزت وجئت بالطائرة مرات ولم أشعر بهذا الضيق إطلاقًا. اليوم حتى إننا نلبس البنطال نسلت هذا البنطال بسهولة ونحن في مقعدنا الضيق ومعنا كيس بملابس الإحرام ثم نرتديها. أما النساء طبعًا يحرمن بملابسهن فلا حرج. قضية الغسل وصلاة ركعتين هذه سنن وعادة كنت أفعلها قبل خروجي إلى الطائرة في المدينة مثلاً أصلي ركعتي الإحرام وهذا جائز بنية الإحرام الذي سيأتي وأغتسل بالنية التي ستأتي وعند ركوب الطائرة، وخصوصًا أن الطائرة قد تتأخر، إما نحرم من المطار أو نحرم من الجو ولا حرج في ذلك إطلاقًا، فأين المشقة؟ وأين الحرج؟ وأين الضيق؟ وأين الحاجة إلى مثل هذه الأحكام؟ وأعتقد أن رأي فضيلة أستاذنا يمكن يكون تابعًا لرأيه في الصباح. والله سبحانه وتعالى يلهمنا سواء السبيل.
الشيخ علي السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
نقطة الإحرام من الميقات في الطائرة هذه نقطة الإخوة الأفاضل تحدثوا عنها ولا أكرر، ولكن أقول هنا: إذا كان يتعذر أو من المشقة أن يحرم في الطائرة فهل يقدّم الإحرام قبل الميقات أم يؤخره بعد الميقات؟
عندنا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم كما نُسَلِّمُ جميعًا أَفْهَمُ الناسِ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندنا: عمر وعثمان وابن عمر وابن عباس وأم سلمة رضي الله تعالى عنهم جميعًا، ابن عمر أحرم قبل الميقات وابن عباس أحرم قبل الميقات. ابن عمر المعروف بشدائده وابن عباس المعروف برخصه الاثنان التقيا هنا في الإحرام قبل الميقات، وعمر رواية فيها النهي ورواية فيها الأمر.
بالنسبة لسيدنا عثمان الرواية التي فيها النهي رواها الإمام البخاري تعليقًا في باب "الحج أشهر معلومات" قال الإمام البخاري: وكره عثمان رضي الله عنه أن يحرم من خراسان. هنا الباب "الحج أشهر معلومات" وهذا توقيت زماني، ثم وكره عثمان خراسان هذه توقيت مكاني، فقال فقال ابن حجر: ومناسبة هذا الأثر للذي قبله أن بين خراسان ومكة أكثر من مسافة أشهر الحج، فيستلزم أن يكون أحرم في غير أشهر الحج، فكره ذلك عثمان، وإلا فظاهره يتعلق بكراهة الإحرام قبل الميقات، فيكون من متعلق الميقات المكاني لا الزماني. إذن ما ثبت عن سيدنا عثمان والإمام البخاري ذكره تعليقًا.
ومعلوم أن ما ذكره تعليقًا وصله ابن حجر وبيّن إسناده في كتاب تعليق التعليق، وفعلاً هنا في الفتح بين أنه وصله سعيد بن منصور وأخذ يتحدث الإسناد. إذن عثمان نهى لأن الإحرام كان قبل الميقات الزماني لا الميقات المكاني، بالنسبة لسيدنا عمر ما روي عنه لم أجد رواية تسقط رواية أخرى، فالأسانيد في مستوى واحد، فليس فيها رواية صحيحة وأخرى ضعيفة حتى نقول ولذلك وعن عمر روايتان. إذن هنا إمكان الإحرام قبل الميقات فعله تلامذة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان هناك طائرات وما كان هناك مشقة، بل أن الذين نهوا عن الإحرام قبل الميقات - كما رأينا فيما بعد - إنما نهوا من أجل المشقة، حيث بيّن هؤلاء بأنه لو أحرم مثلاً في البحر وهو في اللجنة ولم يساحل الميقات ففي ذلك خطر؛ خوفًا من أن ترده الريح فيبقى محرمًا، ويطول إحرامه حتى يتسنى له أن يقلع إقلاعًا سليمًا، وفي ذلك أعظم الحرج المنفي من الدين. إذن الذين نهوا عن الإحرام قبل الميقات لأن للإحرام محظورات، ورأوا أن الوقت قد يطول، وبذلك يمكن أن يكون فيه مشقة. لهذا الفقهاء أجمعوا على جواز الإحرام قبل الميقات، أجمعوا. والإحرام بعد الميقات فيه المنع المعروف.
إذن نقول هنا: الذي يركب الطائرة إذا كان الأيسر له الأيسر أن يحرم من بيته فليحرم، أن يحرم من المطار فليحرم، أن يحرم في الطائرة من الميقات فليحرم، فليختر الأيسر، أحرم من بيته فلا حرج، من المطار لا حرج. ومسألة الصعوبة في الطائرة لا أدري كيف أنها صعوبة، يعني الأستاذ الدكتور تكلم عن البنطلون كذا، لا ممكن الأزار وفوق الأزار الجلباب، وفي الطائرة نخلع الجلباب ونضع الرداء بسهولة ويسر بدون أي مشقة. فعلى أي حال هنا الذي أرجو أن يتبناه المجمع الموقر هو أن الحاج بالطائرة له أن يحرم قبل الميقات إذا تعذر أو شق عليه أن يحرم من الميقات وهو في الطائرة، ولا يؤجل هذا إلى ما بعد الميقات. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
الرئيس:
شكرًا، في الواقع أولاً: أحب أن أشير إلى النقطة التي أشار إليها الشيخ علي السالوس، وهي الإحرام قبل الميقات، هي كذلك نفس قرار مكة، قرر الشيء هذا في قراره. الشيء الذي أحبه يا مشايخ في الحقيقة يظهر لي أن الاتجاه العام هو على ما في قرار مكة، يعني هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم كما يشمل أهل الأرض والبحر يشمل من يأتي عن طريق الجو، فإن رأيتم أنه يعمل التصويت عليه وينهي الموضوع، فهو مناسب.
مناقش:
موافقون على قرار مكة.
الرئيس:
خلاص، أنا في نظري أن وجهة المخالفين كشف عنها الشيخ مصطفى، ووجهة الذين يبدو – والله أعلم – أنهم الأكثرية يعني اتضحت بعدد من المناقشات، ولا أظن أن المناقشات ستؤدي إلى رأي ثالث. فأنا أقول: إذا كانت المناقشات في محيط هذين الرأيين فقد تتكرمون بأن ننهي الموضوع بالتصويت، وإذا كان ثمة رأي ثالث فلا حرج.
الدكتور حسن عبد الله الأمين:
هنالك جهات ليس لها قياس صحيح يا مولانا.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
بسم الله الرحمن الرحيم.
استرعى انتباهي ما تفضل به الأخ الكريم الدكتور وهبه الزحيلي من انتقاده على أن تكون الأمية وصفًا ملازمًا لهذه الأمة إلى يوم القيامة، وبين أن هذا يكذبه الواقع ولذلك نحن هنا. أنا نقلت كلام الشاطبي، وكلام الشاطبي ليس كما فهم منه الأخ الكريم الدكتور وهبه الزحيلي، فلا الشاطبي ولا أنا الذي نقلت كلامه وأقررته، لم يقل أحد منا بأن هذه الأمية وصف لازم للأمة إلى يوم القيامة، هذا كلام الشاطبي سأعيد اللقطة التي أخذتها منه، وإنما كان الكلام واردًا من الشاطبي ومما بينته أنا أن العرب الذين نزلت عليهم الشريعة هم أميون، ولذلك توصف الشريعة بأنها أمية، وفسر معنى الأمية بأن أحكامها لا تبنى على أمور علمية.
الرئيس:
على كل حال يا شيخ كلامكم متضح للناس.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
سأقرأ كلمة الشاطبي سطرين.
الرئيس:
كلمة الشاطبي موجودة عندنا يا شيخ.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
فلذلك لو عاد الأخ إليها لتبين له أنه قد فهم خطأ.
الشيخ رجب التميمي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة، الرسول صلى الله عليه وسلم في كلماته الشريفة:{إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] ، وكلامه صلى الله عليه وسلم صالح لكل زمان ومكان.
ومن إعجاز هذا الحديث الشريف وما فيه من معان جميلة سامية أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((هن مواقيت لأهلهن ومن أتى عليهن من غير أهلهن)) لم يحدد، ذلك عام ((من أتى عليهن)) ، صحيح في ذلك الوقت لم يكن الطيران معروفًا لكن ((من أتى عليهن)) بأي وسيلة، لم يحدد الوسيلة، لم يكن أرضًا. ولذلك لا يصح لنا أن نقول في مجال الحديث: إن الطيران والطائرات التي نسافر بها اليوم لو كان موجودًا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حين حدد هذه المواقيت الأرضية لأجل الإحرام، لما كان المرور جوًا بالطائرة فوق بقعة الميقات مشمولة. هذا الكلام لا يقال، صحيح أن الطيران لم يكن موجودًا، ولم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لنا أن نقصر الحديث ونقول: إنه لا يشمل وقتنا هذا، ومن المعلوم أن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هي شريعة ووحي من الله، وهي صالحة لكل زمان ومكان.
وأنا أقول في تفسير هذا الحديث أنه يشمل كل الطريق الذي يمر على المواقيت بأي أداة كانت؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى. وقد أخبر في أحاديث كثيرة عن المغيبات التي وقعت في عصرنا هذا. فصلى الله عليه وسلم حينما يشرع يشرع تشريعًا عامًا في كل زمان ومكان، والعلم يتقدم والإسلام موافق للعلم، والآية الكريمة التي نقرأها في كتاب الله:{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 8] . منها الطائرة والباخرة وكل شيء، فلا يصح أن نقصر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وحي يوحى، فحينما نقرأ الأحاديث نتصور الناحية الروحية ولا نقصرها على الناحية المادية؛ لأن هذا لا يليق بأحاديث الرسول وهي وحي من عند الله {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] . وتكفي هذه الإشارة والتعقيب، ولا أريد أن أطيل، فالبحث طويل لكن اختصارًا للوقت. وشكرا للإخوان.
الشيخ يوسف جيري:
شكرًا سيدي الرئيس، الواقع كما تفضل السيد الرئيس يعني هناك اتجاه عام إلى التمسك بما كان العمل به عند أسلافنا رضوان الله عليهم أجمعين، إلا أنه من الناحية العملية والتنظيمية في القارة الأفريقية اتجاه عام الآن، يعني وأريد الآن أن أعرف موقع هذا الاتجاه العام في القرار الذي سنتخذه.
العادة التي جرى عليها العمل الآن في القارة الأفريقية أو في كثير من تنظيمات الحج في الدول الأفريقية، أن الحاج لما يخرج من بلده يتجه إلى جدة ومن جدة يذهب إلى المدينة ليبقى في المدينة المنورة بضعة أيام، ثم من المدينة يقوم ويتجه إلى مكة، وفي هذا أنه يتعدى الميقات ويدخل في جدة ثم يخرج ثانيًا عن طريق آخر. فكثير من علماء الدين في القارة الأفريقية يقولون بأن ما جاء في الحديث ((هن لأهلهن ومن أتى عليهن من غير أهلهن)) ربما يطبق في هذه الحالات، وهذا يعني أن هؤلاء عندما يخرجون لا يحرمون، ولا يحرمون عندما يحاذون الميقات؛ لأنهم لما يدخلون جدة يخرجون أيضًا إلى المدينة المنورة، لكن عندما يخرجون من المدينة المنورة عليهم حكم أهل المدينة ويحرمون من الميقات، فلهذا أريد أن أعرف موقع هذا الحكم.
الرئيس:
على كل حال الموضوع الحكم في هذا فيه وضوح ومنصوص عليه عند أهل العلم، وهو لا دخل له في أصل القضية؛ لأن هناك مسألة في قول النبي صلى الله عليه وسلم ((ممن أراد الحج والعمرة)) ، فهؤلاء يأتون مرتبين أحوالهم على ما يلي يرتبون زيادة المدينة النبوية، فمعناه ما أرادوا الحج والعمرة لأول وهلة. هذا هو.
الرئيس:
أرجو مع تقديري للشيخ حسن والشيخ قادي أمامكم أحد عشر اسما معذرة، أنا مقيد أسماءكم. ما عندي استعداد، أمامكم أحد عشر اسما، فهل ترون أنني أقيد الآن ما يقرب من عشرين اسما والقضية واحدة، أو نبتّ في الموضوع. إذن الذين يرون أن الميقات هو على حد قول رسول صلى الله عليه وسلم أنهم إذا حاذوا الميقات يحرمون؛ يتفضلون برفع أيديهم.
الشيخ عبد العزيز عيسى:
ما معنى المحاذاة؟ أسأل.
الرئيس:
المحاذاة يا شيخ محمد سالم كما قررتم.
الشيخ محمد سالم عبد الودود:
عندي سؤال فيما قررته أنا مثلاً الذي يأتي فيما بين يلملم والجحفة معروف أن المواقيت ليست على نسب متساوية حتى تكون دائرة حول الحرم، فإذا أردنا أن نفرض المحاذاة فيما بين الجحفة ويلملم، فهل نفرض دائرة أو وترا نفرض قوسًا أو ترًا؟
الرئيس:
يا شيخ، قضية المحاذاة معلومة عند أهل الخطوط ومرسوم لها وواضحة، على كل أنه من خلال رفع الأيدي، فلا شك أن الأكثرية المطلقة هي تتفق مع ما في قرار مكة، من أن على مقتضى قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي مرّ على أسماعكم الكريمة، وبهذه تنتهي جلستنا هذه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (7) د 3/07/86
بشأن "الإحرام للقادم للحج والعمرة بالطائرة والباخرة"
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمرة الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8 إلى 13 صفر 1407 هـ/11-16 أكتوبر 1986م.
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة بخصوص موضوع "الإحرام للقادم للحج والعمرة بالطائرة والباخرة".
قرر:
أن المواقيت المكانية التي حددتها السنة النبوية يجب الإحرام منها لمريد الحج أو العمرة، للمار عليها أو للمحاذي لها أرضًا أو جوًا أو بحرًا؛ لعموم الأمر بالإحرام منها في الأحاديث النبوية الشريفة. والله أعلم.