الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المناقشة
توحيد بدايات الشهور القمرية
10 صفر 1407 هـ / 13 أكتوبر 1986 م
استئناف الجلسة المسائية (بعد صلاة المغرب)
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
لدينا في هذه الجلسة المسائية إن شاء الله تعالى موضوعان: أحدهما أجهزة الإنعاش وسيؤخر إلى بعد ساعة ونصف تقريبًا حتى حضور الطبيب الذي سيكون بمعيتكم لإلقاء الأضواء الطبية على هذا الموضوع، وأما الآن فهو في مسألة "توحيد بدايات الشهور القمرية ومدى إثباتها بالحساب الفلكي" وأرجو أن نستمع إلى تلخيص من فضيلة الشيخ مصطفى كمال التارزي. وشكرًا.
الشيخ مصطفى التارزي:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
سيدي الرئيس.. حضرات السادة الأكارم، إنكم على علم من أن موضوع توحيد بدايات الشهور القمرية درس في السنة الماضية من طرف مجمعكم الكريم، وألقيت فيه عدة دراسات علمية قيمة وزيادة في التحري فإن المجمع لم يأخذ قرارًا في هذا الموضوع بل أجل النظر فيه إلى الدورة الثالثة، وقد طلب مني أن أقدم عرضًا لجوانب هذا الموضوع حتى يكون هذا العرض منطلقًا للحوار وأخذ القرار الحاسم في الموضوع، وقد قسمت هذا العرض إلى خمسة عناوين:
أولًا: المؤتمرات الإسلامية ومحاولتها التوحيد.
ثانيًا: المنكرون للعمل بالحساب وحججهم على ذلك.
ثالثًا: الحساب الفلكي هو غير التنجيم.
رابعًا: القائلون باعتماد الحساب وحججهم.
خامسًا: نتائج واقتراحات.
حسبما أعلم فإن أول محاولة جدية في التوحيد كانت من الجامعة العربية التي أوصت في سنة 1376 بالدعوة لعقد اجتماع بين المختصين من علماء المسلمين لبحث اقتراح توحيد أيام الصيام والأعياد في البلاد الإسلامية بطلب من الدولة الهاشمية الأردنية ومن الصدف الغريبة أن يجتمع مجمعكم هذا في عمان بعد واحد وثلاثين سنة ليأخذ قرارًا في هذا الموضوع ويستجيب لرغبة ملحة إسلامية تقدمت بها المملكة الأردنية الهاشمية.
وفي سنة 1382 أرسلت نفس الجامعة مذكرة أرفقت بها قرارات اللجنة الشرعية الفلكية التي كونها الأزهر الشريف لنظر في أمر توحيد مبدأ الشهور القمرية ومواقيت الصلاة، كما عقدت في تونس ندوة حضرها ثلة من رجال الاختصاص في الدين والفلك من أقطار العالم الإسلامي وذلك في سنة 1384 بإشراف الشيخ محمد الفاضل بن عاشور مفتي الديار التونسية في ذلك الوقت.
وأبرز القرارات الصادرة في هذا الموضوع هي قرارات مؤتمر معهد البحوث الإسلامية بالأزهر المنعقدة في سنة 1386، وقرارات المؤتمر الإسلامي العالمي المنعقدة بكوالمبور بدولة ماليزيا في سنة 1390، وقرارات مؤتمر وزراء الشئون الدينية والإسلامية والأوقاف المنعقدة بالكويت في محرم سنة 1393، وقرارات مؤتمر اسطنبول المنعقدة في سنة 1398، وآخر هذه القرارات هي قرارات مجلس المجمع الفقهي الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة في شهر ربيع الآخر سنة 1401.
أما مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر فقد قرر أن الرؤية هي الأساس لكن لا يعتمد عليها إذا تمكن فيها التهم تمكنًا قويًا، ومن هذه الأسباب مخالفة الحساب الفلكي الموثوق به، فكانت الفقرة الثانية من التوصيات على الاعتماد على الحساب الفلكي في إثبات دخول الشهر إذا لم تتحقق الرؤية ولم يتيسر الوصول إلى تمام الشهر ثلاثين يومًا.
ومؤتمر ماليزيا ورد في توصياته أنه إذا تعذرت الرؤية لسبب من الأسباب وكان الحساب الفلكي يثبت إمكان رؤية الهلال يجوز الاعتماد على الحساب الفلكي بها.
ومؤتمر وزراء الشئون الدينية والأوقاف المنعقد بالكويت ينص قراره الرابع على وجوب وضع تقويم قمري بمعرفة لجنة معتمدة من فقهاء الشريعة الإسلامية وعلماء الفلك تلتزم به الحكومات الإسلامية في صومها وفطرها وفي تحديد مواسمها الدينية وفي تاريخها، ولكن هذه اللجنة لم تجتمع.
أما مؤتمر اسطنبول فقد احتضن تقريبًا مقررات مؤتمر الكويت وأخذ خطوة إيجابية جيدة وهي بعث لجنة من دول إسلامية عشرة معتمدة من فقهاء الشريعة الإسلامية وعلماء الدين لضبط التقويم الهجري الموحد سنة فسنة، وقد اجتمعت بالفعل هذه اللجنة وكنت أحد أفرادها في عدد من العواصم الإسلامية اسطنبول ثم تونس ثم الجزائر ثم أنقرة وأخيرًا الاجتماع الأخير الذي كان بمكة المكرمة في محرم سنة 1405 وقد أصدرت هذه اللجنة تقاويم موحدة بداية من مؤتمر اسطنبول سنة فسنة إلى هذه السنة واحتضنت أعمال هذه اللجنة منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة وأذاعت كل تقاويمها وقراراتها على جميع الدول الإسلامية.
أما قرار المجمع الفقهي الإسلامي بالرابطة فإنه واضح باعتماد الرؤية البصرية خاصة دون الحساب بأي شكل من الأشكال.
العنوان الثاني: إنكار المتقدمين للعمل بالحساب وحججهم:
فالمتمسكون بظاهرة الرؤية البصرية في إثبات أوائل الشهور لا يعتمدون الحساب لأنهم يعتقدون أن الحساب الفلكي ليس وسيلة قطعية بل هو لم يصل عندهم حتى إلى مرتبة الظن فهو حدس وتخمين، وقد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم، ولهذا حذر الرسول صلى الله عليه وسلم عن الأخذ بأحكام المنجم فقال فيه فيما رواه أبو داود وابن ماجه ((من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر)) ولأجل هذا نجد كثيرًا من المتقدمين في علم الفقه ينصون صراحة على عدم اعتماد حساب المنجمين.
أولًا: لأن التفرقة عندهم لم تكن واضحة بين التنجيم الذي هو ليس بعلم إذ هو تطلع إلى الغيب وبين علم الفلك الذي هو من العلوم الصحيحة التي لا يختلف في قواعدها العامة لا سيما وأن عالم الفلك في القديم كان في الغالب المنجم المتطلع إلى معرفة الغيب، ومن هذا الخلط شك الفقهاء في الحساب الفلكي الذي كان في الغالب صادرا عن المنجمين.
ثانيًا: لأن علم الفلك لم يصل في القرون الإسلامية الأولى إلى درجة النضج ولم تتضح معالمه عند الناس حتى يمكن الاعتماد عليه في هذه القضايا الدينية.
ففي الفتاوى الهندية: "وهل يرجع إلى قول أهل الخبرة العدل من يعرف علم النجوم؟ الصحيح أنه لا يقبل، ويقول في كتاب معراج الدراية: "ولا يجوز للمنجم أن يعمل بحساب نفسه" وقال ابن عرفة: "لا أعلم أن مالكًا اعتبر قول المنجم" وقال القاضي عبد الوهاب في كتابه الأشراف: "لا عبرة بقول المنجمين في دخول وقت الصوم". وفي الجزء الثاني من الدر المختار شرح تنوير الأبصار في باب الصوم قال الشيخ محمد علاء الدين الحصكفي: "لا عبرة بقول الموقتين ولو كانوا عدولًا على المذهب".
وقال ابن عابدين في حاشيته رد المحتار على الدر المختار في شرح قوله: ولا عبرة بقول الموقتين: "أي في وجوب الصوم على الناس، بل في المعراج لا يعتبر قولهم بالإجماع ولا يجوز للمنجم أن يعمل بحساب نفسه" وفي النهر: فلا يلزم بقول الموقتين أنه - أي الهلال - يكون في المساء ليلة كذا وإن كانوا عدولًا في الصحيح كما في الإيضاح، ثم قال: ووجه ما قلناه أن الشارع لم يعتمد الحساب بل ألغاه بالكلية بقول: ((نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا)) ولهذا حصر الشيخ شمس الدين بن فرج المقدسي في شرحه الكبير على المغني ثبوت رمضان بواحد من ثلاثة أشياء فقط وكلها ترجع إلى الرؤية البصرية فجعل أولها رؤية الهلال، والثاني: إكمال شعبان ثلاثين يومًا، والثالث: أن يحول دون منظر الليلة الثلاثين من شعبان غيم أو قتر.
ويقول ابن قدامة في كتابه المغني "من بنى على قول المنجمين والحساب لم يصح صومه وإن كثرت إصابتهم لأنه ليس بدليل شرعي إنما الدليل قوله عليه الصلاة والسلام ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) وفي رواية ((لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه)) فأناط وجوب الصوم برؤية الهلال.
وقد نقل الباجي في المنتقى والقرطبي في الأحكام رواية عن مالك، روى ابن نافع عن مالك "عن الإمام لا يصوم لرؤية الهلال ولا يفطر لرؤيته إنما يصوم ويفطر على الحساب أنه لا يقتدى به ولا يتبع" وجاء في شرح مسلم للنووي نقلًا عن المازري: حمل جمهور الفقهاء قوله صلى الله عليه وسلم ((فاقدروا له)) على أن المراد إكمال العدة ثلاثين كما فسر في حديث آخر، ولا يجوز أن يكون المراد حساب المنجمين لأن الناس لو كلفوا به ضاق عليهم لأنه لا يعرفه إلا أفراد والشرع إنما يعرف بما يعرفه جماهيرهم.
وحجة المتمسكين بإثبات الشهور القمرية بخصوص الرؤية البصرية جملة نصوص من السنة، واعتبروا الرؤية أمرًا تعبديًا لا يمكن العدول عنها إلى الحساب بحال من الأحوال، لأن الشريعة الإسلامية ربطت ميلاد الأهلة في كل هذه النصوص بالرؤية البصرية، وهذا يؤدي إلى حتمية الرؤية وعدم جواز العلم بالحساب، واستشهدوا بقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم:((لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له)) وفي رواية ((فاقدروا له ثلاثين)) وفي رواية ((إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا وإن غم عليكم فاقدروا له)) وفي رواية ((إن غم عليكم فصوموا ثلاثين يومًا)) وفي لفظ البخاري: ((الشهر تسع وعشرون ليلة فلا تصوموا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) فلم يذكر صلى الله عليه وسلم علم الحساب ولا أقوال المنجمين والنصوص صريحة في اعتماد الرؤية.
والقدر أو التقدير عندما تتعذر الرؤية البصرية لعارض من العوارض كضباب وغيره إنما هو إكمال الشهر ثلاثين يومًا، كما اعتبروا أن قضية الصوم والإفطار قضية دينية بحتة يجب الرجوع فيها إلى النصوص لا إلى مقتضيات العقول لأنها ليست من مجال الاجتهاد الذي يفضي إلى استعماله في حالة فقدان النصوص والمعروف أن حكمها مقرر في السنة النبوية واتفاق المسلمين في الطبقة الأولى منهم وأغلبهم فيما بعد ذلك وإلى اليوم لم يؤولوها لأن عباراتها صريحة لا تحتمل التأويل وخصوصًا لا يوجد دليل من النصوص يعارضها.
وعلى هذا الاتجاه سار العلامة ابن حجر في شرحه لحديث ((إنا أمة أمية لا تكتب ولا تحسب)) فقال: ((لا تكتب ولا تحسب)) تفسير لكونهم كذلك، وقيل للعرب أميون لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} ولا يرد على ذلك أنه كان فيهم من يكتب ويحسب لأن الكتابة كانت فيهم قليلة نادرة، والمراد بالحساب هنا حساب النجوم وتسييرها ولم يكونوا يعرفون من ذلك أيضًا إلا النزر اليسير، وقال في المكان نفسه: فإن تعليق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية دون الحساب يستمر ولو حدث فيما بعدهم من يعرف الحساب، بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم أصلًا، ويوضحه قوله في الحديث الماضي:((فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) ولم يقل فاسألوا أهل الحساب والحكمة في ذلك أن يستوي الناس فيرتفع الاختلاف والنزاع عنهم.
كما ذكر العلامة ابن حجر في نفس المكان تعليق ابن بطال الذي قال في حديث ((إنا أمة أمية)) رفع لمراعاة النجوم بقوانين التعديل وإنما لمعول رؤية الأهلة وقد نهينا عن التكلف، ولاشك أن في المراعاة ما غمض حتى لا يدرك إلا بالظنون غاية التكلف.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالته الطويلة حول الهلال في استدلاله على عدم جواز الاعتماد على الحساب "أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل لمطلع الهلال حسابًا مستقيمًا بل لا يمكن أن يكون إلى رؤيته طريق مطرد إلا الرؤية وقد سلكوا طرقًا كما سلك الأولون منهم لم يضبطوا سيره إلى التعديل الذي يتفق الحساب على أنه غير مطرد وإنما هو تقريبي".
وقال في فقرة أخرى من نفس الرسالة: "فالذي جاءت به شريعتنا هو أكمل الأمور لأن ضبط وقت الشهر بأمر طبيعي ظاهر عام تدركه الأبصار، فلا يضل أحد عن دينه ولا يشغله مراعاته عن شيء مخصص له ولا يدخل بسببه فهما لا يعنيه ولا يكون طريقًا إلى التلبيس في دين الله كما يفعل بعض علماء أهل الملل بمللهم وقال في نفس الرسالة "ما ذكرنا من أن الأحكام مثل صيام رمضان متعلقة بالأهلة لا ريب فيه لكن الطريقة إلى معرفة طلوع الهلال والرؤية لا غيرها" وقال: "والمعتمد على الحساب في الهلال كما أنه ضال في الشريعة مبتدع في الدين فإنه مخطئ في العقل وعلم الحساب فإن العلماء بالهيئة يعرفون أن الرؤية لا تنضبط بأمر الحساب".
والذي يظهر لي من كل هذه الحجج والتعاليل التي اعتمدها المانعون للعمل بالحساب لا تكون دليلًا على أن الرؤية البصرية هي أمر تعبدي وذلك لأمرين اثنين.
أولًا: لأن الرؤية هي الوسيلة الممكنة في زمن البعثة لمعرفة بداية الشهور ونهايتها، والكتابة كانت قليلة نادرة كما صرحوا بذلك مرات في احتجاجاتهم، وأن الرصد الفلكي لم يصل إلى درجة من الوضوح والدقة حتى يصبح وسيلة لإثبات الحكم وكثيرًا ما وصفوا حساب المنجمين بأنه حدس وتخمين وكثير من العلماء اعتمدوا هذا التعليل لعدم العلم بالحساب.
ثانيًا: وأن الأمية التي وصف بها الرسول المسلمين هي وصف عارض لهم زمن البعثة لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة ونادرة كما قال ابن حجر: "وجاء الإسلام ليخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور الإسلام والمعرفة ويزيل وصف الأمية عنهم".
ومعنى هذا أن الحساب إذا وصل إلى درجة من الوضوح والدقة، وأصبح علمًا من العلوم الصحيحة، وأصبحت الكتابة منتشرة في أغلب أنحاء العالم الإسلامي، فإنه يجوز الاعتماد على الرؤية، وإذا جاز أن يكون ضعف علم الحساب والهيئة في الماضي حجة لهم على عدم الاعتداء به فلا يجوز أن يكون حجة في العهد الحاضر على عدم اعتباره.
أما شيخ الإسلام ابن تيمية فإنه يعتبر الأمية صفة للأمة الإسلامية قارة كالوسطية لا تنفك عنها بحال، فقال في نفس رسالة الصيام:"هذه الأحاديث المستفيضة المتلقاة بالقبول دلت على أمور: أحدها: فإن قوله: ((إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)) هو خبر تضمن نهيًا فإنه أخبر أن الأمة التي اتبعته هي الأمة الوسط أمية لا تكتب ولا تحسب ومن كتب أو حسب لم يكن من هذه الأمة في هذا الحكم بل يكون قد اتبع غير سبيل المؤمنين الذين هم هذه الأمة"(الصفحة 162 طبعة المغرب الجزء 25) .
العنوان الثالث: الحساب الفلكي هو غير التنجيم:
فقد اعتقد علماء الفلك والهيئة من المسلمين من جانبهم أنهم مخاطبون شرعًا للعمل في هذا الميدان لا سيما والقرآن نفسه رغب الناس في علم الهيئة لمعرفة حساب الشهور والسنين من منازل القمر بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} وبما ورد من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((فإذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له)) وأنه يتعين أن يكون المراد من ((اقدروا)) انظرا فيه وتدبروه حتى تعرفوا الأوقات، وذاك يختلف باختلاف الناس ولا يلزم أن يكون الناس عارفين بالعلامات التي تدل على الأوقات، بل يكفي أن يعرف ذاك البعض وسبيل من لم يعرف أن يسأل من يعرف والله تعالى يقول:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} كما حفزهم على بذل الجهد في هذا الميدان بالحديث المروي عن ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ((إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا)) واتنكبوا انكبابًا كليًا لمعرفة كل العلوم للخروج بالأمة الإسلامية من الأمية إلى نور العلم والمعرفة محبة في الرفعة والله تعالى يقول: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} .
وهكذا انطلق علماء الفلك المسلمون على رصد سير الشمس والقمر منزلة منزلة حتى تمكنوا من التقدم في هذه العلوم تقدمًا واسعًا كما تمكنوا من معرفة الأحوال التي يرى فيها الهلال إذا تعذرت رؤيته حتى كانت نتائجهم لا تخالف الرؤية البصرية بل كانت الرؤية تؤيد حسابهم وأرصادهم مما جعل علم الهيئة يتبوأ الصدارة من العلوم، وهذا ما تفطن إليه كثير من الفقهاء في مختلف المذاهب الإسلامية وجعلهم يقتنعون بجدوى الاكتشافات العلمية الصحيحة ويعطون الحساب ما يستحقه من اعتبار في التشريع إذ أصبح وسيلة من وسائل إثبات الصوم عندهم لا تقل قيمة عن الرؤية البصرية.
ولا أظن أن هذا الشك الذي كان يحوم حول قدرة المنجمين على حساب الأهلة ينصب اليوم على أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا مثل معهد الأرصاد بحلوان بمصر، ومعهد قانديلي باسطنبول، والمعهد الفلكي بأبو زريعة بالجزائر، والمرصد الفلكي بجاكرتا بأندونيسيا وغيرها التي تمحضت لدراسة علم الفلك وأصبحت عنوان التقدم العلمي في العصر الحاضر، مع العلم أن هذه المعاهد اليوم تستطيع أن تحدد لحظة ميلاد القمر وفترة مكثه بعد غروب الشمس في البلاد الإسلامية المختلفة بدقة متناهية، واحتمال الخطأ مع انضباط الحسابات في المراصد الفلكية الحديثة المختلفة أصبح من الأمور المستبعدة، وأصبحت الدراسات التي تقدم من الفلكيين في هذا الموضوع تصور بوضوح كل الأشكال التي تمر بها عملية ظهور الهلال.
وقد تقدم المرصد الفلكي قاندلي باسطنبول بخرائط جغرافية واضحة تدل بكل دقة بداية رؤية الهلال لك لشهر من شهور السنة كما تبين البلدان التي يرى فيها ظهور الهلال فوق سطح الأرض بالساعة والدقيقة والثانية، ثم كيف تستمر عملية الرؤية طبقًا لحركات القمر حول الأرض؟ وقد صرح كثير من الفلكيين بأنه يمكن الاستعانة بالأقمار الصناعية لتصبح عملية الرؤية تشاهد على شاشة التليفزيون من طرف كل الناس.
هذا وأن البحث الذي تقدم به علماء الفلك بجامعة الملك عبد العزيز بجدة إلى مجمعكم هذا ليعد نموذجًا صادقًا ودراسة علمية عميقة لمحاولة التوفيق بين النصوص الشرعية وعلم الحساب الذي أصبح من العلوم الصحيحة في هذا العصر.
العنوان الرابع: المجيزون العمل بالحساب وحجبهم:
إن القول بجواز الاعتماد على الحساب ابتدأ من عهد التابعين من أمثال: مطرف بن عبد الله وابن قتيبة من المحدثين والقاضي عبد الجبار وابن مقاتل الرازي من أصحاب الإمام محمد بن الحسن وأبي العباس ابن سريج والقفال والقاضي أبي الطيب من الشافعية كما نص على ذلك القرطبي في تفسيره، وقال:"وقد ذهب مطرف بن عبد الله بن الشخير وهو من كبار التابعين وابن قتيبة من اللغويين، فقالا: " يعول على الحساب عند الغيم بتقدير المنازل واعتبار حسابها في صوم رمضان حتى إنه لو كان صحوًا لرئي لقوله عليه السلام: ((فإن غم عليكم فاقدروا له)) أي استدلوا عليه بمنازله وقدروا تمام الشهر بحسابه.
وصرح صاحب الهداية الحنفي المرغيناني في كتابه مختارات النوازل "إن علم النجوم قسمان: أحدهما الحسابي معلنًا أنه حق وقد نطق به الكتاب فقال تعالى {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} أي سيرهما بحساب، واستدلاله بحركة الأفلاك وسير النجوم هو جائز كاستدلال الطبيب على الصحة والمرض.
أما العلامة ابن دقيق العيد فقد قال في شرح عمدة الأحكام: "والذي أقول به إن الحساب لا يجوز أن يعتمد عليه بمفارقة القمر للشمس على ما يراه المنجمون من تقدم الشهر بالحساب على الشهر بالرؤية بيوم أو بيومين، فإن ذلك إحداث لسبب لم يشرعه الله تعالى وأما إذا دل الحساب على أن الهلال قد طلع من الأفق على وجه يرى لولا وجود المانع كالغيم مثلًا فهذا يقتضي الوجوب لوجود الحساب الشرعي وليس حقيقة الرؤية بمشروطة في اللزوم لأن الاتفاق على أن المحبوس في المطمورة إذا علم بالحساب بإكمال العدد بالاجتهاد بالأمارات وجب عليه الصوم وإن لم ير الهلال ولا أخبره من رآه.
أما الإمام ابن السبكي فقد ذهب إلى اعتماد الحساب في إثبات الأهلة ومواقيت الصلاة بناء على أن الحساب قطعي الثبوت نظرًا إلى ما وصل إليه علم الحساب والفلك من الدقة والوثوق في نتائجها وقرر الإمام ابن السبكي أنه لو شهدت بينة رؤية الهلال ليلة الثلاثين من الشهر وقال الحساب بعدم إمكان الرؤية تلك الليلة عمل بقول أهل الحساب لأن الحساب قطعي والشهادة ظنية، وابن السبكي يرى جواز الاعتماد على الحساب الفلكي لا وجوبه، وقال في تعليقه على حديث ((فإن غم عليكم فاقدروا له)) في كتابه العلم المنثور: والبحث في الحديث في موضعين: أحدهما قوله ((فاقدروا له)) قال بعض من يقول باعتماد الحساب معناه احسبوا له ويكون معناه قدروه بالحساب والمنازل كما قال تعالى {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} قاله مطرف بن عبد الله وابن قتيبة من المحدثين وابن سريج من الشافعية وابن مقاتل من أصحاب محمد، إلى أن قال: إنما يلزم ذلك لو كلف عامة النسا بالحساب ولم يقل بذلك أحد بل الذي قلناه أن الحديث في المعنى الذي اخترناه خطاب لمن خصه الله بهذا العلم وقول في الرواية الأخرى ((فأكملوا عدة ثلاثين)) خطاب للعامة، فلا تنافي بين الروايتين بل هما في حالين مختلفين يعمل بكل منهما في حال. ومن هذا ما ذكره الإمام العلامة الشيخ محمد رشيد رضا في الجزء الأول المجلد 28 من المنار صفحة 63.
ثم نمر إلى أن نصل إلى ما قاله العلامة الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في بحث له بعنوان "يسألونك عن الأهلة" يقول: "ولمعرفتنا وجود الهلال عقب المحاق في علم الله طرق:
أولها: رؤيته بالبصر رؤية لا يريبة تتطرقها، وهذا الطريق حسي ضروري ولا خلاف في العمل به.
ثانيها: مرور ثلاثين ليلة من وقت استهلاك الهلال الذي سبقه، وهذا الطريق قطعي تجريبي ولا خلاف فيه بين الأئمة.
ثالثها: دلالة الحساب الذي يضبطه المنجمون أعني العاملين بسير النجوم علمًا لا يتطرق قواعده شك، وحسابًا تحققت سلامته من الغلط وهو ما يسمى بالتقويم.
وبعد ذلك تعرضنا إلى ما قاله الأستاذ علال الفاسي وكثير من الإخوان الذين تعرضوا إلى هذا الموضوع، وبهذا ندرك أن النصوص التي استشهد بها على حصر الرؤية بالبصر لا يمكن أن تكون دليلًا على منع إثبات الشهر بغير الرؤية البصرية لأن هذه النصوص وإن أفردت رؤية بالذكر فإنها لم تقصر إثبات الشهر على البصر بل اقتصرت على ذكر وسيلة من وسائل إثبات الرؤية.
العنوان الخامس: نتائج واقتراحات:
يبدو أننا لم نظفر إلى الآن بنتائج إيجابية للتقريب بين الذين يجيزون العمل بالحساب وبين الذين يقصرون ثبوت الشهر على الرؤية البصيرة وحدها، فالفريق الأول يقو بالعمل بالحساب بشرط أن يكون الحاسبون جماعة من المسلمين موثوق في دينهم وعلمهم وأن يكون حسابهم متماشيًا مع الضوابط الشرعية مؤيدًا بحسابات المراصد الفلكية العالمية.
وعندما تتوفر هذه الشروط فلا مانع من اعتبار الحساب وسيلة ثانية من وسائل الإثبات، فتكون عند المسلمين وسيلتان لا وسيلة واحدة الرؤية والحساب، لا سيما وأن علم الهيئة أصبح من العلوم الصحيحة أقرته الأمة الإسلامية وقررت تدريسه في جامعاتها، وإذا تمكن المؤتمرات والندوات الإسلامية التي انعقدت لهذه الغاية أن تقيد عمل الحاسبين وأن تضبط الرؤية المرادة شرعًا وأن تقيدها بقيود اتفق عليها علماء الشريعة والفلك وبرزت بصيغة قرارات كانت جميعها متكاملة روعي فيها جانب النص كما روعي فيها جانب المصلحة وكانت غايتها جمع المسلمين وتوحيد أعيادهم ومواسمهم، فإن هذه المؤتمرات لم تتمكن من جانب آخر من إقناع القائلين بانفراد الرؤية البصرية على القول بالحساب في إثبات الشهور لان الرؤية عندهم أمر تعبدي لا يمكن أن يطرأ عليه أي تغير، فالأحكام أبدية والأسباب والشروط والموانع هي كذلك أبدية لأنها من وضع إلهي فما أثبت واجبًا يبقى كذلك، وقد ثبت أن الرؤية سبب شرعي للصوم والإفطار فلتبق كذلك منظورًا إليها نظر الأصول الثابتة.
ولم يقتنعوا بأن بعض النصوص التي اعتمدوها والتي وردت معللة من الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه والقاعدة عند الفقهاء أن النص إذا ورد معللًا بعلة فإن للعلة تأثيرها في فهم النص، وأن الحكم يرتبط بها وجودًا وعدمًا لا فرق في ذلك بين العبادات وغيرها، كما لم يقتنعوا بأن الضرورة قد يكون لها دخل في تغير الحكم وقد جاءت النصوص بصوم الثلاثين يومًا عند الغيم ضرورة لأننا كنا لا نستطيع معرفة دخول أول الشهر إلا عن طريق الرؤية البصرية وقد تعذرت فعملنا بما أمكن فإذا تمكنا من تعرف حقيقة دخول أول رمضان أو أول شوال بواسطة أهل الذكر وهم أهل الحساب فلا جائز أن نعتمد على الضرورة والله تعالى يقول {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} .
وبذلك يتبين أن أصحاب هذا الاتجاه لم يقتنعوا بأي دليل أو برهان من الأدلة والبراهين التي قدمها المجيزون لإثبات الشهر بالحساب واعتباره وسيلة ثانية مع الرؤية على الأقل كما أن كل المعطيات الجديدة التي حفت بموضوع إثبات أوائل الشهور والتطور العلمي المدهش لم يعملوا به، وإذا كان من المفروض عند علماء الحساب ومن يجيزون العمل به أنه لا يمكن أن تختلف نتيجة الحساب عن نتيجة الرؤية الصادقة بحال من الأحوال فإن اختلاف المسلمين في بداية الشهور القمرية يدل على خلل إما في الحساب وإما في الرؤية لأنه ليس من المعقول أن تختلف بداية الشهر القمري بين بلد وآخر لمدة وصلت في السنة الماضية إلى ثلاثة أيام.
وبإعادة النظر في تقديم هذين الوسيلتين بعد كل هذه الجهود التي بذلت ولا سيما في السنوات الأخيرة فإننا نجد ضبطًا مدققًا في التقاويم القمرية التي صدرت عن اللجنة الدولية المنبثقة عن مؤتمر اسطنبول إذ هي التزمت بكل الضوابط التي فرضت عليها من طرف اللجنة الشرعية فكان الاتفاق كاملًا بين المراصد الفلكية في كامل العالم الإسلامي كما كان التطابق تامًا في النتائج المقدمة كل سنة من طرف المرصد، الأمر الذي دفعنا إلى الاطمئنان إلى نتائج الحساب أما الرؤية البصرية فإنها لم تضبط في نظرنا الضبط المدقق الذي يضمن لها الصحة ويحقق لها النتائج الصحيحة التي لا ينبغي أن تتخلف عن الحساب الصحيح عادة.
ويرجع هذا في نظري إلى تمسك بعض الفقهاء بأحد قولي الإمام أحمد ابن حنبل الذي يجيز في إثبات هلال رمضان قبول شاهد واحد وهو مشهور المذهب الحنبلي المستند إلى حديث ابن عباس الذي قال: ((جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رأيت الهلال، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ فقال: نعم، فقال: يا بلال، أذن في الناس فليصوموا غدًا)) مع أن المشهور في المذهب الحنفي أنه لا يقبل في هلال رمضان عند الصحو إلا الاستفاضة وقدرت بخمسين رجلًا على الأقل، وقد علل المغني اشتراط أبي حنيفة الاستفاضة بأنه لا يجوز أن ينظر الجماعة إلى مطلع الهلال وأبصارهم واحدة والموانع منتفية فيراه واحد فقط.
وقال ابن عابدين في تعليقه على قول الحصكفي: "جمع عظيم يقع به العلم الشرعي وهو غلبة الظن" لأنه العلم الموجب للعمل لا العلم بمعنى اليقين، ولذلك فلا يقبل خبر الواحد لأن التفرد من بين الجم الغفير بالرؤية مع توجههم طالبين لما توجه هو إليه مع فرض عدم المانع وسلامة الأبصار وإن تفاوتت في الحدة ظاهر في غلطه (بحر) فإذا امتنع أبو حنيفة من قبول خبر الواحد في عصر التابعين وعد شهادته بانفراده برؤية الهلال غلطًا مع علمه بالنص اعتمده من أجاز قبول خبر الواحد فكيف يكون الحال في هذا الزمان الذي اشتهر بكثرة الكاذبين المدعين للرؤية الهلال؟
وكتب الفقيه مليئة بالحوادث التي صام فيها المسلمون وأفطروا تبعًا لشهادات كاذبة أو غالطة، وكم من مرة وفي هذه السنوات الأخيرة أعلن عن الصيام والإفطار بشهادة رؤية الهلال ثم لم ير الناس الهلال في الليلة الثانية وهذا يؤكد بطلان شهادتهم، هنا يجب أن نقف لنتساءل: لماذا نتمسك بآراء معينة أصبحت لا تحقق المصلحة المرجوة منها مع أننا سمعنا بحوادث كثيرة توقف فيها الفقهاء وأعادوا فيها النظر دفعًا لمفسدة وأصدروا أحكامهم الجديدة معللين ذلك فساد الزمان؟ والرسول صلى الله عليه وسلم نفسه أشار إلى ضياع الأمانة وفقدان الأخلاق بقدر ابتعاد الناس عن القرون الأولى في الحديث الذي رواه الصحيحان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم يشهدون فلا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون فلا يوفون ويظهر فيهم السمن)) .
فأي مانع يمنعنا في هذا الزمان الذي كثر فيه الغش وفقدت فيه الأمانة وظهرت شهادة الزور في كل ما كان من اشترط شروطًا من شأنها أن تحفظ سلامة هذه الشهادة التي يصوم عليها مليار من المسلمين في جميع بقاع الأرض ويحتفلون بموجبها في أعيادهم ومواسمهم فإذا اكتفى الرسول صلى الله عليه وسلم في زمن البعثة بتزكية الشاهد بالنطق بالشهادتين بين يديه ثم اشترطت العدالة، وقال مالك لا بد من شهادة عدلين فإن مثل هذه التزكية لا تكفي في هذا الزمان الذي كثر فيه من ينطق بالشهادتين ثم يخون ويغدر.
واعتقادي أن التمسك بمذهب أبي حنيفة وحده في هذه المسالة ربما لا يكفي في هذا الزمان بل لا مانع من تنظيم كيفية إثبات الرؤية بطريقة نضمن بها صحة هذه الشهادة، ولماذا لا تتعدد هيئات الرؤية في جهات متعددة من العالم الإسلامي حتى في القطر الواحد؟ ولماذا لا ننتخب أفراد الهيئة التي يعهد إليها أمر الرؤية ما دام احتمال الكذب واحتمال خداع النظر واحتمال قلة المعرفة بأمكنة طلوع الهلال قائمًا، واعتقادي أنا ما دام احتمال الكذب واحتمال خداع النظر واحتمال قلة المعرفة بأمكنة طلوع الهلال قائمًا؟ واعتقادي أننا لا نخرج بهذه القيود الجديدة عن تبديل الأحكام التي تمثل الوسائل والتي تتبدل بتبدل الأزمان والأحوال، والأمثلة في ذلك كثيرة في الفقه الإسلامي فقد أمر الخليفة عثمان بن عفان ببيع الإبل الملتقطة بعد أن كان حكمها أن تترك لحالها حتى يلقاها ربها كما جاء في السنة، وعلل ذلك بأن المجتمع على وشك الفساد بخاف منه على سرقة هذه الإبل وكثير من العلماء من يعتمد الرؤية البصرية يعتبرون مخالفة الرؤية البصيرة لما تعارفه الناس من قواعد علم الهيئة التي لا تختلف أوجب تكذيب الشهود، ويعتبر من قوادح الشهادة.
أولًا: من ذلك إذا ثبت علميًا أن الهلال لم يولد فلا يجب أن يقال إنه شوهد لأنه لا بد من ميلاد الهلال قبل غروب الشمس ومكثه بعد الغروب لمدة تكفي لمشاهدته واعتبروا هذا النوع من الشهادة باطلًا لأنه خداع بصري أو سراب كاذب.
ثانيًا: إذا راقب الناس الهلال في آخر الشهر من جهة الشروق بعد طلوع الفجر وقل طلوع الشمس فرأوه رؤية فإذا شهد شهود برؤيتهم الهلال مساء ذلك اليوم فيكذبون لأن رؤيته صباحًا دليل على أنه ما زال لم يجتمع مع الشمس وما زال يدخل تحت شعاعها إذ من المعلوم أن القمر لا بد أن يختفي في آخر الشهر تحت شعاع الشمس يومين على الأقل.
ثالثًا: إذا راقب الناس الهلال في كل يوم فلم يروه مع الصحو التام ثم يدعي رؤيته واحد أو أفراد قلائل من الناس فيكذبون أيضًا لأنه لو كان موجودًا لرآه جمهور الناس.
رابعًا: إذا ادعى رؤية الهلال وانخسفت الشمس بعد ذلك بيوم أو يومين فإن هذا دليل على كذب الرؤية لأن الشمس لا يخسف بها في سنة الله إلا في اليوم الثامن والعشرين والتاسع والعشرين كما دقق ذلك العلماء الفلك وحققه شيخ الإسلام ابن تيمية نفسه في رسالته في الجزء 25 صحيفة 184 – 185 من الفتاوى.
وهكذا تكذب كل شهادة في رؤية الهلال إذا كانت في وقت مستحيلة رؤيته فيه، والغريب أنه لم يقع اعتبار كل هذه الضوابط التي يقرها العقل السليم ولم تعتبر من القوادح في الشهادة بل اكتفي في هذا الزمان بشهادة الشهود وقبلت ولو من واحد عند الإعلان عن الشهر القمري في بلدان العلام الإسلامي في هذه السنوات الأخيرة، وفي نظري كان هذا الإجراء من الأسباب التي زادت في تباين المسلمين في بداية الشهور والأعياد، فالرؤية البصرية في نظري لا يمكن أن تكون أكثر من وسيلة من وسائل العلم، والله عندما قال {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فإنما أراد العلم بوجوده، فكل من علم منكم بوجود الشهر وجب عليه صومه ووجود الشهر شرعًا يكون بوجود هلاله بعد غروب الشمس بأي طريق من طرق العلم وإنما نص الشارع على الرؤية باعتبارها إحدى وسائل العلم بوجود الهلال.
ولعل ما قدمه علماء الدين والفلك في هذا المجمع المبارك من البحوث القيمة يمكن أن يمثل البداية للخروج من الخلاف، وقد أصبحت مسألة توحيد بداية الشهور القمرية بعد كل هذه الجهود واضحة تتطلب أخذ قرار حازم من مجمعكم يأخذ كل هذه الملاحظات بعين الاعتبار حتى يبعد الأمة الإسلامية عن البلبلة التي وقعت فيها منذ سنوات ويوضح لها معالم الطريق حتى تسير في السبيل السوي، والله الهادي إلى سواء السبيل والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. شكرًا: في الواقع يا شيخ قبل أن أدخل في الموضوع مع عدم المؤاخذة في وسط البحث الخامس كلام فيه شيء من الشدة في تجريح الأمة وهو في شهادته وما جرى مجرى ذلك وأنتم تعلمون أن هذه الأمة لا تنفك الوسطية عنها ولله الحمد، والخير في النبي صلى الله عليه وسلم في أمته، وما زال العدول قائمين وموجودين، وأنت تعرف فضيلتكم أنه عدد من المواضيع التي تنظر في هذا المجمع وآخرها في صباح هذا اليوم في شأن توظيف الزكاة قال الإخوان: على أن يتولاه أناس ثقات أمناء.
هذا موجود فمعناه وجود الثقات الأمناء فيوجدون هنا ولا يوجدون في الذين يتراءون الهلال، الحقيقة أنا أحببت أن ألفت النظر للتأمل في العبارة، والموضح خاص بيني وبينكم لتأملها فقط والأمر يعود لكم.
في الواقع يا أصحاب الفضيلة إن هذا الموضوع تعلمون أنه كان من المواضيع المطروحة في الدورة الثانية والموضوع ذو شقين:
الأول: في مسألة اختلاف المطالع اعتبارها من عدمه.
والثاني: في مدة إثبات الرؤية بالحساب.
وهذان الموضوعان كذلك قد درسا في مجمع الفقه الإسلامي بمكة وصدر فيهما قراران أو ثلاثة، أما بالنسبة لتوحيد أوائل الشهور العربية فإنهم قرروا أن مذاهب أهل العلم بما فيهم المشهور من مذاهب الأئمة الأربعة وغيرهم على اعتبار اختلاف المطالع، وساقوا حديث كريب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ثم قرروا أن هذا الأمر ينبغي أن يترك للمفتين في كل دولة إسلامية لأنهم يتبعون أهل العلم فيها، وهذا فيه حل وسط، وقالوا في تقريرهم أن المسألة التي بين الأمة الإسلامية ليست التفريق في مسألة توحيد الرؤية أو عدم توحيدها وإنما هو فيما هو أعلم من ذلك وهو في العودة الصحيحة إلى الكتاب والسنة، إلى تحكيم شريعة الله في إلى أحكام الشريعة الله الظاهرة والباطنة.
أما مسألة إثباتها بالحساب فقد صار تناول هذه المسألة بعض الشيء في الدورة الماضية إلا أن فضيلة الشيخ الضرير رأى أن يكون بحث المسألتين: اختلاف المطالع ومدى إثباتها بالحساب الفلكي ويستخلص منهما ما يتوصل إليه المجمع بإذن الله تعالى إلى قرار في هاتين المسألتين نظرًا لترابطهما في إثبات أول الشهور العربية.
ومن جهة الخلاف حيث إن البحوث يكمل بعضها بعضًا، أما من جهة الخلاف الذي أشرتم إليه عن مطرف بن عبد الله بن الشخير رضي الله تعالى عنه ومحمد بن مقاتل الرازي وغيرهما فإن الخلاف نفسه فيه بحث في مدى ثبوته وقد أتى ابن عبد البر رحمه الله تعالى على ذلك في كتابه التمهيد، وأتى علماء الشافعية على ذلك في كتبهم في الفروع بأن نسبة الإثبات لأوائل الشهور بالحساب المنسوبة إلى الإمام الشافعي رحمه الله تعالى لا تثبت عنه {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} من أهل مذهب الإمام الشافعي فهذا هو من ينسب إلى الإمام الشافعي والذي ينسب إلى الإمام الشافعي رحمه الله تعالى هو جواز صيام الحاسب بالحساب لا على صفة العموم.
وقال بهذا ابن سريج من الشافعية المتوفى في السنة السادسة بعد الثلاثمائة من الهجرة، فيتحرر أن حكاية هذا القول عن الشافعي قد نفى هذا أئمة المذهب من الشافعية، وأن ابن سريج لا يحكى عنه القول على الإطلاق وإنما هو على التقييد حيث إنه قال: للحاسب خاصة، وأما ما عدا ذلك فإن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى قال: إنني لا أعلم أنه قال ذلك على الإطلاق مسلم، وأما مطرف بن عبد الله بن الشخير فإن ابن عبد البر قال: إن الإسناد عنه لا يثب ومحمد بن مقاتل الرازي من متقدمي الحنفية، قد تتبعت ذلك في كتب الحنفية المنتشرة فلم أر التوثيق لهذا لا نقل على أن محمد بن مقاتل الرازي قال الذهبي في الميزان: ضعفوه وفي نسخة: تركوه والشأن في الرأي ثم إن هذا الرأي هو في خصوص الحاسب من في جواز الأخذ بالحساب في خصوص الحاسب توسع فيما بعد لأنه حصل غلط في حكايته عن بعض هؤلاء الذين قيل عنهم غلطًا على سبيل الثبوت فإن إجمال ما يمكن أن يستدلوا به بنصين وقياسين.
أما النص الأول فهو أحد الروايات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ((فاقدروا له)) لكن قد ثبت عن الصحابي نفسه وعن عدد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((فاقدروا له ثلاثين)) إضافة إلى الروايات المتعددة الصحيحة الصريحة المتكاثرة في قوله عليه الصلاة والسلام ((أكملوا العدة)) ((فاكملوا ثلاثين)) ((فأكملوا شعبان ثلاثين)) ((فأحصوا العدة ثلاثين)) إلى آخر ذلك من الروايات المشهورة المعلومة لدى الجميع.
أما الحديث الثاني فهو قوله صلى الله عليه وسلم ((إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب الشهر هكذا وهكذا..)) الحديث، فهذا الحديث قد أجاب عنه المحققون من أهل العلم وبينوا معناه، وهو على سبيل الإخبار من النبي صلى الله عليه وسلم عن حال الأمة، وممن قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى وابن بطال وغيرهم من أهل العلم، ومعلوم أن بساط الحال ولسان المقال قد يحدد المعنى والغرض المراد من المقول الذي يقول كقوله صلى الله عليه وسلم وأنتم قريبوا العهد بما ذكره الشيخ مصطفى من كلام الحافظ ابن حجر ومن كلام ابن بطال، أما القياسان فأحدهما: القياس على المحبوس في المطمورة، والثاني: القياس على إثبات أوقات الصلوات الخمس بالحساب، وفي الواقع أن كل واحد من هذين القياسين لا يثبت إذا ما طبق على أركان القياس وشرائطه، لأن من شرط صحة القياس أن يكون المقيس عليه ثابتًا بنص أو متفقًا عليه وكل واحد من هذين الفرعين المقيس عليهما لم ثبت بنص وليس محل اتفاق بين أهل العلم.
ولهذا فإنه قد تتابعت كلمة العلماء المتقدمين في حكاية إجماع أهل العلم بل إن بعضهم حكى إجماع الصحابة وقال البعض: إنه لا خلاف بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم وممن حكى الإجماع ابن منذر في الإشراف وسند من المالكية والباجي وابن رشد القرطبي وشيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن حجر والسبكي والعيني وابن عابدين والشوكاني وغيرهم.
هذا فيما يتعلق في مسألة الحساب إضافة إلى أن هناك أصولًا وهو أن الشرع جعل علامة أول الشهر هو الهلال لا غير، وأن ليس لأول الشهر حد عام ظاهر سواء كما جعل أن أقل الشهر حصره في تسعة وعشرين يومًا وأكثره في ثلاثين يومًا، وأن الشهر لا يعتبر إلا بيقين، وحدد الشارع عليه الصلاة والسلام ذلك اليقين بالرؤية أو الإكمال، فالشرع أناط الحكم بأول الشهر بوجود الهلال حقيقة لا بوجوده تقديرًا عن طريق الرؤية أو الإكمال، وهذا هو على طريق الحصر كما تفيد النصوص ((لا تصوموا حتى تروا الهلال)) ، ((إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له)) .
لهذا فإن مسألة الحساب فيها إجماع قديم محكي عن أهل العلم وأن الرواية التي اتكأ عليها عدد من المتأخرين هي قوله ((فاقدروا له)) ثبت عن الراوي نفسه –هذا بيت القصيد- أنه قال: ((فاقدروا له ثلاثين)) في لفظ آخر، ولهذا فإن الروايات معروف من جادة أهل العلم بالسنة النبوية أنه يفسر بعضها بعضًا وأن لا بد من جمع الروايات ولم شتاتها لأنه بهذا تعلم سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهذا عرض نظرًا لأنه سبق بحثه في هذا المجمع ولأنني أعددت بحثًا موجزًا في هذا الموضوع بجزئيتيه مطروح للمناقشة على أصحاب الفضيلة.
الشيخ وهبة الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم. أصلي وأسلم على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
مما لا شك فيه أن التكليف الشرعي منوط بالنصوص الآمرة المحددة لبدء التكليف ونهايته، وبناء على هذه القاعدة فإن الشرع الشريف لم يكلفنا بالنسبة للصيام بدءًا وانتهاء إلا بالاعتماد على الرؤية، فقال:((صوموا لرؤيته وأفطروا رؤيته)) فالتكليف مرتبط بالرؤية ولا يعني ذلك عدم أو إهدار ما تقدمه لنا النتائج العلمية أو علم الحساب أو غير ذلك حتى لا نتهم بأننا نقل من أهمية العلوم وخصوصًا أنها أصبحت قطعية في عصرنا الحاضر، فلذلك أرجو أن نلاحظ هذا المعنى وهو ربط الحكم الشرعي بالتكليف الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا واضح في النص القرآني {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} .
فهذه عموميات لا يعارضها النص الخاص في موضوع التكليف بالصيام مرتبطًا بالرؤية التي حددها النبي صلى الله عليه وسلم فإن لم تحصل الرؤية فهناك أيضًا روايات يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم ((فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)) وليس فقط ((فاقدروا له ثلاثين)) ، ((فاكملوا عدة شعبان ثلاثين)) وهذا دليل على أن الشرع لم يكلفنا بأمور يصعب التحكم فيها أو الاطلاع عليها، ولا يعني ذلك أننا نهدر القيم العلمية النتائج التي تتوصل ليها الأرصدة سواء في الماضي وفي الحاضر ولذلك نجد الاتجاه السائد فقهًا وهو ما عبرتم عنه بشبه الإجماع أو الإجماع في أن الحكم في هذا الموضوع مرتبط بالرؤية لا بالحساب.
لكن المشكلة بعد هذا الاتجاه السائد لدى فقهائنا المشكلة في غير هذا وهي أننا أيضًا نسلم باختلاف المطالع فهذا أمر ثابت في الواقع وأهل الشام قد يرون الهلال وأهل المغرب لا يرونه وهذا استقراء ثابت في الواقع ونحن لا ننكره، والعلماء بحثوا هذه القضية واتفقوا جميعًا أيضًا اتفاقًا مضمونًا إلى التكليف بالرؤية اتفقوا على أن مبدأ اختلاف المطالع أمر مسلم به ولكن المشكلة التي نريد أن نصل إليها الآن وهي عندنا اتجاهان للفقهاء: هل إذا رئي الهلال في بلد مع التسليم باختلاف المطالع وخصوصًا أن البلاد العربية كلها يجمعها ليل واحد اثنتا عشرة ساعة ما بين المشرق والمغرب فالتي تكون على خط عرضي واحد وأما التي يجمعها ليل واحد إذا رئي فيها الهلال في بلد من البلدان فهل يجب على أهل الأقطار الأخرى أن يصوموا بناء على ثبوت الهلال مثلًا في السعودية أم لا يجب؟
عندنا اتجاهان للفقهاء في هذا الموضوع: مذهب الإمام الشافعي أنه إذا ثبت الهلال في قطر فلا يجب على أهل قطر آخر أن يروه حتى أنه بالغ الشافعية وحددوا المسافة بين القطرين بمسافة القصر يعني 90 كلم، وهذا فيه شيء من المبالغة، يعني ولا يمكن أن تخلو بلدة من البلدان في إقليم أو قطر الآن من الأقطار إلا وبينها وبين البلدة الأخرى أكثر من هذه المسافة، فهذه مبالغة في الحقيقة نجدها واضحة في مذهب الشافعية.
لكن جمهور الفقهاء وهذا الذي أريد أن أعتمد عليه، وما دام هناك اتجاه جماعي لأغلب الفقهاء وهو القول بأنه إذا رئي الهلال في البلد يجب على أهل كل تلك الأقطار ما دامت على خط عرض واحد أن تصوم وأن تفطر وفي هذا ما دام عندنا مجال واتساع لكي نأخذ بهذا الرأي الأغلبي لدى الفقهاء ونوحد بداية الشهور ونهايتها، فما المانع من أن نقول بتوحيد بدايات الشهور العربية بناء على هذا الاتجاه الفقهي السائد، وأن نجنب الأمة الوقوع في الخلافات والنقد اللاذع.
وما أشار إليه فضيلة الأستاذ مصطفى فعلًا كان في السنوات الأخيرة، قد يكون الفرق ثلاثة أيام، فهذا لا يمكن قبوله بحال وصمنا في بعض الأقطار في الإمارات صمنا ثمانية وعشرين يومًا ثم قضينا يومًا آخر منذ سنتين وهكذا وقعنا في إشكالات كثيرة، أما الخطأ فمرجعه إلى أن القضاء الشرعي الذي يعتمد على رؤية واحد أو اثنين هو الذي يكون قد قصر في التعرف على عدالة الشهود، فهو المؤاخذ في هذه القضية وعندئذ التقصير يكون من قبله ولا ينبغي أن نجرح الناس إنما نقول يجب عليه أن يتثبت تثبيتًا دقيقًا واعيًا لأن هذه عبادة وأن آلاف وملايين المسلمين تنتظر القول الفصل من قاض شرعي واحد، والغالب أن الدول أحيانًا تقلد بعضها بعضًا إذا ثبت في مصر فكان يثبت في المشرق وهكذا.
وبالعكس فنحن نريد الوصول إلى توحيد بدايات الشهور القمرية وعندنا المجال متسع والرأي الفقهي واضح، فما أدري لماذا نصر على القول باختلاف المطالع ونكرس التفرق ونبقي هذه الظاهرة بهذا الشكل التي لا يمكن تفسيرها في تقديري إلا للعصبية المذهبية، وإلى التحجر على الآراء، ومع الأسف الشديد تدخلت السياسة أخيرًا فكانت تعاند وتعارض في أن مثلًا بلدًا من البلدان صام كان البلد الآخر يتدخل بشكل أو بآخر فلا يصوم، فهذه آفة، تدخلت السياسة وأفسدت حتى قضايا ديننا الحنيف فنحن يجب أن نكون واعين لمثل هذه الأمور وأن نقطع تدخل أولئك الذين لا يحسنون أن يكون لهم قرار في قضايا ديننا الحنيف والمجال أمامنا متسع، والله سبحانه وتعالى أسأله أن يوفقنا إلى ما فيه الخير والسداد، وشكرًا.
الأستاذ فخر الدين الكراي: (أخصائي في علم الفلك بأمريكا) :
بسم الله الرحمن الرحيم..
وبعد، فإني أبلغ لكم سلام بعض الجاليات المسلمة الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تنتظر منكم الكثير في مجمعكم الموقر هذا لإمكانية توحيد بداية الأشهر القمرية انطلاقًا من هذه الدورة إن شاء الله، وإنه لمن المؤلم حقًا أن ترى في هذه الجاليات الأمريكية كلا يتبع بلاده فترى المجموعة ذات الخمسين أو الستين مسلمًا تحدهم يصومون على ثلاثة، يبدءون صيامهم على ثلاثة أو يومين، وهذا يؤلم وجعل الأمريكيين والأجانب يتساءلون عن مصداقية بداية الشهور وجعلونا محل استهزاء في بعض الأحيان وهذا يؤسف له.
قمت في الدراسة التي قدمتها في توحيد بداية الشهور القمرية بوصف بعض الأشياء التقنية التي طلبها مني بعض الإخوان، وهي عبارة عن التحركات الظاهرة للقمر، حالات القمر ومنازله، الكسوف والخسوف وهي من الظواهر التي تبين وتؤكد على أن هناك حسابات فلكية يمكن الاعتماد عليها للاستعانة في تعيين بداية الأشهر القمرية بداية شرعية أعني الرؤية بالعين المجردة والرؤية الصحيحة وأثبت على الرؤية الصحيحة لأنه ثبتت في العديد من السنوات الماضية أنه في عدد من دول العالم الكثيرة يعلنون عن بداية الشهور القمرية برؤى غالطة سواء في أي مناطق من دول العالم.
وهذا مما يؤسف له، ولقد أردت في هذه الدراسة الصغيرة والتي هي مستوحاة من كتاب "في أعماق الكون" كنت قدمته قبل سنتين في هذا الموضوع وقمت بمحاورات عديدة لبعض المراكز الإسلامية في الولايات المتحدة لكي أوضح لهم هذا الموضوع.
وإذا تسمح سيادتكم أن أقدم لكم بعض التفسيرات على السبورة، فأقدم بعض التفسيرات إن شاء الله وقد قمت بتصوير وتلخيص ما جاء في هذه الدراسة وهو من أهم الأشياء التي تهمنا في اختلاف المطالع، (هنا يتولى الأستاذ الكراي رسم بعض الصور على السبورة ويقوم بالشروح العلمية) .
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين.
في الدراسة التي تحت أيديكم أظن في الصفحة 8 هناك صورة توضح مختلف المناطق التي يوجد فيها القمر خلال دورته على الأرض، وهي صورة مبسطة جدًا لأن مدار القمر ليس بالمدور وهو ليس الإهليج كما يدعي البعض ولكنه إهليج يدور في وسط إهليج ثان وهو عبارة عن إهليج يدور في حلقة خذروفية.
وهذا مما عسَّر حساب القمر منذ القديم، ولذلك لم يعتمد فيه الصحابة والرسول صلى الله عليه وسلم وبعض الفقهاء على أقوال المنجمين الذين كانوا يدعون معرفة وقت المدة الشهرية للقمر وابتداء وحساب الكسوف والخسوف، أما هنا هذه أشعة الشمس مثلًا –هذه الأرض هنا- نسبة لمشاهد خارجي عن المجموعة الشمسية أعني عن الأرض والشمس وكل الكواكب الأخرى.
فإذا اعتبرنا أشعة الشمس توجد هنا والشمس كما قلنا بعيدة عن مركز الأرض بمسافة تقدر بمائة وخمسين مليون كلم، بينما تقدر المسافة الموجودة بين الأرض والقمر بمسافة معدلية تبلغ 380 ألف كلم، فهنا أخذنا لتبسيط الأمور وتوضيح الأشياء أمامكم أن مدار القمر حول الأرض هو دائرة فبالنسبة لمشاهد خارجي يعني مثلًا خارج عن المجموعة الشمسية ماذا يرى؟ فإنه يرى في مختلف هذه المناطق القمر يدور حول الأرض وكل الاشعاعات هي نفسها نصف إشعاع، نصف كرة مشعة، والقمر بالنسبة لمشاهد خارجي عن الأرض وعن المجموعة الشمسية، ولكن الأمر يختلف تمامًا بالنسبة للمشاهد الأرضي فعند التقاء القمر على نفس خط الطول السماوي بين مركز الأرض والشمس هذه الأرض.
وهذه كلها المنطقة المضيئة، وهنا منطقة غروب وهنا منطقة شروق، وهذا كله النهار فهذا منتصف النهار، وهذا منتصف الليل والكرة الأرضية نرى منها القطب الشمالي هنا، فهي ارتماء للصورة وهذا القمر بينما بالنسبة لمشاهد يوجد على سطح الأرض في أي من القارات الخمس فإنه لا يرى شيئًا في هذه المنطقة التي تقابل التقاء القمر بخط الطول السماوي وهو ما يعبر عنه فلكيًا بحالة القران أو الاقتران، فإنه في هذه الحالة لا يرى شيئًا، وهذه الدائرة ليس فيها أي ضوء، وكل ما ترونه هنا هو ما يشاهد لنا من مشاهد في الأرض بينما ما ترونه هو كل موقع القمر التي تحتلها في مدارها حول الأرض ولكنها بالنسبة لشخص يوجد خارج المجموعة الشمسية، عندما ينتقل القمر من هذه المنطقة إلى هذه المنطقة سيسير ارتماء الضوء، فهو ارتماء هندسي يسير ارتماء هذا الضوء بالنسبة لمشاهد على الأرض يعطينا هذا الرسم الهندسي هو ما يعبر عنه بالهلال –بهلال أول الشهر- إذن الهلال العلمي هو في اللحظة التي يخرج فيها القمر من هذه المنطقة منطقة القران الفلكي.
الشيخ عبد الله البسام:
المحاق يوم أو يومان؟
الأستاذ فخري الدين الكراي:
المحاق ليس له قيمة مفصلة ذلك لأن القمر ليست له سرعة قارة في كامل دورته حول الأرض، وذلك كما قلت لكم لأن القمر يخضع لمشكلة الثلاثة أجسام، فالقمر لا يحتل مدارًا إهليجيًا حول الأرض لأن الأرض ليس الجسم المؤثر الوحيد على القمر.
الشيخ عبد الله البسام:
لكن يوم المحاق كله يوم قران.
الأستاذ فخر الدين الكراي:
في كل هذه المنطقة التي سوف أفسرها وهي من 8 درجات من هنا و 8 درجات من هنا تقارب المحاق 16 درجة من بداية الاقتران وقبل الاقتران، في هذه المنطقة هي نهاية الشهر القمري وهذه المنطقة هي بداية الشهر القمري، ففي هذه المنطقة قبل يومين من نهاية الشهر القمري نرى أن القمر يبزغ قبل شروق الشمس بساعات قليلة ثم يغرب ثم بعد يوم نلاحظ أن القمر لم يظهر قبل شروق الشمس بقليل ولم يظهر إلا بعد يوم من ابتدائه بعد القران بمدة.
وكل هذه المدة يعبر عنها بالمحاق وهي ليست مدة قارة: في بعض الأحيان تقارب اليوم وعشرين ساعة، وفي بعض الأحيان تقدر بيوم و 12 ساعة، وفي بعض الأحيان تقدر بيوم و 10 ساعات، فهي تختلف باختلاف سرعة القمر كما قلت لكم إذ مدار القمر هو مدار خذروفي ومعقد جدًّا، ولم يستطع علماء الفلك حل المشكلة التي أعبر عنها بمشكلة الأجسام الثلاثة إلا في بداية هذا القرن العشرين عن طريق العالم الألماني بروان.
ولكن في نفس هذه الفترة لم يتمكنوا من الحساب الدقيق لبداية الشهر ونهاية الشهر، وذلك لأن في هذه المعادلات تفاضلية معقدة جدًّا وهي حل لمشكلة الأجسام الثلاثة مكثوا مثلًا لحساب مدقق أقول ساعتين أو لثلاثة ساعات تقديرية مكثوا عشرة أيام يحسبون بمجموعة من العلماء في ذلك الوقت حسبوا لمدة عشرة أيام ولم يتوصلوا إلى دقة تقارب الساعتين أو الثلاث ساعات ولكن في العشرين سنة الماضية تطورت الحاسبات الإلكترونية وتمكن علماء الفلك من ضبط دقة هذا الموضوع وتوصلوا في سنة 1962 إلى ضبط دقة تقارب جزءًا من الألف من الثانية لمعرفة موقع القمر في مداره حول الأرض، وهذه دقة يعجب بها الإنسان، وهي دالة على نبوغ في هذا الميدان.
ونفس الحساب هو الذي مكن علماء "ناسا" وكالة الفضاء الأمريكية من بعث أول إنسان إلى سطح القمر، بنفس هذه الدقة فقد تنافست عديد من الجامعات الأمريكية على هذا الموضوع وفي الأخير نجحت الجامعة الأمريكية –ويعرفها الدكتور علواني- نجحت جامعة الأمريكيين من معرفة دقة الحسابات الفلكية بجزء على ألف الثانية، وحاليًا يعرفون دقة الحسابات هذه بجزء على مائة ألف الثانية، وسبحان الله بعثوا هذا الصاروخ القمري يقولون عنه: لو لم تكن الدقة تعدل جزءًا من المائة في الثانية، لما نبعث صاروخًا من سطح الأرض نبعثه ليكون على سطح القمر إذا لم تعد لتلك الدقة فإن الصاروخ يضيع في الفضاء الخارجي، وهذه الحقيقة لا يمكن الابتعاد عنها، ومن هنا توفرت لفلكيين هذا العصر إمكانية حساب الأشياء بدقة هائلة.
بقي موضوع اختلاف المطالع على الكرة الأرضية.. لنرسم هنا، لنفتح مثلًا الكرة الأرضية، الكرة الأرضية تعرفون مدورة لنفتحها مثلًا على مستوى السبورة هذه، ونرسم هنا القارة الأسيوية، القارة الأوروبية، القارة الإفريقية، والقارتين الأمريكية الشمالية والجنوبية، ونرسم هنا القطب الجنوبي وهنا القطب الشمالي، وهنا أشعة الشمس التي تغيب، أي توضيح أو شيء ممكن الإعادة.
هذه مثلًا القارة الأسيوية هنا توجد القارة الأسيوية وهنا توجد القارة الأوربية مثلًا وهنا توجد القارة الإفريقية مثلًا وهنا توجد القارة الأمريكية كما ذكرت هذه كرة الأرض مدورة الشكل فتحناها وجعلناها على هذا المستوى فكل هذه المنطقة فيها ليل كما أن كل هذه المنطقة فيها ليل ومنتصف هذه المنطقة فيها النهار، فمثلًا إذا اعتبرنا أن القران في هذه اللحظة هذه معنى الولادة، الولادة العلمية للشهر القمري حدثا في ساعة منتصف النهار صباحًا في هذه المنطقة مثلًا الباكستان مثلًا توجد في هذه المنطقة غروب الشمس بينما توجد في هذه المنطقة مثلًا في وسط الولايات المتحدة الأمريكية مثلًا في كلورادواو في أي منطقة يوجد الفجر فجر اليوم الجديد، وهذا غروب الشمس في هذه المنطقة في كل هذه المنطقة على نفس خط الطول هذا له نفس وقت الغروب إذا كانت الأرض في منطقة المنقلب الصيفي أو المنقلب الشتوي.
وفي غير ذلك هذه المناطق ليست لها نفس وقت الغروب في هذه المنطقة بالضبط هنا غروب الشمس وولد الهلال في ساعة منتصف النهار، قلنا يولد الهلال لا يولد في منطقة واحدة يولد على العالم كله الهلال يولد على كل الكرة الأرضية ولكن المشكلة لا يمكن رؤية هذا الهلال إلا بعد وقت من ابتعاد هذه الكرة القمرية في هذه المنطقة عن منطقة القران بعد ساعات، وهذه الساعات قدرت بعدد من الدرجات يقدر بـ 8 درجات يعني مثلًا هذه المنطقة هو يصبح فيها الهلال مرئيًا، وكما ذكرت لكم، أن الثماني درجات هذه تقابل في بعض الأحيان 12 ساعة وفي بعض الأحيان 20 ساعة وفي بعض الأحيان 17 ساعة وذلك باختلاف سرعة القمر حول الشمس.
قلنا غروب الشمس أعني أن في هذه المنطقة عندهم غروب والقمر في لحظة اقترانه يعني استحالة رؤية القمر في كل هذه المنطقة التي لديها غروب الشمس، ثم تدور الكرة الأرضية حول محورها وتصبح منطقة مثلًا منطقة السعودية تصبح عنده الغروب ولكن في ذلك الوقت القمر ابتعد عن هذه المنطقة –منطقة القران- ليصبح مثلا ًعمره ستة ساعات، وستة ساعات هذه مثلًا لا تقابل إمكانية رؤية الهلال.
إذن أشخاص في السعودية لا يتمكنون من أن يروه مثلًا أخذت السعودية أو الكويت أو الإمارات لأنها في نفس خط الطول، كل الناس الذين يوجدون على نفس خط الطول لا يمكن لهم رؤية الهلال إذا لم يتحصل على تلك الـ 8 درجات نزيد نبتعد في الوقت تدور الكرة الأرضية في نفس الاتجاه، ويصبح مثلًا خط غروب الشمس على ليبيا مثلًا في نفس الفترة تلك الهلال عمره 8 ساعات إذن الـ 8 ساعات تقابل الـ 8 درجات التي يمكن فيها رؤية الهلال في هذه المنطقة، فإن الهلال على ليبيا يمكن رؤيته بينما السعودية غرقت في الظلام في ذلك الوقت وتستحيل رؤية الهلال لأن الهلال أول الشهر لا يمكن أن يتعدى بعد غروب الشمس 15 دقيقة، 20 دقيقة، 30 دقيقة، في أكثر الأحيان إذا لم ير في تلك الدقائق فإنه تستحيل رؤيته إلا في اليوم القادم.
إذن فالسعودية –قلنا- لن ترى الهلال وباكستان لن ترى الهلال بينما ليبيا فقط ترى الهلال، إذا ليبيا بدأت ترى الهلال فإن المغرب الذي يوجد في غرب ليبيا بثلاث ساعات أو ساعتين فإنه سوف يرى الهلال أحسن من الليبيين، فإن الهلال انتقل من هذه المنطقة إلى منطقة أبعد منها يكون فيها ارتماء الضوء أكثر من المنطقة التي كان فيها على ليبيا.
وهذا ما يفسر اختلاف المطالع أعني أن باكستان لم تر الهلال، السعودية لم تر الهلال، ليبيا تراه صغيرًا بينما المغرب بدأت تراه واضحًا، وتدور الكرة الأرضية ويصبح الهلال لما يصبح الغروب شرقًا في هذه المنطقة، أي على الولايات المتحدة الأمريكية يصبح مثلًا الهلال في وقت غروب الشمس على هذه القارة عمره 22 ساعة أو 24 ساعة وذلك يقابل هلالًا كبيرًا، يعني ما خلاصة هذا القول يعني أن كل الدول التي توجد في غرب الكرة الأرضية ترى أحسن من غيرها هلال بداية الشهر، قلنا إن ليبيا ترى أحسن من باكستان والمغرب ترى أحسن من ليبيا والولايات المتحدة رئي أحسن من المغرب، وهذه الحقيقة يجب أن نتركها في الأذهان وأنه إذا رؤي الهلال في الشهر في منطقة باكستان فإنه يرى واضحًا في منطقة السعودية ويرى أوضح من ذلك في منطقة تونس والجزائر والمغرب، هذه حقيقة يجب التفطن إليها.
الرئيس:
لكن في الواقع يا أستاذ الكراي يظهر أن الواقع يفيد العكس فإنه مثلًا يرى في السعودية وتستحيل رؤيته في المغرب.
الأستاذ فخري الدين الكراي:
لا هذا هو عين الغلط.
الرئيس:
لا أنتم تقولون العكس.
الأستاذ فخر الدين الكراي:
أنا قلت: إنه في المغرب يرى أحسن من السعودية.
الرئيس:
أنا أقول العكس، هذا الحاصل.
الأستاذ فخر الدين الكراي:
نحن أناس نؤمن بكروية الأرض وأن الأرض تدور حول نفسها في الاتجاه المعاكس لحركة الساعة، كذلك القمر يدور في محورها في نفس هذا المدار فإنه في الغرب وهذا يقر به جميع علماء الفلك والناس الذي أرسلوا الصاروخ كلهم يعلمون هذه الحقائق.
الشيخ عبد السلام العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم..
كفاني بعض الإخوة شيئًا كثيرًا مما كنت سأقول، إنما أكتفي ببعض الإشارة تعقيبًا على ما قيل بخصوص مدى توافق الحقائق العلمية في مجال الدراسات الفلكية بخصوص حركة القمر مع الرؤية الشرعية.
العنوان الذي اختير لهذه المسألة هو توحيد بدايات الشهور القمرية لم يختر العنوان بحيث يقال: اللجوء إلى الحساب الفلكي في مجال إثبات الرؤية وهذا أمر في الواقع له ملحظ يعني يجب أن يقام له وزن كبير.
نعم الشريعة والنصوص التي وردت تركز وتحدد في المجال موضوع الرؤية البصرية لكن الرؤية البصرية إذا تطرق للشهادة بها احتمال من حيث اصطدامها مع يقين قاطع، كما تفضل الشيخ عبد اللطيف وخاصة أن العملية تناط بشاهدين أو بثلاثة شهود نقطع وفق البحث العلمي الذي تفضل الأستاذ الكريم وشرح لنا بأننا نحسب الآن حركة القمر بالنسبة لحركة الأرض بدقة تصل إلى مائة ألف من الثانية، ويأتي شخص أو شخصان أو ثلاثة ويقولون إنهم رأوا الهلال ولدينا يقين علمي نقطع معه بأن الهلال لم يكن متولدًا فلكيًا في تلك اللحظة.
واضح من الناحية الشرعية الشهادة في مجال تمحيصها والاستيثاق منها إذا أتت بما هو مخالف للواقع ترد، فقضيتنا في هذا المجال ترتبط أولًا بموضوع الاستيثاق من الرؤية أو من الشهادات التي تقرر موضوع الرؤية، الذي عليه الحال في عالمنا الإسلامي في هذه الأيام، وفي أكثر من مناسبة لإثبات رؤية هلال شوال أو رؤية هلال رمضان نسأل كيف تم إثبات الهلال في البلد الفلاني يقولون: جاء شاهدان أو ثلاثة شهود وشهدوا بأنهم قد رأوا الهلال، طيب يا أخي أين نذهب بالقطع العلمي اليقيني بأن الهلال لم يكن متولدًا وقت الرؤية، وكيف نترك أمر ديننا لشهادة اثنين أو ثلاثة مع احتمال أن يكون قد وقع في شهادتهم نوع من اللبس أو الوهم أو الغموض أو غير ذلك هذا من ناحية.
من ناحية أخرى الموضوع الذي تفضل الدكتور وهبة وأشار إليه، بعد أن نستوثق من عملية الرؤية وأنها لا تخالف اليقين الفلكي، الأساس هو الرؤية لكن شريطة أن لا تخالف اليقين الفلكي في موضوع تولد الهلال إذا ثبتت الرؤية في بلد، لماذا لا يخرج هذا المجمع بقرار يتبنى فيه رأي جمهور العلماء في هذه المسألة ويقول إنه إذا رئي الهلال في بلد يجب على جماعة المسلمين أن يصوموا أو يفطروا حسب الحال المعروض في موضوع الرؤية.
والقضية ليست قضية اختلاف بين المغرب والمشرق، القضية وصلت إلى درجة بين البلدين المتجاورين الموجودين على نفس خط الطول هذا يصوم وهذا يفطر يعني هذا في الواقع مثار سخرية وانتقاد ومظهر من مظاهر فرقة هذه الأمة، قد يقول بعض الإخوة كما سمعت: إن المسلمين متفرقون في أمور أشد من هذا، وإذا كان في إمكاننا أن نوحد المسلمين في هذا الأمر نتركه لأن المسلمين متفرقون في أمور أخرى ولا أدري كيف يقبل هذا المنطق.
إذن لماذا نجتمع؟ ولماذا نبحث في وحدة المسلمين؟ ولماذا تقوم المنظمات الإسلامية ما دام أن المسلمين متفرقون ومختلفون؟ هذا في الواقع منطق غير مقبول ما دمنا نستطيع أن نحافظ على وحدة المسلمين في أمر يجب أن يحافظ عليه، وهذا الأمر الذي يكلفنا الله به قدر استطاعتنا.
بقيت قضية أخرى في هذا المجال وهي حكم المسلمين في الدول غير الإسلامية، تفضل الإخوة وأشاروا إلى ما يحدث في الولايات المتحدة مثلًا بالنسبة للمسلمين: ما حكمهم في الواقع هل يتبع كل فرد رؤية بلده إذا صح موضوع الرؤية، أو القرب إليه؟ وبخاصة أن المسلمين قد عزفوا في هذه الأيام عن موضوع الرؤية.
تجد في البلد كله لا يأتي للشهادة إلا واحد أو اثنان لو كان الأمر كما تفضل الشيخ عبد اللطيف أنها جماعة المسلمين ترى لهانت القضية وسلم بالرؤية وحل الإشكال لكن القضية أن المسلمين انصرفوا عن عملية الرؤية ولا يتقدم إليها إلا قلة ونوادر، البلد بطوله وعرضه وملايينه لا يأتي إلا واحد أو اثنان أو ثلاثة يشهدون ونقبل شهادتهم فيما فيه قطع يقيني بمخالفته للحساب الفلكي.
كنت سأقول فكاهة عندما احتدم الخلاف بين موضوع الفلكيين والشرعيين وما تفضل به بعض الإخوة يعني أيصل الأمر أن هلال الفلكيين غير هلال الشرعيين؟ نحن نتكلم عن هلال واحد، أولئك يقطعون بأن الأمر بواحد من المائة ألف من الثانية أن الهلال في المكان الفلاني من السماء ثم يأتي واحد بسيط وقد يكون أميًا في قرية من قرانا ويقول: لا أنا رأيت الهلال فيما يخالف ذلك القطع، كيف نسلم أمر ديننا لمثل هذا؟ أكتفي بهذا وشكرًا.
الشيخ عبد السلام العبادي:
سيدي لو سمحت على أساس أنه وجه الكلام لي كلمة صغيرة إذا سمحت، في الواقع أنا أعرف أن هنالك فرقًا بين التولد الفلكي وإمكانية الرؤية الشرعية، وإمكانية الرؤية الشرعية تأتي بعد التولد الفلكي كما تفضل وشرح الأستاذ المختص في هذا المجال، لكن هذا لا يعني أن يسبق الشهر أو بداية الشهر شرعًا البداية الفلكية، وهذا الذي قلناه وما ذهبت إليه أنه لا يمكن أن نقبل شهادة تقول بأنها رأت الهلال ولدينا قطع بأن الهلال لم يتولد فلكيًا، هذا الذي أريد أن أقوله فقط.
الرئيس:
قبل أن نعطي الكلمة للشيخ عبد الرحمن باه لمعالي الأمين كلمة بسيطة.
الأمين العام:
بسم الله الرحمن الرحيم.. صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
حقيقة إن الاستماع لهذا الحديث الطويل الممتع مهما اختلفت فيه الآراء يجعلنا مطمئنين لعنايتنا بالتكاليف الشرعية وأدائها على أحسن وجه وعلى الوجه الذي يرضي الله.
اختلفت الاتجاهات في التصور، وفي التقدير، هذا طبيعي لكني أريد أن أذكر فقط بأن ما تحدث به أحد الإخوة الآن يجعلني أتردد في قبول هذه الصور ة أو هذا المثال لأنه يأتي مناقضًا لما أعتقده أو لما هو واقع، فإن المثال الذي ساقه فضيلته يجعل بداية الشهر الفلكي سابقة وقبل بداية الشهر الشرعي والذي يقع عندنا فيه الخطأ الآن في ظرفنا الحاضر هو أن يعلن عن بداية الشهر الشرعي ويقوم الشهر الفلكي بعد ذلك فيكون هذا مما يؤكد كلام ابن عابدين في حاشيته حين قال: إن العلماء لا يعتدون بالحساب الفلكي من أجل الإثبات ولكنهم يأخذون به لأنه يصلح أن يكون دليل نفي.
وهذا يسوقنا في اعتقادي إلى أن التحري الواجب بالنسبة للمواسم الشرعية أو لبدايات الشهور سواء اعتمدنا الحساب أو لم نعتمده ينبغي أن تكون الرؤية في الوقت المناسب وأن يخرج الناس وأن يعتنوا بها، كانت العناية كما قال بعض الإخوان في السابق كبيرة ببداية الشهر وكان المسلمون يخرجون ويعرفون أماكن الرؤية، الآن لا يعرفون أماكن الرؤية ولا يخرجون ثم يأتي فرد فيقول: رأيت الهلال، إذا كان خروجه قبل بداية الشهر الطبيعي فإنه لا يستطيع أن يرى الهلال، فلذلك ينبغي أن نفكر في طريقة نبتعد بها عن هذا الخطأ الجوهري الذي يوقع الناس في الفتنة ويجعلنا في كل البلاد الإسلامية في حيرة من أمرنا وشكرًا لكم.
الشيخ عبد الرحمن باه:
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما مسألة حكم إثبات الشهر بالحساب وحكم توحيد الرؤية لفضيلة الدكتور بكر أبو زيد فنعم نقدر ونشكر مع الامتنان كل جهوده التي بذلها لإخراج الحجج الدامغة في هذا الموضوع، لأن هذه مشكلة أهمت العالم الإسلامي كله ولم يبق إلا أن ندعو جميع المسلمين إلى نبذ الخلافات وتحكيم الشرع المطهر بين المسلمين بناء على أن الله ربط الهلال بعلامات يقينية لا مدخل للعباد فيها، بل هي سنن كونية ثابتة يستوي في معرفتها الخلق من أجل إثبات اليسر ورفع الحرج في الشريعة قال تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} .
وبناء على أن صاحب الشرع أشعر بحصر السبب في الرؤية أو الكمال ولم ينسب سببًا سواهما وبناء على أنه ليس في شيء من الأحاديث الحكم الشرعي للحساب الفلكي، والله سبحانه وتعالى قيد عباده في الصوم برؤية الهلال لرمضان أو باستكمال شعبان ثلاثين يومًا والنصوص المستقيمة بذلك من النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة جدًا، بناء على هذا كله فيجب على المجمع تأييد هذا القرار الذي خلاصته: أن على كل بلد أن يتبعوا ما يقرره أهل التقوى فيه وأن على المسلمين السعي إلى أساس توحيدهم وجمع كلمتهم في تحكيم شريعة الله وإيذان الحكم بها دومًا وعملًا، وشكرًا.
الشيخ محيي الدين قادي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
هذا الموضوع هو موضوع طال فيه الحديث لكن لي استيضاحات..
الاستيضاح الأول: هل توحيد بداية الشهور القمرية مقصد للشارع أو ليس بمقصد؟ أنا عندما درست هذه النقطة وتوقفت عند حديث سيدنا كريب رأيت حبر الأمة عبد الله بن عباس يقول: لأهل الشام رؤيتهم ولنا رؤيتنا، ويثني على ذلك بقوله: هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابي إذا قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فالحديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم إذن هل هناك دليل على أن صاحب الشريعة أو أن الله عز وجل وهو المشرع الحقيقي قصد وأراد أن تتوحد الأمة الإسلامية في بداية الشهور القمرية؟
ثانيًا: المسألة الثانية هي قضية من المسلَّم بها وهي قضية اختلاف المطالع، هذه القضية اختلاف المطالع تجعل كما قال ابن العربي في كتاب الأحكام تجعل أن رؤية أهل أغمات لا يصوم بها أهل إشبيلية لأن سهيلًا يراه بأغمات ولا يراه بإشبيلية.
إذن القضية حتى مع تقديرنا للعلم لا يمكن أن يكون هنالك يوم واحد للصوم لأن إذا كان الدكتور الكراي الآن كان يقرر بأنه يمكن أن يرى في تونس ولا تمكن رؤيته في الأردن مثلًا أو في المملكة العربية السعودية لأن وجوده في المملكة العربية السعودية 6 دقائق لا يمكن من رؤيته ووجوده في تونس 8 دقائق يمكن من رؤيته إذن حتى مع اتباعنا للعلم فنحن سنكون مختلفين، هذه نقطة هامة.
ولهذا فقهاء المالكية من قبل حرروا مسألة ما روي عن مالك أنه قال: "إذا رئي بالحجاز صام من بالأندلس " حرروا هذه المسألة وقالوا "ما لم يكن البعد سحيقًا، ما لم يكن البعد سحيقًا كالبعد بين الأندلس وخراسان " لكن العلم الآن كما قال الشيخ بخيت المطيعي في كتابه إرشاد أهل الملة لإثبات الأهلة قال ما معناه: هذا لا يمكن أن يقال الآن لأن هذا قبيل يوم أن كان العالم لا يؤمن بكروية الأرض ووجد ظواهر قرآنية كثيرة تدل على أن الأرض بساط ومهاد وفراش ودحي وطحي.. الخ، ففهم التسطيح لكن أثبت العلماء من قبل كالإمام فخر الدين الرازي تأول ذلك وقال أن الكرة إذا كبرت رئيت من كل جهة مسطحة وإلا فالأرض كروية الشكل، هذه قضية الأرض كروية الشكل أصبحت هي يقينيات العلم ولهذا تأويل الظواهر التي هي من ظني الدين على حسابها وقع، وقالوا بمراعاة اتحاد البلدان في خطوط الطول إذا كانت البلدان متحدة أو مختلفة اختلافًا يسيرًا لا يؤثر على رؤية الهلال ممكن أن يصوموا لرؤية واحدة ويفطروا لرؤية واحدة، وإذا كان البلدان غير متحدة في خطوط الطول أو مختلفة اختلافًا يؤثر على رؤية الهلال فيها جميعًا فإنه لا يمكن أن يصوموا في رؤية واحدة ولا يفطروا برؤية واحدة.
وأنا في جوابي على أحد الأجوبة: أطلت في هذه النقطة في جواب من أجوبة استفتاءات المعهد العالمي للفكر الإسلامي وبينت هذا بنص عن مالك أنه يقول "إذا اتفقوا إذا غم في هذه البلدة يعمل لرؤية البلدة الأخرى، هذا ما أردت أن ألاحظه، حتى العلم لا يؤيد أننا نعمل بالحساب ونصوم في يوم واحد ونفطر في يوم واحد، هذه وجهة نظر لعلها تكون صوابًا أو تكون خطأ فإن كانت صوابًا فمن فضل الله عز وجل وإن كانت خطأ فمني ومن الشيطان، والله أسأل أن يثبتنا على القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
الشيخ المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
أعتقد أننا كجماعة منتسبين إلى الفقه نعيش أزمة، هذه الأزمة تظهر فيما اقتنعنا به جميعًا أن الدين الإسلامي صالح لكل زمان ومكان ثم إنه كلما عرضت علينا قضية وقفنا بها في حدود الزمن الماضي ولم نستطع أن نتقدم مع تطور الزمن ولا مع تطور العلم ولا مع تطور الأحداث، ونحن مقتنعون أيضًا بأن العلم لا يختلف عن الدين، وأن العلم حقائق ثابتة أثبته الله في سننه، ثم إذا جاء العلم بما يخالف قول مالك أو قول أبي حنيفة أو قول الشافعي كنا في أزمة تمزقنا من الداخل ولا نستطيع أن ننفك من هذا الوضع الذي نحن عليه.
الصوم كركن من أركان هذا الدين جاءت فيه الآية الواضحة {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وقوله تعالى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} حصر أو علم لم يبين القرآن وسيلة به ثبوت الشهر فالحكم هو صيام الشهر والوسائل بينها صلى الله عليه وسلم في هذه الناحية فقط فقال ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) لا بد من التأمل ومن التعمق في الظروف التي كانت موجودة في عهد النبوة.
فكانت الوسائل إما الرؤية البصرية وإما اعتماد أهل النجوم وليست هناك وسيلة أخرى تثبت دخول الشهر، ووسائل النجوم وكل ما اعتمد عليه التنجيم هو باطل في الإسلام، فلذلك جاء قوله صلى الله عليه وسلم ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) على أن الرؤية هي الوسيلة الوحيدة في عصره صلى الله عليه وسلم.
فهل معنى هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قد نص على الرؤية، أن الرؤية تبقى هي الوسيلة الوحيدة أو يمكن أن توجد معها وسائل أخرى؟ نظرت هذا بقوله تعالى:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} فالناس في عهد هذه الدعوة من إبراهيم عليه السلام ما كانت لهم من وسيلة لبلوغ الأماكن المقدسة إلا الأرجل أو الخيل.
فهل نقول اليوم إن من يحج على الطائرة أو على الباخرة أو على غير ذلك من الوسائل أنه لا يحج؟ فقضية بيان الوسيلة في عصر ليس معنى ذلك أنه يقصر عليها قوله صلى الله عليه وسلم ((نحن أمة أمية)) واردة، إخراجها عن كونها تعليلًا باعتبار أنها بيان للواقع، نعم هي بيان للواقع وهي من قبيل الإيماء لأنه قد ذكر وصف لو لم يجعل للتعليل لما كان لذكره فائدة.
فهل الأمية لازمة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وقد نزلت آية {اقْرَأْ} .
وهل بقي المؤمنون بقي اليوم العالم الإسلامي بما فيه من علماء بقوا أميين كلامه صلى الله عليه وسلم لا يختلف عن الواقع، فلماذا نتمسك بأشياء ظاهرها لو أخذنا بها واطمأنا إلى تلك الظواهر يصبح الحديث متناقضا مع الواقع وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتناقض مع الواقع؟
الحساب الفلكي هل هو بينة شرعية أو ليس بينة شرعية؟ الحساب الفلكي هو علم قوته من ذاته لا يحتاج إلى بينة، واليوم أصبحنا نعتمد على وسائل كثيرة في ديننا ولم يتكلم أحد منا اليوم، نفتح الإذاعة أو نفتح التلفاز فيقول: الله أكبر فنفطر مع أنه قد ربط بغروب الشمس لا بقول المذيع: أذن المغرب.
نحن الآن نأخذ الساعة ونقول: الساعة الخامسة وأربع دقائق أذن المغرب، ما خرج منا أحد إلى الشمس ورأى غروب الشمس ظاهرة وجدتها وأنا أتابع الفتاوى أن الشيخ ابن تيمية رضي الله عنه أفتى بحرمة علم الفيزياء، وقال: إن علم الفيزياء حرام وذلك لأنه إشراك في الخلق وأن الخلق لله.
يا سيدي هو كلام محق في زمانه باعتبار أن علم الفيزياء في زمانه كان ضربًا من الهوس والتهريج وابتزاز الأموال، أما علم الفيزياء اليوم فنقول إنه يجب أن نغلق كل الكليات الفيزيائية.
مناقش:
الكيمياء
الشيخ المختار السلامي:
الكيمياء، المشكل كيمياء أو فيزياء، فإن المهم هو أنه أفتى بحرمة ذلك، فهل معنى ذلك أننا نغلق الآن كل المعامل لأن الشيخ ابن تيمية أفتى فيها، في وقته صحيح لأنها ما كانت علمًا صحيحًا، أما اليوم أصبحت علمًا صحيحًا، فكيف يمكن أن نرفضها؟ فما ذكره مالك وأبو حنيفة والشافعي نعرفه ورضي الله عنهم تحدثوا عن أشياء وقد تبين لنا من الحديث الذي تكلم به أخونا الدكتور الكراي هو أن الحساب لم يصل إلى الدقة إلا في سنة 1960 وقبل 1960 ما كان الحساب دقيقًا.
أنأ أعطي مثلًا بسيطًا فإن العالم الفرنسي "لابال" بحث في حركة زحل فوجد أن حركة زحل هي حركة فيها عدم انتظار وحسب القوانين التي خلق الله عليها الكون وكل شيء عنده بمقدار، قال: هذه الحركة حركة فوضوية في نظام كامل فلابد أنه توجد كتلة أخرى هذه الكتلة تجذب كوكب زحل لتعدل مساره.
ولكن حاول أن يبصر هذه الكتلة فلم يجدها في السماء، ولكن تمكن العلماء بعده من إبراز ذلكم الكوكب وأصبحت كوكبًا آخر جديدًا وهو الذي وضح وعدل فكرة أو فهم كيف تفهم قضية هذه الحركة الموجودة في هذه الكواكب.
هذه كلها قضايا علم، العلم ثابت، ولا يمكن عندما نقول: إن العلم لا يمكن أن يختلف مع الدين لا يمكن أن يأتيني أي إنسان أو عشرة أو خمسة ويقول: رأيت الهلال والهلال لم يوجد، فالهلال هو لا نقول بالميلاد الفلكي بمعنى بالاقتران ولا بخروجه الأولي من شعاع ولا تقبله للشعاع الأول من الشمس ولكن نقول عندما تمكن الرؤية البصرية بالحساب.
يقول أهل الفلك: إنه بعد ثماني درجات التي مقدارها كذا ساعات ممكن رؤية الهلال فإذا ادعى شخص قبل هذا أنه رأى الهلال فهو كاذب، وقد رأينا أن الناس كذبوا من قبل وفي كلمتي في السنة الماضية بينت أنه على اختلاف العصور ذكر الفقهاء كيف أنه وقع الكذب وأنه كيف سلمهم الله في وقفة عرفة فزادوا يومًا وكاد حجهم يفسد ويجب عليهم القضاء لأنه هكذا مذهب مالك.
فإذن ألخص فكرتي وهو أنه ما ذكره العلماء من اعتماد الرؤية هو صحيح وما ذكره صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يجادل فيه إلا منافق ولكن هذا لا يختلف مع التقدم العلمي الذي يجب أن نأخذ به، وشكرًا لكم والسلام عليكم.
الرئيس:
في الواقع يا فضيلة الشيخ ملحوظة بسيطة.. مناقشة بسيطة، قضية التنظير، أما شرحكم الموضوع ورأيكم هذا شيء على كل حال هو رأيكم، لكن قضية التنظير في قوله تعالى {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} ، وقضية التنظير إذا سمع المسلم الأذان في المذياع مع أنه لم يتحقق من غروب الشمس.
الحقيقة التنظيران هذان فيهما نظر، وأنت تعرف أن التنظير هو قياس، والقياس لا بد من اكتماله فالتنظير هذا أولًا في الصيام، النبي صلى الله عليه وسلم نهى قال ((لا تصوموا حتى تروا الهلال)) أما هنا في الآية ما فيه ما يقيد عدم المجيء وفي الآية الأخرى {أَوْ رُكْبَانًا} فيها العموم، ركبانًا على أي شيء، فالحقيقة قضية التنظير هذه فيها نظر.
الشيخ المختار السلامي:
الآية قبل كل شيء {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} ، وأما الركبان فهي آية أخرى.
الرئيس:
هي آية أخرى أنا أقصد أن هناك آية أخرى ليس في الموضوع آية واحدة.
الشيخ المختار السلامي:
لأنه سيادة الرئيس لو تذكرت أني قلت بكامل الوضوح هو أنه قيل هذا الحديث في وقت لا يوجد فيه إلا طريقان: أحدهما باطل لا يأخذ به الشرع، والآخر صحيح يأخذ به الشرع، ولذلك جاء قوله صلى الله عليه وسلم ((لا تصوموا ولا تفطروا)) لأنه ليست هناك وسيلة، لأنه لو قال الرسول صلى الله عليه وسلم: اعتمدوا الحساب، الحساب غير موجود من يعرفه؟ فهل يتحدث عن شيء غير موجود؟ فأنتم تريدون أنه من عدم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء غير موجود أنه دليل على عدم اعتباره، لا يمكن أن يستند إليه كدليل على نفي الاعتماد على الحساب العلمي اليقيني الآن.
الرئيس:
شكرًا.. أصحاب الفضيلة تعرفون أن لدينا موضوع أجهزة الإنعاش وفيه الطبيب محمد علي البار كان قد رتب سفره اليوم في الظهر، فلما علم أن الموضوع سيناقش هذه الليلة أخر سفره إلى الغد، والطبيب أشرف الكردي عطل عمله وحضر لأجل مناقشة هذا الموضوع فقد ترون مناسبًا أن بحث توحيد الشهور نؤجل استكمال البحث فيه إلى الجلسة الصباحية إن شاء الله تعالى، ونبحث الآن موضوع أجهزة الإنعاش طالما أن المختصين قد حضرا.
الجلسة الصباحية
11 صفر 1407 هـ/ 14 أكتوبر 1986 م
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نستكمل في جلستنا هذه البحث الذي كان في مساء الجلسة المسائية وهو توحيد بدايات الشهور القمرية والكلمة للشيخ خليل.
الشيخ خليل الميس:
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد أن استمعنا للبيان الذي قدمه الدكتور الكراي وما توصل إليه العلم من القطعيات التي لا شك فيها، ونحن أمام نصوص صريحة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تنيط وجوب الصوم أو الإفطار بالرؤية، فلا بد لنا من صيغة توفيقية ما بين العلم والنص حتى لا يهجر العلم ولا يترك النص، فلأن ما وصل إليه هو أقرب إلى القطع من شهادة الشهود..
وأود يا سماحة الرئيس أن أذكر بشيء، جاء في باب الجمعة في كتاب الهداية أن العلماء اختلفوا في فرض وقت الظهر يوم الجمعة فرض الوقت هل هو الظهر أم هو الجمعة؟ ومن عجيب ما قالوا: إن المرء قادر بنفسه عاجز بغيره، فلذلك قال: إن فرض الوقت هو الظهر إلا إذا وجدت شرائط الجمعة لأنه هو قادر بنفسه على أداء الظهر منفردًا ولكنه عاجز عن أداء الجمعة إلا بالجماعة.
فإذن قال: فرض الوقت هو الظهر إلا إذا توفرت أسباب الجمعة فوجب عليه إسقاط الظهر إلى الجمعة، وأن الأمة لما كانت أمية والعالم من حولها في هذا المجال أمي فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكلفها إلا بقدر وسعها، نعرف الآن الأرقام لا تقبل الشك أبدًا ولا يجوز إذا وصلنا إلى العلم ما وصلنا أن نتجاوز نصوص الشريعة.
على أية حال إن الرؤية إذا توافقت مع الحساب فأمر هو آكد، أما إذا اختلف الحساب عن الرؤية هنا المطلوب في الحقيقة لا ضير علينا إذا أخذنا الحساب من يوثق بدينه وعلمه، أقول: بدينه أولًا وعلمه ثانيًا، وفي ذلك لا نكون قد هجرنا النص لأن الأمة إنما كلفت بقدر وسعها والآن صار بوسعها أن تؤكد منازل القمر ووقت ولادته ولا ضير علينا في ذلك، والله ولي التوفيق، وشكرًا.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم..
أريد أن أورد على مسامعكم ما توصلت إليه الهيئة العامة للفتوى في وزارة الأوقاف بالكويت التي أشارك فيها في هذا الموضع، فإنها طرحت عليها أسئلة كثيرة فأرادت أن تضع بعض المبادئ الشرعية لثبوت دخول الشهر وفيما يتصل باختلاف المطالع.
وقد استعانت الهيئة بفنيين في هذا المجال حيث استضافت لأكثر من جلسة الدكتور محمد صالح العجيري وهو الفلكي المعروف في الخليج وقدم أجوبة عن كثير من التساؤلات وقدم إيضاحات في هذا الموضوع.
وخلاصة ما توصلت إليه الهيئة في هذا أنها اعتبرت الرؤية هي الأساس ولكنها استعانت بالحساب في أكثر من مجال ولا سيما في مجال النفي، فقد أخذت بأن الحساب حجة في النفي لا في الإثبات، كما أنه شدد في أمر البينة وهي الثغرة التي يؤتى منها موضوع الرؤية، واستندت في هذا إلى أحاديث وأدلة ونصوص من أقوال الفقهاء، وتوفيرًا للوقت أريد أن أشير إلى هذه المبادئ إشارة مختصرة.
فيما يتصل بثبوت دخول الشهر اعتمدت الهيئة على أنه إذا رئي الهلال بعد غروب الشمس يوم التاسع والعشرين من شعبان أو رمضان أو ذي القعدة أو سائر الشهور القمرية رؤية صحيحة يثبت دخول الشهر، فإن لم ير رؤية صحيحة وجب إكمال العدة ثلاثين يومًا وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا)) أخرجه النسائي وأحمد في مسنده.
أما فيما يتصل بالبينة فإن البينة المطلوبة في إثبات الرؤية إما التواتر أو الاستفاضة وهو ما يطلق عليه الجمع الغفير أو شهادة رجلين عدلين فأكثر، ولا يقبل أقل من ذلك، وذلك لما أخرجه أبو داود في السنن في الجزء الثاني صفحة 404 أن أمير مكة وهو الحارث بن حاطب أخو محمد بن حاطب خطب ثم قال:((عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما)) ، ولما روى شقيق بن سلمة قال: أتانا كتاب عمر رضي الله عنه ونحن بخانقين: أن الأهلة بعضها أكبر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارًا فلا تفطروا حتى يشهد رجلان مسلمان أنهما رأياه بالأمس.
وجاء هنا في كتاب المجموع للنووي، والمراد بالرؤية بالعين مباشرة أو بمساعدة الأجهزة المقربة والمكبرة كالنظارات وأجهزة المراصد لأن الرؤية من خلال هذه الوسائل رؤية حقيقية فتدخل في الرؤية المذكورة في الأحاديث دخولًا أوليًا، وفي حال الاستعانة بالمراصد يجب أيضًا اعتبار شرط الشهادة المطبق في رؤية العين مباشرة بأن تكون بلفظ الشهادة من شاهدين عدلين أو أن تحصل بمشاهدة هيئة الرؤية الشرعية نفسها التي تكون في كل بلد لا لتماس أو للسماع إلى من رأى الهلال، إذا دل الحساب القطعي على استحالة رؤية الهلال لم تقبل الشهادة برؤيته لأن من شروط صحة البينة عدم مخالفة الواقع.
وقد نقل القليوبي من الشافعية عن العبادي قوله "إذا دل الحساب القطعي على عدم رؤية الهلال لم يقبل قول العدول برؤيته وترد شهادتهم بها" ثم قال: "وهو ظاهر جلي ولا يجوز الصوم حينئذ ومخالفة ذلك معاندة ومكابرة" ومما يدل على ذلك قول الله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} وقوله {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} .
هذه الاستحالة لها أمثلة وتطبيقات كثيرة لا نخوض فيها لأنها من اختصاص الفنيين ولكن على سبيل المثال إذا دل الحساب القطعي على أن الهلال سيغرب مع الشمس أو قبلها أو دل على أن الهلال موجود وله مكث بعد غروب الشمس ولكن رؤيته مستحيلة ويرجع في تقدير المدة التي تستحيل فيها الرؤية بعد ولادة الهلال إلى قول أهل الخبرة، ومن خلال ما أفاد الدكتور العجيري أن الرؤية بالعين المجردة لا تكون ممكنة قبل مضي عشرين دقيقة على غروب الشمس، وإذا كانت الرؤية بالأجهزة الحديثة فلا يمكن أن يرى قبل مضي سبع دقائق على غروب الشمس، وهذا أمر يحتاج إلى توثيق جماعي.
كذلك من أمثلة الاستحالة أن يعرف بالحساب القطعي أن هناك كسوفًا سيقع بعد غروب الشمس لأن ولادة الهلال لا تكون قبل الكسوف ولا تكون إلا بعده فإذا ادعيت الرؤية ثم حصل الكسوف تبين أن الرؤية باطلة لمخالفة الواقع.
فخلاصة هذا أن الحساب القطعي يجب الأخذ به في حال النفي أي القطع باستحالة الرؤية، إذا دل الحساب على إمكان الرؤية ولم يكن هناك مانع لكنه لم ير فيجب إكمال عدة الشهر ثلاثين لقوله صلى الله عليه وسلم ((فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا)) كذلك إذا تمكنت التهمة لسبب آخر غير الحساب فإنه يمنع قبول الشهادة أيضًا.
أما بالنسبة لاختلاف المطالع فإنه إذا رئي الهلال في بلدة لزم العمل بتلك الرؤية في إثبات دخول الشهر ويلزم أيضًا أهل جميع الأقاليم الذي فيه تلك البلدة والبلاد التي تشترك مع ذلك الإقليم في خط الطول، ويثبت حكم تلك الرؤية أيضًا في حق كل قوم لا يتصور عندهم عدم الرؤية وهم أهل كل بلد يقع في جهة الغرب من البلدة التي حصلت فيها الرؤية، وهذه حقيقة فلكية أكدها الدكتور العجيري.
وأما البلاد التي تقع على جهة الشرق من ذلك الإقليم وتشترك مع إقليم الرؤية في جزء من الليل فإن لهيئة الرؤية في ذلك الإقليم أن تأخذ بتلك الرؤية في الإفطار من رمضان مطلقًا إذا أتموا تسعة وعشرين يومًا وكذلك في دخول شهر رمضان إذا علموا بالرؤية وقد بقي من الليل عندهم ما يكفي لتبييت النية مع السحور دون ضيق أو مشقة، والله أعلم.
الرئيس:
شكرًا.. قبل أن أعطي الكلمة للشيخ جعيط، في الواقع يا مشائخ، في الوقت الذي يحصل فيه تحفظ على الشهادة هناك شبه القطع بقطعية الحساب وأنه قطعي وأنه من خلال تطوره واستحداث آلاته ونموه إلى الدرجة الموجودة في العصر الحاضر يكون المصير إليه إلى آخر ما يكون من البحث في هذا الموضوع، في الوقت نفسه إنا لا نعلم هذه القطعية إلا من قِبَلِ بعض الفلكيين مع أن بعض الفلكيين أنفسهم هم مختلفون، والآن مر علينا في كلام الشيخ عبد الستار في قوله: إن الفلكي محمد بن صالح العجيري قال: إنه لا تمكن الرؤية بالعين المجردة إلا بعد عشرين دقيقة من الغروب وبعد سبع دقائق، ثم قال: إن هذا يحتاج إلى توثيق.
أنا أريد أن أنطلق من هنا إلى أن ما يذكره الفلكيون هو كله يحتاج إلى توثيق لا إشكال فيه، هو كله يحتاج إلى توثيق وأذكر قضية واقعة في هذا العام في رمضان فإن الصحف تناقلت كلام الفلكيين وتصريحهم بتعذر ولادة الهلال على حد تعبيرهم وإن كان التعبير غير سليم في شهر رمضان يعني خروجًا لشهر شوال ثم ثبت في أربعة من الأقطار الإسلامية وعلى سبيل الخصوص في المملكة العربية السعودية إذ ثبتت الرؤية بشهادة عشرين شاهدًا في عدد من نواحي ومناطق المملكة المختلفة، وأذكر لكم أن من هؤلاء الشهود أحد خريجي كليات الشريعة في المملكة والذي جرت المحاولة معه لجلبه إلى القضاء فامتنع حتى تخلص ولجأ إلى التدريس وهو رجل موثوق بعمله ودينه وفضله.
فالمهم أنه عشرون شاهدًا ورئي في ثلاثة أقطار عربية أخرى، والفلكيون يعلنون يقولون: تتعذر ولادته نحبط هذه الشهادات التي رسمها لنا النبي صلى الله عليه وسلم في طريق اليسر وفي طريق رفع الحرج، وما زالت الأمة على ذلك من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ونقول: لا إذا صرح الفلكيون نقول: تبطل الشهادات ونأخذ بكلام الفلكيين، مع أن كلام الفلكيين هم أنفسهم قد يختلف إضافة إلى أن هناك حقيقة فلكية وردت في التقرير الذي ورد من جامعة الملك عبد العزيز بجدة وهو أن حقيقة الشهر الشرعي التي يتعين الإيمان بها ولا يجوز المحيد عنها هي تسعة وعشرون يومًا أو ثلاثون يومًا، حقيقة الشهر لدى لفلكيين هي محددة بتسعة وعشرين يومًا واثني عشر ساعة وأربعين دقيقة فلا تكون ثلاثين يومًا ولا تكون تسعة وعشرين يومًا، ولادة الشهر في الإسلام أو في قاعدة الإسلام المقطوع بها هي برؤية القمر بعد الغروب، وعند الفلكيين بولادة القمر في أي ساعة من ساعات الليل والنهار، وهذا مصرح به في تقرير جامعة الملك عبد العزيز بجدة الذي هو بين أيديكم، فهذه المفارقة شرعية، إضافة إلى أن هذه الشريعة شريعة اليسر وشريعة رفع الحرج وما زالت الأمة على ذلك من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا والأمور فيها راشدة والأحكام نافذة، وهذا فقط إيضاح وددت أن أذكره.. الشيخ جعيط تفضل.
الشيخ كمال جعيط:
بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.
إن من أعظم مقاصد الشريعة الإسلامية وحدة المسلمين يظهر ذلك في قوله تعالى {وَلَا تَفَرَّقُوا} فالوحدة مطلوبة في الباطن كما هي مطلوبة في الظاهر: عقيدة واحدة وعبادة واحدة وتوجه ومن الجميع إلى قبلة واحدة واتحاد في الملبس ونزع المخيط ووقوف بعرفة في يوم واحد لأهل المشرق والمغرب بحيث هذا مقصد من مقاصد الإسلام وشريعته مما لا شك فيه، لذا أرى ونحن في القرن العشرين أن من الواجب علينا أن نوحد بين مواسمنا وأعيادنا إذ هو مظهر من مظاهر الوحدة.
ولا شك أن الوحدة فيها من القوة والمنعة ما لا يخفى، وليس تحقيق ذلك ببعيد وإن اختلفت المطالع لأن الخطاب جاء في قوله عليه الصلاة والسلام ((صوموا لرؤيته)) فقد توجه بخطابه لكافة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها فإذا رئي الهلال في مكان عم ذلك جميع الأقطار في العالم الإسلامي وإن اختلف الفقهاء في القديم، وقال جماعة منهم باختلاف المطالع فهم معذورون لعدم وجود وسائل الإعلام في ذلك الزمان، أما اليوم وما وصلت إليه وسائل الإعلام فلا وجه للاختلاف على أن القول باختلاف المطالع هو قول القليل منهم وغالب الأئمة لا تقول به.
ثم إن الهلال إذا رئي في المشرق فلا جائز أن لا يرى في المغرب باعتبار أن عدم ظهوره في الشرق لا يستلزم عدم ظهوره في الغرب أما ظهوره في الشرق فيستلزم ظهوره في الغرب من باب أولى وأحرى؛ لأن الغروب في الشرق سابق عن الغروب في الغرب وكلما بعد المكان إلا وزاد ارتفاع الهلال في الدرجات.
هذا الزمان قد بلغ في العلم إلى درجة القطع فإذا قال علماء الفلك والحساب باستحالة خلق الهلال فيلزم من استحالة خلقه عدم الرؤية ولا يلزم من خلقه الرؤية، فإذا جاء الشاهد والاثنان وقال: رأينا الهلال، اعتبرنا الحساب جارحًا في شهادتيهما ورددناها، اللهم إلا إذا جاء جماعة من جهات مختلفة يستحيل تواطؤهم على الكذب عادة فإذ ذاك نعتد بهذه الشاهدة من الجمع الغفير ويكون ذلك دليلًا على أن أهل الحساب قد أخطئوا في حسباهم، أما إذا أثبت الحساب خلق الهلال وإمكان رؤيته اكتفينا ولو بواحد فقط لاختلاف الفقهاء في أن رؤية الهلال هو من قبيل الشهادة أو من قبيل الرواية، هذا ما ظهر لي والله يلهمنا الصواب، وشكرًا.
الرئيس:
شكرًا قبل أن تكون الكلمة للشيخ الضرير، الحقيقة ورد في كلامكم كلمة طيبة جدًا وهي أنه قرر أهل الحساب أن الشهر لا يولد ثم شهد جمع غفير ولادته فهو دليل على خطأ أهل الحساب، هكذا يا شيخ؟
الشيخ كمال جعيط:
موافق.
الرئيس:
إذن ينبغي أن نتوقى في الكلمة الأولى وهو أن نقول: إنه قد قامت الدلائل أعني أنه قد تقرر لدينا قطعية الحساب، ينبغي أن نتوقى في هذا، نحن طلبة علم لا بد أن تقوم لدينا الدلائل الكافية في هذه الأمور وتتضح مثل اتضاح الشمس أما أنا لا نعرفه إلا من جهة الواحد والاثنين منهم ثم عرفنا بدليل المشاهدة والمعاصرة وقوع الخطأ على الرغم من هذا التطور ففي نظري أن التوقي في العبارة الأولى ينبغي أن يكون دارجًا.
الشيخ كمال جعيط:
على كل حال نعتد بالرؤية.
الشيخ الصديق الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم أتحدث أولًا عن اعتماد الحساب: يقول الله تعالى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} "وشهد" بمعنى علم والخطاب هنا موجه إلى جميع المسلمين في جميع الأزمان والأماكن وصحيح لم يبين الله لنا طريقة العلم وقد بينتها السنة في قوله صلى الله عليه وسلم ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) وهذا أيضًا خطاب موجه إلى جميع المسلمين في كل زمان ومكان، فالأمة الإسلامية مأمورة بالصوم بالرؤية وليس بالحساب ولو كان يقينيًا، فكيف وهو ظني؟ أقول: هو ظني وأؤيد السيد رئيس المجلس في كل ما قاله وقد حدث لنا هذا أنه في السودان في العام الماضي نفس العام الذي يتحدث عنه السيد الرئيس اجتمع مجلس الإفتاء أعلن أن اليوم 29 تحرى وأرسل إليه أستاذ في الجامعة أستاذ في الفلك يؤكد بأن الهلال لا يمكن أن يرى في هذا ليوم وأن دعوتكم للتحري دعوة لا أساس لها ويجب ألا.. إلى آخر ما يقال.
لكن اجتمع المجلس وجاء معه ذلك الأستاذ وجلسنا نتحرى فاتصلنا بعدد من الدول وتبين لنا ما قاله السيد الرئيس من أنه رئي في عدد من الدول، فهل يسوغ لأي مجلس إفتاء في هذه الحالة أن يقول أو أن يفتي بأن لا يصوم المسلمون في بلده في صبيحة ذلك اليوم؟ لا أظن أن هذا يسوغ بأي حال من الأحوال، والدليل على أن الحساب ليس قطعيًا هو ما أشار إليه السيد رئيس المجلس وقد طرحت هذا السؤال على كثير من الإخوة الذين يدعون قطعية الحساب، لِمَ تختلف النتائج والتقاويم فيما بينها؟ كيف يكون قطعيًا هذه تقول اليوم 29 وأخرى تقول اليوم 30؟ فلم أجد جوابًا مقنعًا، وما يحتج به بعض الإخوة الأفاضل من أن العلم تقدم ووصل إلى القمر وإلى وإلى، هذا لا حجة فيه في أن لا تلازم بين الأمرين.
صحيح أن العلم تقدم ووصل العلماء إلى مسائل لم تكن معروفة في الماضي ولا يمكن تطبيقها قبل أن تحصل لكن قام الدليل على أنها حق فقبلناها وما يتوصل إليه العلم ليس هو يقينًا في جميع الأحوال كما يقول بعض الإخوة، بعضه يقيني وبعضه ظني.
وهذا أمر يساعد العلماء أنفسهم ليقرروا حقيقة ثم يرجعون عنها في قابل الأيام، ثم من يدرينا لعل الله قد مكن لهؤلاء العلماء وسخرهم لاكتشاف هذه الأشياء والصعود إلى القمر وحجب عنهم معرفة ظهور الهلال معرفة يقينية، ليبقى قوله صلى الله عليه وسلم باقيًا إلى يوم القيامة ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) .
فنحن نتمسك بالرؤية ولكني مع هذا لا أقول بعدم الاستعانة بالحساب، يجب أن نستعين بالحساب مع أنه ظني والرؤية بشهادة الشهود أيضًا ظنية لكنا أمرنا باتباعها، الحساب ظني ولم نؤمر باتباعه لا مانع من أن نستعين به، نستعين به بمعنى أنه إذا قال الفلكيون أو أكثرهم بأن الهلال لا يرى في يوم كذا، فعلى القاضي الذي يثبت أن يتأكد ويتشدد في شهادة الشهود حتى يتيقن، أو لا يلزم اليقين طبعًا القطعي في هذه الحالة يغلب على ظنه أن هؤلاء الشهود عدول وأنهم رأوا الهلال، في هذه الحالة لا نلتفت إلى الحساب ولا يمكن أن نلغي هذه الشهادة ولا يلزم أن تكون شهادة متواترة، هذا ما يتعلق بالجانب الأول.
المسألة الثانية وهي اختلاف المطالع أيضًا ارجع إلى الآية القرآنية والحديث {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وهو خطاب لجميع المسلمين ((وصوموا لرؤيته وأفطروا رؤيته)) خطاب لجميع المسلمين، هذا يعني بوضوح أن الهلال إذا رئي في أي بلد من بلاد المسلمين فعلى جميع المسلمين أن يصوموا إذا بلغهم ذلك الخبر، اختلاف المطالع هذه حقيقة لن ينكرها أحد والخلاف الذي حدث بين العلماء هو هل يعتبر اختلاف المطالع أو لا يعتبر؟ وليست في أنه هناك اختلاف أو ليس هناك اختلاف فجمهور الفقهاء على أنه لا اعتبار لاختلاف المطابع.
هذا هو رأي جمهور الفقهاء، وفي الواقع في فترة مع مكة لم أستطع أن أفهم على وجه الدقة فيه عبارة قد يفهم منها أن رأي الجمهور هو اعتبار اختلاف المطالع، لكن الذي أعرفه هو الذي ورد في كثير من البحوث التي أمامنا، إن رأي جمهور الفقهاء هو عدم اعتبار اختلاف المطالع، والحديث الذي احتج به من يقول باعتبار اختلاف المطالع حديث كريب هو الخلاف الذي حدث في الماضي مع أن الجمهور يقولون بعدم اعتبار اختلاف المطالع لا ينبغي أن يحدث الآن كما أشار إليه الأخ الفاضل الأستاذ جعيط.
والسبب في هذا هو إمكان العلم بثبوت الهلال في نفس الليلة التي ثبت فيها في بلد آخر وهذا كان متعذرًا، حديث كريب، كريب جاء إلى المدينة بعد أيام فهل ترون لو أن كريبًا ركب طائرة من الشام وجاء إلى المدينة في نفس الليلة وقال لابن عباس رأيت الهلال، أو أن معاوية اتصل بابن عباس تلفونيًا وقال له: رأينا الهلال هل كان ابن عباس يقول: لا نصوم غدًا؟
رأيي أن هذا الخلاف كان له ما يبرره لكن الآن وعملًا بالآية {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ} وقد علمت الآن بثبوت الشهر في نفس الليلة سمعت الإذاعة أن المملكة العربية السعودية تقول: ثبت الهلال فكيف يقول لي قائل: لا تصم غدًا؟ الهلال ثبت وقد شهدت به وانتهى الأمر، فأنا رأيي أن هذه المسألة الخلاف الذي حدث فيها في الماضي هو اختلاف يرجع إلى الزمان ولا يرجع إلى الحجة، وهذا الذي أقوله قد قررته فيما أعلم جميع المؤتمرات والندوات التي حضرتها، لكن صحيح كان في تطبيقه خلل كبير لا يرجع إلى الاقتناع وإنما يرجع إلى أمور أخرى، ولهذا فإني في هذه المسالة أرى الأخذ برأي الجمهور في عدم اعتبار اختلاف المطابع.. وشكرًا.
الشيخ أحمد حمد الخليلي:
بسم الله الرحمن الرحيم
…
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد.
فما كنت أريد أن أكرر ما سمعته كثيرًا في هذه الجلسة وإنما أردت أن أذكر أولًا أن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام أراد للناس اليسر ولذلك قطع عليهم طريق النظر حتى في حجم الهلال.
فقد جاء في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن الناس تراءوا هلال ذي الحجة ورأوه كبيرًا فمنهم من قال: هو لليلتين، ومنهم من قال: هو لثلاث وابن عباس رضي الله عنه أنكر عليهم ذلك وقال هو لليلة رأيتموه فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله عظمه لكم لتروه)) أراد بهذا أن يقطع الطريق على الناس حتى لا يكلفوا أنفسهم الشيء الذي فيه الشطط عليهم. والعبادات ميسرة لجميع الناس العالم والجاهل، الغبي والذكي، على اختلاف طبقاتهم. والحساب الآلي الآن إذا كان قطعيًا عند ناس فهو ظني عند أكثر الناس. أكثر الناس لا يعرفون طريقة الحساب كم في المائة؟ كم نسبة؟ لعله 1? أو أقل من 1? الذين يعرفون الحساب من المسلمين، فمن هنا كان الاعتماد على الرؤية حسب ما أراه.
الناحية الثانية: ناحية توحيد الأهلة أنا أميل إلى ما اتفق عليه الفقهاء في مجمعهم بمكة؛ لأن هذه القضية درست من قريب. الصوم كما يكون واجبًا في وقت يكون حرامًا في وقت، فصوم يوم العيد حرام بإجماع الأمة لأنه يوم ضيافة الله، فإذا كان اليوم الذي يصبح اليوم الحادي والثلاثين عند أهل الشام هو عيد لأهل المدينة فإن صيامه حرام عليهم. وقد قال ابن عباس رضي الله عنه في حديث كريب: ولكن رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل الثلاثين أو نرى الهلال، اليوم الذي هو ثلاثون عند أهل المدينة في ذلك الوقت هو اليوم الحادي والثلاثون منذ بداية الصيام عند أهل الشام ويوم العيد قطعًا عند أهل الشام، فصومه حرام على أهل الشام فلو كان لأهل المدينة حكم أهل الشام لكان ذلك الصوم أيضًا حرامًا عليهم. وابن عباس رضي الله عنه ما قال: إن هذا اجتهادًا من نفسه وإنما قال هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول الصحابي في مثل هذا يعطي الحديث حكم الرفع، فلذلك أجنح إلى ما مال أو إلى ما اتفق عليه الفقهاء الذين اتفقت كلمتهم بمكة المكرمة بأن هذه المسألة تترك إلى فقهاء كل بلد ينظرون فيها.... وشكرًا لكم.
الرئيس:
شكرًا.... في الواقع إن بحث الموضوع في مكة إشارة بسيطة من أنه ليس مسجلًا هنا وأنه ليس وليد جلسة أو جلستين أو ثلاث أو سنتين أو ثلاث وإنما صار في رابطة العالم الإسلامي قبل مجيئه في مجمع الفقه، يستمر سنين وصار فيه بحوث ودراسات ثم توصلوا أخيرًا إلى هذا لأنه مع مراعاة الأوضاع الحاضرة للعالم الإسلامي.. هذه إشارة خفيفة أحببت أن أذكرها.. الشيخ يوسف.
الشيخ يوسف القرضاوي:
بسم الله الرحمن الرحيم
…
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد.
فالموضوع موضوع قريب فعلًا كما أشار فضيلة الرئيس وبحث في مؤتمرات شتى ولا يزال يبحث لاختلاف وجهة النظر فيه من ناحية الحساب اعتماده أو عدم اعتماده ومن ناحية اختلاف المطالع إلى آخره.
وهنا، الحقيقة أريد أن أنبه إلى شيء، أننا حينما نشتغل بالدعوة نقول شيئًا وحينما نشتغل بالفقه نقول شيئًا آخر. حينما نشتغل بالدعوة نقول: الإسلام دين العلم ودين المنطق ودين كذا ودين كذا، وبعد ذلك إذا جئنا نفتي نخالف قواطع العلم مع ما قاله الإخوة. أمس الشيخ الفرفور والشيخ المختار قالا: إنه لا يمكن أن تختلف حقيقة شرعية مع حقيقة علمية.
ولهذا في الواقع آسفني أمس أن نجد هناك تناقضًا بين ما قاله الأخ المختص في علم الفلك وما قاله بعض الإخوة حتى ظهر كأن هناك تناقضًا بين العلم والدين، بين قواطع العلم وقواطع الدين.
مسألة أن العلم الفلكي لم يعد علمًا تنجيميًا كما قال الأولون، العلم وصل به الناس إلى القمر ويحاولون الصعود به إلى الكواكب الأخرى، بناء على علم الفلك الحديث. ولذلك ينبغي أن ننظر في هذا الأمر نظرة جديدة. نحن نقول الفترة تتغير بتغير الزمان والمكان والحال
…
الخ، ونقرر هذا ولا يختلف في هذا اثنان من المشتغلين بالفقه وعند التطبيق لا نطبق بالفعل، فنحن الآن تغيرت الظروف والفقيه هو الذي يزاود بين الواجب والواقع كما يقول العلامة ابن القيم، الواقع تغير الآن، كيف نغفل مسألة الحساب الآن؟ عجبت أمس أن الأخوة كانوا ينكرون على أخ يقول: إن الهلال يرى في الشرق قبل أن يرى في الغرب وإذا رئي في الشرق لا بد أن يرى في الغرب والبعض قال هذا خلاف الواقع مع إن هذا قرره شيخ الإسلام ابن تيمية وقرره الفقهاء في مختلف الكتب.
وما نقلته من حاشية البيجور عن الخطيب في فقه الشافعية قالوا: أعلم أنه متى حصلت الرؤية في البلد الشرقي لزم رؤيته في البلد الغربي دون عكسه كما في مكة المكرمة ومصر المحروسة، فيلزم من رؤيته في مكة رؤيته في مصر لا العكس. هذا ما قرره الفقهاء، وعاد بعض الأخوة يعارض الأخ المختص في علم الفلك، هذا ما قرره الفقهاء، وعاد بعض الأخوة يعارض الأخ المختص في علم الفلك. الواقع يا أيها الأخوة الموضوع موضوع خلافي من قديم لا يناقض شرعًا ولا يناقض نصًا. كيف يناقض الشرع والنص وفي داخل المذاهب الثلاثة الكبرى أقوال في المذهب المالكي والمذهب الشافعي والمذهب الحنفي بجواز اعتماد الحساب، خاصة للحاسب ومن يثق به؟ وبعضهم يقول بالجواز وبعضهم بالوجوب. الإمام النووي في المجموع نقل هذا الكلام وأكثر ونقل أقوال الشافعية، فهذا أمر ينبغي أن ينظر فيه.
الحديث الشريف عندنا ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) والواقع الحديث فعلًا حدد وصية لإثبات الصوم أو لإثبات الشهر، هذه الوصية لا تنفي وجود وسيلة أخرى وقد سررت من كلام الأخ الشيخ مختار بالأمس في أنه إذا حدد الشرع وسيلة فهذا لا ينفي أن تكون هناك وسيلة أخرى ربما تكون أفضل منها وضرب مسألة {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} وأنا أضرب مثلًا بما هو أوضح من هذا حينما قال القرآن الكريم {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} هل إذا تركنا رباط الخيل الآن ورابطنا بالدبابات والمصفحات هل نكون خالفنا القرآن؟ ما نكون خالفنا ذلك إذا وجدنا وسيلة أفضل مما كان موجودًا عليه.
الرؤية وسيلة ظنية –الرؤية على غير المذهب الحنفي- الرؤية لشخص أو شخصين شاهدا أو شاهدين لا تثبت أكثر من الظن فإذا وجدنا وسيلة يترتب عليها الآن يقين قطعي فما لنا نرفضها؟
والحديث ((إنا أمة أمية لا تكتب ولا تحسب)) هذا أمر ليس أبديًا وليست الأمية شيئًا ممتدحا، النبي عليه الصلاة والسلام هو أول من حارب الأمية، وفي عزوة بدر شجع الأسرى على أن يعلم كل واحد منهم عشرة من أولاد المسلمين، والأمية مفخرة له صلى الله عليه وسلم.
كفاك بالعلم في الأمية معجزة.
إنما للأمة لا، فالأمة الآن أصبحت تكتب، ولا شك أن الكتابة انتشرت من زمن قديم، والآن أضيف إليها الحساب ثم ليس مطلوبًا من الأمة كلها أن تكتب وتحسب إذا كان القصد هو رفع المشقة عن الأمة كما علل ذلك ابن حجر وغيره، وقال: إن الشرع لم يرد أن يشق علينا أراد أن ييسر علينا ويلتمس عوام الناس وجماهير الناس ما لا يستطيعون وما لا يطيقون.
لا شك أنه ليس مطلوبًا من جماهير الأمة أن تتعلم الحساب الآن الذي يثبت الشهر ليس هو جماهير الناس، فيه فئة أو هيئة مختصة لوزارة العدل أو المجلس الأعلى للقضاء أو دار الفتوى، الجهة المختصة هي التي تعين هذا بواسطة المختصين. ليس مطلوبًا من الناس أن يكونوا عارفين بالحساب فسواء كان واحدًا في المائة أو واحدًا في الألف أو واحدًا في المليون يكفينا القدر الكافي في هذا. الحساب أيسر حقيقة الآن من الرؤية وفتح أبواب المحاكم للترائي والشهود.. الخ.
على كل حال إذا لم نأخذ بهذا الرأي فهناك مستوى أقل وهو المستوى الذي ذهب إليه الإمام تقي الدين السبكي يعني إذا لم نأخذ بالحساب في الإثبات فلنأخذ به في النفي نجعله دليل نفي ولا مانع من هذا.
بعض الأخوة قالوا: إن الرؤية بينة شرعية والحساب ليس بينة شرعية فما هي البينة الشرعية؟ هذا أمر أيضًا مختلف فيه، هل البينة الشرعية شيء محدد لا يزاد عليه ولا ينقص منه؟ ناقش هذه المسألة ابن القيم في الكتب وخاصة في الطرق الحكمية، وقال: أي حيث ما استبان صبح الحق أو أسفر صبح الحق بأي دليل كان فثمة شرع الله ودينه وأمره، فالبينة كل ما أبان الحق وأظهره فلو وجدنا طريقة تبين الحق نلجأ إليها إذا لم نأخذ بالحساب في الإثبات فعلى الأقل نأخذ به في النفي أي إذا نفى الحساب القطعي وأجمع أهل العلم الموثوق بعلمهم ودينهم على أنه لا تمكن الرؤية في وقت من الأوقات أو ليلة في الليالي فلا يجوز في هذه الحالة أن يتراءى الهلال ولا أن نفتح باب المحكمة لسماع الشهود لأنه كما قال السبكي قال: إن الشهادة ظنية، والحساب قطعي والظني لا يقاوم القطعي.
هذا معروف شرعًا تحمل شهادة الشاهد على الغلط على الوهم على الكذب على أي نحو من الأنحاء، وهذا في الحقيقة ما اتجه إليه مجمع البحوث الإسلامية، قرار مجمع البحوث أنه تعتمد الرؤية إلا إذا تمكنت النهمة منها وجعل من دلائل تمكن التهمة من الرؤية أن تكون معارضة للحساب الموثوق به حتى لم يقل الحساب القطعي، الحساب الموثوق به.
سأقول: نحن نقول: لماذا الحساب القطعي؟ إذا كانت الشهادة منافية للحساب القطعي الذي يجمع عليه أهل العلم الفلكي في هذا العصر فلا ينبغي أن تعتمد الرؤية، وبهذا يثبت الخطأ الذي كثر في هذه السنوات الأخيرة، يثبت الهلال بالرؤية اليوم ويأتي الناس غدًا في الليلة الثانية مع أن المفروض في الليلة الثانية يبقى في الأفق زيادة عن الليلة الماضية حوالي أربعًا وخمسين دقيقة يعني يبقى ساعة وربع مثلًا، يعني يراه كل الناس، ولكن شهدنا في مناسبات كثيرة في الصيام وفي الفطر أن في الليلة الثانية لا يرى الناس الهلال فكيف ثبت في الليلة الماضية؟ هذا ثبت لأنه حدث خطأ، وما ذكره الأخ الشيخ التارزي في بحثه القيم من أنه قد يحدث أحيانًا الكسوف وتثبت الرؤية ولا يمكن أن يكون هذا وما ذكره الأخ الكراي، فهناك دلائل تدل بأن الرؤية تكون غلطًا. لو أخذنا على الأقل بهذا أنه نؤيد قرار مجمع البحوث الإسلامية أنه إذا كان هناك ما يجعل التهمة بالنسبة للشهادة ترد الشهادة. ومن هذا أن يقول الحساب: إنه لا تمكن الرؤية.
وأنا أرى أن موضوع اختلاف المطالع وتوحيد الرؤية مبني على هذا لأنه لا يمكن أن الناس تقول بتوحيد المطالع وتوحيد الإثبات إذا كان هناك شك في الإثبات أو لأن الناس تقول: أنا لا أطمئن إلى أن هذه الرؤية صحيحة ولذلك فكيف أثبت الصيام على أساسها؟ ومن هنا يبقى الخلاف يومين أو ثلاثة وفي بعض السنين من عدة سنوات قريبة كان أربعة أيام فرقا: من يوم الأحد إلى الأربعاء من سوريا إلى المغرب أربعة أيام هل هذا معقول؟
لو وقفنا على الأقل عندما نقول: إنه إذا نُفِيَ الحساب فينبغي ألا تعتمد الشهادة إطلاقًا، وإنما تبدأ تعتمد الشهادة بالرؤية عندما يقول الحساب: إنه حدث الاقتران كما يقول الفلكيون وحدثت الولادة الفلكية وحدثت الدرجات الثمانية وأصبحت الرؤية بالعين المجردة ممكنة، إذا حدث هذا أعتقد أنا بهذا نقرب على الأقل المسافة بين المختلفين ونقلل نسبة الخطأ، وشكرًا والسلام عليكم.
الرئيس:
شكرًا.. في الواقع يا شيخ في قضية الاختلاف بين بلدان ليومين وثلاثة وأربعة هل هذا ناتج من اعتماد المسلمين على الرؤية؟ لأن الاختلاف لثلاثة أيام ولأربعة لا يعقل لا لدى أهل الحساب ولا لدى أهل الرؤية هذا لا إشكال فيه، هل يعقل أنه فيه شهر يتأخر بين أهل الحساب وبين هل الرؤية لمدة أربعة أيام؟ أنا قصدي هل نوكل هذا إلى الذين يثبتون بالرؤية؟
الشيخ يوسف القرضاوي:
لو اعتمدنا على الحساب ولو على الأقل في النفي سيقلل هذه النسبة يعني يمكن يكون فرق يوم.
الرئيس:
لم يأتِ هذا إلا من الذين اعتمدوا على الحساب ولا أريد أن أذكر الدولة التي اعتمدت على الحساب وثبت أنها بينها وبين البلدان التي أفطرت في العالم الإسلامي أربعة أيام، وأعلنوه قبل دخول رمضان دخولًا وخروجًا، وجعلوا الفارق بينهم وبين بلدان العالم الإسلامي أربعة أيام بطريق الحساب.
الشيخ يوسف القرضاوي:
لا، في المغرب لا يعتمدون الحساب على ما أعلم وفي سوريا لا يعتمدون الحساب وهم يعتمدون الرؤية ومع هذا كان بينهم أربعة أيام.
الشيخ طه جابر العلواني:
بسم الله الرحمن الرحيم
…
أظن أن عرض هذه القضية على هذا المجمع الموقر إنما للبحث عن اجتهاد ينتهي بما يرفع الإشكالات في أذهان المسلمين ويؤدي إلى القناعة بأنهم أدوا عبادتهم في وقتها كاملة غير منقوصة فتطمئن القلوب وتستقر النفوس، وذلك أن ما يتم باجتهاد جزئي ينتهي إما بتبني أحد الاتجاهين الفقهيين المعروفين أو بالخروج بقول ثالث، وكل ذلك إنما هو اجتهاد يقتضي إحاطة تامة بالقضية موضوع البحث من سائر جوانبها.
وهذه الإحاطة فيما سمعته في هذا المجمع الموقر لا أراها متوفرة حيث إن للمسألة جوانب فنية لا يمكن استيفاؤها برواية فني واحد أو اثنين بل لا بد من تواتر علمي أو استفاضة أو شهرة على الأقل، وقد تكون الحاجة ماسة إلى ندوة من الفلكيين أنفسهم يتداولون فيها أسئلة الفقيه التي لا يتمكن الفقيه من الحكم فيها بشيء قبل أن يحصل على الجواب الشافي التام.
في هذا الصباح استمعنا لمن يقول: إن الحساب قطعين واستمعنا لمن يقول: إنه ظني واستمعنا لعدة اختلافات في هذا، والفلكيون أنفسهم كذلك مختلفون فأظن أن القطع بيقينية الحساب بهذا الشكل أمر لا أراه دقيقًا بل لا بد من الاستماع إلى أكثر من واحد أو لجمع من هؤلاء يجعلون الصورة كاملة تامة تجيب على كل تساؤلات الفقيه لكي يتمكن الفقيه من إعطاء الحكم أو النسبة الخبرية التامة لهذين الأمرين كما يقولون.
كذلك للمسألة جوانب أخرى فقهية منها قضية المفاهيم اللغوية المتعلقة بقضية الرؤية وتفسيرها، ما حقيقة الرؤية هنا؟ لم أسمع التعرض لها بشكل يؤدي إلى نوع من الاتفاق عليها، كذلك قضية شهود الشهر ونحوها.
هناك مسألة ثانية فقهية أخرى تتعلق بالتفريق بين الوسائل وسائل إثبات دخول الشهر والحكم بثبوت دخول الشهر من الجهة المؤهلة للحكم بالثبوت هذه أيضًا قضية أخرى تحتاج إلى نوع من التناول.
كذلك لاحظت أن الحديث في هذا الأمر اتسم في كثير من جوانبه بالمؤثرات المختلفة حول المواقف بحيث لم يأخذ البحث الفقهي ولا البحث الفني نصيبه الكامل التام من التناول بناء على مواقف مسبقة ومؤثرات كان لها وضعها في الأقوال التي طرحت، المألوف من الشرع أن ينيط الأحكام دائمًا بالأمر البسيط الذي يستطيع المكلف الفرد بإمكانياته العادية الوصول إليه، وهذا أمر لا مراء فيه ومعهود من الشرع.
الوسائل التي بين أيدينا وسيلتان: الرؤية والحساب هل يمكن الجمع بينهما؟ سواء فيما ذكره الأستاذ القرضاوي أو فيما ذكره الإخوة الآخرون بأن يؤخذ بالحساب سواء في مجال النفي أو في المجالين معًا وأن يدعي الناس إلى محاولة الرؤية في تلك الأوقات لا التي يقررها الحساب أنها مظنة ولا نقول موضع قطع مظنة ظهور الهلال وإمكانية رؤيته.
أعتقد أنه للخروج من هذا المأزق أو أظن أن من الممكن أو من المستحسن أن يتبنى المجمع التوصية بوضع ما يسمى بكاليندر أو روزنامه للشهور روزنامه إسلامية خاصة، تبين لنا، وهذا أمر ممكن جدًا وسهل وميسور، تبين لنا دخول الشهر وخروجه في سائر أنحاء العالم الإسلامي وحتى كذلك أوقات الصلاة وتبين لنا خطوط الطول وخطوط العرض ونحوها.
ثم بعد ذلك يترك لأهل كل مجموعة من البلاد تتفق خطوط الطول بينها أن يتحرروا الهلال في تلك الأيام التي تقرره الروزنامه أو الكاليندر إمكانية الرؤية فيها ثم يتخذ الحكم، يحكم المسؤولون في تلك البلاد بدخول الشهر أو عدم دخوله وفقًا لذلك، لعل في هذا ما يمكن أن يشكل مخرجًا من هذا الأمر الذي لولا المؤثرات المختلفة فيه لما اتخذ هذا الشكل الحاد، فإن المسلمين في صلواتهم مختلفون، وفي الوقت الذي نكون نحن الآن مثلًا في الساعة العاشرة إلا الثلث ضحى يكون الوقت ليلًا في بعض الأماكن ويكون الوقت مغربًا أو عصرًا في أماكن أخرى وهذا لم يشكل قضية لدى المسلمين، وكان يمكن أن يكون موضوع الصيام والفطر خارج هذه القضية لولا مؤثرات كثيرة تحيط بها وتجعل منها تلك القضية الخطيرة التي يستدل بها على تخلف المسلمين أو على عدم اهتمامهم بالوقت وهم يعرفون الحضارة: إنسان زائد وقت يساوي حضارة، فأظن أنه من الممكن لمجمعنا الموقر أن يأخذ بهذا الاتجاه ويوصي المسلمين باتخاذ روزنامه أو كاليندر لتقويم كامل لجميع البلاد الإسلامية ولجميع أنحاء العالم، وهذا أمر وارد وممكن وتؤخذ الرؤية ويؤخذ الحكم بدخول الشهر وخروجه، فإن ما تفضل الإخوة بالإشارة إليه من
…
الرئيس:
تشكون منها، من الروزنامه هذه.
الشيخ طه جابر العلواني:
لا
…
لا.. عفوًا الحكم أمر مستقل، لا بد من الفصل بين الحكم وبين الوسائل فهناك وسائل وهناك حكم يجري في البلد يتخذه أهل الفتوى يتخذه المسؤولين إلى غير ذلك فإن هذه الاختلافات التي بلغت أربعة أيام وثلاثة أيام مما لا شك فيه أن للمؤثرات الأخرى المختلفة التي ليس منها على الأقل قضية الرؤية ولا قضية الحساب الأثر الأكبر في اعتبار دخول الشهر أو خروجه وهذا أمر ملاحظ وملموس وعليه دلائل كثيرة في بلدان مختلفة، فأظن أن في تفصيل هذه المسألة إلى الجوانب التي ذكرناه أو محاولة الخروج بحل وسط في هذا الأمر لعل فيه نوعًا من الخروج من المأزق إن شاء الله، وجزاكم الله خيرًا.
الشيخ عبد العزيز الخياط:
بسم الله الرحمن الرحيم
…
أرجو أولًا أن يسعنا فضيلة الدكتور بكر أبو زيد بسعة صدره وبحلمه فيما لو قلنا رأيًا قد يخالف ما هو عليه كما تعودنا منه فيما مضى وفيما هو آت إن شاء الله.
الحقيقة كنت سأتكلم بما تكلم به بعض الأخوة وأخص بالذات فضيلة الأستاذ القرضاوي. فأنا أؤيده في معظم ما قاله ولا حاجة إلى تكرار ما قال في موضوع الاعتماد على الحساب القطعي، إذا كان الحساب قطعيًا، وما يقال: إن هناك خطأ، ممكن أن يقع في الحساب خطأ لكن خطأ في رجوع الحساب إذا كان من جهة رسمية ودولية تتولى هذا الحساب من أصحاب المناصب الفلكية فالحساب قد يكون الخطأ فيه قليلًا جدًا لكن مع هذا كله ينبغي أن نتعرض لبعض النقاط.
أنا أقول بأن الاعتماد على الحساب وارد وما أشار إليه الدكتور الأستاذ الضرير بأنه ليس هناك ما يشير للأخذ بالحساب فالآيات كثيرة ونص الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم ((فإن غم عليكم فاقدروا له)) ، ((فاقدروا له)) كلمة ((اقدروا له)) احسبوا له وهو أخذ بالحساب إلا إنني مع هذا أرى أنه لا بد من الأخذ بالرؤية. وهذه الرؤية توكيد واعتماد عل الناحية أيضًا الشرعية في الإثبات في الشهادة وأن نأخذ بالأسباب الحديثة في هذه الرؤية البصرية فلِمَ لا يلجأ الناس الآن، وقد انتشرت الطائرات بأنواعها المختلفة وصعدت فوق السحب؟ أنظل معتمدين على أن نقف على الأرض أو على الجبال أو نصعد إلى المأذنة لنرى الهلال لم لا؟ والدولة عادة من دوائرها ووزاراتها الرسمية هي التي تتولى ذلك فلم لا تأخذ بالطائرة؟ طائرة هليوكوبتر ويصعد فيها أناس من أصحاب ذوي الأمانة والعدالة يراقبون الهلال وبهذا نوفق بين حساب
…
فقصدي من هذا أننا نجمع بين الشهادة وبين هذا الأمر في هذا الأسلوب، يعني نطور الأسلوب، في هذا أنا أقول أيضًا: إن ما اقترحه الأستاذ العلواني، يعني اقتراحًا وسطًا لكن فيه تناقضًا هو قال: الحساب ليس قطعيًا ولا يؤخذ به كقطعي إنما يؤخذ به من ناحية قطعية نظرًا لما اختلف فيه الفلكيون ثم يطلب أن نحضر تقويمًا ونعتمد على التقويم في بداية الشهور فاعتمدنا أيضًا على شيء ظني بشيء ظني.
الشيخ طه جابر العلواني:
لنستأنس به فقط وليس لنقطع به.
الشيخ عبد العزيز الخياط:
الاستئناس به يعني يجوز ونستأنس به وهذا ظني على كل حال إنما أريد أن أقول باختصار وكما قلت: أنا أؤيد فتوى مجمع البحوث في القاهرة وما توصل إليه في هذا الموضوع وهو الرجوع إلى آراء كثير من العلماء في هذا الاعتماد لكن أقول مع هذا نعتمد على الرؤية معًا وهو ما أشار إليه بالحل العدل الذي طرحه الأستاذ العلواني مع اختلاف الأسلوب في هذا الأمر.
وأما ما يتعلق باختلاف المطالع فأحب أن أبين رأيي في هذا أنا مع رأي الجمهور أنه إذا ثبت الهلال في بلد إسلامي سواء اختلف خط الطول أو خط العرض فنأخذ به والاختلاف كما سمعت من بعض الفلكيين لا يؤدي إلى ثلاثة أيام أو يومين أو أربعة أيام، هو عبارة لا يتجاوز كما قيل لنا الأربعة والعشرين ساعة فمن هذه الناحية يؤخذ به حتى تظل كلمتنا في هذا المظهر الذي يعترض علينا دائمًا فيه كثيرًا حتى تظل كلمتنا واحدة واتجاهنا واحدًا.
ونحن كما أشار الأستاذ بكر إلى أنه في العام الماضي على ما أذكر ثبت في المملكة العربية السعودية وتبعت المملكة العربية السعودية ثلاث دول وعادة من عادتنا أن نجلس وبوسائل الاتصال الحديثة نتصل بجميع الدول العربية والإسلامية الممكن الاتصال بها، نتصل بالسعودية ونتصل بمصر ونتصل بالمغرب ونتصل بالجزائر ونتصل بتونس ونتصل كذلك بباكستان لنرى هل ثبت عندهم الهلال، فإذا ثبت في بلد واحد معتمد نتصل بالبلدان الأخرى ونخبرها بما توصل إليها مع مراعاة ما يصدر من الإذاعات الرسمية من بلاغات رسمية حول هذا من قضاة أو من وزارات الأوقاف بناء على شهادات الشهود العدول عندئذ يثبت في البلد، وعلينا أن نتبع هذا.
وحقيقة إذا كانت الأمة الإسلامية والعربية منها قد اختلفوا هذا الاختلاف في دولهم، إنسان يعيد اليوم، الثاني يفطر غدًا، وهكذا ويصوم اليوم الثاني ويفطر، مما جعلنا موضع هزء وسخرية عند شعوبنا قبل غيرنا، فآن الأوان أن نأخذ برأي الجمهور في هذا تيسيرًا على المسلمين وتوحيدًا لكلمتهم –وأنا مع الأستاذ الشيخ الخليلي- كلما أخذنا بالأيسر للمسلمين هو أفضل وأحسن
…
وشكرًا.
الشيخ المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
أعتقد أن الخلاف الذي استمعنا إليه يوم أمس واليوم هو ناتج عن أمور مبدئية أولية حتى نتحدث في نطاق واحد.
الأمر الأول: هل أن الحساب ظني أو قطعي؟ الحساب الفلكي هل هو ظني أو قطعي؟ للوصول إلى معرفة أن الحساب قطعي أو ظني لنا طريقان:
الطريق الأول: وهو أن يدخل العالم الفقيه فيتعلم الفلك إلى أن يقتنع اقتناعًا كاملًا بأن الحساب الفلكي قطعي.
الطريق الثاني: هو طريق ما يعبر عنه بالتواتر، اليقين الذي يحصل للإنسان من اتباع أخبار مختلفة من أوجه متعددة لا يستطيع ردها بعد ذلك. وهذا هو الذي في إمكاننا لو جمعنا عشرة علماء من أهل الفلك كما اقترح الدكتور العلواني ما استطعنا لا يوجب هذا العلم.
لكن ونحن نتابع ما يحدث في الدنيا، فالمسابر التي تسبح الفضاء والتي الأبعاد فيها بين الكواكب أبعاد خيالية لا يستطيع الإنسان أن يتبين الرقم إلا إذا ما تأمل فيه لمدة طويلة فيقول: إن هذا المسبار سيصل إلى الزهرة وهو يقطع كذا كذا ألف كيلو متر في الثانية يصل إليها بعد ثلاث سنوات، هذا يصل إلى الكوكب بعد ثلاث سنوات بالضبط في الدقيقة التي يجب أن يصل فيها ولو زادت دقيقة واحدة لضاع في الفضاء.
فالقمر الذي هو أقرب الكواكب إلينا حسابه أكثر من القطعي، القمر المسبار الذي خرج من الأرض ونزل على القمر لو كان الخلاف أو عدم الدقة في الحساب بدقيقة واحدة لذهب هو ورواده، فنحن قد امتلكنا يقينًا بهذا التواتر من نواحي متعددة كثيرة بما يقوله الفلكيون من أنهم اطمأنوا اطمئنانًا كاملًا إلى أنه عندما يطبقون النظريات على الواقع العملي فإن الاختلاف لا يتجاوز جزءًا من ألف من الثانية، وجزء من ألف من الثانية هو أمر تقدره الحاسبات الإلكترونية، ولكن لا نستطيع بعقولنا لأن يرتد إلينا الطرح هو عبارة عن أضعاف هذا المقدار فجعل قضية الحساب أو التشكيك في أن الحساب قطعي هو كالتشكيك في أن اثنين مع اثنين أربعة. وأنه يمكن أن يخطئ الطفل فيقول: اثنان مع اثنين ستة. فهذا إمكان الخطأ من غير الاختصاص أو من ضعيف العقل وهو لا يؤثر في أن اثنين مع اثنين أربعة.
أما أن الفلكيين مختلفون فهذا أمر غير صحيح، إن الفلكيين متحدون ومتفقون وأن الحسابات الفلكية كما رأيناها في التقاويم التي صدرت عن علماء الفلك المسلمين والذين نأمنهم في دينهم وتقواهم وورعهم فقد اتفقوا اتفاقًا كاملًا باللحظة والثانية والذين حضروا هذه الاجتماعات واستمعوا إلى الفلكيين وقد جاءوا من أطراف العالم الإسلامي وقابلوا حساباتهم انتهوا أو وجدوا أنفسهم متفقين.
الأمر الثالث: قضية اختلاف، ونعيدها اختلاف بين دخول الشهر الفلكي ودخول الشهر الشرعي لا يا سيدي لا يوجد خلاف، الفلكيون يقولون: الاقتران يقع في ساعة كذا ولكن هذا الاقتران لا يمكن معه رؤية الهلال، ماذا ترغبون يا أهل الشريعة؟ نقول: نحن نرغب في أن نرى الهلال، فيقولون: إن الهلال يمكن رؤيته حسب قواعد البصر وحسب بعد القمر عن الاقتران واستقباله لنور الشمس، تستطيعون رؤيته في هذه اللحظة ولن تستطيعوا رؤيته قبل ذلك. فليس هناك دخول شهر فلكي، وهناك دخول شهر حسابي وإنما هو أمر واحد لا فارق بينهما إلا أن الفلكيين كما يعطوننا ما قبل الاقتران يعطوننا تاريخ الاقتران ويعطوننا ما بعد الاقتران.
ما توصل إليه المجمع الفقهي في مكة المكرمة هو رأي المجمع الفقهي في مكة المكرمة. وقد رأينا أن علماء المسلمين كانت لهم أقوال تختلف باعتبار ما عندهم من المعطيات، وقد رأينا المجمع الفقهي فعلًا في مكة المكرمة قال قولًا ثم تراجع عنه وهذا ما رأيناه بالأمس.
الشرق والغرب قضية الشرق والغرب، وأن الشرق يرى الهلال وأن الغرب لم يثبت عنده الهلال، هذه في السنة يا سيدي في مكة المكرمة ثبت دخول الشهر بالرؤية ولم يثبت دخول الهلال في المغرب الأقصى إلا بعد أربعة أيام وكلاهما يعتمد الرؤية فهل هذا الخلاف موجبه شيء؟ موجبه إلا الرؤية لأنه لا نقول: إن الرؤية كاذبة دائمًا، ولكن الرؤية فيها كذب، وهو موجود وفيها مع الكذب خداع البصر.
أنا لو أتيت بالمجمع العلمي كله وقلت له: انظر إلى القطرة النازلة من السماء لحكموا كلهم بأنه خيط نازل ويشهدون بهذا وشهادتهم حق لكانت الشهادة هي باطلة. لأنها إنما هي قطرة لكن سرعة تحول القطرة هو أكثر من اقتدار البصر على الاستيعاب فيرونه وهو ليس بخيط، فخداع النظر أو ما يتراءى من شرارات في الكون تجعل الإنسان أنه رأى الهلال وهو لم يره. شهادة عشرين في أماكن مختلفة ليس دليلًا قطعيًا لأن الواحد عندما يرى في جمع كثير ولا يراه إلا هو فلا تعمل بشهادته ولا تتأيد من ناحية أخرى.
أما التأثر بناء على مواقف مسبقة فهذا أرجو أن لا يقال مثل هذا الكلام وأن لا يتهم أي منا أنه يعمل بأشياء مسبقة وجاء إلى هنا وكلنا فيما أعتقد ولا أتهم أحدًا. وإنما أعتقد أن كل واحد إنما يرغب الحق، وأن أجله لا يدري متى سيأتيه ولا ينفعه مال ولا بنون ولا أي شيء في الدنيا.
ولا أتهم أحدًا ولا يَحْسُنُ لأي منا أن يتهم أحدًا، معظم الناس لا يعرفون الحساب ومعظم الناس لا يرون الهلال، معظم الناس أنا لا أرى ما أمامي من الكتابة التي كتبتها لو أزلت نظارتي لأرى الكتابة، فهل معنى هذا أني سأرى الهلال في يوم من الأيام؟ فكما أعتمد على الذين رزقهم الله البصر في الوقت الذي كانت وسيلة الرؤية هي البصر فقط فكذلك اعتمد على الذين رزقهم الله العلم بالحساب لأعتمد عليهم في معرفة دخول الشهر وخروجه. ولو أخذ الرائي الطائرة فهل كان ابن عباس يخالف، ابن عباس يخالف قطعًا لو أتاهم الخبر اليقين في الوقت؛ لأن القضية ليست قضية زمن هو قال:"لهم رؤيتهم ولنا رؤيتنا" لم يعلل بقضية البعد والقرب.
فالذي أطمئن إليه من ناحية يقينية ومن ناحية أخرى ترجيحية، أما الاطمئنان هو أن الحساب يقيني وبناء على أن الحساب يقيني فلا يمكن أن نترك اليقين إلى ظن والرؤية ظنية ولا يمكن بحال من الأحوال أن تأتي رؤية مستفيضة على خلاف الحساب الصحيح اليقيني وما هذا الذي ذكره الشيخ جعيط إلا كقوله تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} فهذه هي افتراض وشأن الافتراضات العقلية أو العقل عندما يتطوع بالنظر لكن في الحقيقة أن اليقين لا يمكن أن يخالفه يقين فاليقين واحد واليقين لا يرفع. وشكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس:
شكرًا
…
مع الإشارة بأنكم يا شيخ تقول: إن عندك اطمئنانًا على أن الحساب يقيني، معناه عندك شك وأنت تقول عندي اطمئنان.
الشيخ المختار السلامي:
أنا مطمئن بوجود الله وأنا مطمئن بذكر الله وأنا أطمئن بوجودكم معي وأنا مطمئن إلى أني في المجلس هنا ومطمئن أنه ليس عندي شك.
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه وحده أستعين
…
الحقيقة الموضوع حساس وخطير لأنه يتصل بشعيرة من شعائر الدين وركن من أركان الإسلام. وفي هذا الأمر يجب علينا أن نلتزم بنصوص الكتاب والسنة ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) ولا نستطيع أن نبدل بحال من الأحوال النصوص من أجل أخطاء طارئة، إنما الأخطاء ممكن تلافيها بالحرص والتثبت من الشهود والاستعانة بالمراصد الدقيقة والحساب الدقيق، وهذا ليس فيه خروج عن النصوص. والله سبحانه وتعالى قال:{الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} ثم إن الأمة الإسلامية أمة واحدة: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} وأنا أقول بأن الحساب يختلف عن المحاسب فيه فرق بين الحساب وفيه فرق بين المحاسب وفيه بين الرؤية وبين الرائي، المحاسب قد يقع في الخطأ والرائي قد يقع في الخطأ. الواجب في الحقيقة الالتزام بالنص ثم الواجب الاستعانة بالعلم. ولكن المرجع هو النص ولا بأس من الاستعانة بالمراصد وبالحساب، وإذا ثبت شرعًا في دار إسلام فأنا من رأيي أن يثبت شرعًا في بلاد المسلمين عامة حتى في بلاد الكفار التي فيها أقليات إسلامية؛ لأن اليوم الكرة الأرضية أصبحت صغيرة وأصبح الاتصال ممكنًا في لحظة واحدة في جميع ديار المسلمين وفي جميع الكرة الأرضية. وشكرًا لكم.
الشيخ أحمد محمد جمال:
بسم الله الرحمن الرحيم
…
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
أنا كنت طلبت الكلام أمس ولكن حيل بيني وبينه بما حولتم إليه الحوار إلى قضية الإنعاش.
كنت أريد أن أتحدث عن مفهوم الحديثين النبويين ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) والحديث الآخر الذي يقول فيه عليه أفضل الصلاة والسلام ((نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)) ولكني وجدت الشيخ المختار والأستاذ القرضاوي كفياني الحديث في هذا الموضوع أو في مفهوم هذين الحديثين اللذين يتمسك بهما من يقول بالرؤية وحدها.
وأريد أن أقول أيضًا إن القضية مطروحة أمامكم الآن من أجل اجتهاد جديد لاختلاف المسلمين في توحيد أهلتهم أو توحيد صيامهم وإفطارهم، فلا ينبغي أن يتمسك فريق بحديث الرؤية البصرية أيضًا، هناك اختلاف هل هي رؤية علمية أو رؤية بصرية؟ ما تعرض المجمع لها في حواره أمس ولا حواره اليوم، لأن الذين يقولون بأن الرؤية علمية يتأيدون بقول الله تبارك وتعالى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} أي من علم يعني ليست الرؤية بصرية دائمة قد تكون علمية.
فالذي أريد أن أقوله أنه ينبغي للمجمع أن يصدر عن فكر جديد وعن اجتهاد جديد، لا يمنع اتخاذ الوسائل العصرية العلمية الحديثة فأرى توفيقًا للآراء أن نعتمد الرؤية أولًا وأساسًا ونستعين في ذات الوقت بالوسائل الحديثة بالحساب الفلكي وبالمراصد أيضًا. وأنا أركز هنا على المراصد لأن الأبصار ضعفت الآن نحن أولادنا وأطفالنا يولدون وفي أعينهم نظارات مكبرة، فالاعتماد على الشهادة الرؤية البصرية وحدها لا يكفي الآن. فلا بد من الاستعانة بالحساب الفلكي وبالمراصد التي تعين في التقريب والتكبير.
وأذكر هنا بهذه المناسبة أن الملك عبد العزيز رحمه الله كان لا يعتمد على عامة الناس يقول: من رأى منكم الهلال فليحضر إلى المحكمة ويشهد، كان يبعث قضاة المحكمة الشرعية الكبرى إلى جبل ليروا بأنفسهم ويتحروا بأنفسهم ويكونون محل ثقة لا نشك الآن في شهادة الشهود العادلين. فالملك عبد العزيز رحمه الله كان يفعل ذلك، وأعتقد أن في مصر أيضًا يبعثون بالمفتي إلى مكان ليثبت التحري. فأرى أيضًا أن لا تعتمد شهادة عامة المسلمين، إنما تختار رجالًا بصراء أمناء لتحري الرؤية فإذا جمعنا بين الرؤية البصرية والحساب الفلكي والمراصد التي تعنيننا على الرؤية وأن يكون ذلك من قبل علماء أو قضاة في كل بلد أعتقد أن القضية منتهية بذلك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد الله بن بيه:
الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
في الحقيقة إن هذا الموضوع أشبع درسًا وكل ما نقوله هو تكرار لما قيل من وجه إذا لم يكن تكرارًا حرفيًا فهو تكرار معنوي، ولكن لا بد من الإدلاء بالدلو في هذا الموضوع وهو موضوع عبادي وتعبدي، عبادي يتعلق بالعبادة، وتعبدي بمعنى أنه لا ينبغي أن يكون معللًا لأن التعبدي في اصطلاح الفقهاء هو ما ليس معللًا لأنه وضع من الشارع.
في هذا الموضوع ظهرت جملة من الشبه والأقوال:
الشبهة الأولى: الشبهة العلمية الموهومة. هذه الشبهة كأنها أصبحت موضة وكأنها أصبحت نوعًا من التطور في مجال العلم وكأنها تجدي لنا نفعًا، لا أتهم أحدًا، أعتقد أن الجميع يتكلمون عن حسن نية وعن قناعة وأنا أيضًا أتكلم عن حسن نية إن شاء الله وعن قناعة، أعتقد أن البحث يدور حول شعيرة وحول قضية مهمة تتعلق بإثبات التكليف.
متى يكون العبد مكلفًا بالصيام؟ ومتى يكون مكلفًا بالفطر؟ هذه مسألة واضحة، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنه مكلف بالصيام عند الرؤية ومكلف بالفطر عند الرؤية، قال ذلك في عبارات واضحة ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) ((فإذا رأيتموه فصوموا)) . مرة في الشرط، والشرط من المفاهيم القوية بمعنى أننا إذا لم نره لا نصوم ومفهوم الشرط قال به كثير من الناس ممن لا يقول بمفهوم المخالفة.
إذن ألا يسعنا ما وسع النبي صلى الله عليه وسلم؟ وكما قال الشيخ في الزمان الماضي قال له: هذا الذي تدعو الناس إليه علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي أم جهلوه؟ قال له: جهلوه وعلمته أنت يا لكاع. قال له: لا أقلني، قال له: أقلتك. والمسألة على حالها علموا أم جهلوا؟ قال: علموا ادع الناس إلى مثل ما دعوتهم إليه. قال: لا. قال: ألا يسعك ما وسع النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه؟ فقال الخليفة: بلى أن ذلك ليسعني.
يسعنا أيها الإخوان ما وسع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. نحن أمام رؤية وهي مشاهدة بالعين وأمام استنباط واستنتاج عن طريق ما يسمى بعلم الحساب أو علم الفلك. رؤية العين والاستنباط: رؤية العين لا يمكن أن تكون كاذبة والاستنباط أيضًا قد لا يكون كاذبًا، لا أحكم عليه بالكذب. رؤية العين: شخص رأى شيئًا لا يمكن أن تقول له: أنت لم تر، الأخ يقول بالأمس: إن هذه الرؤية كاذبة، لم ير شخص، لم ير شيئًا مطلقًا.
لا يمكن أن يقبل هذا عاقل: أنا أرى شيئًا تقول: لا ترى شيئًا. إن الحقائق كلها متبدلة ومتغيرة ولا يمكن لإنسان أن يعتمد على شيء إذا لم يعتمد على رؤية حسية. كما قال الإخوان: إن هذا الدين مبني على اليسر وإن من الوسائل ما يرفضه الدين ولا يعتمد عليه. الدين يقدم النادر على الغالب في كثير من المسائل فلو ادعى أورع الناس على أفقه الناس تافهًا كدرهم ما صدق، لو أدعى تافهًا كدرهم، لو ادعاه عمر على أي فاسق ما قبل منه إلا بشهادة. معنى ذلك أن الدين ألغى الغالب واعتبر النادر لحكمة فلا يمكن فرض بعض المفاهيم على الدين.
وفي رأيي أنه ينبغي لنا أن نرجع إلى ما يبرئنا أمام الله سبحانه وتعالى كما قال أخي الشيخ السلامي، كل واحد يحتمل أن يموت في أي وقت.
فما هو الموقف المبرئ في الحقيقة أمام الله سبحانه وتعالى في مسألة الأهلة؟ هل هو الاعتماد على الرؤية أم الاعتماد على الحساب؟ إذا كان بعض الإخوان مقتنعًا بأن الحساب قطعي فبعضنا لا يقتنع بذلك. الأخ يقول: يراه أهل المغرب قبل أهل المشرق والدكتور شيخنا القرضاوي يقول: هو الصحيح، قنون في حاشيته على الرهوني يقول: يراه أهل المشرق قبل أهل المغرب ورؤية أهل المغرب.
الشيخ يوسف القرضاوي:
هذا صحيح أهل المشرق المفروض يرونه قبل أهل المغرب.
الشيخ عبد الله بن بيه:
هذا الذي أنتم قلتم: المغرب، قلتم ما قاله الفلكي بالأمس.
الشيخ مختار السلامي:
إذا ثبت مشرقًا ثبت مغربًا.
الشيخ عبد الله بن بيه:
لا.. لا.. لا هذا عكس ما أريد أن أقوله، أنا أقول: إن أهل المشرق يرون الهلال قبل أهل المغرب ورؤيتهم غير ملزمة لأهل المغرب، ورؤية أهل المغرب ملزمة لأهل المشرق ذلك ما قاله قنون في حاشيته على الرهوني، وممكن أن تراجعوها.
الشيخ المختار السلامي:
أحب أن أقف عليه لأن مذهب المالكية خلاف الرهوني، والرهوني الذي هو أقدر من قنون.
الشيخ عبد الله بن بيه:
إذن الخلاف ثابت، العلماء بعضهم يقولون: المشرق رؤية أهل المشرق ملزمة لأهل المغرب، وبعضهم يقول: رؤية أهل المغرب ملزمة لأهل المشرق، لا العكس ونحن نشاهد طيلة هذه القرون أن أهل المشرق يرون الهلال أولًا كما يرون الشمس قبل رؤية أهل المغرب لها، هذا شيء مطرد. وعرفه نام إذا سألت أي فلاح في مصر أو أي راع في موريتانيا يجيبك بهذا لا يحتاج إلى شيء، وهذا الدين كما قال مالك إلى العذراء في خدرها تريد أنت وأصحابك أن تجعلوه جدالًا. هذا الدين يسر، ويسر بهذه القواعد وانطلاقًا من هذا لا يوجد خلاف ولا ينبغي أن يوجد خلاف حول هذه القضية ما دام رائدنا هو رفع التكليف عن الناس بصفة مقبولة ومرضية عند الله ورسوله إن شاء الله.
هناك في الحقيقة تخوف حقيقي وهو تدني عدالة المسلمين في هذا الزمان وعدم مبالاتهم وعدم اعتنائهم برؤية الهلال، هذا تخوف في محله وهو تخوف مشروع. علاج هذا قد عالجه العلماء قبلنا، يقول الزقاق بأن يكون الخبر مستفيضًا ولا أقول البينة مستفيضة أو أن يكون متواترًا والمتواتر لا حد له وإن كان السيوطي حدد المتواتر، وقوم حدده بعشرة وهو لدي أجود وقول باثني عشر وعشرين يحكي أربعين أو سبعين فيه هذا في مجال الحديث، وبعضهم قد ادعى فيه العدم وبعضهم عزته وهو أهم فالمتواتر لا حد له. فنحن نستكثر من العدول نلاحظ تدنيًا في عدالة الناس نستكثر من الشهود ونوصي بهذا وندعو جماهير المسلمين إلى الخروج لمشاهدة الهلال ولتحري الهلال وللبحث عنه.
هذا ما نستطيع أن نفعله في مجلسنا هذا، يسعنا ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم، الخطأ في الحساب قال بعض الإخوان: الخطأ في الحساب قليل مغتفر، الخطأ في الحساب مغتفر والخطأ في الرؤية ليس مغتفرًا تعلمون بأن النبي صلى الله عليه وسلم قام من اثنتين في أربعة مواضع سها في الصلاة، فالصلاة مرقعة. فالخطأ في الصوم أيضًا أن نصوم يومًا آخر يومًا زائدًا أن نقضي ذلك اليوم الذي فات.
الأمر كما يقول الشاطبي الأمر ليس مهولًا إذن لا ينبغي التجريح في الرؤية، والتجريح في الرؤية لو قلنا بلازم المذهب، لو قلنا بالمآل كما يقول ابن رشد بلازم المذهب لكان كفرًا، لأن تجريح الرؤية تجريح لوسيلة حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتجريح الرؤية مطلقًا يقال: الرؤية لا يمكن أن تعتمد ولا يمكن أن تعتبر تجريحًا في هذه الوسيلة التي حددها النبي صلى الله عليه وسلم حددها بتعليل قال ((صوموا لرؤيته)) لأجل رؤيته حددها في مفهوم الشرط، ((إذا رأيتم الهلال فصوموا)) في عبارات مختلفة في غاية الوضوح، فهمها الصحابة تلقوها منه، فهمها التابعون، فهمها الأئمة جميع الأئمة إلى يومنا هذا.
فلا أرى أن يكون مجلسنا هذا مجلسًا مهمته هدم الدين أو التجاوز على الدين، ولا أرى ذلك نافعًا في عصرنا ولا يقدم ولا يؤخر، لا يقدم ولا يؤخر حضارة، قلنا: إن الحضارة هي العمل النافع الذي ينفعنا في دنيانا وينفعنا في آخرتنا، أما مثل هذه القرارات لا أراها مطلقًا نافعة.
سيدي الرئيس أريد أن أذكر أن النووي وقد أشار شيخنا القرضاوي أن النووي قال: إن الشافعي كغيره لا يقول بالحساب ذلك كلام النووي. إذن فليراجع فلعل شيخنا القرضاوي اطلع على نسخة لم أطلع عليها. النووي قال: إن الشافعي لا يعتمد مطلقًا الحساب وأنه كغيره.
الشيخ يوسف القرضاوي:
ليس المذهب هذا، المذهب فيه أقوال.
الشيخ عبد الله بن بيه:
ولكن قال: إن الشافعي قال النووي بالحرف الواحد: إن الشافعي كغيره لا يقولون مطلقًا.
الشيخ يوسف القرضاوي:
يصح قول في المذهب يجوز.
الشيخ عبد الله بن بيه:
هذا قول ابن سيرين.
الرئيس:
لغير الشافعية أما أئمة المذهب فقد نفوه لا إشكال.
أئمة المذهب الشافعي قد نفوا نسبته إلى الشافعي ولا ينبئك مثل خبير.
الشيخ عبد الله بن بيه:
نعم، إنه نفى نسبته للشافعي، العلم لا يختلف مع الدين، صحيح أن العلم لا يأمر ولا ينهى في هذا الموضوع، الدين يأمر وينهى، الشارع رافع واضع، العلم لا يرفع شأنًا ولا يضعه في هذه القضية فلا خلاف بين العلم والدين هذا خلاف مصطنع. أعتقد أنا نحن نتكلم في ناحية ليست هي موضوع البحث، العلم ليس موضوع البحث، العلم والدين، العلم لا يرفع شيئًا ولا يضعه، العلم يقول: إن الخنزير يمكن أن تنزع عنه كل دودة والجراثيم التي فيه وأن لحمه يصبح طيبًا، الدين ينهى عن الخنزير، الله سبحانه وتعالى قال: إن الخنزير لا يجوز لنا أكله، فهل يمكن أن نقول اليوم: العلم أباح لكم أكل لحم الخنزير لأنه يستطيع نزع جميع الجراثيم.
الأمين العام:
بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هذا الموضوع الذي نتداول النظر فيه قد بحثه غيرنا من قبل في مؤتمرات عديدة والذي دعا إلى بحثه من جديد هنا هو الواقع المر الذي يعيشه المجتمع الإسلامي. وقد أدلى كل واحد بدلوه في هذا الموضوع، وأنا أشكر الشيخ عبد الله بن بيه على علمه الواسع لكثير من النصوص، وهذا ما يفيدنا ونطمئن إليه، لكن ليفرض علينا واحد من الناس رأيه فهذا غير مقبول.
وهذا المؤتمر نستمع فيه إلى الآراء بغاية الأدب واللطف وعندما نستمع إلى الآراء تسجل هذه الآراء وقد استمعنا لنفي هذه الحيرة والاضطراب وكل واحد منا هنا هو لخدمة الدين، إذن الاتجاهات التي اتضحت من وراء دراسة هذا الموضوع ثلاثة:
الاتجاه الأول: هو الالتزام بالرؤية وعدم الانتقال إلى غيرها مهما كان الأمر، وهو الرأي الذي بينه عدد كبير من إخواننا مع غاية من الأدب واللطف في عرض الحديث.
الاتجاه الثاني: هو أنه يجوز أن ننتقل من هذه الوسيلة التي هي في نظر بعض الإخوان ليست ملزمة إلى وسائل أخرى جدت ويمكن الاستعانة بها وهي قطعية ومفيدة للعلم وهؤلاء هم الذين يقولون بالحساب. فهذان اتجاهان اثنان.
هناك اتجاه ثالث: يقول نحن نطمئن إلى الرؤية وهي الأصل ولكن بعض الظروف التي حصلت في العام الماضي والذي قبله ومن سنين جعلت بعض الناس لا يحتاطون في الإعلان بالرؤية فيا لوقت المناسب إذ يعلنون عن وجود الهلال قبل القرآن، وهذا ما لا يمكن أن يصح لا شرعًا ولا منطقًا ولا علمًا، وبناء على ذلك فهم ينادون بالاحتياط في الرؤية وبالاستعانة بالحساب ليتمكنوا من الاحتياط لدينهم ولعبادتهم، فهل في هذا ضير؟
وعندئذ هذه القضايا الثلاث أو الأوجه الثلاثة مطروحة على حضراتكم لتبتوا فيها بالاختيار أو بالتصويت أو بما تشاءون لنستطيع أن نحرر القرار ويكون القرار علميًا مجمعيًا معللًا، وشكرًا لكم.
وبذلك فإني أقترح إنهاء الحديث في هذا الموضوع حيث تبينت الاتجاهات، وتبينت الاتجاهات من أمس ونحن أجلنا الموضوع فقط للاطلاع على الجانب الفلكي وقد اطلعنا عليه فلا حاجة إلى الاستزادة من القول، وشكرًا لكم.
الشيخ وهبة الزحيلي:
أبدأ بالعمل باقتراحات فضيلة الأمين العام لقضية: هل إذا رئي الهلال بأي وسيلة نعتمدها؟ هل تلزم باقي الأقطار بهذه الرؤية أو لا تلزم؟ يعني الشق الثاني.
الأمين العام:
القضية هي بالنسبة لتوحيد المطالع أو اتفاق الأمة الإسلامية على الأخذ بتلك الرؤية أو بالحساب أو بما سننتهي إليه. هذا أمر موكول إليكم، وقد رأيت في الحديث الذي دار أن اتجاه أكثر الناس إلى عدم الأخذ باختلاف المطالع بمعنى إلى توحيد الأمة في قيامها بمواسمها الشرعية وبصيامها، فإن كان هناك من يتحفظ أو يخالف يسجل رأيه.
الشيخ عبد الله بن بيه:
نحن نرى اختلاف المطالع ولأنه واقع.
الرئيس:
شكرًا.. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فأمامنا قضيتان:
الأولى: مدى تأثير اختلاف المطالع على توحيد الرؤية من عدمها.
والثانية: مدى الاعتماد على الحساب في إثبات أوائل الشهور القمرية.
وهاتان القضيتان قد درستا في محافل ومجامع علمية كثيرة، ولعل من آخرها درس في مجمع مكة في هاتين القضيتين والقرار الذي صدر من مجمع مكة قد وزع عليكم والقرارات الأخرى التي صدرت من مجمع البحوث الإسلامية أو من اللجنة الشرعية الفلكية في الأزهر سمعتم عرضًا عنها، ومنه ما أشير إليه في بعض هذه البحوث.
وقد انتهى مجمع مكة في قضية اختلاف المطالع إلى أن مذهب الجماهير من أهل العلم على اختلافها ثم قرروا في آخر قرارهم نظرًا لأوضاع البلدان الإسلامية وتلافيًا أو وطلبًا للاستصلاح قرروا أن أهل كل بلد يتبعون مفتيهم وما يقرره أهل العلم فيهم، وقد أثنى على هذا عدد من الأخوة الحاضرين من أعضاء هذا المجمع. فأرجو من أصحاب الفضيلة الذين يثنون على ما قرره مجمع مكة في مسألة اختلاف المطالع بهذا الرأي أن يتكرموا بالإشارة بأيديهم من الأعضاء العاملين.
الشيخ يوسف جيري:
سيدي الرئيس.. ينبغي –استيضاحًا- لو تكرمتم تعيدوا عرض موقف مجمع مكة لو تكرمتم. أولًا الموقف الأول ثم الموقف الثاني؛ لأننا فهمنا منكم الآن أنهم كانوا أخذوا قرارًا في الأول.
الرئيس:
لا، ليس فيه هذا القرار الأول والثاني، ليس في المسألة هذه، هذا في طفل الأنابيب.
الشيخ يوسف جيري:
في المسألة هذه أخذوا قرارًا واحدًا.
الرئيس:
قرار واحد.
الشيخ يوسف جيري:
نريد أن نعرفه.
الرئيس:
قالوا هنا: إنه قد قرر العلماء من كل المذاهب أن اختلاف المطالع هو المعتبر عند كثير، فقد روى ابن عبد البر الإجماع على ألا ترعى الرؤية فيما تباعد من البلدان إلى آخر، ثم قالوا في آخر قراراهم: وعلى ضوء ذلك قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامي أنه لا حاجة إلى الدعوة إلى توحيد الأهلة والأعياد في العالم الإسلامي لأن توحيدها لا يكفل وحدتهم كما يتوهمه كثير من المقترحين لتوحيد الأهلة والأعياد وأن تترك قضية إثبات الهلال إلى دور الإفتاء والقضاء في الدول الإسلامية، لأن ذلك أولى وأجدر بالمصلحة الإسلامية العامة وأن الذي يكفل توحيد الأمة وجمع كلمتها هو اتفاقهم على العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع شئونهم والله ولي التوفيق.
الشيخ عبد السلام العبادي:
إذا سمحت سيدي.. نقطة نظام.. إذا سمحت قليلًا، أظن نحن في هذا المجمع ليس مطلوبًا منا ولا يجوز أن نعرض قرار مجمع آخر للتصويت هنا، نحن نبحث مسائل علمية ونستأنس بما انتهت إليه المجامع الأخرى.
الرئيس:
فقط سأقول كلمة واحدة لننهي الموضوع، أنا أقول كلمة واحدة أقول: هل تثنون على قرار مكة أم لا؟ أنا لم أقل هذا وإنما أقول: إن عددًا من الإخوان أصحاب الفضيلة المشايخ ثنوا على قرار مكة ورأوا أن ينتهي الموضوع في هذه الجزئية بما قرره الفقهاء في مجمع مكة، فانطلاقًا من هذه كما فعلنا في طفل الأنابيب بالأمس، فما الذي أجاز لكم هذا في طفل الأنابيب بالأمس وتمنعونه اليوم؟
الشيخ يوسف جيري:
لسبب واحد أنه بالنسبة لطفل الأنابيب عرضنا الفكرتين، نحن نريد الآن هذا موقف مجمع مكة، الموقف المعاكس أيضًا نريد أن نعرفه كيف نعمل تصويتًا قبل أن نعرف الاثنين؟
الرئيس:
المسألة بحثت بالأمس وبحثت اليوم وأنت تسمع الآراء.
الشيخ يوسف جيري:
الآن لم تكتفوا بعرض الآراء التي حصلت بين الأمس واليوم بل رأيتم أن تذكرونا بما قاله مجمع مكة.
الرئيس:
عرضها معالي الأمين العام وأنتم تسمعون في مسألة الحساب وأنا الآن في دور استعراض الآراء هذا واضح.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
إذن لماذا لا تعرضون الموضوع بعنوانه: من يرى اعتبار اختلاف المطالع أو من لا يرى ذلك، لماذا لا يكون بهذا الشكل؟
الشيخ عبد السلام العبادي:
في الواقع في مجال التصويت والمعهود في كل المجالس والمجامع أن تعرض القضية أولًا، قضية الخلاف ثم بعد ذلك تعرض وجهات النظر الواردة فيها ثم يترك الأمر للتصويت.
الرئيس:
على كل نحن نستطيع أن نجمع بين هذه حتى نتلافى الخلاف الآخر، فعلى كل نحن لدينا قضيتان:
أما القضية الأولى: فهو مدى تأثير اختلاف المطالع ولدينا في هذه المسألة فيما تحصل لنا رأيان:
الأول: هو تأثير اختلاف المطالع وهذا ما ذهب إليه قرار مكة وأن يترك لأهل كل بلد الرجوع إلى المرجع الشرعي في البلاد، هذا هو الرأي الأول.
الرأي الثاني: أنه لا تأثير لاختلاف المطالع وأنه إذا ثبت ثبوتًا شرعيًا في بلد إسلامي فإنه يلزم المسلمين في جميع أنحاء العالم أن يلتزموا بهذه الرؤية.
فأنا أقول بالنسبة للرأي الأول وهو تأثير اختلاف المطالع وأن يعود أهل كل بلد إلى مفتيهم ومرجعهم الشرعي في البلاد، الذين يصوتون على هذا أرجو الإشارة بأيديهم.
الشيخ علي التسخيري – الشيخ هارون – الشيخ أبو بكر – الشيخ عبد اللطيف سعد – الشيخ تقي عثماني – الشيخ عبد الحميد – الشيخ صالح طوغ – الشيخ عمر جاه – الشيخ عبد الله البسام – الشيخ الخليلي عبد الرحمن باه – الشيخ محمد عبده عمر – الشيخ عبد الله إبراهيم – الشيخ محمد عبد الرحمن.
الشيخ تقي العثماني:
سيدي الرئيس التصويت هذا لإثبات اختلاف المطالع.
الرئيس:
لاختلاف المطالع.
الشيخ تقي العثماني:
اعتبار اختلاف المطالع أن يكون لكل أهل بلد رؤيتهم.
الرئيس:
يعني يرجع أهل كل بلد إلى مفتيهم، إلى رؤيتهم.
الشيخ تقي العثماني:
يعني إلى رؤيتهم؟ فهذا ما لا أوافق عليه.
الأمين العام:
حضرات أصحاب الفضيلة من فضلكم.. معالي الرئيس قدم الموضوع بغاية اليسر والسهولة لنخرج من هذا الخلاف، أريد أن أعود إلى طرح الموضوع حتى نكون على بينة، الموضوع فيها اتجاهان:
الاتجاه الأول: يرى أن الرؤية تكون في بلده ويقتصر عليها ولا يأخذ بالرؤية العامة التي تشمل كل الأقطار الإسلامية بمعنى يقول باختلاف المطالع.
والاتجاه الثاني: هو عدم القول باختلاف المطالع وتوحيد المسلمين عامة في رؤية واحدة يتبعونها، فالذين يلتزمون بالرؤية المختلفة بمعنى أن لكل بلد رؤية، من هم الذين يوافقون على هذا؟
الشيخ الصديق الضرير:
نرجو اعتبار اختلاف المطالع، نحن لا خلاف بيننا في أن المطالع مختلفة وإنما الخلاف نعتبرها أو لا نعتبرها.
الأمين العام:
أنا أتحدث على اعتبارها.
الشيخ الصديق الضرير:
لأن قرار مكة الذي يتحدث عن اختلاف المطالع.
الأمين العام:
القضية هي اعتماد اختلاف المطالع، من الذي يوافق على اعتماد اختلاف المطالع؟
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
عفوًا السيد الرئيس، سؤال يعرض للرئاسة أرجو الجواب عليه، إذا كان لأحدنا نظرية توفيقية ليست مع الأخذ باعتبار اختلاف المطالع ولا باتحاد المطالع، نظرية توفيقية لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء.
الرئيس:
يكون له رأي ثان، يخرج من الفريقين يحدث قولًا ثالثًا.
الأمين العام:
من الذي يرى اعتبار اختلاف المطالع؟
الرئيس:
الشيخ أبو بكر دوكوري – الشيخ محمد بن عبد اللطيف السعد – الشيخ عبد الحميد بن باكل – الشيخ صالح طوغ – الشيخ عمر جاه – الشيخ الخليلي – الشيخ عبد الرحمن باه – الشيخ محمد عبد الرحمن – الشيخ عبد الله البسام – الشيخ عبد الله بن إبراهيم – فيه أحد من غير الإخوان الذين سمعنا أسماءهم، وبكر أبو زيد أنا، كم صاروا يا شيخ؟
الشيخ عبد السلام العبادي:
أحد عشر اسمًا.
الرئيس:
بقي من لا يرى توحيد الرؤية.
الشيخ صابون – الشيخ السلامي – الشيخ هارون – الشيخ روحان – الشيخ عطا السيد – الشيخ آدم – الشيخ محمد شريف – الشيخ رجب – الشيخ الخياط – الشيخ البزيع – الشيخ يوسف – الشيخ موسى فتحي – الشيخ عبد العزيز عيسى – الشيخ محمد عبده عمر – الشيخ محمد سالم – الشيخ مصطفى الزرقاء – الشيخ الضرير – الشيخ طه –الشيخ عبد الستار أبو غدة – الشيخ خليل الميس – الشيخ عبد السلام العبادي.
الشيخ هشام برهاني:
هناك رأي لم يطرح أصلًا، وهو أنه نحن نستطيع أن نجمع بين الأمرين بحيث أولًا نقرر أن الحقيقية الشرعية وهي إثبات بدء الشهر ونهايته على الرؤية هذه حقيقة لا يجوز الخروج عنها، هذه نقطة، أنا أعرض قضية وأن هناك القضية الثانية التي جرت على لسان كثير من الإخوة الحاضرين وهي أن حقائق العلم لا تناقض حقائق الشرع، هذه قضية.
الأمر الثاني: أن العلماء اختلفوا على ثلاثة أقوال في هذه القضية:
قول يقول باختلاف المطالع، وقول لا يقول باختلافها، وقول باعتبار الاختلاف في حال البعد لا في حال القرب هذه قضية ثالثة، وليست قضيتين إنما ثلاث.
ونحن إذا استطعنا أن نفهم حقائق العلم لا يمكن أن نختلف على هذه القضية أصلًا ولو أن علماء الهيئة عرفوا المراد عند أهل الشريعة لما أخطأوا أيضًا في الحساب فنحن نريد أن نتوسع في هذه القضية من الناحية العلمية فإذا صارت يقينية فأظن أن لهذا الخلاف أصلًا لا يمكن أن يتم.
ولذلك أقول وأثني على ما ورد في كلام الخبير أمس، العلماء، علماء الهيئة عندما تكلموا على الهلال والرؤية قالوا: الكرة الأرضية لا يمكن أن ترى الهلال في يوم واحد وهذا يثري قضية اختلاف الطالع لأنها حقيقة علمية وحقيقة شرعية، وأيضًا قالوا يفصل بين الجزئين خط يسمى خط اختلاف المطالع، هذا يحدد بدقة حتى بالثانية، وهذا يعتمد خطوط الطول أكثر مما يعتمد خطوط العرض، فإذا استطعنا أن نتثبت من هذه الحقائق.
وقالوا أيضًا بأن الذين يقعون غرب خط المطالع كلهم يرون الهلال وكلما ابتعدنا عن هذا الخط إلى جهة الغرب كلما أصبحت الرؤية أوضح، وهذا مما أحب أن أسجله بالنسبة للكلام الذي ورد على ما عرضه مولانا الشيخ بن بيه، حقيقة علمية هذه لو استطعنا، لماذا لا يرى الهلال؟ لوجود الشمس فإذا غربت الشمس ظهر الهلال فكلما اقتربنا من الليل كلما كان ظهوره أوضح ولذلك فإن الجهات التي تقع غرب خط المطالع تكون الرؤية فيها أوضح بينما الجهات التي تقع شرق هذا الخط لا يمكنها أن ترى الهلال أصلًا.
فنحن نريد أن نتثبت من هذه القضايا وقد طرح أخونا الدكتور العلواني أن يكون هناك ندوة يجمع فيها عدد من المتخصصين لتصبح هذه الحقائق معلومة لدينا وبعد ذلك نصدر حكمنا لأن إصدار الحكم قبل التثبت من هذه الحقائق ومحاولة الجمع بين حقائق الشرع وحقائق العلم أمر ضروري وإلا لا نستطيع أن نفعل شيئًا، والله تعالى أعلم.
الشيخ محمد سالم عبد الودود:
هناك ثلاث نقط نقول: أولًا قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه)) هذا ورد في معرض النهي عن أنه يتقدم شهر الصيام بيوم من شعبان هذا هو سبب الحديث وسبب نزول الحديث.
ثانيًا: أن رأيي الذي رفعت أصبعي لأعبر عنه هو رأي السادة المالكية، وهذا من غير تعصب ولكنها مدرسة كما أقول: السادة المالكية يرون أنه لا اعتبار باختلاف المطالع ولا بثبوت الحكم إذا ثبت عند حاكم سواء إن كان ذلك الحاكم عامًا أو خاصًا فإنه يلزم سائر البلدان إلا ما نقل ابن عبد البر من الإجماع، وإجماعات ابن عبد البر غير دقيقة، إلا ما نقل من عدم اعتبار الرؤية فيما تناءى من الأقطار ومثل خراسان من الأندلس.
فالرأي الذي يتحصل على مذهب المالكية أن الهلال مثلًا إذا رؤي في مكة أمكن لأهل نواقشوط ولأهل طهران أن يعتمدوا الرؤية في مكة، ولكن إذا رئي في نواقشوط فلا يمكن لأهل طهران أن يعتمدوا على رؤية أهل نواقشوط لأنهما قطران متنائيان جدًا، وبهذا يصبح من المناسب أن تكون بحسابنا في مكة حكمًا بأنها لا تبعد من الأقطار الغربية بعد خراسان من الأندلس ولا تبعد من الأقطار الشرقية بعد خراسان من الأندلس.
الملاحظة الأخيرة عندي أن حادثة كريب تشهد لما قاله أهل الفلك بأن معاوية ومن معه من المسلمين رأوا الهلال ليلة الجمعة، أما أهل الحجاز فلم يروه إلا ليلة السبت فهذه تشهد بما يقوله الفلكيون من أن الرؤية في المغرب لا تستلزم الرؤية في المشرق، وشكرًا.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم
…
أما بالنسبة للقضية الثانية وهي مدى الاعتماد على الحساب الفلكي في إثبات أوائل الشهور العربية.
الشيخ تقي العثماني:
انتهينا من القضية الأولى.
الرئيس:
انتهينا..
الشيخ تقي العثماني:
هناك قول ثالث.
الرئيس:
إنك سمعت أن الأكثرية رفعوا أيديهم وسجلت أصواتهم، كم هم عددهم يا شيخ؟
الشيخ عبد السلام العبادي:
اثنان وعشرون.
الشيخ يوسف جيري:
هذا الذي كنا نبغاه.
الرئيس:
عددكم اثنان وعشرون وأعلن عن عددهم الشيخ عبد السلام.
القضية الثانية في مدى الاعتماد على الحساب الفلكي في إثبات أوائل الشهور القمرية، وقد سمعتم البحوث سواء إن كانت من طرف بعض الإخوان الفلكيين أو من خلال مداولاتكم، وسمعتم ما تقرر في عدد من المجامع العلمية سواء في مجمع البحوث العلمية بمصر، أو في مجمع اللجنة الشرعية بمصر بالأزهر، أو في مجمع الفقه بمكة، وهناك عندنا ثلاث اتجاهات:
الاتجاه الأول: هو الاعتماد على الرؤية، متى ثبتت الرؤية شرعًا فإنه يعتمد عليها ولا يلتفت إلى الحساب.
والرأي الثاني: هو أنه يعتمد على الحساب ولا يلتفت إلى الرؤية إذا خالفها الحساب.
والرأي الثالث: هو أن العمدة هو الرؤية ويستأنس بالحساب.
الشيخ المختار السلامي:
يتعين أن يكون عرض الموضوع: وهو أنه يعتمد على الحساب كوسيلة للتحقق والتأكد من صحة الشهادة.
الرئيس:
يعني لا بالاعتماد؟
الشيخ المختار السلامي:
نعم، الحساب بحيث إنه إذا جاءت الشهادة على خلاف الحساب لا تقبل.
الرئيس:
هذا هو الرأي الثاني الذي أنا قلته، المهم الذين يصوتون على الرأي الأول.. أنا أعرضها ثلاثة.
الشيخ الصديق الضرير:
نقول: الاعتماد على الحساب وتبقى الرؤية ويعلم تقويم نلتزم بما يقوله التقويم.
الرئيس:
هذا ما فيه أحد يقول به، قطعًا، كذا..
الشيخ عبد السلام العبادي:
اسمح لي سيدي الرئيس، الواقع أنا أشارك الأخ الشيخ الصديق في أنه هنالك نحن أمام ثلاثة آراء:
الرأي الأول الذي يقول باعتماد الحساب ولا حاجة لموضوع الرؤية، نضع تقويمًا ونلتزم بما يقوله التقويم وفق ما سجله الفلكيون.
الرئيس:
أسألك من قال هذا؟ الشيخ طه.
الشيخ عبد السلام العبادي:
الرأي المطروح هذا، فهمت من رأي الشيخ المختار هكذا رأي الأستاذ القرضاوي هكذا.
الرئيس:
أسألك مَنْ مِنَ الإخوان من الأعضاء العاملين من الذي قال هذا القول؟ لأنا نحن الذي فهمناه هي ثلاث، أرجو أن تتكرموا.
الشيخ عبد السلام العبادي:
إذن هو رأيان يا سيدي.
الرئيس:
هذا في الواقع يرجع إلى رأيين.
الشيخ طه جابر العلواني:
أنا ما طلبته هو الاستفادة من تقويم كامل لكامل سنة.
الرئيس:
لكامل السنة لا للاعتماد.
الشيخ طه جابر العلواني:
للاستئناس به، والاستفادة منه.
الرئيس:
هذا واضح من كلامكم.. الشيخ عبد الله.
الشيخ عبد الله البسام:
أنا أرى أن تحرر العبارتان وتقرن ثم نصوت عليهما.
الرئيس:
إذن سألقي موضوع الرأي الأول فإذا كان هناك تحرير له في العبارة فنحن نتناول حتى نحرر العبارة في الرأي الأول، الرأي الأول هو الاعتماد في إثبات أوائل الشهور العربية القمرية على الرؤية الشرعية.
الشيخ عبد الله البسام:
لو يصير إملاء، لو يملى إملاء.
الرئيس:
الاعتماد في إثبات أوائل الشهور القمرية على الرؤية الشرعية.
الشيخ الصديق الضرير:
من غير استئناس.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
على الرؤية فقط ولا عبرة للحساب.
الرئيس:
يعني يضاف إليه دون الاعتماد على الحساب.
الشيخ الصديق الضرير:
ولا الاستئناس به ولا الاعتماد من غير الاستئناس بالحساب لأنه عندنا رأي ثان يقول الاعتماد بالرؤية الشرعية مع الاستئناس بالحساب، فهذان رأيان متقابلان.
الرئيس:
هذا سنأتيه، الاعتماد في إثبات الشهور القمرية على الرؤية الشرعية.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
البصرية.
الرئيس:
دون الاعتماد على الحساب.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
ودون الاستئناس به.
الرئيس:
والله يا شيخ مصطفى هذا إذا كان لك رأي ثالث أضعه.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
هو الثالث حتى يتميز الثالث عن الأول يجب أن ينفي الاستئناس من الرأي الأول حتى يتميزا.
الرئيس:
الرأي الثاني.
الشيخ الصديق الضرير:
نعم نحرر الآراء كلها لأجل أن تكون واضحة لأنه الذي يصوت يكون عارفًا للآراء ويختار من بينها.
الرئيس:
الرأي الثاني: الاعتماد في إثبات أو جواز الاعتماد في إثبات أوائل الشهور.
الشيخ عبد الله بن بيه:
اعتماد ليس جوازًا.
الرئيس:
أنا أرجو من الشيخ مصطفى بما أنه متبني هذا الرأي وخالف مجمع الفقه بمكة وتبناه أرجو أن يحرر العبارة على ضوء ما تفضل.. يا شيخ مصطفى.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
جواز الاعتماد على الحساب الفلكي في إثبات أوائل الشهور القمرية دون حاجة إلى الرجوع للرؤية.
الرئيس:
طبعًا هذا رأيكم.
الشيخ عبد السلام العبادي:
الرأي الثالث الذي درسه من واقع كلام الإخوان هو الاعتماد على الرؤية شريطة أن لا تخالف الحساب الفلكي القطعي.
الشيخ عبد العزيز عيسى:
الانتفاع بالحساب كلما أمكن.
الشيخ عبد السلام العبادي:
لا شريطة أن لا تخالف الحساب.
والرؤية هنا ليست رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم ولا رؤية الخالق جل وعلا، الرؤية المقصودة بها رؤية الشاهد، فالاعتماد على الرؤية رؤية الشاهد شريطة أن لا تخالف الحساب الفلكي القطعي.
الشيخ تقي العثماني:
لو جعلتم العبارة هكذا، استخدام الحساب في اتهام الشهادة على الرؤية، يعني هذا أفضل.
الأمين العام:
نحن لسنا بصدد الصياغة نحن ما دمنا اتفقنا على المعنى نعرض الأفكار الثلاثة أو الاتجاهات الثلاثة لنتبينها وننتقل من هذا إلى التصويت.
الشيخ الصديق الضرير:
أصبحت أكثر من ثلاثة يا سيدي الرئيس.
الرئيس:
إذن نحن أمامنا الآن ثلاثة آراء.
الشيخ الصديق الضرير:
يا سيدي الرئيس أصبحت أربعة بعد هذا التحرير.. الرأي الرابع هو وجوب الاعتماد على الرؤية مع الاستئناس بالحساب الفلكي.
الشيخ يوسف جيري:
كلما أمكن.
الشيخ الصديق الضرير:
لم يقل هذا.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
هذا هو الثالث.
الشيخ الصديق الضرير:
لا الثالث قال: الاعتماد على الرؤية شريطة أن لا تخالف، فرق بين الأمرين.
الشيخ تقي العثماني:
فما الفرق بين الثالث والرابع؟
الشيخ الصديق الضرير:
هناك فرق واضح بين الأمرين يا سيدي.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
معنى: شريطة أن لا تخالف، أننا نستأنس.
الشيخ الصديق الضرير:
يا إخواني إن المسالة واضحة وإنه في رأيي الخلاف بين هذين الرأيين.
الرئيس:
الذي يظهر لي أن القول الثالث والرابع ينبغي صياغتهما في قول واحد.
الشيخ الصديق الضرير:
إذا كان الأمر واحدًا فليكن هذا.. وجوب الاعتماد على الرؤية، وأصر على كلمة وجوب، مع الاعتماد على الرؤية مع الاستئناس بالحساب الفلكي في جميع الحالات.
الشيخ عبد السلام العبادي:
يا سيدي أجمع بينهم إذا سمحت: وجوب الاعتماد على الرؤية مع الاستئناس.
الشيخ الصديق الضرير:
مع الاستئناس بالحساب، مع جواز الاستئناس حتى أعمل وجوبًا، لو سمحت لي، مع الاستئناس فقط.
يجب أن نستأنس، يجب أن نستأنس بالحقائق العلمية، وجوب الاعتماد على الرؤية مع الاستئناس بالحساب الفلكي.
الدكتور وهبة الزحيلي:
والمراصد الفلكية.
الشيخ عبد السلام العبادي:
إذا سمحت سيدي لا بد من أن تلحق بها العبارة التالية: بحيث لا تخالف الحساب الفلكي الشرعي.
الدكتور الصديق الضرير:
لا، هذا أمر آخر.
الشيخ عبد السلام العبادي:
وإلا لا معنى للاستئناس.
الدكتور الصديق الضرير:
لا أصل إلى درجة المخالفة، هذا ليس استئناسًا.
الشيخ عبد العزيز الخياط:
إذا سمح لي فضيلة الأستاذ الرئيس، هو الواقع بالنسبة للرأي الأخير هما رأيان:
رأي وجوب الاعتماد على الرؤية شريطة ألا تخالف الحساب الفلكي القطعي هذا رأي.
وفرق في عدم المخالفة بالحساب القطعي وبين الاستئناس، الاستئناس شيء آخر، ولذلك أرى أن يكون رأيًا رابعًا.
الرئيس:
فليكن هذا كله، ماشي، إذن يا أصحاب الفضيلة نحن أمامنا الآن أربعة آراء وسأقرأها عليكم: أما الرأي الأول فهو الاعتماد على الرؤية الشرعية دون الاعتماد على الحساب.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
الرؤية البصرية يا سيدي.
الرئيس:
الرأي الثاني: جواز الاعتماد على الحساب الفلكي في إثبات أوائل الشهور القمرية دون حاجة إلى الرؤية.
مناقش:
الرؤية البصرية.
الرئيس:
الحقيقة هل الإخوان الذين يرون.. أنا والله يقشعر جلدي، بدون مؤاخذة، أما أنا فيقشعر جلدي من هذا الرأي وأنتم أحرار.
الأمين العام:
هذه الآراء عرضت وقيلت في الجلسات ما دامت هي أربعة وقد تفضل رئيس المجلس بعرضها علينا فلنأخذ كل رأي ونعد الموافقين عليه أو المخالفين.
الشيخ رجب التميمي:
أنا أرى أن يستبعد الرأي الثاني لأنه مخالفة صريحة للشرع فيجب أن يبعد وأن لا يصوت عليه.
الرئيس:
إذن الآن هل يقول بهذا الرأي أحد؟
الشيخ خليل الميس:
الرأي الثاني لا يجوز عرضه أصلًا.
الشيخ الصديق الضرير:
بحسب الترتيب نبدأ بالسؤال الأول يا سيدي الرئيس.
الرئيس:
إذن الرأي الأول وهو الاعتماد في إثبات أوائل الشهور القمرية على الرؤية دون الاعتماد على الحساب.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
يا مولانا بعدما تم التصويت على الأول كيف يعاد مرة أخرى.
الرئيس:
ما صوتنا، لم نصوت، أما بعد هذا فلن نؤاخذك في شيء يا شيخ مصطفى، التصويت الذي حصل هو على قضية اختلاف المطالع –سلمك الله- ليس على هذا، هو هكذا مائة في المائة! كل الدنيا شاهدة.
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
المسألة تعرض على مجمع فقه إسلامي.. وهذه المسألة من أصلها ومن جذورها مخالفة للشريعة جذورها مخالفة للشريعة ما يجوز ولا نقبلها بأي حال من الأحوال فكيف نرفض ما أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم الرسول؟ يقول ((صوموا لرؤيته)) ونحن نقول بدون رؤية ما يجوز هذا.
الرئيس:
والله يا شيخ، يعني رجائي أن يتفضل الذين يحتمل أن يصوتوا على هذا الرأي الثاني وأن يصوغوه بعبارة لا تكون بهذا الوضع وإذا أصروا عليه فأنا لا يظهر لي أنهم أكثرية ونحن سنصوت على الرأي الأول.
إذن الرأي الأول هو الاعتماد في إثبات أوائل الشهور القمرية على الرؤية دون الاعتماد على الحساب.
أرجو من أصحاب الفضيلة الذين يصوتون على هذا الرأي التكرم برفع أيديهم، الأعضاء العاملين.
بكر أبو زيد – الشيخ عبد اللطيف السعد – الشيخ أبو بكر دوكوري – الشيخ هارون – الشيخ عطا – الشيخ الخليل - الشيخ عبد الرحمن – الشيخ رجب – الشيخ محمد عبد الرحمن – الشيخ عبد الله البسام – الشيخ محمد سالم. بقي أحد ما سمع اسمه من الأعضاء العاملين.
إذن بقي الرأي الثاني وهو جواز الاعتماد على الحساب الفلكي في إثبات أوائل الشهور القمرية دون الحاجة إلى الرؤية، الذين يصوتون على هذا الشيخ مصطفى، أنت وحيد المجمعين يا شيخ.
الرأي الثالث: الاعتماد على الرؤية شريطة أن لا يخالفها الحساب الفلكي القطعي. الشيخ عبد السلام – الشيخ الخياط – الشيخ الحبيب – الشيخ هشام – الشيخ علي – الشيخ صالح طوغ – الشيخ المختار – الشيخ عمر جاه – الشيخ روحان – الشيخ عبد اللطيف – الشيخ آدم – الشيخ أحمد شريف – الشيخ محمد عبد الرحمن – الشيخ خليل – الشيخ موسى فتحي – الشيخ يوسف جيري – الشيخ عبد العزيز عيسى – من بعد الشيخ عبد العزيز – الشيخ مصطفى يقول سحبت رأيكم من هذاك خلاص يشطب هناك الرأي إذن يشطب كله يا شيخ – الشيخ طه.
الرئيس:
أمامي بقي الآن رأيان أما الرأي الذي عليه التصويت فهو الاعتماد على الرؤية شريطة ألا يخالفها الحساب الفلكي القطعي، الرأي الرابع الذي سيأتي وجوب الاعتماد على الرؤية مع الاستئناس بالحساب هذا سيأتي وهو الأخير.
الشيخ الصديق الضرير:
شريطة أن لا يخالفها الحساب وإلا سيكون هذا افتراضًا، لأننا اختلفنا معكم في أننا لم نعتبر الحساب قطعيًا، لو اعتبرناه قطعيًا لما اختلفنا، شريطة أن لا يخالفها الحساب المعروف الآن.
الرئيس:
يا شيخ الضرير لعل فيه تعديلًا هنا يجمع بين الوجهين وهو أن يقال شريطة أن لا يخالفها الحساب الفلكي متى ثبتت قطعيته.
الشيخ الصديق الضرير:
نحن نريد أن نصدر حكمًا في أمر واقع الآن، والآن نحن عندنا حساب فلكي اختلفنا في قطعيته وظنيته فلا نضع افتراضات.
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
استفسار – معنى هذا لو أن الرؤية ثبتت والحساب أبطل الرؤية قال: ما يمكن نعتمد على الرؤية أو نعتمد على الحساب؟ المعنى يعني.
الرئيس:
معنى هذا لا إشكال في أنهم يعتمدون على الحساب دون الرؤية.
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
الذين صوتوا بالموافقة لم يفهموا هذا.
الرئيس:
أحب أن يكون أن مؤدى هذا الرأي على ما يلي: وهو أنه الأصل هو الاعتماد على الرؤية متى ثبتت شرعًا هذا هو الأصل ولكن هذا الأصل مشروط بشرط وهو ألا يخالف هذا الثبوت الشرعي حساب فلكي قطعي، فأنا قصدي أن هذا هو خلاصة الرأي ما هي نتيجته؟
نتيجته طالما أن هذا الرأي يقول: إنه يعتمد أن الأصل الاعتماد على الرؤية إذا ثبتت شرعًا لكن هذا الاعتماد مشروط بشرط ألا يخالفها الحساب الفلكي القطعي.
الشيخ عبد العزيز عيسى:
أنا أقول: بالاعتماد على الرؤية مع الانتفاع بالحساب كلما أمكن ذلك، بدلًا من أقول: شريطة، أعلق الانتفاع على تحقق الشرط معناه إعمال الحساب لا إعمال الرؤية.
لكن لما أقول: مع الانتفاع بالحساب كلما أمكن، إن كان علماء الحساب قالوا: لا يمكن ولادة الهلال في هذا اليوم أقوم أنا أحتاط للأمر وأحضر الجمع الذي هو يثبت عدم الرؤية وما إلى ذلك.
الرئيس:
على كل أنا أحب أن أقول: يا أصحاب الفضيلة، قد ترون مناسبًا لأن هذه الآراء تكون على سبيل التدرج فنبدأ بالرأي الرابع قبل الرأي الثالث حتى ينتفي الالتباس.
الشيخ يوسف جيري:
وتكون صياغاته على ما قاله الشيخ عيسى.
الرئيس:
هي موجودة هنا وهي: وجوب الاعتماد على الرؤية مع الاستئناس بالحساب الفلكي.
الشيخ خليل الميس:
عفوًا هذا الذي قصدناه وننسحب من الثالث.
الرئيس:
إذن الذين يرون هذا الرأي يرفعون أيديهم.
الشيخ عبد السلام العبادي:
إذا سمحتم نحن في مجال تحرير الآراء، ما دامت الآراء لم تحرر بعد فما المقصود بكلمة الاستئناس، أريد أن أسأل الذين يقولون بهذا الرأي.
الرئيس:
الاستعانة، يا أخي واضح.
الشيخ عبد السلام العبادي:
ما مدى هذه الاستعانة؟ وما هويتها إذا كان القطع الفلكي يقول بأن هذا اليوم ليس بدء رمضان وجاء شهود وقالوا: إنا رأينا هلال رمضان هل يثبت أو نترك القضية للاختيار؟
الشيخ تقي العثماني:
نثبت بالشهادة فإذا ثبت بالاستفاضة شهود الهلال، بالاستفاضة أو التواتر فرضًا فحينئذ نعمل بالرؤية.
الرئيس:
على كل حال هو الرأي لن يكون لعامة الناس والرأي لأهل العلم، وأهل العلم يعرفون كيف ينفذون الآراء وكيف يكيفونها، فعلى كل الذين يصوتون على هذا الرأي أرجو رفع أيديهم.
الشيخ هشام – الشيخ علي – الشيخ عبد الحميد – الشيخ صالح طوغ – الشيخ صابون – الشيخ عمر – الشيخ عبد اللطيف – الشيخ آدم – الشيخ عبد الستار – الشيخ طه – الشيخ الضرير – الشيخ عبد الله بن إبراهيم – الشيخ يوسف جيري – الشيخ خليل – الشيخ البازيع – الشيخ محمد بن عبد الرحمن – الشيخ محمد عبده عمر – هلي بقي أحد من المشايخ الذين يرون هذا الرأي ولم يسمع اسمهم.
الشيخ أحمد محمد جمال:
سيادة الرئيس، كلمة واحدة إذا سمحت، أنا أريد إضافة على الصيغة الرابعة بالاستعانة بالحساب الفلكي والمراصد الفلكية هذه تعين الرؤية.
الرئيس:
أقول: يا شيخ أحمد قضية المراصد الفلكية هذه ما أظن أحدًا يخالف فيها.
الشيخ أحمد محمد جمال:
طيب ضموها على المادة هذه، ضموها على الفقرة هذه في الصيغة الربعة.
الرئيس:
هذا طيب، مع الاستئناس بالحساب الفلكي.
الشيخ أحمد محمد جمال:
والمراصد الفلكية هذه تعين الرؤية البصرية.
الرئيس:
هذا طيب، أنت تعرف أنه عندنا في المملكة على سبيل الذكر فقط، عندنا ثلاثة مراصد، لكن قضية المراصد في الواقع لا دخل لها في مسألة الحساب.
الشيخ أحمد محمد جمال:
لا مع الرؤية – طال عمرك – لا الحساب وحده.
الشيخ عبد الله البسام:
أرى مسألة المراصد أن تضاف إلى البند الأول.
الرئيس:
البند الأول.
الشيخ عبد الله البسام:
نعم لأن البصرية سواء كانت بصرية مجردة أو بصرية مكبرة كالنظارات ومكبر الصورة ما عاد يكفي هذا.
الرئيس:
يا شيخ عبد الله هل فيه أحد يقول بمنع الاعتماد على المراصد؟
الشيخ عبد الله البسام:
ما دام أضيفت هذه المادة، معناه أننا ما نرى الكلام الأول.
الرئيس:
يعني نفس المرصد نتيجته رؤية بصرية لكنها بواسطة، أليس كذلك؟
الشيخ مصطفى الزرقاء:
هي البصرية مثل النظارة التي أصبحت ضرورية.
الشيخ أحمد مجمد جمال:
مثل النظارات، نحن لا نقرأ إلا بالنظارات.
الرئيس:
المهم هي رؤية بصرية لكنها بواسطة، إذن هل ترون إضافتها إلى الرأي الأول؟
الشيخ أحمد محمد جمال:
إلى الرأيين أحسن وأفضل.
الرئيس:
نقول: الاعتماد بالرؤية البصرية في إثبات أوائل الشهور القمرية على البصرية دون الاعتماد على الحساب مع الاستعانة بالمراصد الفلكية، كذا يا شيخ.
الشيخ عبد الله البسام:
البصرية نضيفها سواء إن كانت مجردة أو كانت بواسطة.
الشيخ محمد سالم عبد الودود:
بمعنى البصرية، الرؤية هي بصرية.
الشيخ عبد الله البسام:
هي بصرية.
الشيخ عبد السلام العبادي:
فيه رؤية علمية يا شيخ عبد الله.
الشيخ عمر جاه:
فيه رأي آخر متفرع عن الرأي الجامع بين الرؤية والحساب، الاعتماد على الحساب على شرط إمكان الرؤية البصرية، هذا على ما أفهم فكرة الشيخ مختار.
الشيخ المختار السلامي:
عندي بحث يوجد فيه أنه لا يمكن أن نرفض الرؤية ولكن نجعل الرؤية مشروطة بالحساب لأجل أن نزيل التهمة.
الرئيس:
أصحاب الفضيلة.. بقي الآن يعني: تخلص من الآراء عندنا، هي كانت أربعة آراء وكان الرأي الثاني صوت عليه الشيخ مصطفى، وبعد أن أسقطه ورجع وصوتنا على الرأي الأخير الرابع سابقًا الذي هو الثالث، بقي التصويت على الرأي الثاني وهو الاعتماد على الرؤية شريطة أن لا يخالفها الحساب الفلكي القطعي أو الفلكي هذا شيء يعود لكم لأنكم قلة.
الشيخ عبد السلام العبادي:
إذا سمحت، أنا كنت طرحت هذا الرأي مع أستاذنا المختار لكن أنا فهمي للرأي الرابع بعد أن تبلور رأي رابع أنه متضمن بالرأي الرابع لأنه لا معنى للاستئناس بالحساب الفلكي دون أن ترد الشهادة إذا كانت تخالف قطعه، لذلك سأكتب هذا التحفظ وأعزوه لنفسي أنني أفهم الرأي الذي تم التصويت عليه أن من معنى الاستئناس أنه إذا كانت الشهادة يخالفها الحساب الفلكي لا بد من ردها.
الشيخ الصديق الضرير:
أحب أوضح لو تسمح يا سيد الرئيس هذه النقطة، الخلاف واضح أن تقول: الاستئناس بالحساب الفلكي، وأنا أود أن أكرر وأؤكد أن ما أعنيه الحساب الفلكي القائم الآن الذي حصل خلاف في قطعيته وظنيته، الاستئناس به في حالة ما إذا كان الحساب الفلكي قال: إن الهلال لا يمكن أن يرى اليوم وجاء عدد من الناس في بلاد مختلفة فقالوا: رأينا الهلال، واجب القاضي الشرعي الشخص الذي سيثبت الهلال أن يشدد في إثبات الهلال في هذه الحالة فإذا قام بهذا التشديد ومع ذلك غلب على ظنه أن هؤلاء الشهود عدول، وقد رأوا الهلال في هذه الحالة لأنه لا أقول كما يقول الذين يرون إسقاط الرؤية لا آخذ بالرؤية في هذه الحالة مع قول الفلكيين: إن الهلال لا يرى، وفي هذه الحالة ليكن حتى ولو توصلنا إلى أن المسألة الفلكيين قالوا هذا يقينًا فليكن كما قال الشيخ علي أنه في هذه الحالة هذه الرؤية من الجماعة الكثيرة في بلاد مختلفة شككت في قطعية الحساب الفلكي هذا هو ما نقصده فخلافه فرق كبير بين قولنا الاعتماد على الرؤية بشرط ألا تخالف الحساب الفلكي وبين قولنا مع الاستئناس بالحساب الفلكي.
الشيخ رجب التميمي:
يعني على شرط ألا تخالف تسقط الرؤية، أما الاستئناس لا تسقط الرؤية.
الشيخ عبد العزيز الخياط:
إذا سمح لي فضيلة الرئيس أن أبين بالنسبة للرأي الثالث: شريطة أن لا تخالف الحساب الفلكي القاطع، لأنا على هذا وليس معنى هذا أننا نعتمد الحساب إذا اختلف مع الرؤية البصرية لكن معنى هذا أنه لا بد أن نتثبت إذا صدر الرأي الفلكي القاطع أن نتثبت من الرؤية حتى لا يقع فيها خداع، وهذا المقصود بهذا الأمر فقد يأتي بلد ويكون فيه الرؤية غير صحيحة فلا بد من إعادة التثبيت.
الرئيس:
على كل، من كلمة الشيخ هذه أنا تلمحت شيئًا مهمًا، قد –إن شاء الله تعالى – ننهي به الموضوع، لأنه يقول: إنه إذا ثبتت الآن الرؤية شرعًا ثم قرر الحاسبون على ما يفيد ما يناقض هذا الثبوت، فالشيخ يقول: مثلًا هناك أمران هو أن نمحص هذه الرؤية وأن نمحص الحساب نفسه هل هو قاطع أو حساب مغلوط كغلط الرؤية فإذا محصنا الرؤية وصارت الرؤية الثابتة لا غبار عليها نمحص الحساب هل هو ثابت أو قطعي لكن يبقى واحدة فقط أسأل الشيخ عنها: إذا محصنا الرؤية وثبتت تمامًا أسال الشيخ عبد العزيز إذا ثبتت الرؤية بعد تمحصيها وتحرر ثبوتها فما يصير مصيرنا في الحساب؟
الشيخ عبد العزيز الخياط:
الواقع القاعدة التي تقولونها أن لا تصادم حقيقة علمية مع حقيقة شرعية فإذا ثبت هذا قطعًا فمعنى هذا أنه لم تصدم مع الرؤية قطعًا، وهذا افتراض إذ إن الاصطدام افتراض.
الرئيس:
يعني إذا حصلت قطعية الرؤية تسقط قطعية الحساب؟
الشيخ المختار السلامي:
يا سيدي كلمة بسيطة، هذا رأي أعبر عنه، لو ثبت تواترًا أن فلان بن فلان قد توفي وشاهدوه، ثم جاءنا حيًا ماذا نأخذ؟ فاليقين اليقين الأيقن، الشهادة في قوتها ظنية، إن هي إلا أمر ظني.
الرئيس:
على كل الذين يصوتون على هذا الرأي أرجو إقفال المناقشة والذين يصوتون على هذا الرأي، الشيخ عبد السلام – الشيخ الخياط – الشيخ المختار.
الشيخ أحمد محمد جمال:
هناك حقيقة ثابتة كما تفضل أستاذنا أنه لا تختلف الحقيقة العلمية إطلاقًا عن الحقيقة الشرعية، وكما يقول ابن رشد إن الحق يوافق الحق ولا يخالفه بل يشهد له، ولذلك لا يمكن أن يخالف الحساب الفلكي القاطع الرؤية البصرية وإلا اصطدمت قاعدتان حقيقيتان واقعتان وهذا مستحيل، ولذلك أنا مع الرأي الرابع.
الرئيس:
وبهذا ننتهي وترفع الجلسة وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، مع ملاحظة أن تكون العودة للجلسة المسائية في الساعة الرابعة إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى اله وصحبه.
قرار رقم 4
بشأن
توحيد بدايات الشهور القمرية
أما بعد:
فان مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني من10 - 16 ربيع الثاني 6 140 هـ /22 - 28 ديسمبر1985م. بعد أن استعرض البحوث المقدمة إليه من الأعضاء والخبراء حول توحيد بدايات الشهور القمرية.
وبعد أن ناقش الحاضرون العروض المقدمة في الموضوع مناقشة مستفيضة واستمعوا لعديد من الآراء حول اعتماد الحساب في إثبات دخول الشهور القمرية.
قرر:
ا - تكليف الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي بتوفير الدراسات العلمية الموثقة من خبراء أمناء في الحساب الفلكي والأرصاد الجوية.
2 -
تسجيل موضوع توحيد بدايات الشهور القمرية في جدول أعمال الجلسة القادمة لاستيفاء البحث فيه من الناحيتين الفنية والفقهية الشرعية.
3 -
تكليف الأمانة العامة باستقدام عدد كاف من الخبراء المذكورين وذلك لمشاركة الفقهاء في تصوير جوانب الموضوع كلها تصويرا واضحا يمكن اعتماده لبيان الحكم الشرعي.
والله أعلم