الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة العدد
لمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة
الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي
الحمد لله الذي لا يؤدي أحد من خلقه شكر نعمة من نعمه إلا بفضل ونعمة منه توجب على مؤدي الشكر بأدائها على ماضي النعم من لدنه عز وجل نعمة حادثة جديدة يجب عليه شكره بها.
نحمده حق حمده ونثني عليه كما هو أهله ثناء يكافئ نعمة وآلاءه، ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا يبلغ مدحته المادحون ولا يقدر على وصف عظمته الواصفون، فهو جل ثناؤه كما وصف نفسه وفوق ما يصفه به خلقه، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، خيرته من خلقه، وصفيه لوحيه، المبلغ لرسالته، المرفوع ذكره، والذي ورد في محكم التنزيل قول ربه في حقه:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وقوله عز وجل: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد فإن الله العلي القدير قد يسر لنا مواصلة الجهد وبذل الوسع لتحقيق الغايات والأهداف التي من أجلها أسس هذا المجمع "مجمع الفقه الإسلامي" والتي نبه إليها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد أعزه الله بقوله: "إن هذا العصر يشهد الكثير من التناقضات والاجتهادات وإن على علماء المسلمين الأفاضل المشاركين في هذا المجمع أن يقدموا الحلول الإسلامية وأن يوضحوا الطريق الصحيح وأن يساعدوا الأجيال على تفادي البلبلة والارتباك، وأشار من جهة أخرى حفظه الله ونصره إلى: "أن من الخير للأمة الإسلامية أن تجمع أمرها وتوحد صفوفها في إطار عقيدتها السمحة لأن فيها خيرها وعزها وهي مصدر قوتها الحقيقية"، ولا بدع إذا ألفيناه بعد ذلك يقول أيده الله وسدد خطاه: "إننا ندعم هذا المجمع لأننا نعتقد بأن مهمته كبيرة ومسئولياته عظيمة، وأن أمة الإسلام تنتظر من ورائه الخير والفلاح إن شاء الله".
وقد سار على هذا النسق الشريف في تقديره جهود المجمع وتعزيزه مع بيان المسالك العملية التي عليه أن يسعى إلى تحقيقها بجانب المشروعات العلمية التي يعدها والمؤتمرات والندوات التي يعقدها حضرة صاحب السمو الملكي الأمير حسن بن طلال حين قال: إن من ذلك: بيان تعاليم الإسلام السمحة التي يتقوم بها السلوك وبث القيم والمبادئ التي يعتمدها الإسلام منهجا للحياة، وعرض المتغيرات والقضايا المستجدة على أصول الشريعة الإسلامية التي تدرأ ما خبث وتقبل ما حسن وتوجد لكل أمر فيه رضا الله وصلاح الأمة طريقا عمليا ووجها شرعيا يرتفع به الحرج عن الناس، وبيان الأوجه العملية والطرق القريبة لمحاربة أسباب التخلف والضعف والوهن في المجتمعات الإسلامية وتجميع أسباب العزة والقوة والمنعة".
وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق إلا باجتماع علماء الأمة وأهل الحل والعقد فيها من أصحاب النظر العلمي والشرعي الدقيق القادرين على تعمق النصوص نظرا وتدبرا واستنباط الأحكام على هدى من أسرار الشريعة ومقاصدها في ما يعرض للناس من حاجات في هذا العصر.
ولقد أشاد معالي الدكتور ناصر الدين الأسد وزير التعليم بالمملكة الهاشمية الأردنية ورئيس مجمع بحوث الحضارة الإسلامية برجال المجمع حين قال – حفظه الله –: "إن هذا الموكب من مواكب العلم والنور والهداية – الذي نستقبل الساعة مفتتحه - ليسير في حناياه وعلى جنباته رجال نذروا أنفسهم لدين الله الحق الذي رضيه الله تعالى لهم، لا يألونه بحثا ودرسا وتنقيبا وتفهما واستخراجا للأحكام على قواعد وأصول ومناهج تضبط الاستنباط وتحكم الاستقراء وتوجه القياس ".
كما أعلن عن دور المجمع في بحث القضايا المعروضة عليه معالي الدكتور أحمد محمد علي رئيس البنك الإسلامي للتنمية وهو يتابع بنفسه في المؤتمر الثالث للمجمع المنعقد بعمان تداول العلماء النظر بشأن الاستفسارات المقدمة من طرفه ليصدروا بشأنها الفتاوى الشرعية والقرارات الحكيمة المناسبة حين قال – حفظه الله -: "إن عملكم الرائد في مواجهة التطور في الحياة المعاصرة ومشكلاتها بالاجتهاد المتبصر والاسترشاد بمبادئ الشرع الحنيف هو قبلة اهتمام هذه الأمة التي تتطلع إلى ثمرة اجتهادكم الأصيل الفاعل بهدف إيجاد الحلول الناجعة النابعة من التراث الإسلامي والواعية لمتطلبات الأمة المتغيرة".
وفعلا وبعون الله التأمت بعمان وباستضافة من الدولة الهاشمية الأردنية الكريمة الدورة الثالثة لمجمع الفقه الإسلامي المنعقدة بين 8 - 13 صفر 1479هـ 11 - 16 أكتوبر 1986 م. وتقدم أعضاء المجمع المحترمون والخبراء الموقرون الذين وفدوا على عمان بهذه المناسبة من أطراف العالم ومن الدول الإسلامية المختلفة بدراسات وبحوث جد مفيدة تم - بعد عرضها في الجلسات المتوالية لهذه الدورة مناقشة محتوياتها مناقشة جادة - اتخاذ القرارات الصادرة عن المجلس في دورته هذه.
وأنه ليسرنا اليوم أن نقدم في هذا العدد الثالث للقراء الأكارم والباحثين والدارسين في أطراف العالم الإسلامي أعمال هذه الدورة وما تناولته بالدرس من قضايا هامة تشغل أفكار مختلف الجهات في المجتمع الإسلامي المعاصر.
وهكذا فإن العدد الثالث من مجلتنا يقدم من نتائج اجتماع مجلس المجمع في هذه الدورة البحوث المعروضة فيها والقرارات المتخذة بشأن القضايا المطروحة على النظر والمشاريع والتوصيات التي أقرتها.
وقد اشتملت البحوث على قضايا شرعية واجتماعية واقتصادية ومصرفية: أما البحوث الشرعية فقد تناولت: توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بلا تمليك فردي للمستحق، وتوحيد بدايات الشهور القمرية، وتحرير الإجابة عن الاستفسارات المقدمة للمجمع من المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن والإحرام للقادم للحج والعمرة بالطائرة والباخرة.
وأما البحوث الاجتماعية فقد كانت هي أيضا متنوعة منها التلقيح الاصطناعي وأطفال الأنابيب وأجهزة الإنعاش.
وتناولت البحوث الاقتصادية أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملة.
واشتملت القضايا المصرفية المعروضة على المجمع في استفسارات البنك الإسلامي للتنمية والتي بحثت في هذه الدورة على رسوم الخدمة على القروض، وعملية الإيجار، وعمليات البيع بالأجل مع تقسيط الثمن، وعمليات تمويل التجارة الخارجية، والتصرف في فوائد الودائع.
وبالرغم عما أثارته هذه الدراسات وموضوعاتها من نقاش طويل وتبادل للأنظار والآراء المتباعدة والمختلفة غير أنها بعد الجدال والتدبر والتمحيص والجهد والاجتهاد المتأني انتهت إلى قرارات حظيت بإجماع أعضاء المجلس.
ونحن في نهاية هذه الكلمة نحمد الله على ما يسر، ونشكر للقادة دعمهم ورعايتهم، وللعلماء والباحثين دراساتهم وجهودهم، ولا ننسى في النهاية أن ننوه بالأيادي البيضاء التي قدمها لنا معالي الشيخ حسن عباس شربتلي إذ تفضل مشكورا – رعاه الله وحفظه – بالإذن بطبع هذا العدد الثالث بأجزائه في مطبعته وعلى نفقته، وقد قام القيمون والمشرفون على المطبعة بجهود جيدة وموفقة يستحقون عليها كل الثناء والتقدير.
والله المسئول أن يجزل ثواب العاملين المخلصين والموجهين والمتبرعين وأن يسدد خطانا وخطاهم لإعلاء الحق وخدمة الشرع ونصرة الدين والنصح لهذه الأمة إنه سميع مجيب وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
محمد الحبيب ابن الخوجة