الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نهاية الحياة الإنسانية
للدكتور عبد الله محمد عبد الله
مستشار محكمة الاستئناف العليا – الكويت
الموت معناه وما يتعلق به من الأحكام
عرف علماء الكلام وكذلك الفقهاء الموت بأنه صفة وجودية تضاد الحياة تزول بها قوة الإحساس والنماء والتعقل فلا يعرى الجسم الحيواني عنهما ولا يجتمعان فيه. (1) والقول بأن الموت أمر وجودي يضاد الحياة هو مذهب أهل السنة وعند المعتزلة هو عدم الحياة عما من شأنه أن يكون حيًا؛ لأن الموت قطع مواد الحياة عن الحي واختاره كثير من المحققين. (2) وقال المازري من المالكية الموت عرض من الأعراض يضاد الحياة. ويدور نقاش بين العلماء في الروح هل تموت مع البدن أم أن الموت للبدن وحده؟ رأيان ذهب فريق إلى أن الروح تذوق الموت لأنها نفس وكل نفس ذائقة الموت ولقوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}
…
وقال آخرون: لا تموت الأرواح، فإنها خلقت للبقاء وإنما تموت الأبدان مستدلين بالأحاديث التي دلت على نعيم الأرواح وعذابها بعد المفارقة إلى أن يرجعها الله في أجسادها، ولو ماتت الأرواح لانقطع عنها النعيم والعذاب.
وذهب إلى التوفيق بين الرأيين وجمعا بين الأدلة فريق من العلماء بأن موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها لا بمعنى انعدامها واضمحلالها وبهذا الاعتبار فهي باقية بعد مفارقتها الجسد في نعيم أو عذاب نعيم.
ويذهب ابن القيم إلى أن الروح لها بالبدن خمسة أنواع من التعلق متغايرة الأحكام:-
الأول: تعلقها به في بطن الأم وجنينًا.
الثاني: تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض.
الثالث: تعلقها به في حال النوم فلها به تعلق من وجه ومفارقة من وجه.
الرابع: تعلقها به في البرزخ فإنها وإن فارقته وتجردت عنه فإنها لم تفارقه فراقًا كليًا بحيث لا يبقى لها التفات إليه البتة.
الخامس: تعلقها به يوم بعث الأجساد وهو أكمل أنواع تعلقها بالبدن لأنه تعلق لا يقبل البدن معه موتًا ولا نومًا ولا فسادًا.
أمارات الموت وعلاماته:
للموت علامات ظاهرة يعلمها عامة الناس فمن هذه العلامات انقطاع نفس الميت، وإحداد بصره، وانفراج شفتيه فلا ينطبقان وسقوط قدميه فلا ينتصبان (3) كما ذكروا علامات تدل على قرب حدوث الموت ممن وصل إلى درجة الاحتضار من هذه العلامات.
(1) الخرشي علي الخليل ح/2 ص 113 الدر المختار ح/ 2 ص 189
(2)
حاشية البيجوري ص 29 والدر المختار ح/2 ص 189
(3)
الخرشي على خليل ح/ 2 ص 122
الموت في الطب الحديث:-
عرف الأطباء الموت بأنه توقف حياة الإنسان أو الحيوان في وقوف الأجهزة الثلاثة وهي جهاز التنفس، والدورة الدموية، والجهاز العصبي.
وذكروا علامات تحدث عقب الوفاة منها أنه يترتب على توقف الدورة الدموية تغييرات كبهاتة الجثة وتكون الرسوب الدموية (الزرقة الرمية) . يتوقف التنفس. كما يتوقف تحكم الجهاز العصبي على الجسم وعلى العضلات ويشمل ذلك الارتخاء الآدمي الرمي وأن الجهاز العصبي متمثلًا في المخ الذي يوجه الشخص الحي في عقليته وتنبهه وتحكمه على حواسه وحركته كما تحدث تغيرًا في العينين وتفقد الجثة حرارتها الحيوية ثم ينتهي إلى التيبس الرمي ثم التعفن الرمي ثم التصبن الرمي ثم التحول إلى مومياء. (1)
ويقرر الأطباء أن الجسم يموت أولًا كوحدة يتوقف التنفس وحركة القلب وأما الأنسجة فتموت شيئًا فشيئًا بهيئة تدريجية الواحدة تلو الأخرى ويعبر عنه بموت الخلية أو الموت الجزيئي. ويقولون: إ\ن بعض الأنسجة العضلية تعطي استجابة على هيئة تقلص لتنبيهات التيارات الكهربائية بعد الوفاة. وأنه يلاحظ استمرار تدرج الخصية في النمو المتتابع من خلية الخصية الأولية غير المميزة إلى أن تصل في نضوجها إلى الحيوان المنوي الإنساني المميز بعد الوفاة لمدة بضع ساعات.
وإن خلايا الكبد تستمر في تخزين السكر العادي إلى جليوكوجين بعد الوفاة بساعات إلى أن يتم نهوكها وتفقد الحياة. (2)
وهذا الذي يذكره الأطباء ويعبرون عنه بالموت الجزيئي يعبر عنه الفقهاء بآثار الحرارة الغريزية التي تبقى عقب مفارقة الروح البدن (3) فتبقى بعض التفاعلات نتيجة تلك الحرارة الغريزية ثم لا تلبث أن تنطفئ.
(1) الطب الشرعي ح/ 1 ص 285
(2)
الطب الشرعي ح/ 1 ص 285
(3)
نهاية المحتاج ح/ 2 ص 429
الأحكام الفقهية المترتبة على الموت:
نبحث تحت هذا العنوان ثلاث مسائل وهي الإرث. العدة. الجناية.
المسألة الأولى: الإرث.
من شروط الميراث يشترط في الإرث شروطًا منها:
أولًا: موت المورث حقيقة أو حكمًا أو تقديرًا. الموت الحقيقي معروف وهو ما سبق الكلام عليه، أما الموت الحكمي فكما في المفقود والغائب الذي انقطع خبره ولم تعلم حياته ولا موته فيرفع أمره إلى القضاء فيقضي القاضي بموته بشروط لا محل لبحثها في هذه العجالة. والموت التقديري فكما لو كانت امرأة حاملًا فضربها إنسان على بطنها فأسقطت جنينًا ميتًا فإن الجنين الميت يورث عنه مع أنه من الجائز أن يكون الجنين قد مات قبل الضرب.
ثانيًا: أن يكون الوارث حيًا في الوقت الذي مات فيه المورث حياة حقيقية أو تقديرية الحياة الحقيقية معروفة بالمشاهدة أما الحياة التقديرية فكما في الحمل يكون في بطن أمه في الوقت الذي يموت فيه أبوه حتى ولو كان علقة أو مضغة لم تدب فيها الحياة. (1)
ميراث من وصل إلى حركة المذبوح بالجناية عليه:-
نص الشافعية في كتبهم على أن من وصل إلى حركة مذبوح بأن لم يبق فيه إبصار ونطق وحركة اختيار بالجناية عليه أعطي حكم الأموات مطلقًا فيجوز تجهيزه ودفنه ويجوز تزوج زوجته وحينئذ إذا انقضت عدتها كأن ولدت عقب صيرورته إلى هذه الحالة وأنه لا يرث من مات عقب هذه الحالة وتقسم تركته قبل موته. (2)
واختلف علماء المالكية على أقوال فيمن وصل إلى حركة المذبوح.
القول الأول: يرث ويورث.
القول الثاني: لا يرث ولا يورث. (3)
(1) شرح الرحبية ص 44
(2)
نهاية المحتاج ح/ 7 ص 250
(3)
الخرشي على خليل ح 8 ص 7
المسألة الثانية: العدة
العدة تجب من وقت وفاة الزوج حقيقة أو حكمًا وقد سبق بيان الموت الحقيقي والحكمي ويقصد بالموت الحكمي الغائب الذي قضى القاضي بوفاته طبق الشروط المنصوص عليها، بقي مسألة واحدة وهي من وصل إلى حركة مذبوح بالجناية عليه فقد نص الشافعية على اعتباره كالميت في سائر الأحكام فيجوز تجهيزه ودفنه وتزوج زوجته إذا انقضت عدتها بالوضع وأنه لا يرث من مات وهو في هذه الحالة وتقسم تركته.
الجناية على منفوذ المقاتل:
نص الفقهاء على أنه لو أجهز شخص على منفوذ المقاتل من غيره فلا يقتص إلا من الأول (1) هذه عبارة خليل الخرشي من المالكية ووضح هذه العبارة العلامة العدوي في هامشه بقوله: "أشار أبو الحسن لهذه الأقوال فقال: لو أجهز شخص على منفوذ المقاتل من غيره فقيل: يقتل به الأول ولا يرث ولا يورث، والثاني يقتل به الثاني ويرث ويورث، والثالث يقتص منه الأول ويرث ويورث وهو أحسن الأقوال، وفي سماع أبي زيد أنه يقتل به الثاني ولا يكون على الأول إلا الأدب لأنه من جملة الأحياء ويرث ويورث إلى أن قال: ولو قيل يقتلان به جميعًا لأنهما قد اشتركا في قتله لكان له وجه. (2)
ونص الشافعية على أن من أوصله جان إلى حركة مذبوح بأن لم يبق فيه إبصار ونطق وحركة اختيار ثم جنى آخر عليه فالأول قاتل لأنه سيره إلى حالة الموت ومن ثم أعطي حكم الأموات مطلقًا ويعزر الثاني لهتكه حرمة ميت، وعلق الشبراملسي في حاشيته على قوله ومن ثم أعطي حكم الأموات جواز تجهيزه ودفنه –وفيه بعد- وأنه يجوز تزوج زوجته حينئذ إذا انقضت عدتها. كأن ولدت عقب صيرورته إلى هذه الحالة وأنه لا يرث من مات عقب هذه الحالة ثم عقب بقوله "ولا يعد أيضًا على قياس ذلك أنه تقسم تركته قبل موته". (3) ويقاس على من ذكر من تعاطي السم فوصل إلى حركة المذبوح في الأحكام المشار إليها. (4)
(1) الخرشي على خليل ح/ 8 ص 7
(2)
الخرشي على خليل ح/ 8 ص 7
(3)
نهاية المحتاج ح/ 7 ص 250
(4)
منهاج الطالبين ح/ 4 ص 103، 104 يراجع المتن والشرح والهامش
الفرق بين من وصل إلى حركة مذبوح لمرض وبين من وصلها لجناية عليه.
فرق الفقهاء بين الحالتين ونصوا على أن من وصل إلى حركة المذبوح وهو الذي لا يبقى معه سمع ولا إبصار ولا حركة اختيار (1) بالأسباب العادية من غير جناية عليه كمرض ونحوه قال الإمام النووي في المنهاج: ولو قتل مريضًا في النزع وعيشة عيش مذبوح وجب بقتله القصاص "قال في الشرح: لأنه قد يعيش بخلاف من وصل بالجناية إلى حركة مذبوح" قال العلامة عميرة في حاشيته: وعبارة الإمام لو انتهى إلى سكرات الموت وبدت أمارته وتغيرت أنفاسه لا يحكم له بالموت بل يلزم قاتله القصاص وإن كان يظن أنه في مثل حالة المقدور –أي من قد نصفيه بالجناية عليه- ويفرق بين المريض الذي انتهى إلى سكرات الموت وبين المجني عليه فإن المريض لا تشرع زوجته في العدة ولا تنتهي عدتها لو ولدت حينئذ ولا تجب مؤنة تجهيزه ولا يجوز تجهيزه ولا تصح الصلاة عليه ولا يجوز دفنه ولا ينتقل ماله للوارث بخلاف الجريح" (2)
ومحصل ذلك أنه من وصل إلى حركة مذبوح ولو لم يمت بعد بالجناية عليه أو بانتحاره بشرب سم ونحوه يجوز الاستفادة من أعضائه وكذلك يجوز إيقاف الأجهزة الطبية عنه بخلاف من وصل إلى حركة مذبوح بالأسباب العادية كمرض ونحوه فإنه لا يجوز الاستفادة من أعضائه إلا بالموت الحقيقي؛ لأن الأول في حكم الميت من سائر الوجوه بخلاف الحالة الأخيرة وقد نص الفقهاء على جواز الاستفادة من عظم الميت للعلاج كما نص على جواز أكل لحمه في حالة الاضطرار إن لم يجد ما يأكله من ميتة ونحوها. (3) ومن الفتاوى الحديثة الصادرة عن لجنة الفتوى بالأزهر والمنشورة بالمجلد العشرين عدد شعبان 1368هـ تحت عنوان: نقل الدم وحاسة البصر، وهذه صيغة السؤال وجوابه "أتشرف بأن أطلب بيان حكم الله تعالى في هاتين المسألتين وذلك لأهمية ذلك حيرا عندنا في تونس ".
- نقل الدم للمسلم المريض المحتاج من شخص غير مسلم.
(1) ويفرق بين هذه الحالة وبين الحياة المستقرة والحياة المستمرة فحركة المذبوح ما سبق بيانه أما الحياة المستقرة هي التي يوجد معها الحركة الاختيارية تغلب على الظن بقاء الحياة، كما الحياة المستمرة فهي الباقية إلى خروجها بذبح أو نحوه نهاية المنهاج ح/ 8 ص 109، 110
(2)
منهاج الطالبين ح/ 4 ص 103، 104
(3)
الخرشي على خليل ح/ 2/ 145 مبحث الجنائز، ونهاية المنهاج ح2 / ص 20
2-
الانتفاع بجزء من عين شخص متوفي لرد بصر شخص آخر حي.
الجواب:-
"الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين".
أما بعد. فقد اطلعت اللجنة على الاستفتاء وتفيد بأن الله تعالى قال في كتابه الكريم {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} وقال سبحانه في آية أخرى {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وفي آية أخرى {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} .
وهذه الآيات الكريمة تفيد أنه إذا توقف شفاء المريض أو الجريح وإنقاذ حياته على نقل الدم إليه من آخر بألا يوجد من المباح ما يقوم مقامه في شفائه وإنقاذ حياته جاز نقل الدم إليه بلا شبهة ولو من غير مسلم، وكذلك إذا توقفت سلامة عضو وقيام هذا العضو بما خلقه الله له على ذلك جاز نقل الدم إليه، أما إذا لم يتوقف أصل الشفاء على ذلك ولكن يتوقف عليه تعجيل الشفاء فنصوص الشافعية تفيد أنه يجوز نقل الدم لتعجيل الشفاء، وهو وجه عند الحنفية فقد جاء في الباب الثامن عشر من كتاب الكراهية من الفتاوى الهندية ما نصه" يجوز للعليل شرب الدم والبول وأكل الميتة للتداوي إذا أخبره طبيب مسلم بأن شفاءه فيه ولم يجد من المباح ما يقوم مقامه. وإن قال الطبيب بتعجيل شفائك فيه وجهان".
أما الجواب على السؤال الثاني: فقد أجاز كثير من متأخري علماء الشافعية جبر المنكسر من عظم إنسان حي بعظم إنسان ميت إذا لم يمكن جبره بغيره. وقياسًا على هذا ترى اللجنة جواز نقل جزء من عين الميت لإصلاح عين الحي إذا توقف على ذلك إصلاحها وقيامها بما خلقها الله له"
هذا هو ما قضت به اللجنة والله الهادي إلى سواء السبيل
رئيس لجنة الفتوى
"عبد المجيد سليم"
هذا ما عَنَّ لنا تدوينه في هذه العجالة والله ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.