الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوثائق
أحكام النقود واستبدال العملات في الفقه الإسلامي
فضيلة الدكتور علي أحمد السالوس
بسم الله الرحمن الرحيم
أحكام النقود واستبدال العملات في الفقه الإسلامي
الحمد لله، نحمده سبحانه وتعالى، ونستعينه ونستهديه، ونسأله عز وجل أن يهدينا الصراط المستقيم، وأن يجنبنا الزلل في القول والعمل، ونصلي ونسلم على سيدنا رسول الله وعلى آله وصبحه ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.
أيها الأخوة. . .
الذين يدرسون تاريخ النقود، وتاريخ التعامل البشري، يعرفون أن الإنسان، مر بمراحل تسبق النقود، عندما كان هناك نظام المقايضة، وأن نظام المقايضة كانت له عيوبه الكثيرة، ولذلك اهتدى الإنسان بفضل الله تعالى، إلى اختراع وسيلة للتبادل، تكون مقياسًا للقيمة، وتكون معيارًا متعارفًا عليه، لتقييم السلع والخدمات، ووسيلة للتعامل، يقبلها الناس، عامة الناس.
اتخذ الإنسان أشياء معينة أو أنواعًا معينة من السلع، إلى أن هداه الله تعالى إلى الذهب والفضة. فأخذ الإنسان يتعامل بهذين المعدنين كالنقود؛ لما للذهب والفضة من خصائص تميز كلا منهما، من حيث البقاء دون تلف، والتقسيم إلى قطع، وعدم التغير بالاستعمال، وعدم التغير بالتخزين. . . إلى آخره.
لا نريد أن نخوض كثيرًا في هذه النواحى الاقتصادية، ولكن الذي أريد أن أقوله بأن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما بعث كان العالم آنذاك يتعامل بنوعين من النقود، هما: الدينار الذهبي، والدرهم الفضى.
وقد وضع الرسول صلى الله عليه وسلم أحكامًا عامة لتعامل الناس، من هذه الأحكام ما يتصل بالنقود، ولذلك نجد في أبواب الفقه بابًا يسمى "باب الصرف"، وهذا خلاف النحو والصرف.
ونجد عنوان "الربا في الصرف"، فما الصرف؟
تعريف الفقهاء للصرف هو: بيع الأثمان بعضها ببعض: فإذا بعنا ثمنًا بثمن فهو صرف. والأثمان آنذاك كانت من الدنانير الذهبية والدراهم الفضية، هذا الباب" - باب الصرف - له أحكام خاصة.
حتى نعرف هذه الأحكام، ننظر إلى ما روي من أحاديث شريفة تبين هذه الأحكام.
من هذه الأحاديث الشريفة ما رواه الإمام مسلم فى صحيحه، من أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدًا بيد)) . ومن الأحاديث الشريفة الأخرى: ((الذهب بالورق ربا، إلا هاء وهاء)) (والورق: العملة الفضية) .
وفي رواية أخرى: ((فمن زاد أو استزدا فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء)) .
إذا تتبعنا أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نجد أن هذه الأحكام التي ذكرت اتصلت بستة أصناف هي: القمح، والشعير، والتمر، والملح، والذهب أو الدينار، والفضة أو الدرهم.
وهذه الأصناف الستة هي المسماة بالأصناف الربوية، أي الأصناف التي لها تعامل خاص، فإذا خالفنا هذا التعامل وقعنا في الربا.
ما هذا التعامل؟
ننظر مرة أخرى: بعد ذكر الأصناف ((مثلاً بمثل، سواء بسواء)) ، ثم ((يدًا بيد)) وفي حديث آخر ((هاء وهاء)) وكلمة هاء معناها: خذ، ومعنى ذلك أن كل واحد من المتبايعين يقول للآخر: خذ وفي رواية ((هاء وهات)) أي خذ وهات.
من هذه الأحاديث الشريفة استنبط الفقهاء شرطين واضحين، ولا خلاف حول هذين الشرطين.
ما هذان الشرطان؟
الأصناف الستة التي ذكرت، عند تبادل صنف بصنف من نفس الجنس، وإن اختلفا في الجودة أو الرداءة، لا بد أن يكون بنفس الكيل أو الوزن؛ ((مثلاً بمثل، سواء بسواء)) هذا شرط.
والشرط الثاني هو ((يدًا بيد)) ((هاء وهاء)) خذ وهات، أي القبض في المجلس. إذن معنى هذا أيها الأخوة، أننا عندما نتعامل في هذه الأصناف الستة – حتى لا نقع في الربا، ولسنا في حاجة إلى أن نتحدث عن الربا وما ذكره القرآن الكريم عن هذا الموضوع وكذلك السنة النبوية الشريفة، لعل القرآن الكريم لم يتحدث عن شيء بالصورة التي تحدث بها عن الربا بالنسبة للمعاملات، حتى ذكر الخلود في النار بقوله:{وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275] لسنا في حاجة إلى أن نتحدث في هذا، حتى لا يطول الحديث، وإنما تقول هنا: هذه الأصناف الستة، إذا أردنا أن نبادل جنسًا بجنسه فلا بد من أمرين:
1-
التساوي في الكيل أو الوزن.
2-
القبض في المجلس.
يعنى مثلاً: عندي نوع من التمر، وأنت عندك نوع آخر من التمر، وأنا أريد ما عندك، وأنت تريد ما عندى.
يشترط هنا أن يكون نفس الكيل، وأن يتم القبض في المجلس، ربما قال بعضهم: إنه مختلف هذا، جيد وهذا ردئ، فكيف يكون نفس الكيل؟
التمر الجيد هذا مثل التمر الرديء!
حدث هذا في عهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءه نوع من التمر جيد، يسمى "جنيب" ليس فيه صفة رديئة يسأل الرسول عليه الصلاة والسلام: أكل تمر خيبر هكذا؟ قالوا: لا يا رسول الله، إنا نبتاع الصاع من هذا بالصاعين، (نبتاع أي نشتري) والصاعين بالثلاثة. فقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لا تفعل)) . وفي رواية أخرى ((إنه عين الربا)) .
ماذا يفعل إذن؟ تمر جيد وتمر ردئ، قال له:((بع الجمع (أى الرديء) بالدراهم، وابتع بالدراهم جنيبًا))
ومعنى هذا أننا إذا أردنا أن نتبادل نوعًا بنوع آخر من الجنس نفسه، فلا بد من التساوي في الكيل أو الوزن، فإذا كان الفرق بين النوعين كبيرًا من حيث الجودة، ولا نرضى بالتساوي مع هذا الفرق، ولا يجوز التفاضل مع اتحاد الجنس، فمن الممكن أن نبيع هذا بالنقود ونشتري ذاك، فعندئذ نعود إلى المقياس، مقياس القيمة، الوسيلة التي نتبادل بها، كمقياس للقيمة، للسلع والخدمات، الوسيلة المتعارف عليها " بع الجمع بالدراهم - بالنقود - ثم ابتع بالدراهم جنيبًا".
إذن هنا الأصناف الستة هذه عند تبادل الصنف بالصنف، لا بد من أن يكون التماثل تامًا في الوزن أو الكيل، وأن يكون القبض في المجلس.
"فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم - لا مساواة ولا تماثل - إذا كان يدًا بيد ".
ومعنى هذا أن الشرطين ذهب منهما شرط، وبقي شرط آخر دنانير بدراهم: لا مانع، ولكن إذا كان يدًا بيد ((الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء
…
)) (في المجلس) ولذلك أيها الإخوة، من الأخطاء الشائعة في عصرنا تبادل بعض هذه الأصناف وعدم القبض في المجلس، أو تبادل جنس بجنسه والاختلاف في الوزن، مثل: ذهب قديم وذهب جديد.
هذه المسألة شائعة، الفرق الذي يدفع في مثل هذه المسألة ربا، مثل التمر الجنيب والجمع.
فإذا أردت أن ابتعد عن الربا هنا إما أن يكون نفس الوزن، أو أبيع هذا الذهب وأشتري غيره، أما في حالة التبادل، فلا بد أن يكون بنفس الكيل أو نفس الوزن، بالنسبة لهذه الأصناف الستة.
الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر أصنافًا ستة، فهل معنى ذلك أن التعامل بهذين الشرطين، يقتصر على الأصناف الستة؟ أم أن هذا ذكر كأمثلة، وما يشترك مع هذه الأصناف في العلة، يأخذ نفس الحكم؟
أهل الظاهر، قالوا: لا، الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر ستة أصناف، فالحكم لا يتعداها، لا يشمل شيئًا غيرها. الصحابة الكرام والفقهاء قالوا غير هذا.
إن هناك قاعدة أصولية أبسطها: البر والشعير هذا يسمى (لقب)، فإذا ذكر شيء مع التحديد باللقب فهنا ننظر: ما يخالف هذا اللقب، وإن اشتراك معه في العلة، أيدخل أم لا يدخل؟
جمهور الأصوليين يقول: بأن اللقب لا يؤخذ به في مفهوم المخالفة؛ لأننا إذا قلنا بأن في البر زكاة أو في الماشية زكاة، فهذا لا يعني ألَّا زكاة في غير البر ولا زكاة في غير الماشية.
ولذلك جمهور الفقهاء قالوا: هنا توجد علة. لنبحث عن هذه العلة،
بدأوا يبحثون عن هذه العلة، فقسموا الأصناف الستة إلى قسمين:
الأول: الذهب والفضة (الدنانير والدراهم) ، هذا قسم.
الثاني: البر والشعير والتمر والملح، قسم آخر.
وجعلوا للأصناف الأربعة علة، وللصنفين علة. فما علة الأصناف الأربعة؟ قال بعضهم: الطعام. وقال آخرون: طعام يدخر، وقال آخرون: شيء يكال.
أى أن من قال بالطعام فقد أدخل كل الطعام، وهذا هو الرأي الراجح.
ويؤيده ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الطعام بالطعام)) وهنا ذكرت كلمة ((طعام)) .
أما بالنسبة للذهب والفضة - الدنانير والدراهم - فوجدنا الفقهاء هنا يختلفون أيضًا في العلة.
الإمام أبو حنيفة، ورواية عن الإمام أحمد أن العلة هنا هي الوزن، أي أن هذه الأشياء توزن، فكل ما يوزن ينطبق عليه نفس الحكم. (النحاس، الرصاص، الحديد
…
إلخ) .
الإمام مالك والإمام الشافعي ورواية ثانية عن الإمام أحمد: أن العلة هنا هي الثمنية، أى أن هذه الأشياء أثمان.
ونلاحظ هنا أيها الأخوة دقة هؤلاء الفقهاء، وكيف أن الله عز وجل قد وهبهم الفقه ودقة الفهم، بالنسبة للأثمان لم توجد أثمان أخرى غير هذا، ولكنهم لحظوا هنا أن العلة الثمنية.
ولذلك نجد في تعريف الصرف: بيع الأثمان بعضها ببعض، إذن هنا أثمان وطعام.
طعام من نفس الجنس، أو ثمن من نفس الجنس. الشرطان لا بد منهما: التماثل، والقبض في المجلس.
والطعام إن كان من جنس آخر من الطعام، والذهب بالفضة، في هذه الحالة يسقط شرط التماثل، ويبقى شرط القبض في المجلس، الطعام بثمن، أو الثمن بطعام، في هذه الحالة يسقط الشرطان، ولعلكم تذكرون هنا الأحكام الخاصة بالبيع الآجل والسلم.
البيع الآجل هو أن تكون السلعة حاضرة والثمن مؤجلاً.
والسلم هو أن يكون الثمن حاضرًا والسلعة مؤجلة.
إذن معنى هذا: لا يشترط التماثل في الكيل ولا في الوزن، ولا يشترط قبض في المجلس إلا للسلعة في البيع الآجل، ورأس مال السلم. .
نترك ما يتصل بالطعام ونأتي إلى موضوعنا وهو: أحكام النقود.
في عصر الرسول عليه الصلاة والسلام وجدنا هنا أن الحكم الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتصل بالذهب أو الدينار، والفضة أو الدرهم، ونلاحظ أنه لم يكن هناك دينار إسلامى؛ لأن الدينار الإسلامي لم يظهر إلا في عهد الوليد بن عبد الملك، الخليفة الأموي، فكان المنتشر هناك الدنانير الرومية.
فإذا أريد استبدالها بغيرها من الدنانير أو من الذهب، فلا بد عندئذ من التماثل في الوزن، والعدد عند التساوى في الوزن، وكذلك الدراهم إن كانت يمانية بشامية أو غير ذلك، فلا بد من نفس الوزن أو نفس العدد ما دام التبادل دراهم بدراهم أو دينار بدينار، أما دراهم بدنانير، فالتبادل بحسب السعر السائد، ولكن يشترط القبض في المجلس.
هذا الحكم يسمى حكم الصرف، لكن وجدنا أحكامًا أخرى متصلة بالنقود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وجدنا السلم فرأس مال السلم يكون من النقود، عندما ندفع، ندفع نقودًا، شركة المضاربة - الشركة التي تقوم عليها البنوك الإسلامية الآن - رأس مالها كان من الذهب أو الفضة، الدنانير أو الدراهم.
حد السرقة، ربع دينار، نقطة أهم من هذا بكثير، الزكاة، عندنا زكاة الزروع، زكاة الحيوان، زكاة التجارة، ولكن النقود أخذت حكما خاصًا، فجعل في النقود زكاة، سواء استخدمناها في التجارة أم لم نستخدمها، عندنا سلع نتاجر فيها، نأتي في نهاية العام ونقوم القيمة ونخرج الزكاة، هذه السلع إذا لم نستخدمها في التجارة، لا شيء عليها مهما بلغت قيمتها، ولكن إذا كان لدينا نقود من الذهب أو الفضة ننظر: هل تصل النصاب أم لا تصل؟ إذا وصلت النصاب لابد من الزكاة، حتى لو كانت مدخرة في البيت غير موظفة في عمل ما، والرسول صلى الله عليه وسلم حدد نصاب الزكاة، زكاة النقود والتجارة 2. 5 %، ولكن النصاب حدده المصطفى صلى الله عليه وسلم بـ 20 دينارًا من الذهب أو 200 درهم من الفضة، إذن من وجد عنده عشرين دينارًا أو أكثر - وهذا المبلغ زائد عن حاجاته الفعلية - هنا يخرج الزكان بنسبة 2. 5 % من مجموع المبلغ.
عنده 200 درهم، هنا يخرج أيضًا 2. 5 %، إذن تحدد النصاب بالدنانير الذهبية والدراهم الفضية، وجاء القرآن محذرًا: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 34 35]
الذهب والفضة يشملان كما ذكرنا من قبل الدنانير الذهبية والدراهم الفضية، وأي كنز لا بد من الإنفاق منه، وكل مال أخرجت زكاته فليس بكنز، هذه ناحية.
وناحية أخرى أنه مادام مالاً، فيجب أن يكون في صالح الجماعة؛ لأن المال مال الله، ومال الله معناه أن يكون في صالح الجماعة، ولذلك حتى مع إخراج الزكاة، على المسلم إلا يكنزه، إلا إذا كان مضطرًا، ولكن إذا استطاع أن يستثمره لصالحه وصالح الجماعة، فلا بد أن يفعل هذا، والأحكام هنا جاءت هكذا، بلا مشكلات، ثم بدأت تظهر مشكلة. بعد مدة ظهرت الفلوس، والفلس عملة نحاسية، الدينار يمكن أن يؤخذ من عدد أكبر من الدراهم. ولكن الدرهم إذا أردنا أقل منه فما كنا نجد عملة أقل إلا أجزاءه كالنصف والربع. فبدأت تظهر الفلوس، وهنا بدأ الخلاف يظهر في التطبيق العملي.
الفلوس: أتأخذ حكم الذهب والفضة، أم لا تأخذ؟ ما دامت أثمانًا فهل ينفذ عليها حكم الذهب والفضة؟ سئل الإمام مالك عن ذلك.
وأرجو أن نلاحظ هنا كيف كان فقهاؤنا؟ انظروا إلى ما قاله إمام دار الهجرة بعد أن بين أن الفلوس تأخذ نفس الحكم ما دامت أثمانًا.
قال: لو أن الناس اتخذوا الجلود حتى يكون لها سكة وعين (فتكون مثل الدنانير والدراهم) لكرهتها أن تباع نظرة (أى نسيئة وتأجيلاً) ، أي لا بد أن يكون القبض في المجلس. ننظر إلى هذا القول من الإمام مالك.
الفلوس تأخذ حكم الدنانير والدراهم، ليس هذا فقط بل إذا وجدنا الناس يتعاملون بالجلود، فأصبحت الجلود مقياسًا للقيمة ووسيلة للتبادل، وتحظى بالقبول العام، هنا تأخذ نفس الحكم؛ لأنها أصبحت نقودًا، فتأخذ نفس الحكم.
الذين قالوا بأن العلة هي الوزن، قالوا هنا: مع أن هذه من النحاس، والنحاس يوزن، إلا أن هذا خرج عن الوزن، فأصبح بالعد، فلا يأخذ الحكم، ولكن إذا كان النحاس عملة رائجة، فلا يجوز أن نتبادل مع الزيادة.
الشافعية مع أنهم قالوا بأن العلة هي الثمن، قالوا: هذا لا ينطبق على الفلوس؛ لأنها عروض وليست أثمانًا.
علماء خراسان من الشافعية رأوا الفلوس تروج هناك، فقالوا: تأخذ نفس الحكم، وجمهور الشافعية اعتبر هذا رأيا شاذًا، فلم يوافقوا علماء خراسان.
وتأتي هنا مناقشة لطيفة بين فقهاء الحنفية وفقهاء الشافعية، قال الحنفية للشافعية: أنتم قلتم بأن العلة هي الثمنية، وأن هذه العلة قاصرة، لا تتعدى الذهب والفضة، فما قيمة هذه العلة؟ ما دمنا قد أخذنا الحكم من النص، بالنسبة للذهب والفضة، فالعلة إنما هي للتطبيق؛ لإلحاق شيء بشيء، أما أنتم فلم تلحقوا.
فرد الشافعية هنا بقولهم: إن العلة القاصرة لها فائدتان:
الأولى: حتى نعلم أن هذه الأشياء لا يقاس عليها، فلا نطمع أن نقيس عليها شيئًا آخر.
والثانية: أنه قد يجدّ شيء يشترك مع هذه الأشياء في العلة، فيلحق بها.
معنى هذا أنهم رأوا في وقتهم، ما جاء شيء يلحق بالذهب والفضة.
واعتبروا أن النحاس ليس من الأثمان، والعملة النحاسية عملة صغيرة، ولذلك كلمة المفلس تطلق على من لا يملك إلا الفلوس.
أنهم اعتبروا أن هذه لا تبلغ أن تكون قيمة للأشياء وأثمانًا؛ لأن هناك الذهب والفضة.
إذن بدأ الخلاف هنا بالنسبة للفلوس، وقد كان للفلوس دور قليل جدًا، فالخلاف لم يبد له أثر، هذا الخلاف على أشياء لا قيمة لها، أشياء ثانوية، ولكن نجد بعد هذا تطور النقود، حتى وجدنا العملة الذهبية تختفي، والعملة الفضية كذلك، وهنا تأتي المشكلة الحقيقية.
الأحكام تعلقت بالعملة الذهبية والعملة الفضية، وفي عصرنا لا توجد عملة ذهبية ولا فضية، وإنما يتعامل الناس بالعملة الورقية، أوراق بنكنوت شيكات
…
إلخ.
فهنا أصبحت مشكلة بالنسبة لأحكام الصرف، هل تطبق أم لا تطبق؟ الربا: هل يطبق على هذه النقود أم لا يطبق؟ الزكاة: هل تخرج من هذه النقود، أم هي ليست نقودًا فلا نخرج زكاة؟
السارق إذا سرق بعض هذه الأوراق؟ هل تقطع يده أم لا تقطع؟ أتعتبر هذه الأوراق نقودًا أم لا نعتبرها؟
شركة المضاربة الآن، لا يوجد نقود من ذهب ولا فضة، إذن لا توجد شركة مضاربة الآن، لا يحل أن تكون هذه شركة موجودة الآن، لذلك كان الأمر محتاجًا إلى اجتهاد من فقهاء العصر.
مجمع البحوث الإسلامية نظر في هذا الموضوع من ناحية الزكاة، هل هذه الأوراق نقود أم ليست كذلك؟ لا شك أنها نقود؛ لأنها تقوم بنفس الدور الذي كان يقوم به الدينار الذهبي والدرهم الفضي، نفس الشيء، مقياس للقيمة قيمة السلع والخدمات ووسيلة للتبادل يحظى بالقبول العام، بل الآن أصبح القبول العام إجباريًا.
هنا ننظر باعتبار أنها نقود أمر مفروغ منه، وإنما النظر بالنسبة للزكاة.
هذه الأوراق نخرج زكاتها أم لا زكاة فيها؟ وإذا كنا نخرج عنها زكاة فما نصابها؟
بحث المؤتمر هذا الموضوع المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية وقرر الآتي:
إن هذه الأوراق تقدر بقيمتها ذهبًا، فإذا بلغت نصابًا وجبت فيها الزكاة.
وما النصاب؟ عشرون دينارًا، وأين الدنانير هذه؟ بالبحث وجد أن العشرين دينارًا تزن خمسة وثمانين جرامًا من الذهب، إذن معنى هذا مثلاً إذا كان معي ريالات قطرية، فلكي أعرف أوصلت نصابًا أم لا؟ فعلي أن أبحث عن سعر الذهب، فإذا وجدت هذه الريالات تساوي ما قيمته 85 جرامًا من الذهب أو أكثر ففي هذه الحالة تجب الزكاة، فأخرج ريالاً عن كل أربعين ريالاً.
بعض الناس عندما ظهرت العملة الورقية لأول مرة شككوا فيها، وما عرفوا تكييفها، بعضهم يقول: هذه ليست نقودًا، وآخرون يقولون: هذه نقود، ثم بحث هذا الأمر هيئة كبار العلماء بالسعودية، فماذا قالوا؟ فتوى هذه الهيئة بعد البحث والتعاون مع خبراء من الاقتصاد، رأي هؤلاء العلماء أن النقود لها وظيفة، وليس لها حد شرعي، كما ذكر ذلك من قبل ابن تميمة، فما قام بنفس الوظيفة التي كان يقوم بها الدينار والدرهم أخذ نفس الأحكام.
إذن هذه نقود، مثل الدنانير الذهبية والدراهم الفضية، ولكن إذا كان ريال قطري بريال قطري، نعرف أن هذا مثل هذا، فإن اختلف الأمر بين الدنانير والدراهم، فكيف نحدد الاختلاف؟ قالوا هنا بأن عملة كل دولة تعتبر جنسًا، فالريالات السعودية جنس، والقطرية جنس، والدولار الأمريكى جنس، والجنيه الاسترلينى جنس، وهكذا
…
فإذا أردت أن أبادل ريالات قطرية، بأخرى سعودية فلا مانع مع الزيادة أو النقصان، " إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدًا بيد "، وإن سمي هذا ريالا وذاك ريالاً، فدرهم قطر مثلاً غير درهم الإمارات، والجنيه المصري غير الجنيه الإسترليني، والدينار الكويتي غير الدينار العراقي، وهكذا
…
إذن هنا أصبح عندنا نقود لكل دولة، وكل نقد يعتبر جنسًا، فلا يحل أن أعطي ريالات قطرية بريالات قطرية أكثر، لا يحل هذا لأنه ربا، ولا يحل أن أبادل ريالات قطرية بأخرى سعودية ما لم يتم القبض في المجلس، إذن عند اتحاد العملة يشترط هنا التساوي تمامًا، فإذا اختلفت العملة جاز التبادل، مع اشتراط القبض في المجلس، فإن العملة الورقية الحالية تقوم، لا بدور الفلوس، وإنما بدور الذهب والفضة تمامًا. فلان غني، ليس معناه أن عنده مبلغًا كبيرًا من الذهب والفضة، فقد لا يملك إلا ثروة ضخمة من العملة الورقية.
السارق إن سرق، فإنه يسرق ورقًا. مهر الزوجة مجموعة ورق، وتُستحل الفروج بهذه الأوراق، ما لم تكن نقودًا فكيف تستحل؟
البنوك الإسلامية عندما قامت وأرادت أن تطبق نظام شركة المضاربة اعتمدت على العملة الورقية الحالية.
عندما نشتري بطريق السلم الآن، فرأس مال السلم الآن عملة ورقية.
إذن العملة الورقية تقوم بنفس الدور تمامًا،
وإذا لم نكنز ذهبًا ولا فضة، ولكن كنزنا مليارًا من العملة الورقية، ألا يعتبر ذلك كنزًا وإن لم يكن ذهبًا ولا فضة؟
إننا لا نتعامل بنقود ذهبية ولا فضية، والآن يعرف فلان بأنه غنى؛ لأن عنده مبلغ كذا من الريالات الورقية مثلاً، أو غير الريالات،
إذن لابد أن نتقيد بهذا القيد، وهو القبض في المجلس عند التبادل، ما دامت نقود اليوم تأخذ أحكام نقود الأمس.
تذهب إلى البنك، إلى محل الصرافة، إلى أي مكان؛ لتغيير عملة واستبدالها بعملة أخرى، لا بد من القبض الفوري في نفس المجلس.
إذا تأخرت أو أجلت، ولو لوقت قصير، وقعت في الربا.
ولكن أيها الأخوة، جدت في عصرنا مشكلات، فمثلاً: معي ريالات قطرية أريد أن أستبدلها بجنيهات مصرية، لو ذهبت إلى البنك لأخذ جنيهات مصرية، فلا يمكن أن أقبضها؛ لأن الدولة تمنع هذا، وكثير من الدول تمنع هذا فعلاً، نسمع هذه عملة حرة، وهذه عليها قيود معينة في الدخول والخروج، فلا يسمح بذلك إلا بشروط معينة.
إذن هنا: سأدفع هنا وأتسلم في مصر.
واحد هنا يريد أن يرسل مالا لابنه في أمريكا، يدفع هنا ويتسلم ابنه في أمريكا، أين القبض في المجلس؟ مشكلة.
واحد عليه دين بالجنيهات المصرية، ويريد أن يدفعها هنا بالريالات القطرية، مشكلات كثيرة جدت.
ننظر أيها الأخوة إلى شيء حدث في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وشيء آخر حدث بعد عهده.
الذي حدث في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، هو: أن عبد الله بن عمر كان يبيع الأبل بالنقيع، فكان يبيع أحيانًا بالعاجل وأحيانًا بالآجل، فيبيع لهذا بالدنانير، ثم يأتي عند الاستلام، فيقول له صاحب الدنانير: ليس معي إلا دراهم. ويبيع لهذا بدراهم، وعند الدفع يقول له المشتري: ليس معي إلا دنانير، فذهب إلى الرسول فقال: جئت أسألك أني أبيع الأبل بالنقيع، أبيع بالدنانير، وآخذ مكانها الورق، وأبيع بالدراهم وآخذ مكانها الدنانير.
قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: لا بأس إن كان بسعر يومها، ما لم تفترقا وبينكما شيء.
ما معنى هذا؟
باع هذا بعشرة دنانير، وجاء يوم السداد فقال له: ليس معي إلا دراهم. ننظر إلى السعر في هذا اليوم، يوم السداد، عشرة دنانير تساوي كم درهمًا؟
فهو يأخذ عند السداد من الدراهم ما يساوي تمامًا الدنانير العشرة، أي كأنه يأخذ عشرة دنانير غير منقوصة.
وهذا " ما لم تفترقا وبينكما شيء "، أي لا بد من السعر الآن، ولا بد من القبض في المجلس.
يعني لا نأتي ونحول في الذمة ثم ننصرف، وبعد ذلك نأخذ الدراهم، فلا بد إذن من أن نتسلم بسعر اليوم عند السداد، وفي الحال.
شيء آخر، نحن عرفنا من قبل ما كان من شأن الزبير بن العوام رضي الله عنه، وكيف أن الله عز وجل بارك في ماله.
عبد الله بن الزبير كان في مكة، وأخوه مصعب كان في العراق، فكان بعضهم يأتي إلى عبد الله أحيانًا ويقول له: أنا ذاهب إلى العراق، ومعي نقود من الذهب أو الفضة، وأخشى عليها أن تضيع مني في الطريق، ثم يعرض عليه أن يأخذ منه نقوده في مكة، ليتسلم بدلا منها في العراق من أخيه مصعب، فيقبلها ابن الزبير، ويكتب له ورقة، فإذا وصل المسافر إلى العراق، ذهب إلى مصعب، وأبرز الورقة، ثم يأخذ المبلغ المكتوب فيها، والذي سلمه إلى ابن الزبير في مكة.
الورقة هذه التي أعطاها عبد الله بن الزبير لذلك الرجل في مثل هذه الحالة، تسمى في الفقه الإسلامي "السَُفْتَجة"، وهذا نظير ما يحدث الآن؛
أذهب إلى البنك وأقول له: أريد جنيهات مصرية، أعطني شيكًا بتاريخ اليوم أو حوالة، فكأن القبض في المجلس قد تم.
فكما تم مع عبد الله بن الزبير، (النقود من جانب، والسفتجة من جانب آخر) والآن أيضًا، النقود من جانب، والشيك أو الحوالة من جانب آخر، بشرط تاريخ اليوم وسعر اليوم.
ولذلك مجمع البحوث بحث مسألة الحوالة هذه، وأفتى بأنها حلال.
تأتي النقطة الأخرى، وهي: ما واجهنا بكثير من الأسئلة، مسألة الديون، أنا حولت كذا منذ كذا عام لفلان، وأريد أن آخذ منه الآن، نقول له: ماذا طلب منك؟ هل طلب منك ريالات، أم جنيهات مصرية؟ يقول: جنيهات مصرية.
إذن هو مدين لك بكم؟ ألف جنيه مصري.
إذن لك عنده ألف جنيه مصري.
يقول هذا ألف جنيه مصري الآن، أحول كذا (ريال) ، ولكن وقتها كذا (ريال) ، لا شأن لنا بهذا، هو مدين بكذا، إذن يعطيك ألف جنيه مصري، وإذا أخذت جنيهًا واحدًا زيادة، فهو ربا. فإذا أردت أن تأخذ بالريالات يعطيك بسعر اليوم، وليس بسعر عام أو عامين. يقول المقرض: أنا دفعت وقتها 400 ريال مثلاً، فآخذ الآن 400 ريال. نقول له: انظر إلى القرض، أنت ماذا اقرضت؟ أقرضت ريالات؟ أم جنيهات؟
إذا كان ريالات تأخذ ريالات، وإن كان جنيهات تأخذ جنيهات.
ولذلك نذكر هنا من عمل البنوك الإسلامية ما يتصل بموضوعنا، أشرنا من قبل إلى الاعتمادات المستندية.
وقلنا بأنه أحيانًا، بعد النظر في المستندات، البنك عندما يدفع النقود للمصدر، قد يجد النقود لا تكفي، فيدفع مما معه جزءا من النقود، البنك الإسلامي يذكر صراحة أن هذا القرض حسن، والبنك الربوي يحسب هذا بفائدة، من يوم الدفع إلى يوم وصول المستندات، فإذا وصلت المستندات ولم يدفع يعتبر لهذا دينا بفائدة أعلى. أما البنك الإسلامي فيذكر صراحة أن هذا قرض حسن. البنك هنا عندما يدفع النقود للمصدر في دولة أخرى، قد يدفع عملة مختلفة عن التي يتعامل بها مع عميله.
مثلا: بيت التمويل الكويتي يستورد أشياء من إنجلترا، المصدر هنا يريد الإسترليني، والبنك يتعامل بالدينار، ولا شأن له بالجنيه الإسترليني، ماذا يعمل؟ هناك وكيل على العميل، يدفع بالدينار الكويتي، ويقوم بعملية الصرف بالإسترليني، ويقيد الآن في الحال ما دفعه بالدينار الكويتي، بعد هذا إذا ارتفع الدينار أو انخفض، لا شأن له.
يقول له: أنا دفعت لك مبلغ كذا بالدينار الكويتي، والمصدر طلب الثمن بالجنيه الإسترليني، فحولنا فالتحويل كان كذا، الآن لو أنني أريد أن أقرض أحدًا، وأخشى مثلاً من العملة هذه. أقرض بعملة أخرى، ولكن العملة التي أقرض بها هي التي آخذها عند السداد، لا أقرض بعملة وآخذ بأخرى، فإذا أخذت بأخرى، آخذ بسعر يوم السداد، وليس بسعر يوم الدفع.
فلا بد أولاً أن أحدد القرض الآن بأي عملة؟
اختر العملة التي تشاء، ولكن المهم أنني ما دامت أقرضت، فلا أنظر إلى اختلاف سعر العملة بين يوم القرض وبين هذا اليوم، وإنما آخذ نفس العدد الذي أقرضته بسعر يوم السداد.
عقدت عدة مؤتمرات، وبحث موضوع النقود وأحكام النقود، وأقرت الكثرة الكاثرة التي حضرت هذه المؤتمرات بأن العملة الورقية الحالية ينطبق عليها أحكام الصرف.
ولذلك نجد بعض البنوك الربوية تتعامل بسعرين: بالسعر العاجل كذا، والسعر الآجل كذا، البنوك الإسلامية، إذا أردت أن تستبدل عملة منها، لا بد أن يكون في الحال، سعر الصرف، سعر اليوم كذا، لا تسمح بالتأجيل.
ولهذا أيها الإخوة ما نسمع عنه من أعمال البورصة، وأن هناك شراء أو بيع عملة بالآجل، هذا نوع من الربا، لكي نتبادل عملة لا بد أن يكون الآن القبض في المجلس، فإذا لم يتم ذلك لسبب من الأسباب، أو ضرورة من الضرورات، أو ظرف من الظروف القاهرة، فهناك شيء يقوم مقامه، كما قامت السفتجة، بغير هذا نقع في الربا، والعياذ بالله.
إذن مجمع البحوث الإسلامية، هيئة كبار علماء السعودية، مؤتمرات مختلفة. كل هؤلاء قالوا بأن هذه نقود؛ لأنها هي كذلك فعلاً، تقوم بدور النقود، وأن الاقتصاديين يعرفون النقود بالوظيفة بأنها هي كل ما يقوم بدور النقود.
إذا وجدنا رأيا يعارض هذا، فإننا نقول: ما وجدنا رأيًا جماعيًا قط، وإنما وجدنا رأي فَردٍ، نتج عنه أشياء خطيرة للغاية، كيف هذا؟
يأتي أحدهم لتحويل عملة - وهذا كان شائعًا لدرجة غير عادية في الكويت نتيجة فتوى معينة - يقول: أنا أريد أن أحول دنانير إلى جنيهات مصرية، فيسألونه: أتريد الآن؟ الدينار مثلاً بثلاثة جنيهات، أو بعد شهر: بزيادة عشرين قرشًا، أو بعد عام: أربعة جنيهات، وهكذا
…
يزيد الثمن كلما زاد الأجل، معنى هذا أيها الإخوة أنها حيلة للوصول إلى الربا. يعني: هو أخذ بثلاثة جنيهات، مائة دينار بثلاثمائة جنيه، ثم قال له: بعد شهر مثلاً كم تبلغ فائدتها؟ ويرفع الفائدة، بعد عام، الفائدة كم؟ فيرفع الفائدة
…
لا يقول له: فائدة، وإنما ما دام مؤجلاً فهو بسعر كذا، فجاءت فتوى بأن هذا حلال. فقلنا: إذا كان هذا حلالا، فما الربا إذن؟ أي حالة ربوية يمكن أن نحولها إلى بيع بهذه الطريقة، والفتوى قاست هذه المعاملة على السلم.
ولكن معنى السلم: سعلة ونقود، النقود أولا والسلعة مؤجلة، وإنما هذه المعاملة: نقود بنقود، والنقود لا يكون فيها سلم، وإنما فيها قبض في المجلس، ولذلك السلم فيما يقوم به السعر ربا، والشبهة آتية من أن النقود مثل السلعة في نظر الذي أفتى بالحل، نقول له حينئذ: لا، السلعة نريدها ذاتها، نستعملها، نستفيد منها، أما الورقة هذه فلا قيمة لها إلا أنها مقياس لقيمة، ووسيلة للتبادل، أما في ذاتها فقد نجد ورقة مثل هذه نافعة أكثر منها (وأشار المحاضر إلى منديل من الورق) .
إذن، هذه الفتوى كان لها أضرار خطيرة للغاية. والحمد لله تعالى أن الفتاوى الجماعية ظهرت، فأوقفتها عند حدها، وأبطلت ما جاءت به، وإلا لكانت كارثة. لذلك عندما رد على هذا رد ببيان الفتاوى الجماعية، وبالطبع مشكلات العصر لا تحل باجتهاد فردي، وإنما تحل باجتهاد جماعي.
هذا والحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة
المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة:
بـ. د/7/2- 1406/3
القرار السادس
حول العملة الورقية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد اطلع على البحث المقدم إليه في موضوع العملة الورقية وأحكامها من الناحية الشرعية، وبعد المناقشة والمداولة بين أعضائه، قرر ما يلي:
أولاً: أنه بناء على أن الأصل في النقد هو الذهب والفضة، وبناء على أن علة جريان الربا فيهما هي مطلق الثمنية في أصح الأقوال عند فقهاء الشريعة.
وبما أن الثمنية لا تقتصر عند الفقهاء على الذهب والفضة، وإن كان معدنهما هو الأصل.
وبما أن العملة الورقية قد أصبحت ثمنًا، وقامت مقام الذهب والفضة في التعامل بها، وبها تقوم الأشياء في هذا العصر؛ لاختفاء التعامل بالذهب والفضة، وتطمئن النفوس بتمولها وادخارها، ويحصل الوفاء والإبراء العام بها، رغم أن قيمتها ليست في ذاتها، وإنما في أمر خارج عنها، وهو حصول الثقة بها، كوسيط في التداول والتبادل، وذلك هو سر مناطها بالثمنية.
وحيث إن التحقيق في علة جريان الربا في الذهب والفضة هو مطلق الثمنية، وهي متحققة في العملة الورقية، لذلك كله فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، يقرر أن العملة الورقية نقد قائم بذاته، له حكم النقدين من الذهب والفضة، فتجب الزكاة فيها، ويجري الربا عليها بنوعيه، فضلاً ونسيًا، كما يجرى ذلك في النقدين من الذهب والفضة تمامًا؛ باعتبار الثمنية في العملة الورقية قياسا عليهما. وبذلك تأخذ العملة الورقية أحكام النقود في كل الالتزامات التي تفرضها الشريعة فيها.
ثانيا: يعتبر الورق النقدي نقدًا قائمًا بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرهما من الأثمان، كما يعتبر الورق النقدي أجناسًا مختلفة، تتعدد بتعدد جهات الإصدار في البلدان المختلفة، بمعنى أن الورق النقدي السعودي جنس. وأن الورق النقدي الأمريكي جنس، وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته، وبذلك يجري فيها الربا بنوعيه فضلاً ونسيًا، كما يجري الربا بنوعيه في النقدين الذهب والفضة وفي غيرها من الأثمان.
وهذا كله يقتضي بما يلي:
(أ) لا يجوز بيع الورق النقدي بعضه ببعض أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى من ذهب أو فضة أو غيرهما، نسيئة مطلقًا، فلا يجوز مثلاً بيع ريال سعودي بعملة أخرى متفاضلاً نسيئة بدون تقابض.
(ب) لا يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقية بعضه ببعض متفاضلا، سواء كان ذلك نسيئة أو يدًا بيد، فلا يجوز مثلا بيع عشرة ريالات سعودية ورقًا بأحد عشر ريالا سعوديا ورقًا، نسيئة أو يدا بيد.
(جـ) يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقًا، إذا كان ذلك يدًا بيد، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية بريال سعودي، ورقًا كان أو فضة، أو أقل من ذلك أو أكثر، وبيع الدولار الأمريكي بثلاث ريالات سعودية أو أقل من ذلك أو أكثر، إذا كان ذلك يدا بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة بثلاث ريالات سعودية ورق، أو أقل من ذلك أو أكثر، يدا بيد؛ لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه، ولا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة.
ثالثًا: وجوب زكاة الأوراق النقدية إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة، أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة.
رابعًا: جواز جعل الأوراق النقدية رأس مال في بيع السلم والشركات، والله أعلم، وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.