الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحث
فريق علماء جامعة الملك عبد العزيز
قسم علوم الفلك
مقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد، فإننا ندعو الله تعالى أن يلهمنا طريق الصواب وأن يمهد لنا طريق الحق ويبعدنا عن طريق الضلال.
لم تكن مشكلة توحيد الشهور العربية قائمة في العصور السابقة وما ظهر منها فهو محدود وغير ملفت للنظر نظرًا لصعوبة الاتصال بين البلدان أما في العصر الحاضر وقد تقاربت البلدان بتقدم المواصلات وتقدمت طرق الاتصالات بين أرجاء المعمورة وفي ثوان ينتشر الخبر في جميع أنحاء العالم وأصبح المسلمون في العالم كأنهم يعيشون في بلدة واحدة ومن جهة أخرى فقد تطورت العلوم عامة والعلوم الفلكية خاصة وأتى بعدها غزو الفضاء الخارجي والذي أدى بدوره إلى ربط الحسابات الفلكية والمشاهدات والتوقعات مع الواقع الحقيقي وتم التأكد من دقة الحسابات رغم المسافات الشاسعة بين الكواكب والأجرام فأصبح بإمكان العلماء تحديد موقع ومكان الخسوف والكسوف على سبيل المثال قبل أعوام من حدوثها بدقة متناهية وتم وصف حركة الكواكب والنجوم والأقمار بدقة وتم كذلك حساب سرعتها وأوزانها وطبيعة مكوناتها.
ولا يخفى على أحد بأن دين الإسلام هو آخر الأديان وهو دين عالمي لا يخص فئة بذاتها ولا منطقة بعينها، ولا يخفى علينا بأن ديننا دين توحيد والتوحيد هو إفراد الله في العبادة وتنزيهه عن كل النقائض كما أننا نقدر أن للتوحيد معنى آخر وهو تأمين وحدة المشاعر والجهود وتوحيد المناسبات الإسلامية والأعياد.
إن موضوع رؤية الهلال وبداية الشهور العربية ترتبط به جميع المناسبات الإسلامية، ولذلك فإن له أهمية كبرى في حياة المسلم وعلى سبيل المثال لا الحصر عند نهاية شهر شعبان من كل سنة يبدأ النقاش في العالم الإسلامي حول بداية شهر رمضان، ويصبح لدى المسلمين شك نحو البلاد الإسلامية الأخرى التي تخالف بلادهم في بداية الصوم، وتعظم المشكلة عند المسلمين في البلاد الأوروبية والأمريكية حيث إن معظم المسلمين في تلك البلاد من جنسيات مختلفة، وأصبح كل منهم يصوم ويفطر على بلده مما سبب تمزقًا رهيبًا بينهم، وشكًا في أداء عباداتهم وقلقًا وخصامًا وجدالًا، وبذلك ذهبت فرحة استقبال رمضان والصوم، وذهبت كذلك فرحة العيد فنرى البعض صائمًا والآخر يفطر وهل هذا شيء طبيعي، وتوجه لهم من المجتمع هذه الأسئلة:-
- ألستم من دين واحد؟
- لماذا لا تتفقون في مواعيد أعيادكم ومناسبتكم؟
وهل من الطبيعي أن يفطر من في العراق ويصوم من في مصر وهم يعلمون بما يفعل الآخر؟ والواقع أن لهذا الوضع حالتين:
الأولى: أن أحدهما يفطر في يوم صوم.
والحالة الثانية: أن أحدهما يصوم في عيد، وكلتا الحالتين محرمة شرعًا.
ولا بد هنا من الذكر بأن هذا لوضع بالنسبة للمسلمين غاية في السوء، ومثار الاستنكار بين معظم عامة وعلماء المسلمين، وكذلك مدعاة للهجوم من قبل الملحدين.
والسؤال الذي يجب على علماء المسلمين أن يفكروا فيه: هل هناك تعارض بين الدين والعلم؟ والجواب بالنفي معروف لدى جميع المسلمين لذلك فإننا ندعو علماء المسلمين أن يتفكروا في هذا الموضوع، ويضعوا جل اهتمامهم به، وأن يتعمقوا في فهم النواحي الفلكية حتى يتمكنوا من تصور الوضع والحلول المقترحة، وسوف نشرح فيما بعد حركة القمر والأرض وكيفية ميلاد الهلال، والقواعد التي يأخذها العلماء الفلكيون المسلمون حتى تتوافق حساباتهم مع الشريعة ومع تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم.
دعوى اختلاف المطالع:
إن دعوى اختلاف المطالع اجتهد فيها بعض العلماء السابقين لتفسير اختلاف الرؤية، وهم مأجورون على ذلك، والواقع أنه إذا ولد الهلال في مدينة ما والتي تقع على خط طول معين فإن ميلاد الهلال يكون مؤكدًا في جميع البلدان التي تقع على هذا الخط ويكون أيضًا مؤكدًا لجميع البلدان التي تلي ذلك الخط.
وإذا أخذنا بالقول الشرعي بأنه إذا اشترك بلد مع آخر بليل فإنه يؤخذ برؤية البلد الآخر يصومان ويفطران معًا، وعل هذا الأساس فإن جميع بلدان العالم الإسلامي يجب أن تصوم وتفطر في يوم واحد لأنها جميعًا تشترك مع بعضها البعض بليل.
الحساب الفلكي:
لا بد أن نذكر هنا أن أي حل لبداية الشهور العربية يجب أن يتوافق مع الشريعة الإسلامية السمحة، وأننا عندنا نتبنى الرأي القائل بجواز الاعتماد على الحسابات الفلكية ليس معناه تعليق الحكم في الصوم وغيره بهذا الحساب أصلًا بل إننا نقول بأن حكم الشريعة باعتماد الرؤية البصرية باق إلى يوم الدين، علمًا بأنه هو الأصل، ذلك لأن الشرع الإسلامي لا يمكن أن يربط حكمًا شرعيًا بأمور تتوقف على علم قد يوجد وقد لا يوجد وقد نفقد قواعده وعلماءه يومًا ما، وإنما مرادنا بإمكان الاعتماد على الحساب الفلكي اليوم، هو أنه جائز ولا مانع شرعًا بعد أن وصل علم الفلك إلى ما وصل إليه من الدقة المدهشة واليقين المدعم بالشواهد والبراهين، وبذلك فنحن نعتقد بأن الحسابات الفلكية تحقق ما تحققه الرؤية بصورة أيسر وأبعد عن الخطأ مع بقاء الرؤية هي الأصل، بمعنى أنه إذا فقد هذا العلم بقيت الرؤية مستندًا في الحكم، وقد بنينا هذا الرأي على الأسس الآتية:
1-
أن العالم الإسلامي بأسره اليوم يأخذ بالحسابات الفلكية في الصلاة والتي هي ثاني ركن من أركان الإسلام بعد الشهادة، ولا أحد يذهب ليرى هل ظهر الشفق؟ أو هل زال الظل؟ أو هل أصبح طول الظل ضعف طول الجسم الأصلي؟ بل ولا أحد ينظر هل غابت الشمس ليعلن دخول وقت المغرب؟ بل إن الجميع ينظر إلى التقويم ويأخذ منه الوقت وهذا محسوب بالحسابات الفلكية التي تحقق الأحكام الشرعية الأصلية في المواقيت، أما من لا تتوفر لديه تلك التقاويم يعود ويطبق تلك الأحكام.
2-
أن الكثير من نصوص القرآن الكريم تدعو الناس للتفكر في خلق الله تعالى وبالأخص للتفكر في الكون فقال تعالى {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} وقال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} فهذه الآيات تدل على أن حركة الأفلاك حركة دقيقة ثابتة لا تختلف عبر العصور فهي تسير على نسق منتظم، فكان انتظار دوران القمر والأرض حول الشمس سبيلًا لتحديد السنوات، والحساب، وجاء أيضًا في القرآن الكريم {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وفسر البعض "شهد" على أنها علم، أي علم بحلول الشهر.
ومن جهة أخرى فإن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم أتت بعدة صور وروايات وقد استنبط بعض العلماء إمكانية الرخصة ومما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم:
((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) وفي رواية ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يومًا)) وفي رواية ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وإن غم عليكم فاقدروا له)) .
ففي الرواية الأخيرة ((فاقدروا له)) وأحد صور التقدير تكون بالحساب وكانت الرؤية البصرية مطلوبة في ذلك الحين لعدم توفر الحسابات الفلكية حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم ((نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا..)) إلى نهاية الحديث، وربط الكتابة والحساب بالشهور دليلًا على إمكانية استخدام الحساب في تحديد الشهور إذا توفر ذلك العلم، وأن الرؤية البصرية خاصة بتلك الفترات التي لا يتوفر بها علم الحساب والله أعلم.
3-
لقد كان لعامة سكان الجزيرة العربية خبرة ودراية في الكواكب والنجوم والقمر حيث كان الاعتماد كبيرًا عليها لمعرفة الاتجاهات والوقت والشهور، وكذلك كان الجو خاليًا من الملوثات التي تمنع الرؤية كالدخان والإضاءة العالية، ولكن في زمننا هذا فإن عامة الناس لا يعرفون إلا القليل عن القمر والكواكب والنجوم وحتى المهتم منهم في هذا العلم لا بد له من السفر بعيدًا عن إضاءة المدينة ودخانها حتى يتسنى له رؤية السماء بوضوح، ولذلك نرى الاختلافات الكثيرة التي تحصل بين البلدان عند تحديد بداية الشهور والتي قد تصل في بعض الأحيان إلى عدة أيام.
4-
من المعلوم أن الأحكام الدينية تنقسم إلى قسمين هما: المقاصد، والوسائل، فصوم رمضان، والإفطار في أول يوم من شوال، والوقوف بعرفة يوم التاسع من ذي الحجة يمثل المقاصد، أما تثبيت المناهج والأصول المتعلقة بتحديد أوقات هذه العبادات تمثل الوسائل، وأن الأحكام الدينية التي تمثل الوسائل يمكن أن تتبدل بتبدل الأزمان والأحوال لأنها ليست مقاصد بالذات بل هي وسائل للوصول للغايات المقصودة، قال الفقهاء:"إن الأحكام الشرعية ترتبط بالعلل والأسباب فإذا ما ثبتت العلة ثبت الحكم وإذا زالت زال الحكم تبعًا لها".
والأمثلة على ذلك كثيرة، فعلى سبيل المثال نذكر أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم:((لا تكتبوا عني شيئًا غير القرآن فمن كتب شيئًا غير القرآن فليمحه)) وذلك خوفًا منه صلى الله عليه وسلم أن تختلط الأحاديث بالقرآن الكريم، وعندما دونت المصاحف وانتشرت زالت الأسباب المانعة من كتابة الأحاديث، فأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز بتدوين السنة، بل واعتبر كتابة الأحاديث واجبة لصونها من الضياع، فالأحكام التي تبنى على سبب خاص وتقوم على حالة معينة تزول لسبب وتستمر بدوام السبب والعلة.
والسبب في اتخاذ الفقهاء الرؤية البصرية أساسًا لتحديد أوائل الشهور القمرية مستدلين من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيتم الهلال فصوموا)) لعدم كفاية علم الفلك بتثبيت أوائل الشهور في ذلك العهد، وقد صرحت هذه العلة في الحديث النبوي الشريف ((إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب
…
)) أما اليوم فبات بالمستطاع حساب أدق حركة للقمر على وجه اليقين وأصبح بالإمكان أيضًا تحديد وقت ومكان ميلاد الهلال.
علم الفلك وكيفية تحديد الشهور العربية:
مما يؤسف له أن يعتقد البعض بأن علم الفلك هو علم التنجيم، أو أنه يعتمد على الظن والتخمين في حساباته والواقع أن علم الفلك مثل العلوم الأخرى كالفيزياء والكيمياء فهو يعتمد على أمور علمية محسوسة وعلى التجربة والمشاهدة وكما ذكرنا سابقًا بأن تطور العلوم والتقنية في مجال الفضاء أدى إلى التحقق في النظريات الفلكية، وأدت الأجهزة الحديثة إلى الوصول إلى مستويات عالية من الدقة في مراقبة وحسابات سير الكواكب والأجرام السماوية.
تنتمي الكرة الأرضية إلى المجموعة الشمسية، والتي تتكون من الشمس ويدور حولها 9 كواكب وهي على التوالي: عطارد، الزهرة، الأرض، المريخ، المشترى، زحل، يورانوس، نيبتوس، وبلوتو، وتدور هذه الكواكب بمدارات حول الشمس.
الشكل (1) يوضح الشمس في المركز وحولها مدارات الكواكب وتدور الأرض بمدار شبه دائري حول الشمس وتبعد عنها بالمتوسط مسافة 149.5 مليون كيلو متر، ويدور حول معظم هذه الكواكب أقمار أقل حجمًا من الكوكب، فمثلًا يدور حول المريخ قمران وحول المشترى 16 قمرًا، وحول الأرض يدور القمر وهو يبعد عن الأرض بمسافة قدرها 365 ألف كيلو متر.
في الشكل (2) نوضح دورة الأرض حول الشمس ودورة القمر حول الأرض، حيث تمثل دورة الأرض حول الشمس دورة كاملة السنة الشمسية بفصولها الأربع بينما تمثل دورة الأرض حول نفسها يومًا كاملًا، أما بالنسبة للقمر فإن دورته الاقترانية حول الأرض تمثل طول الشهر القمري.
يدور القمر حول الأرض بدورة اقترانية كل 29 و 12 ساعة و44 دقيقة بالمتوسط، ومعنى اقترانية هو اقتران القمر بالشمس أي أن يكون القمر واقعًا بين الأرض والشمس تمامًا، وتقاس مدة الدورة من وضع الاقتران إلى وضع الاقتران التالي.
في الشكل (3) نوضح وضع الاقتران:
_________
وهذه الدورة تمثل الشهر العربي (القمري) وفي وضع الاقتران لا يرى القمر وهذا ما يسمى بالمحاق، وذلك لأن نصف القمر المضيء يكون في اتجاه الشمس ونصفه المظلم يكون في اتجاه الأرض، ولكن عندما يتحرك القمر بعيدًا عن وضع الاقتران يتغير وضع القمر بالنسبة لسكان الأرض وتظهر حافة القمر لامعة والتي هي قوس دقيق بشكل هلال.
_________
ويبدأ الشهر فلكيًا عندما يغادر القمر وضع الاقتران، ولكن حتى نحقق شرط الرؤية التي يتطلبها الشرع وضعنا بعض الشروط اللازم توفرها حتى يتسنى لنا رؤية الهلال.
تتوقف رؤية الهلال ووضوحه على ارتفاعه وقت غروب الشمس فإذا غرب القمر قبل غروب الشمس فإنه لا يرى مطلبًا في تلك الليلة، وكلما زاد ارتفاعه عن الأفق وقت غروب الشمس كلما وضحت الرؤية، ونظرًا لوجود شفق الغروب فإننا لا نستطيع رؤية الهلال إذا كان ارتفاعه أقل من 5 درجات عن الأفق وبذلك فإن الشرط الأول الذي يتطلبه الفلكيون رؤية الهلال بصريًا هو أن يكون ارتفاعه عن الأفق وقت المغرب أكثر من 5 درجات والشرط الآخر أن يكون القمر بزاوية أكثر من 8 درجات عن وضع الاقتران كما شرحنا سابقًا، أي أن يكون القمر على بعد 8 درجات من الشمس.
وباستطاعة الفلكيين حساب وقت ميلاد القمر فلكيًا (وضع الاقتران) ، وزاوية انحراف القمر عن وضع الاقتران، وارتفاع القمر وقت الغروب فوق الأفق، وكذلك انحراف موضع غروب القمر عن موضع غروب الشمس لكل يوم، وذلك بمنتهى الدقة، وتوجد جداول عالمية توضح معظم هذه المعلومات لجميع المواقع على ظهر الأرض على مدار السنة، وأصبحت هذه الحسابات من الأمور المسلم بها علميًا وباستطاعة أي عالم فلكي القيام بهذه الحسابات بمنتهى السهولة والدقة.
التوصية:
نظرًا لما سبق ولما أتضح أن الحسابات الفلكية لا تتعارض إطلاقًا مع أحكام الشريعة ونظرًا لما لمسناه من دقة تامة في الحسابات الفلكية في تحديد مواقيت الصلاة والظواهر الفلكية المختلفة مثل الكسوف والخسوف والشروق والغروب وخلافه إننا نوصي بالآتي:
(أ) الأخذ بالحسابات الفلكية التي تحقق الرؤية البصرية لتحديد أوائل الشهور العربية.
(ب) الشروط اللازم توفرها لشروط الرؤية البصرية والتي يبني على أساسها الفلكيون حكم دخول الشهر العربي شرعًا:
1-
أن لا يقل البعد الزاوي بين الشمس والقمر عن 8 درجات بعد الاقتران.
2-
أن لا تقل زاوية ارتفاع القمر عن الأفق عند غروب الشمس عن 5 درجات.
(جـ) التحقيق والتأكد من شهادة من يدعي رؤية الهلال في الوقت الذي يثبت عدم ميلاد الهلال واستحالة رؤيته بالحسابات الفلكية.