الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإحرام للقادم إلى الحج بالطائرة أو الباخرة
لفضيلة الشيخ تجاني صابون محمد
بسم الله الرحمن الرحيم
الإحرام للقادم إلى الحج بالطائرة أو الباخرة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
يعتبر الإحرام الركن الأول من أركان الحج ومعناه في الشرع: نية الدخول في الحج والعمرة. ولا يلزم في تحققه اقترانه بتلبية أو سوق هدي أو نحو ذلك عند الشافعية. أما الأحناف فقد قالوا بأن الإحرام يتحقق بأمرين، الأول: النية، والثاني: اقترانها بالتلبية، ويقوم مقام التلبية مطلق الذكر أو تقليد البدنة مع سوقها، فلو نوى بدون تلبية أو ما يقوم مقامها مما ذُكِرَ أو لبّى ولم ينو لا يكون محرما، وكذلك لو أشعر البدنة بجرح سنامها الأيسر أو وضع الجل عليها أو أرسلها، وكان غير متمتع بالعمرة إلى الحج ولم يلحقها، أو قلّد شاة، لا يكون محرما.
أما المالكية فقد ذكروا معنى الإحرام بما يلي: الإحرام هو الدخول في حرمات الحج، ويتحقق بالنية فقط على المعتمد، ويسن اقترانه بقول كالتلبية والتهليل، أو فعل متعلق بالحج كالتوجه وتقليد البدنة.
أما المواقيت فهي تنقسم إلى قسمين: زمانية ومكانية.
فالميقات الزماني بالحج مفردا أو قارنا هو من أول شوال إلى طلوع الفجر من يوم النحر. أما المواقيت المكانية فهي تختلف باختلاف الجهات، فأهل الشام ومصر والسودان والمغرب ومن دونهم فيمقاتهم الجحفة، وأهل العراق وسائر أهل المشرق فميقاتهم ذات عرق، وهي قرية على مرحلتين من مكة، وأهل المدينة المنورة بنور النبي صلى الله عليه وسلم ميقاتهم ذو الحليفة، وهي تبعد عن المدينة بخمسة أميال، وهي أبعد المواقيت من مكة، والميقات لأهل اليمن والهند يلملم، وهي تبعد بمرحلتين من مكة، ولأهل نجد قرن، وهي أيضًا على مرحلتين من مكة. فهذه المواقيت لأهل هذه الجهات المذكورة، ولكل من مر بها أو حاذاها، وإن لم يكن من أهل جهتها. فمن مر بميقات منها أو حاذاه قاصدا النسك، وَجَبَ عليه الإحرام منه، ويجوز له أن يجاوزه بدون إحرام، فإن جاوزه ولم يحرم وجب عليه الرجوع إليه ليحرم منه إن كان الطريق مأمونا، وكان الوقت متسعا، بحيث لا يفوته الحج لو رجع، فإن لم يرجع لزمه هدي لأنه جاوز الميقات بدون إحرام، سواء أمكنه الرجوع أم لم يمكن لخوف الطريق أو ضيق الوقت، إلا أنه في حالة إمكان الرجوع يأثم بتركه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون أمامه مواقيت أخرى في طريقه أو لا، وهذا الحكم أقرته الشافعية والحنابلة.
أما الأحناف فقالوا: إن جاوز الميقات بدون إحرام حرم عليه ذلك ويلزمه الدم إن لم يكن أمامه ميقات يمر عليه بعد، وإلا فالأفضل إحرامه من الأول فقط إن أمن على نفسه من ارتكاب ما ينافي الإحرام، فإن لم يأمن فالأفضل أن يؤخر الإحرام إلى آخر المواقيت التي يمر بها.
أما المالكية فقالوا: هذه المواقيت معتبرة بأنفسها لا بأسمائها. فإذا كان الميقات قرية فخربت أو انتقلت عمارتها واسمها إلى موضع آخر كان الاعتبار بالأول؛ لأن الحكم تعلق به، فمتى مر بميقات من هذه المواقيت وجب عليه الإحرام منه، فإن جاوزه بدون إحرام حرم ولزمه دم، إلا إذا كان ميقات جهته أمامه يمر عليه فيما بعد، فإن كان كذلك ندب له الإحرام من الأول فقط، فإن لم يحرم منه فلا أثم عليه ولا دم وخالف المندوب.
وهذا كله فيما كان خارجا عن هذه المواقيت، وأما من كان بينها فميقاته من بيته، ومن كان بمكة من غير أهلها وأراد الإحرام بالحج صح إحرامه من مكة بلا إثم ولكن يندب له أن يخرج إلى ميقات ليحرم منه إن كان الوقت متسعا وأمن على نفسه وماله لو خرج، وإلا فلا يندب له الخروج.
أما من حج في البحر من أهل مصر وشبههم فليحرم إذا حاذى الجحفة هذا ما أقره جل السادة المالكية، خلافا على ما جاء عن بعض منهم حيث يرون الأفضل تأخير الإحرام حتى بلوغ سواحل جدة، ويرى في هذا الرأي الأخير تجاوز الميقات.
أما حكم الإحرام في الطائرة فإن حكمه حكم الإحرام في الباخرة، فإذا أمكن للحاج أن يحاذي ميقاته أحرم وإن وجد مشقة في الإحرام داخل الطائرة وفي تحديد مكان الميقات (كما هو الحال في معظم الطائرات) وخاف مجاوزة الميقات دون إحرام، فإنه يحرم قبل ركوبه الطائرة؛ لأن أمر الإحرام قبل الميقات أخف من الإحرام بعده، حيث إن الأول مكروه على المذهب المالكي، والثاني يوجب الهدي والإثم في بعض الحالات، كما مر في سياق هذا البحث.
وقد جاء في حاشية الإمام الرهوني على شرح الزرقاني لمختصر خليل في الجزء الثاني صفحة (428) ما يلي: قال رجل لمالك بن أنس: من أين أحرم؟ فقال: من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعاد عليه مرارا. قال: فإن زدت على ذلك؟ قال: فلا تفعل، فإني أخاف عليك الفتنة. قال: وما في هذا من الفتنة إنما هي أميال أزيدها؟ فقال مالك: قال الله تعالى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] قال: وأي فتنة في هذا؟ قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك أصبت فضلا قصّر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ترى أن اختيارك لنفسك خير من اختيار الله تعالى لك واختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فعلى ضوء ذلك فإنه يتعذر علينا وجود رخصة في تحديد ميقات قبل أو بعد المواقيت المحددة من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكن يجب على الاجتهاد أن يجري في المحافظة عليها ومراعاتها.
فنسأل الله الكريم أن يهدينا إلى طريق الصواب، وأن يحفظ ديننا الذي ارتضاه لنا. والسلام عليكم ورحمة الله.