المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربافضيلة الأستاذ أحمد بازيع الياسين - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثالث

- ‌تقديم بقلم معالي الأستاذ سيد شريف الدين بيرزاده

- ‌كلمة معالي د/ بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمة العددلمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمة افتتاح الدورةألقاهامعالي الدكتور ناصر الدين الأسد

- ‌كلمة معالي الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بلا تمليك فردي للمستحقلفضيلة الشيخ آدم شيخ عبد الله علي

- ‌توظيف الزكاةفي مشاريع ذات ريع دون تمليك فردي للمستحقلفضيلة الشيخ حسن عبد الله الأمين

- ‌طرق الإنجابفي الطب الحديث وحكمها الشرعيلفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌القضايا الأخلاقيةالناجمة عن التحكم في تقنيات الإنجابالتلقيح الاصطناعيلسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌أجهزة الإنعاش وحقيقة الوفاةبين الفقهاء والأطباءلفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌موت الدماغلسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌نهاية الحياة البشريةللدكتور أحمد شوقي إبراهيم

- ‌متى تنتهي الحياة؟للدكتور حسان حتحوت

- ‌القلب وعلاقته بالحياةمدخل في مناقشة "متى تنتهي الحياة"للدكتور أحمد القاضي

- ‌نهاية الحياة الإنسانيةللدكتور مصطفى صبري أردوغدو

- ‌نهاية الحياة الإنسانيةللدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌نهاية الحياة الإنسانية في ضوء اجتهاداتالعلماء المسلمين والمعطيات الطبيةللدكتور محمد نعيم ياسين

- ‌نظرة في حديث ابن مسعودللدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌حقيقة الموت والحياةفي القرآن والأحكام الشرعية

- ‌توصياتمؤتمر الطب الإسلامي بالكويت

- ‌دراسةوزارة الصحة بالمملكة العربية السعودية

- ‌ورقة العمل الأردنيةقدمت للمؤتمر العربي الأول للتخدير والإنعاش

- ‌حكم إثبات أول الشهر القمري وتوحيد الرؤيةفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌بحثلفضيلة الشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌بحثفريق علماء جامعة الملك عبد العزيزقسم علوم الفلك

- ‌توحيد بدايات الشهور القمرية(الشمس والقمر بحسبان)لسعادة الدكتور فخر الدين الكراي

- ‌الوثائق المقدمةتوحيد بداية الشهور القمريةلفضيلة الشيخ محمد علي السايس

- ‌المناقشةتوحيد بدايات الشهور القمرية

- ‌من أين يحرم القادمبالطائر جوًا للحج أو العمرة؟لفضيلة الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌الإحرام للقادم للحج والعمرة بالطائرة والباخرةلفضيلة الشيخ محمد علي عبد الله

- ‌الإحرام للقادم إلى الحج بالطائرة أو الباخرةلفضيلة الشيخ تجاني صابون محمد

- ‌الإحرام من جدة لركاب الطائرات في الفقه الإسلاميلفضيلة الشيخ محيي الدين قادي

- ‌كتاب حدود المشاعر المقدسةلفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

- ‌جواز الإحرام من جدة لركاب الطائرات والسفن البحريةلفضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود

- ‌حكم الإحرام من جدة للواردين إليها من غيرهاالقرار الثاني لمجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة

- ‌تغيرات النقود والأحكام المتعلقة بها في الفقه الإسلاميلفضيلة الدكتور نزيه كمال حماد

- ‌أحكام أوراق النقود والعملاتلفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملةلفضيلة الشيخ محمد علي عبد الله

- ‌أحكام النقود الورقيةلفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور

- ‌أحكام النقود الورقيةلفضيلة الدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملةفي نظر الشريعة الإسلاميةلفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌النقود الورقيةلفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌الربافضيلة الأستاذ أحمد بازيع الياسين

- ‌أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملةفضيلة الشيخ عبد الله بن بيه

- ‌أحكام النقود واستبدال العملات في الفقه الإسلاميفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌المناقشةأحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملة

- ‌كلمة معالي الدكتور بكر عبد الله أبو زيدرئيس مجلس المجمعكلمة معالي الدكتور بكر أبو زيد

- ‌كلمة معاليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجةالأمين العام للمجمع

الفصل: ‌الربافضيلة الأستاذ أحمد بازيع الياسين

‌الربا

فضيلة الأستاذ أحمد بازيع الياسين

بسم الله الرحمن الرحيم

الربا

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، وهو المستعان سبحانه وتعالى، الحمد لله رب العالمين، خلقنا ورزقنا، ويميتنا ثم يحيينا، لا إله إلا هو الحي القيوم، بديع السموات والأرض، والصلاة والسلام الأكملان على من اختاره ربه رحمة للعالمين نبينا محمد عبد الله ورسوله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الكرام الغر الميامين، أهل التقى والرشاد، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد؛ فإن الربا في وقتنا هذا انتشر في المعمورة انتشارًا عامًّا، حتى لا تكاد تسلم منه قرية من القرى، أو مغارة من المغارات، وهو متمثل بالنظام المصرفي العالمي الذي يقنن له من قبل دول العالم كافة، وكأنه ضرورة من ضروريات الحياة، بينما هو شر مستطير، وربما يكون انتشاره بهذه الطريقة سببًا في دمار العالم وفنائه وهلاكه، استنادًا إلى قوله تعالى:{بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} [الأحقاف: 35]، وأي فسق أعظم من أكل أموال الناس بالباطل؟ وأي خطر أعظم من إعلان جبار السموات والأرض الحرب على آكله؟ ربَّاه لطفك ورحمتك وسترك الجميل. وبعد هذه المقدمة أقول: ما هو الربا؟

ص: 889

الربا: المعنى اللغوي: هو الزيادة والمرتفع من الأرض، يقال له رابية أو ربوة وأصل الكلمة المجردة ربا: زاد، ربت الأرض بعد نزول المطر: ارتفعت وتشققت وأنبتت، وفي قوله تعالى:{اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج: 5] الآية دليل على ذلك.

المعنى الفقهي:

كل زيادة بدون عوض بعقد، معنى ذلك كل زيادة بدون مقابل في أي عقد من عقود المعاملات بين صنفين من نفس النوع فهو من الربا المحرم شرعًا، وهو الكبائر ومن السبع الموبقات، جاء تحريمه نصًا صريحًا بالكتاب والسنة، ويقينًا قطعيًا لا لبس فيه ولا شك في ذلك.

قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 275-276] .

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278-279] .

وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: 130] .

وقال: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: 161] .

وقال: {وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الروم: 39] .

ومن أحاديث الرسول الكريم في الربا قوله: ((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز)) رواه البخاري.

قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر برني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:((من أين هذا؟)) . قال بلال: كان عندنا تمر رديء فبعت منه صاعين بصاع لنطعم النبي صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أوه عين الربا عين الربا، لا تفعل، لكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتره)) . أخرجه البخاري.

ص: 890

وروي أبو سعيد الخدري وأبو هريرة رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً على خيبر، فجاءه بتمر جنيب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أكل تمر خيبر هكذا؟)) . قال: لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لا تفعل، بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبًا)) . أخرجه البخاري.

ما حكم الفائدة المصرفية؟ :

الجواب: انشغل علماء الفقه الإسلامي أهل الاختصاص بعد أن تصوروا تصورًا تامًّا ما هي الفائدة البنكية وكيفيتها وقواعدها وأصلها وفروعها وأسبابها ومسبباتها وآثارها بالبحث المتواصل الدؤوب، بدون ملل، وبتجرد من المؤثرات، وبحرية تامة؛ لما لهذا الموضوع من حساسية وخطورة تؤثر على الأمة الإسلامية جميعها، وحصيلة البحوث المتكررة، قرر الفقهاء المسلمون المعاصرون الباحثون: أن الفائدة البنكية هي من الربا المحرم شرعًا وإليك قراراتهم:

قرار مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية القاهرة نقلاً عن مقال الدكتور أحمد النجار لسنة 1975م:

المعاملات المصرفية في إطار التشريع الإسلامي في البلاغ الكويتية (بتاريخ 6 جمادى الثانية سنة 1395 هـ الموافق 15 يونيو 1975م العدد 209) نذكر ما اتفق عليه علماء مؤتمر البحوث الإسلامية الثاني في شأن المعاملات المصرية حيث قرروا ما يلي:

(أ) الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق في ذلك ما يسمى بالقرض الاستهلاكي وما يسمى بالقرض الإنتاجي؛ لأن نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة في تحريم النوعين.

(ب) كثير الربا وقليله حرام كما يشير إلى ذلك الفهم الصحيح في تحريم النوعين.

(جـ) الإقراض بالربا محرم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض بالربا محرم كذلك، ولا يرتفع إثمه عن المقترض إلا إذا دعت الضرورة.

ص: 891

(د) أعمال البنوك من الحسابات الجارية وصرف الشيكات وخطابات الاعتماد والكمبيالات التداخلية، التي يقوم عليها العمل بين المتاجر والبنوك في الداخل، كل هذا من المعاملات المصرفية الجائزة، وما يؤخذ في نظير هذه الأعمال ليس من باب الربا.

(هـ) الحسابات ذات الأجل وفتح الاعتماد بفائدة وسائر أنواع الإقراض نظير فائدة، كلها من المعاملات الربوية، وهي محرمة.

(و) أما المعاملات المصرفية المتعلقة بالكمبيالات الخارجية فقد أُجِّلَ النظر فيها إلى أن يتم بحثها.

المؤتمر الأول للمصرف الإسلامي:

إن مؤتمر المصرف الإسلامي بدبي، المنعقد بمقر بنك دبي الإسلامي بإمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، خلال المدة من 23 جمادى الثانية إلى 25 جمادى الثانية عام 1399 هـ (الموافق من 20 إلى 22 مايو 1979م) .

قد تناول بالبحث والدراسة المواضيع الفقهية الشرعية والاقتصادية المتعلقة بأعمال المصارف الإسلامية وفحص هذه الأعمال وبحثها بحثًا مستفيضًا بما ارتاحت إليه قلوب المؤتمرين من فقهاء الشريعة الإسلامية والمفكرين والاقتصاديين، ورجال الاقتصاد ورجال القانون من حيث سلامة تلك الأعمال، والتحقق من نفعها الأكيد، ومطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء.

لذلك يؤكد المؤتمر أن ثقتهم في أن السلوك الذي تنتهجه المصارف الإسلامية، وكذلك التطبيق الذي تلتزم به خليقان بأن يصححا المسار الاقتصادي للأمة الإسلامية، وما تفرضه عليهم تعاليم دينهم الحنيف، وما ترتاح إليه ضمائرهم وقلوبهم.

ولذلك يناشد المؤتمر دول العالم الإسلامي أجمع أن تبادر إلى إقامة مصارفها على أسس وقواعد المصارف الإسلامية، وأن تقدم لهذه المصارف كافة المساعدات التي تمكنها من تسيير أعمالها بيسر، وأن تباشر نشاطها بما يدعم اقتصاديات العالم الإسلامي وتحقيق تكاملها، وبما يمكن من إتمام المبادلات التجارية الخارجية فيما بين تلك الدول بطريقة مباشرة وبدون وساطة، وبما يطابق أحكام الشريعة الإسلامية الغراء.

ص: 892

كما يهيب المؤتمر بالمسلمين جميعًا في أرجاء العالم أن يساندوا هذه المصارف؛ لتمكينها من تحقيق رسالتها الاقتصادية الإسلامية.

المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي:

(6 – 8 جمادى الثانية 1403 هـ 21 – 23/3/1983م) .

جاء في التوصيات والفتاوى الثلاث الأولى للجنة العلماء ما يلي:

1-

يؤكد المؤتمر أن ما يسمى بالفائدة في اصطلاح الاقتصاديين الغربيين ومن تابعهم هو من الربا المحرم شرعًا.

2-

يوصي المؤتمر أصحاب الأموال من المسلمين بتوجيه أموالهم أولاً إلى المصارف والمؤسسات والشركات الإسلامية داخل البلاد العربية والبلاد الإسلامية ثم إلى خارجها، وإلى أن يتم ذلك تكون الفائدة التي يحصلون عليها كسبًا خبيثًا، وعليهم استيفاؤها والتخلص منها بصرفها في مصالح المسلمين العامة. ويعتبر الاستمرار في إيداع الأموال في البنوك والمؤسسات الربوية مع إمكان تفادي ذلك؛ عملاً محرمًا شرعًا.

3-

يوصي المؤتمر بتشجيع المصارف الإسلامية القائمة ودعم إنشاء المزيد من هذه المصارف لتعم منافعها على جميع المستويات.

ص: 893

المؤتمر الثالث للمصرف الإسلامي:

(9-11 صفر 1406 – 25/10/1985) :

جاء في فتاوى لجنة العلماء بالمؤتمر في البندين (1 – 2) ما يلي:

أولاً – إقامة المصارف الإسلامية على أسس شرع الله ودينه من تحريم الربا والغرر والجهلة وغيرها؛ ضرورة شرعية، ومصلحة من مصالح الأمة الجوهرية.

ثانيًا – نظرًا للخدمات التي تؤديها المصارف الإسلامية من تيسير التجارة الدولية والمحلية، وتسهيل استبدال العملات، وجمع فائض الأموال من المسلمين واستثمارها على الوجه المشروع، وتوجيهها إلى مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي لا غنى للمجتمع المسلم عنها، تقرر أن:

إقامة المصارف الإسلامية – حيث يوجد تجمع للمسلمين – فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، وإذا لم يقم به أحد فالكل آثمون.

ويحرم التعامل مع البنوك الربوية في جميع المعاملات المحظورة شرعًا.

ويتعين على المسلم التعامل مع المصارف الإسلامية إن أمكن ذلك؛ توقيًا من الوقوع في الحرام أو الإعانة عليه.

ثالثًا – يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع مصرف إسلامي أن يتعامل مع المصارف الربوية في الداخل والخارج، إذ لا عذر له في التعامل معها بعد وجود البديل الإسلامي، ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث بالطيب، ويستغني بالحلال عن الحرام.

رابعًا- يدعو المجلس المسؤولين في البلاد الإسلامية والقائمين على المصارف الربوية فيها إلى المبادرة الجادة لتطهيرها من رجس الربا؛ استجابة لنداء ربهم في قوله سبحانه: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278] وبذلك يسهمون في تحرير مجتمعاتهم من آثار الاستعمار القانونية والاقتصادية.

خامسًا – كل ما جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال حرام شرعًا، لا يجوز أن ينتفع به المسلم – مودع المال – لنفسه أو لأحد ممن يعوله في أي شأن شؤونه، ويجب أن يصرف في المصالح العامة للمسلمين، من مدارس ومستشفيات وغيرها، وليس هذا من باب الصدقة، وإنما هو من باب التطهير من الحرام.

ص: 894

توصيات ندوة البركة في المدينة المنورة:

جاء في إحدى فتاوى الندوة جوابًا على سؤال: هل يجوز أن يقوم البنك بالتعامل بالطريقتين الربوية واللاربوية – إذا كانت السلطات الحكومية في ذلك البلد اشترطت ذلك حتى تقتنع السلطات بالطريقة اللاربوية ومدى تطبيقها وفاعليتها؟

جاء في الفتوى ما يلي:

"التعامل الربوي غير جائز شرعًا، ويوصي فقهاء الندوة بأن تتعاون البنوك الإسلامية في إنشاء بنك أو أكثر خارج البلاد الإسلامية، وأن تتعاون وتتعامل مع أي بنك إسلامي قائم فعلاً أو يقوم في المستقبل:.

ويؤكد فقهاء الندوة أيضًا الجهود التي قام بها الشيخ صالح عبد الله كامل في إنشاء البنك الإسلامي في أوربا وتحرجه من أي تعامل ربوي) .

وكانت الهيئة التي صدرت عنها تلك الفتاوى مكونة من:

1-

فضيلة الشيخ عبد الحميد السائح.

2-

فضيلة الشيخ صديق الضرير.

3-

الأستاذ الدكتور زكريا البري.

4-

فضيلة الشيخ حسن عبد الله الأمين.

5-

فضيلة الشيخ عبد الله ناصح علوان.

فتاوى المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية:

جاء في الفتوى رقم 413 من الفتاوى الإسلامية من دار الإفتاء المصرية المجلد الثالث حول دراهم البنك، هل هي حرام أم لا؟ وفيما يؤخذ منها على سبيل التجارة، هل يعد ربا أم لا؟ جاء ما يلي:

"أما الجواب عن حرمة دراهم البنك أو حلها فيؤخذ من حاشية الحموي على الأشباه، ونص عبارتها في التمر تأتي في باب مسائل متفرقة من كتاب الكراهة مانصه: "للرجل مال حلال اختلطه مال من الربا أو الرشا أو الغلول أو السحت أو مال الغصب أو السرقة أو الخيانة أو مال يتيم، فصار ماله كله شبهة، ليس لأحد أن يشاركه أو يبايعه أو يستقرض منه أو يقبل هدية أو يأكل في بيته. وكذا إذا منع صدقاته وزكاته وعشره، صار ماله شبهة لما فيه أخذه من مال الفقير.

ص: 895

وينبغي أن ترى الأشياء حلالاً في أيدي الناس في ظاهر الحكم، ما لم يتبين لك شيء مما وصفناه". انتهى.

وأما الأخذ من دراهم البنك على سبيل التجارة بالفائض كما هو المعتاد الآن، فلا شك أنه من باب الربا المحرم إجماعًا.

تقرير اللجنة الباكستانية:

وجاء في الفصل الأول من تقرير اللجنة الباكستانية تحت عنوان "القضايا والمشاكل الإستراتيجية"(المسلم المعاصر ع 28) :

لقد حرم القرآن الكريم الربا بشكل واضح ومؤكد، وثمة إجماع تام بين جميع المدارس الفكرية في الإسلامي على أن الربا يعني الفائدة بجميع أنواعها وأشكالها، وأن لغة الآيات التي يطالب فيها الناس باجتناب الفائدة وقوة التحذير الذي يوجه لهؤلاء الذين لا يلتزمون بالتعليم الإلهي في هذا الصدد، لا تترك أي شك في الذهن أن نظام الربا يعد بغيضًا تمامًا لروح الإسلام، يقول تعالى:{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 275-276] . ويستمر الموضوع نفسه من الآيات 278- 279 من السورة نفسها.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278-279] .

إن التحذير السابق ذكره {بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] يوضح لنا تمامًا أن نظام الفائدة يتعارض مع الشريعة الإسلامية، ولا بد من إيجاد نظام اقتصادي واجتماعي خال من الربا والاستغلال والتسلط.

وبعد هذه القرارات هل يأتي أحد يقول: أعيدوا النظر، وجاروا العصر، وكونوا معتدلين، وعدلوا القرارات، وقولوا مجاراة للعصر الحديث: إن الفائدة البنكية ليست من الربا المحرم شرعًا؟ الله أكبر، إذا كانت الفائدة البنكية ليست من الربا المحرم شرعًا، فما هو الربا المحرم شرعًا إذًا؟

أليس بيع نقد بنقد بزيادة، سواء أكان آجلاً أم عاجلاً ربا فالأمة الإسلامية مدعوة الآن - وبأكثر من أي وقت آخر - لتصحيح المسار من منهج ربوي إلى منهج مشروع.

ص: 896

بيوع النقود بالأجل محرمة

حيث لا يجوز بيع النقود بأجل حتى ولو اختلفت أجناسها، ولا يجوز بزيادة إذا كانت من نفس النوع، والربا قاعدة فيها جور وظلم على الإنسان تخدش كرامته وتذل الناس بعضهم لبعض، وإليك بعض مضارها التي ظهرت لي:

1-

الوقوع فيما حرم الله تعالى، والتعرض لمحاربة الله القوي العزيز.

2-

أكل أموال الناس بالباطل.

3-

زيادة التكلفة على الحاجيات التي يحتاجها الناس بمقدار ما تحمل من فوائد بسيطة أو مركبة.

4-

تركيز الثروة عند فئة قليلة من الناس غير منتجة تعيش على كدح الآخرين.

5-

عند عجز المدين عن الوفاء يتراكم عليه الدين بزيادة الفائدة، مما يزيد من عجزه حتى يثقل كاهله، فإما يعلن إفلاسه أو تستمر الفائدة بالزيادة حتى يركع ويبيع كل ما عنده ليسدد دينه وفوائده.

6-

الحقد والكراهية والحسد بين طبقات الناس، مما يؤدي إلى الفتن والحروب.

7-

تسلط الفئة الدائنة على المدينين، وتسيير السياسة التي يفرضونها على مجتمعاتهم بما يتمشى مع مصالحهم حتى ولو تضرر المجتمع.

8-

عند عجز المدينين عن الوفاء للفئة الدائنة تعجز هذه الفئة عن تسليم الودائع لأصحابها عند حلولها، وبالتالي يعتبر الجميع في حالة إفلاس.

9-

النقود وحدة قياسية للأثمان بها قوة اعتبارية وقوة ثمنية، والوحدة القياسية ثابتة عندما تقاس مع ذاتها تساوي ذاتها تمامًا، كالوحدة القياسية الطولية المتر، وكالوحدة القياسية للأوزان، فالمتر يساوي مترًا، والكيلو يساوي كيلو، وكذلك الدينار يساوي دينارًا، وإذا قلنا غير ذلك اختلت القواعد للوحدات، القياسية ويحصل الارتباك العظيم.

على أن الله سبحانه وتعالى عندما حرم الربا أحل البيع وأبوابًا أخرى كثيرة، منها القراض والشراكة والإجارة والوكالة، فانظر إلى الفرق بين عملية الربا وعملية البيع.

ص: 897

فتمامًا كما حرم الله الزنا أحل الزواج، فالربا ظلم اقتصادي وفوضى اقتصادية، والزنا ظلم اجتماعي وفوضى في الأنساب والأعراض.

فعلمية الربا: طرفان يتعاقدان على تبادل صنف مماثل لنفس الصنف بزيادة، مثل ذهب بذهب بزيادة، أو فضة بفضة بزيادة، أو عملة بعملة من جنسها بزيادة، سواء كان هذا التبادل عاجلاً بعاجل أو عاجلا بآجل أو آجلا بآجل فما الذي فعله الطرفان؟

الجواب: عمل الطرفان تضخمًا في الأثمان للصنف المتعاقد عليه بدون مبرر، فكلما تكررت العملية تكرر التضخم لذات الصنف، وهو لم يطرأ عليه تغيير.

وهذا التضخم بالتالي من يعاني منه؟

الجواب: المستهلك هو الذي يعاني من هذا التضخم، والمستهلك غالبًا من أصحاب الدخل المتوسط أو المحدود.

وحرم الله سبحانه وتعالى هذا التعامل بين الناس حتى لا تكون الأموال دولة بين الأغنياء بدون وجه حق وبدون مسوغ أو أي مبرر، هذا فهم متواضع حسبما ظهر لي في الربا، ناهيك عن بقية المحذورات المترتبة على استمرار التعامل بالربا من أمراض اجتماعية وأخلاقية وسياسية حتى الأمراض البدانية، وما الفتن والحروب بين الناس والتباغض والتطاحن إلا نتيجة للربا.

والعالم الآن يعاني من هذا، والعجيب العجيب انهم يعانون من الربا ولا يريدون الخلاص منه، كالمخمور الذي قضت عليه الخمر ولا يريد الفكاك منها، إنا لله وإنا إليه راجعون. خبروني: متى تسدد البلاد النامية الديون التي عليها بعد أن تراكمت عليها الفوائد؟ ثم خبروني: هل تستطيع المصارف العالمية أن تقف على أرجلها إذا سحب أصحاب الودائع ودائعهم منها، أم أنها الحرب المنتظرة ويكون سببها الربا؟

المعاملات البديلة:

عندما أغلق الإسلام أبواب الربا أتى بالبدائل المشروعة ومنها:

البيع:

أما البيع فهو معاملة بين طرفين على صنفين مختلفين، إما نقد مقابل عين، أو عين مقابل صنف آخر.

ص: 898

فالعين المباعة مقابل النقد، تمت هذه المعاملة بين طرفين، طرف محتاج للعين المباعة وطرف محتاج للنقد، هذا أخذ العين وانتفع بها انتفاعًا مباشرًا، والآخر أخذ النقد وراجت سلعته وتحركت ونمت تجارته أو صناعته أو أي نوع من أنواع الاستثمار، وبذلك حصل المستهلك على بضاعته بسعرها المجرد من التضخم، وصاحب السلعة المباعة أو المستثمر استطاع أن ينمي عمله. ومعنى هذا تشغيل اليد العاملة، والقضاء البطالة قضاء على الأمراض سالفة الذكر.

ثم انظر عندما تنمو التجارة، أوجب الله تعالى فيها الزكاة، كما أوجب الزكاة على النقود وعلى ريع المستغلات؛ لأن عروض التجارة تعتبر بحكم النقود السائلة، فيزكى (رأس المال والربح) ، أما المستغلات فلكونها استثمارًا طويل الأجل استفادت وتستفيد منه اليد العاملة، فإن الزكاة فيها قاصرة على الريع دون أصولها.

نظام القراض (المضاربة) :

أحله الإسلام وهو اشتراك المال مع العمل حسب شروط معينة مقبولة لدى المتعاقدين: صاحب المال يأخذ نصيبه من الربح، وصاحب العمل يأخذ نصيبه من الربح حسب الاتفاق، إذا – لا سمح الله – حصلت خسارة لا يتحمل العامل أي خسارة، ويرجع ما بقي من المال لصاحبه، إلا إذا قصّر العامل أو أهمل أو تسبب للخسارة، فهذه لها حكمها.

ص: 899

نظام الشراكة:

بين طرفي المال والإدارة أو في المال فقط، ويدار العمل حسب مقتضى الشريعة، وتقسيم الأرباح والخسائر بينهما حسب الاتفاق.

الإجارة:

العين المؤجرة ينتفع بها المستأجر مقابل مبلغ من المال يدفعه حسب الاتفاق، كإيجار العمارات والآلات والسيارات والبواخر والطائرات، فالمنافع متبادلة بين المتعاقدين، والمدرس والطبيب والمهندس والموظف يجوز أن يعمل هؤلاء بأجر متفق عليه، وكلها خدمات ملموسة.

الوكالة:

عمل يقوم به أحد الأطراف للآخر مقابل مبلغ من المال متفق عليه، وهذا جائز كالمحامي والمهندس المشرف. وتجوز الوكالة في كثير من الأعمال كالمتاجرة ووكيل العقارات ووكيل في الصناعة والزراعة، أو أي عمل مشروع استثماري يجوز التوكيل فيه.

انظر أيها المسلم في هذه الأعمال المشروعة تجدها ذات فائدة للجميع، دون أن تطغى فائدة فئة معينة على فئة أخرى، وفيها العدل وفي ذلك المحافظة على كرامة الإنسان التي يعتبرها الإسلام في المرتبة الأولى في المنهج الإسلامي {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} [الإسراء: 70] وكتب الفقه الإسلامي تزهو بالتفصيلات الكافية لما تقدم، وما عليك إلا أن تطالعها وتفقهها.

ص: 900

ثم بغض النظر عن معرفة هذه الحقائق أو جهلها، أو معرفة غيرها من الحقائق، فنحن كأمة إسلامية مطالبون بتطبيق منهج الله تعالى الذي فرضه وأرسل به نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم تطبيقًا كاملاً في العبادات والمعاملات والسلوك والأخلاقيات، فمتى يتحقق ذلك؟ ونقلع عن اتباع منهج الهوى والشيطان، فإما الرجوع إلى الله تعالى وإلا فالاستعداد لتلقي الكوارث، كارثة تلو الأخرى.

فالأمة الإسلامية مدعوة في هذه الأيام وبسرعة لإعادة النظر في المنهج المستورد وتغييره بالالتزام بمنهج الله تعالى، ولو عزمت على ذلك فليس هناك قوة على وجه الأرض تجبرها على غير ذلك، والله ناصرها ومؤيدها، وبذلك يكون فتح باب خير للأمم الأخرى المحتارة لاتباع منهج الله تعالى، ويكون بذلك خلاصها من شرور الدنيا والحصول على الحياة السعيدة في آخرتها، أما إذا عزفت الأمة الإسلامية عن تطبيق منهج الله تعالى في جميع أمورها، فبذلك تكون انتفت الحكمة من وجودها في هذا الكون، حيث قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، ومفهوم العبادة شامل لكل ما يحبه الله ويرضاه. {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38] .

والله المستعان وهو ولي التوفيق.

ص: 901