الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإحرام للقادم للحج والعمرة بالطائرة والباخرة
لفضيلة الشيخ محمد علي عبد الله
بسم الله الرحمن الرحيم
ورد في مصنف الفقه على المذاهب الأربعة: أن الحج لغة هو: القصد إلى معظم، وشرعا: أعمال مخصوصة تؤدى في زمان مخصوص ومكان مخصوص. والحج فرض في العمر مرة على كل فرد من ذكر أو أنثى. وقد ثبتت فريضته بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]
وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج)) رواه البخاري، ومسلم عن ابن عمر. وأما الإجماع فقد اتفقت الأمة على فريضته، ولم يخالف أحد من المسلمين، ومنكرها كافر كمنكر فريضة الصلاة والصيام والزكاة.
وقد ورد في تفسير البغوي المعروف بمعالم التنزيل: قال العلماء: الحج واجب على كل مسلم. وهو أحد أركان الإسلام الخمسة. ولوجوب الحج خمس شرائط: الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والاستطاعة. ولا يجب على الكافر والمجنون ولو حجَّا لم يصح؛ لأن الكافر ليس من أهل القربة، ولا حكم لقول المجنون، ولا يجب على الصبي والعبد، ولو حج الصبي يعقل أو يحج عبد صح حجهما تطوعا ولا يسقط الفرض، فإذا بلغ الصبي وعتق العبد، واجتمع فيهما شرائط الحج وجب عليهما أن يحجا ثانيًا، ولا يجب على غير المستطيع لقوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] . فلو تكلف غير المستطيع الحج وحج، صحَّ حجُّه وسقط عنه فرض حجة الإسلام، وبالتالي يعتبر الشيخ أحمد بن غنيم بن سالم بن مهتا النفراوي أن الحج أشد أركان الإسلام (كتاب الفواكه الدواني) فهو فريضة على كل من استطاع إلى ذلك سبيلا من المسلمين الأحرار البالغين مرة في عمره، والسبيل الطريق السابلة: فمن شروط الحج إذن الاستطاعة، فلا يجب الحج على غير المستطيع، باتفاق المذاهب الأربعة، إلا أن هاته المذاهب اختلفت في تفسير معنى الاستطاعة.
فالاستطاعة لدى الحنفية هي القدرة على الزاد والراحلة، بشرط أن يكونا زائدين عن حاجياته الأصلية، كالدَّيْن الذي عليه والمسكن، والملبس والمواشي اللازمة له، وأن يكونا زائدتين عن نفقة من تلزمه نفقتهم مدة غيابه إلى أن يعود، ويعتبر في الراحلة ما يليق بالشخص عادة وعرفا، ويختلف ذلك لديهم باختلاف الناس واختلاف أحوالهم، فالرجل الذي لم يستطع أن يستأجر محملا، فإنه لا يجب عليه الحج، أو لا يكون قادرا على هذه الحالة. ومثله من لا يستطيع أن يستأجر مركبا يركب عليه وحده، فلو قدر على راحلة مع شريك له، بحيث يتعاقبان الركوب عليها، فيمشي كل منهما تارة، ويركب الآخر، فإنه لا يعتبر قادرا، ولا يجب عليه الحج.
والاستطاعة لدى المالكية هي إمكان الوصول إلى مكة ومواضع النسك إمكانا ماديًا، سواء كان ماشيا أو راكبا، وسواء كان ما يركبه مملوكا له أو مستأجرا، ويشترط أن لا تلحق مشقة عظيمة بالسفر، فمن قدر على الوصول مع المشقة الفائقة فلا يكون مستطيعا، ولا يجب عليه الحج، ولكن لو تكلفه وتجشم المشقة أجزأه ووقع فرضا، كما أن من قدر على الحج بأمر غير معتاد، كالطيران ونحوه لا يعد مستطيعا، ولكن لو فعله أجزأه (أي كفاه) .
ويعتبر المالكية في شأن الاستطاعة أنه لا فرق بين البر والبحر متى كانت السلامة فيه غالبة، فإن لم تغلب فلا يجب الحج إذا تعين البحر طريقا.
يزاد لدى المالكية في حق المرأة أن يكون معها زوجها أو محرم من عائلتها أو رفقة مأمونة، فإذا فُقِدَ جميع ذلك، فلا يجب عليها الحج، وأن يكون الركوب ميسورا لها إذا كانت المسافة بعيدة، والبعد لا يُحد بمسافة القصر، بل بما يشق على المرأة المشي فيه، ويختلف ذلك باختلاف النساء، فيلاحظ في كلٍّ ما يناسبها، فإذا شق المشي على المرأة ولم يتيسر لها الركوب، فلا يجب عليها، كما لا يجب عليها إذا تعين السفر في سفن صغيرة لا تتمكن فيها المرأة من الستر وحفظ نفسها. أما السفن الكبيرة التي يوجد فيها محالٌّ يمكن أن تكون المرأة فيها محفوظة، فيجب السفر فيها إذا تعينت طريقا، ولا يسقط الحج عنها.
والاستطاعة لدى الحنابلة هي القدرة على الزاد الصالحة لمثله. كما يشترط الحنابلة لوجوب الحج أمن الطريق، بحيث لا يوجد مانع من خوف على النفس أو المال أو العرض، أو نحو ذلك. أما المرأة فلا يجب عليها الحج إلا إذا كان معها زوجها أو أحد من محارمها. ولم يتعرض الحنابلة إلى مسألة الطائرة بل الإحرام عن طريق الجو أو السفينة فكل ما لديهم أن يكون الطريق آمنا.
أما الشافعية، فالاستطاعة لديهم على نوعين:
1-
الاستطاعة بالنفس والقدرة على ما يلزمه من زاد وأجرة الكفارة ونحو ذلك من الذهاب والإقامة بمكة والإياب منها.
2-
وجوب الراحلة، ويعتبر ذلك لديهم في حق المرأة مطلقا سواء كانت المسافة طويلة أو قصيرة، وفي حق الرجل إن كانت المسافة طويلة، فإن كانت قصيرة وقدر على المشي بدون مشقة وجب عليه الحج بدون وجود الراحلة وإلا فلا يجب، وفسر الشافعية الراحلة بأنها ما يمكن الوصول عليه، سواء كانت مختصة أو مشتركة، بشرط أن يجد من يركب معه. فإن لم يجد من يركب معه ولم ييسر له ركوبها وحده فلا يجب عليه الحج، ولا بد أن تكون الراحلة مهيئة بما لابد منه في السفر، كخيمة.
وقال ابن حبيب: الاستطاعة هي الزاد والراحلة، وعلى العموم من قدر على المشي وجبت عليه وإن عدم الركوب، وكذلك الأعمى إذا وجد قائدا ولم يجد طريقا إلا البحر لم يسقط عنه الحج (خلافا لموقف الشافعي كما رأيناه آنفا) ، إلا أن يكون الخوف أو يعلم أنه يعطل الصلاة بالميد. ولو كان لا يجد موضعا للسجود للضيق إلا ظهر أخيه فلا يركبه، والمعطوب الذي لا يستمسك على الراحلة لا يلزمه أن يجمع عنه غيره من ماله، ويسقط الحج إذا كان في الطريق عدو.
وعلى العموم الحج عن طريق البر والبحر مقبول لدى الفقهاء والمسألة المتعلقة عن الإحرام عن طريق الجو هو الذي لم يقع الاتفاق عليه، فقد قال الإمام مالك عن الإحرام عن طريق الجو أنه من قدر على الحج عن طريق الطيران ونحوه لا يعد مستطيعا، إلا أنه لو قام بذلك أجزأه، ونحن نعلم أن السفر عن طريق الجو كان معدوما في ذلك الحين، أما الآن فهو مصلحة ضرورية ووسيلة ناجحة للسفر، ولو إلى المكان المقصود في أقل وقت ممكن، وبالتالي يمكن إدراج الإحرام عن طريق الطائرة ضمن الاستطاعة إذ إنه قول يحقق الإحرام لمستقلِّ الطائرة عند نزولها في المطار، إذ ما دام المحرم في الطائرة وهي في الجو لا يمكنه معرفة الميقات الزماني والمكاني. وكذلك مستقل الباخرة الإحرام لديه يبدأ من بلوغه الميناء والنزول على مطية الباخرة. علما بأن المواقيت تنقسم إلى قسمين:
- ميقات زماني ومكاني: فالزماني شوال وذو القعدة والعشر الأُوَل من ذي الحجة، فمن أحرم قبل ذلك انعقد وصح على كراهية وفقا لأبي حنيفة، وقيل لا ينعقد وفاقا لداود، وقال الشافعي: يسقط وينقلب حجه إلى عمرة. وعلى الكل هذا قد لا يقع فيه خلاف كثير كما هو للنشأ فيما يخص الميقات المكاني، التي تنقسم إلى خمسة، منقسمة على جهات الحرم وهي، الحليفة لأهل المدينة، وقرن لأهل نجد، والجحفة لأهل الشام ومصر والمغرب، ويلملم لأهل اليمن، وذات عرق لأهل العراق وخرسان والمشرق. ويكره تقديمه عليها ويلزم إن فعل. ويقول الشافعي: الأخيرة أن يحرم من بلده، والأولى لمن مر بذي الحليفة من ميقات الجحفة أن يحرم من ذي الحليفة؛ لأنه ميقات النبي صلى الله عليه وسلم. وأما للمقيم بمكة فيحرم منها، وميقات العمرة من مكان مواقيت الحج إلا لمن كان في الحرم، فعليه أن يخرج إلى الحل ولو إلى أوله، ليجمع بين الحرم والحل كما يجمع بينهما الحاج، والاختيار له أن يحرم بالعمرة من الجعرانة أو التنعيم. ومن كان منزله أقرب إلى مكة من الميقات، فميقاته من منزله في الحج أو العمرة، ومن مر على ميقات فله ثلاثة أحوال:
1-
المسألة الأولى: أن يمر لحاجة دون مكة فلا إحرام عليه.
2-
المسألة الثانية: أن يريد دخول مكة لحاجة، فيلزمه الإحرام وهو لازم لكل من دخلها إلا من خرج من أهلها لحاجة ثم عاد. ومن أكثر التردد إليها كالحطاب أو غيره لا يلزم عند بعض الكتاب.
3-
الحالة الثالثة: أن يريد الحج والعمرة فيحرم من الميقات ولا يتجاوزه إلى ما بعده، فإن تجاوز رجع ما لم يحرم، ولا دَمَ عليه، فإن أحرم مضى ولزمه الدم، وإن رجع بعد إحرامه لم يسقط عنه الدم.
ويجدر التنبيه بأن الإحرام ينعقد بالنية المقترنة بقول أو فعل متعلق بالحج كالتلبية والتوجه إلى الطريق، وسننها أربعة.
1-
الغسل تنظيفا، ولا يتطيب قبل الغسل ولا بعده بما يبقى رائحة.
2-
التجرد عن المخيط في إزار ورداء ونعلين.
3-
صلاة ركعتين فأكثر، فإن إحرام عقب الغرق فلا بأس.
4-
التلبية من حين يأخذ في المشي، ويجددها عند كل هبوط وصعود وحدوث حادث وخلف الصلوات.
وعلى هذا نكون قد أتينا على آخر بحثنا وعلى الله التوفيق.