المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌توحيد بدايات الشهور القمرية(الشمس والقمر بحسبان)لسعادة الدكتور فخر الدين الكراي - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثالث

- ‌تقديم بقلم معالي الأستاذ سيد شريف الدين بيرزاده

- ‌كلمة معالي د/ بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمة العددلمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمة افتتاح الدورةألقاهامعالي الدكتور ناصر الدين الأسد

- ‌كلمة معالي الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بلا تمليك فردي للمستحقلفضيلة الشيخ آدم شيخ عبد الله علي

- ‌توظيف الزكاةفي مشاريع ذات ريع دون تمليك فردي للمستحقلفضيلة الشيخ حسن عبد الله الأمين

- ‌طرق الإنجابفي الطب الحديث وحكمها الشرعيلفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌القضايا الأخلاقيةالناجمة عن التحكم في تقنيات الإنجابالتلقيح الاصطناعيلسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌أجهزة الإنعاش وحقيقة الوفاةبين الفقهاء والأطباءلفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌موت الدماغلسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌نهاية الحياة البشريةللدكتور أحمد شوقي إبراهيم

- ‌متى تنتهي الحياة؟للدكتور حسان حتحوت

- ‌القلب وعلاقته بالحياةمدخل في مناقشة "متى تنتهي الحياة"للدكتور أحمد القاضي

- ‌نهاية الحياة الإنسانيةللدكتور مصطفى صبري أردوغدو

- ‌نهاية الحياة الإنسانيةللدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌نهاية الحياة الإنسانية في ضوء اجتهاداتالعلماء المسلمين والمعطيات الطبيةللدكتور محمد نعيم ياسين

- ‌نظرة في حديث ابن مسعودللدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌حقيقة الموت والحياةفي القرآن والأحكام الشرعية

- ‌توصياتمؤتمر الطب الإسلامي بالكويت

- ‌دراسةوزارة الصحة بالمملكة العربية السعودية

- ‌ورقة العمل الأردنيةقدمت للمؤتمر العربي الأول للتخدير والإنعاش

- ‌حكم إثبات أول الشهر القمري وتوحيد الرؤيةفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌بحثلفضيلة الشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌بحثفريق علماء جامعة الملك عبد العزيزقسم علوم الفلك

- ‌توحيد بدايات الشهور القمرية(الشمس والقمر بحسبان)لسعادة الدكتور فخر الدين الكراي

- ‌الوثائق المقدمةتوحيد بداية الشهور القمريةلفضيلة الشيخ محمد علي السايس

- ‌المناقشةتوحيد بدايات الشهور القمرية

- ‌من أين يحرم القادمبالطائر جوًا للحج أو العمرة؟لفضيلة الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌الإحرام للقادم للحج والعمرة بالطائرة والباخرةلفضيلة الشيخ محمد علي عبد الله

- ‌الإحرام للقادم إلى الحج بالطائرة أو الباخرةلفضيلة الشيخ تجاني صابون محمد

- ‌الإحرام من جدة لركاب الطائرات في الفقه الإسلاميلفضيلة الشيخ محيي الدين قادي

- ‌كتاب حدود المشاعر المقدسةلفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

- ‌جواز الإحرام من جدة لركاب الطائرات والسفن البحريةلفضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود

- ‌حكم الإحرام من جدة للواردين إليها من غيرهاالقرار الثاني لمجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة

- ‌تغيرات النقود والأحكام المتعلقة بها في الفقه الإسلاميلفضيلة الدكتور نزيه كمال حماد

- ‌أحكام أوراق النقود والعملاتلفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملةلفضيلة الشيخ محمد علي عبد الله

- ‌أحكام النقود الورقيةلفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور

- ‌أحكام النقود الورقيةلفضيلة الدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملةفي نظر الشريعة الإسلاميةلفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌النقود الورقيةلفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌الربافضيلة الأستاذ أحمد بازيع الياسين

- ‌أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملةفضيلة الشيخ عبد الله بن بيه

- ‌أحكام النقود واستبدال العملات في الفقه الإسلاميفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌المناقشةأحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملة

- ‌كلمة معالي الدكتور بكر عبد الله أبو زيدرئيس مجلس المجمعكلمة معالي الدكتور بكر أبو زيد

- ‌كلمة معاليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجةالأمين العام للمجمع

الفصل: ‌توحيد بدايات الشهور القمرية(الشمس والقمر بحسبان)لسعادة الدكتور فخر الدين الكراي

‌توحيد بدايات الشهور القمرية

(الشمس والقمر بحسبان)

لسعادة الدكتور فخر الدين الكراي

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة:

التكليف في الإسلام على ما هو معروف عند أهل العلم أنه بقدر الطاقة والوسع قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} ونعرف حتى في شهر رمضان، يختلف حكم الصوم باختلاف حال المكلفين والمريض والمسافر مثلًا بوسعهما أن يفطرا لأن التكليف لازم دائمًا لقدرة الإنسان، وهنالك أمر آخر، قال العلماء: المرء قادر بنفسه عاجز بغيره بمعنى أن كل تكليف شرعي إنما يناط بقدرة الفرد أو قدرة الجماعة، لنضرب على ذلك مثلًا: فرض الوقت ظهر الجمعة، قال العلماء: فرض الوقت هو الظهر، إذن كل مكلف يستطيع بانفراده أن يؤدي هذه الفريضة ولكن إذا توفرت شرائط الجماعة وجب أداء الجمعة وإسقاط الظهر.

ومن هذا المنطلق: إنا أمة صرنا قادرين على الحساب وهو أحد وجهي إثبات ولادة الهلال ودخول الشهر، ولم يعد الحساب في زماننا ضمن التنجيم ولكنه يناط به عند الشرق والغرب، أخطر القضايا ولا تقل عندهم أهميته عن تعبدنا بإثبات الهلال، وصار من البديهيات المعروفة أن حساباتهم الفلكية يكاد ينعدم منها الخطأ إطلاقًا، وأن معلوماتنا تؤكد بأن أوجه الخلاف بين أهل العلم قاطبة في هذا المجال جزء من ألف الثانية، وهذا كما تعلمون لا يؤثر في ولادة اليوم، ومما هو مسلم أن الأرقام الحسابية أدق حتى من الرؤية، وإلى ذلك أشار غير واحد من العلماء المسلمين من السلف والخلف بما فيهم علماء المنطق لأن الحواس التي تعتمد عليها قد تخطئ، وخاصة في مثل هذا المجال.

ولئن قيل: إن الحاسبين أيضًا قد يخطئون فنعود إلى الإجابة بأن خطأهم لا يتجاوز ما ذكرنا من الوقت بينما خطأ ملتمس الهلال بوسيلة البصر هو أكثر وكتب الفقه مشحونة بذلك.

وإن أول كلمة نزل بها الروح الأمين هي {اقْرَأْ} وإن قراءتنا باسم ربنا أوصلتنا إلى حقائق ثابتة لا تتعارض ولا يمكن أن تتعارض البتة مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وتلمسون يا سادة أن أمصار المسلمين كان لا يصل بينها ما يصلها الآن من وسائل الاتصال الحديث وكأن العالم كله صار مصرًا واحدًا، وأن الكرة الأرضية تكاد تكون أمام علماء الفلك بمثابة الكرة الصغيرة يحيط بها من جميع جوانبها عبر الآلات الحديثة، وأن التنجيم الذي نفاه علماء المسلمين سابقًا نحن أشد نفيًا له لأنه ينطلق من مسلمات وافتراضات، بينما علماء الفلك ينطلقون من حقائق ثابتة لا مجال للشك فيها.

ص: 382

وفيما يلي بسطة علمية تفسر وتوضح النقاط التقنية التي جاءت بهذه المقدمة مقرونة ببعض الدلائل التي لا يمكن القدح فيها.

منذ القديم، مثلت تحركات القمر والحالات الظاهرية التي تنشأ عنها مصدر تساؤلات عديدة، من قبل المهتمين بالمجال السماوي.

فمن المعلوم أن الشعوب القديمة اهتمت بكل الظواهر التي لها علاقة بالقمر، ونجد ذلك من خلال اعتنائهم برسم خرائط سماوية يخترقها القرص القمري من حين لآخر، كما قامت بإنشاء جداول زمنية تعتمد أساسًا على الحالات التي يمر بها القمر، فكان أن ظهرت للوجود وحدة القياس الزمنية التي يعبر عنها بالشهر القمري، وهي الفترة التي تفصل بين حالتين متشابهتين لجرم الليل، ومن بين الاهتمامات الأخرى في هذا المجال قيام الفلكيين القدامى بحسابات تقريبية مكنتهم من التعرف على مختلف الدورات الزمنية للظواهر الأخرى المتعلقة بقرص القمر، ونذكر مثلًا حالات الكسوف والخسوف التي شغلت لزمان طويل لب الدارسين للأجرام الخارجية.

التحركات الظاهرية للقمر:

يمكن لكل واحد منا أن يلاحظ لعدة أيام أن القمر يبدأ في ظهوره في القبة السماوية من الشرق ليختفي بعد اختراقه المجال العلوي لهذه القبة من الغرب، وهذا ليس بغريب نظرًا لأن القمر يشارك الأجرام البعيدة الأخرى الحركات الظاهرية الليلية الناتجة عن دوران الأرض حول نفسها.

ولكن هذه التحركات الظاهرية لهذه الأجرام البعيدة والتي تعاد كل ليلة في نفس الوقت، ليست مثل التحركات القمرية، ذلك لأن القمر يقوم بتحركات ذاتية تبعده كل ليلة عن موقعه السابق.

فالذي نلاحظه كل ليلة يمكن تلخيصه كالآتي:

إذا راقبنا قرص القمر في ليلة لما، وقمنا برسم موقعه على خريطة سماوية في وقت معين فإننا سنجد موقعه هذا قد تغير في الليلة المقبلة في نفس ذلك الوقت، ونجد أنه قد تأخر لمدة تقارب الساعة عن الموقع الأصلي.

ص: 383

وعلاوة على هذا التأخير اليومي في الرجوع إلى نفس الموقع، فإن القرص القمري يتغير شكله طيلة الشهر القمري من خلال صغير في أول الشهر إلى بدر كامل الضياء في نصفه، ثم يتراجع هذا البدر ليصبح في آخر الشهر عبارة عن هلال صغير في أول الشهر إلى بدر كامل الضياء في نصفه، ثم يتراحع هذا البدر ليصبح آخر الشهر عبارة عن هلال صغير ذي اتجاه قرني معاكس للاتجاه الذي كان عليه في أول الشهر.

والقمر كغيره من الأجرام الفضائية الأخرى، يخضع في مساره الدوراني إلى كتلة أضخم منه وهي في حالنا هذا الأرض.

ويمثل مدار القمر حول الأرض مستوى يبعد عن مستوى دوران الأرض حول الشمس بخمس درجات، وبما أن هذين المستويين غير متوازيين فإنهما يلتقيان في نقطتين مداريتين يعبر عنهما بالعقد.

فإذا كان القمر في حالة اجتياز مستوى مدار الأرض من أعلى إلى أسفل، فإن العقدة تسمى بالنازلة، أما إذا كان الاجتياز من أسفل إلى أعلى فإن العقدة تسمى بالصاعدة، أما الخط الرابط بين العقد فإنه يتحرك بسرعة دائرية تبلغ دورة كاملة في 18 سنة وثلثي السنة، وتكون هذه الدورة في اتجاه معاكس للاتجاه المباشر المعروف للقمر حول الأرض، وهذه المدة هي التي تعيد نفس سلسلات الكسوف والخسوف كما سنرى.

وفيما يخص الخصائص الأخرى لقرص القمر فإنه يمكن القول أنه يبين لنا من سطح الأرض بقطر ظاهري يتراوح بين "28.22" و"33.22" وهذا التغير في القطر الظاهري ناتج أساسًا عن المسافة غير القارة التي تفصل بين مركزي الأرض والقمر.

أما المسافة التي تفصل بين مركزي الجرمين فإنها غير قارة، لأن القمر يدور حول الأرض تبعًا لمسار إهليجي تكون فيه الأرض بؤرة، ذلك طبقًا لقوانين كبلر الآنفة الذكر.

الأمر ليس بسيطًا إلى هذه الدرجة، فعلاوة على هذا المدار الإهليجي، فإنه توجد تداخلات قوات أخرى تغير من خصائص المسار القمري الطبيعية. وهذه القوات لا تعدو أن تكون سوى أفعال مشتركة تسببها الأرض والشمس لأنهما يمثلان الأجرام الأكثر فاعلية على القمر نظرًا لقرب الأولى ولكبر حجم الثانية.

والمسافة التي تفصل بين مركزي الأرض والقمر، تتراوح بين 5.5 و66 شعاعًا أرضيًا ومعدل هذه المسافة يكون قرابة 380000 كلم.

وتبعًا للمعطيات المذكورة فإنه يمكننا أن نستخلص قيمة الشعاع القمري التي تبلغ 1736 كلم.

ص: 384

_________

ص: 385

حالات القمر ومنازله:

يعتبر القمر جرم الليل نظرًا لظهوره الليلي المتميز بإشعاع قوي، وهذا الإشعاع يفوق كل الإشعاعات الصادرة عن الأجرام الأخرى سواء كانت نجومًا أو كواكب.

وبما أن القمر يدور حول الأرض مرة كل شهر، وأن إشعاعه ناتج عن انعكاس الضوء الذي يستقبله من الشمس، فإنه من البديهي أن يكون لقرص القمر حالات متعددة يمكن للمشاهد الأرضي أن يرقبها كل ليلة.

وقد سميت هذه الحالات بمنازل القمر، وهذا التتابع في الحالات الذي يتكرر مرة كل شهر قمري جعل بعض الشعوب والأمم تتخذ منه وحدة قياسية للزمن كالذي يحدث حاليًا بالنسبة للعديد من الدول التي تتخذ من الشهر الشمسي وحدة زمنية.

ومن بين الشعوب التي اهتمت بدراسة الوجوه المختلفة لقرص القمر بصفة خاصة نجد الشعوب الإسلامية، فقد اهتمت بالخصوص بتعيين وقت دخول الشهر القمري ووقت نهايته مرورًا بالمراحل الأخرى التي تتوسطهما، وذلك لأنها اتخذت الشهر القمري كمحدد للمقاييس الزمنية.

ولكن يبقى هنا أن نتساءل عن مصدر كل هذه الحالات المختلفة التي تطرأ على القرص القمري.

إن الشمس بنورها الذي تبعثه في كل أرجاء الفضاء المحيط بها، تضيء كافة الأجرام بصفة مماثلة، يعني أنه لو وجد جسم كروي في هذا الفضاء فإن نور الشمس سيغطي شطره، وبالتحديد المناطق المواجهة للأشعة المرسلة من القرص الشمسي، كل هذا ينطبق إذن على القمر، فإذا افترضنا وجود مشاهد خيالي في منطقة بعيدة عن الأرض فإنه سيرى القمر مقسمًا إلى شطرين: الأول مظلم، والثني مضاء بنور الشمس كالأرض.

فمن خلال هذه الملاحظات إذن يمكن أن نقول: إن الحالات المختلفة للقرص القمر لا تعدو أن تكون إلا حالات ظاهرية تبد لنا من الأرض مختلفة من يوم إلى آخر، نظرًا لاعتبارات هندسية ناتجة أساسًا عن انعكاس قسط من الأشعة التي ترسلها الشمس على القمر في مختلف مواقعها على مدارها حول الأرض.

ص: 386

القران والمقابلة:

لما تكون الشمس والقمر على نفس خط الطول السماوي، يمكن اعتبارهما في حالة قران، ويحدث مثل هذا لما يلتقي القمر في دورانه حول الأرض بالخط الهندسي الرابط بين مركزي الشمس والأرض، ويكون القمر بينهما.

أما المقابلة فيه على عكس التعريف السابق، تحدث لما تكون الأرض بين القمر والشمس على نفس الخط الذي ذكرناه، وبهذا تكون الأطوار الفاصلة بين القمر والشمس بقيمة 180 درجة.

أما في المراحل التي تتخلل هاتين الحالتين، والتي يوجد فيهما القمر على الخط القائم للخط الرابط بين مركزي الأرض والشمس، فإنه يمكن تسميتها بالربع الأول والربع الأخير.

وبتحديدنا لهذه التعاريف يمكن لنا أن نفهم الآن الحالات المختلفة لقرص القمر التي تطرأ عليه في مدة الشهر القمري.

ففي حالة القران لا يمكن لنا أن نشاهد قرص القمر وذلك لاتباعه مسار قرص الشمس، فعندما يغيب هذا الأخير يغيب معه القمر، وهذا هو مفهوم القران.

ولكن هذا لا يعني أن قرص القمر سيحجب عنا قرص الشمس، لأن القران لا يمكن أن يصحبه احتجاب لقرص الشمس إلا إذا حدث في واقع قرب العقد الصاعدة أو النازلة، كما سوف نرى ذلك في حالات الكسوف، ويطلق على حالة القمر في هذه الفترة: القمر الجديد.

ص: 387

_________

ص: 388

وبعد بضع ساعات من القران يحدث ابتعاد القمر عن الخط الرابط بين مركزي الأرض والشمس، وذلك نظرًا لسرعته الذاتية على خلاف الأجرام الأخرى التي لا يمكن لها إلا أن تتبع التحرك الليلي الظاهري الناتج عن دوران الأرض حول نفسها، وفي هذه الحالة يكون قرص القمر قد أخذ شكل هلال نظرًا للاعتبارات الهندسية المذكورة.

ثم بعد أيام يصبح القرص عبارة عن نصف كرة مضاءة، وهذا ناتج عن انتقال القمر إلى منطقة في مداره تمكننا من رؤية الإضاءة الحقيقية لحجمه المدور، وتناسب هذه الفترة بالذات وجود القمر في الربع الأول.

وإثر هذه الحالة، وبعد أيام أخرى يمكن لنا أن نلاحظ أن القرص القمري قد تحول إلى بدر كامل الضياء، وهذه الفترة بالذات تقابل مرور نصف شهر قمري، وهي توافق وجود القمر في منطقة مقابلة، ويعبر عن هذه الحالة عادة بالقمر الكامل.

وإثر هذه المرحلة يتم القمر دورته حول الأرض ليمر بعد أيام في منطقة الربع الأخير والتي نشاهد فيها القمر على حالة مطابقة لتلك التي شاهدناه فيها في الربع الأول، ما عدا فرق واحد يتمثل في مشاهدتنا للنصف الثاني فقط من القرص القمري والذي لم يكن ظاهرًا في الربع الأول ويواصل القمر دورته إلى أن يمر شهر قمري كامل تعاد إثره كامل السلسلة التي وصفناها.

هذه لمحة عن أهم الحالات التي يمر بها القمر والتي يمكن أن يشاهدها الإنسان من الأرض، يبقى في هذا المجال سؤال هام يطرح نفسه ويتمثل في المدة التي يتركها القمر ليؤدي دورته الشهرية، والتي يعبر عنها بالدورة الاقترانية، وهل أن هذه المدة قارة أم أنها تتغير طبقًا لمعطيات أخرى؟

قبل أن نبدأ الخوض في الإجابة عن هذا السؤال، نسوق بعض المعطيات لشهر قمري ما، تم فيه حساب الوقت الذي يتركه القمر ليس بكامل المراحل التي تحدثنا عنها:

- بين القران والربع الأول ــ 7 أيام و 8 ساعات و 37 دقيقة.

- بين الربع الأول والمقابلة ــ 7 أيام و 22 ساعة و 12 دقيقة.

- بين المقابلة والربع الأخير ــ 7 أيام و 8 ساعات و 45 دقيقة.

- بين الربع الأخير والقران ــ 7 أيام و 21 ساعة و 34 دقيقة.

ص: 389

وهذه أيضًا بعض المعطيات الأخرى التي يمكن كذلك أن تساعدنا على الإجابة على بعض جوانب السؤال، وتتمثل في الأوقات التي تفصل قرانات عديدة ومتلاحقة للقمر:

- القران الأول: 29 يومًا ــ 13 ساعة ــ 30 دقيقة.

- القران الثاني: 29 يومًا ــ 12 ساعة ــ 4 دقائق.

- القران الثالث: 29 يومًا ــ 10 ساعات ــ 45 دقيقة.

يمكن لهذه المعطيات أن توضح الأمر قليلًا، وذلك لأنها تحتوي على عنصر هام يتمثل في الفروق الوقتية التي تفصل الحالات عن بعضها، والفروق الوقتية التي تفصل قرانات متتالية، وأخيرًا الفروق الموجودة بين الشهر الحقيقي والذي يقوم فيه القمر بدورة كاملة حول الأرض، وشهر قمري تعاد فيه نفس الحالات المذكورة آنفًا.

فأما الفروق الأخيرة، يمكن تفسيرها كما يلي: فإذا حدث في فترة ما قران، فإن القران الموالي سيحصل بعد مدة قام فيها القمر بدورة كاملة، كما قامت فيها الأرض كذلك لجزء من دورتها حول الشمس، وبما أن حالات القمر المختلفة ناتجة أساسًا عن الأماكن التي تأخذها الأرض والقمر بالنسبة للشمس، فإن القمر عندما يدور مرة حول الأرض فإن القران الثاني لا يحصل في نفس الوقت الذي تمت فيه هذه الدورة نظرًا لتحرك الأرض حول الشمس، بل يحدث بعد فترة يكون فيها القمر على الخط الرابط بين الأرض والشمس وهذا الشهر القمري والذي عبر عنه بالشهر الاقتراني هو أطول من الشهر الحقيقي الذي يدور فيه القمر دورة كاملة حول الأرض بقطع النظر عن الحالات التي يكون عليها قرصه.

أما الفروق الأخرى التي تهم الحالات المتتالية للقمر من جهة والفروق التي تهم المدد الفاصلة بين اقترانات متتالية من جهة أخرى، فإنها ناتجة عن أسباب معقدة تعسر حساب أوقات دخول الشهر القمري ولا تجعله ثابتًا، وأهمها أن القمر لا يخضع في دورانه إلى جرم واحد فحسب ولذلك لا يكون مداره منتظمًا نظرًا للاضطرابات التي تعتريه نتيجة لتداخل فعل قوات الأجرام المحيطة به وأهمها الأرض والشمس.

ص: 390

فالمعروف أنه إذا كان جرم الأرض هو المؤثر الوحيد في القمر، فسيتبع هذا الأخير في دورانه إهليجا ذات خصائص ذاتية معينة طلبًا لقوانين كبلر، فيسهل بذلك حساب أوقات المراحل المختلفة التي يمر بها القمر.

ولكن هذا لا يمكن تطبيقه بصفة كلية على القمر، لأن هذا الأخير يخضع لقوات أخرى، مصدرها الشمس، التي، وإن كانت بعيدة، فإن كتلتها تؤثر بصفة مباشرة على مدارها القمري.

ولهذه الأسباب فإن دراسة حركة القمر تعتبر من أعسر الدراسات الموجودة في مجال حركية الأجرام نظرًا لأنها تعتمد على مشكل الأجسام الثلاثة، والذي لا يمكن حله بصفة جذرية، ولكن بالاعتماد الحالي على الأدمغة الإلكترونية أمكن للفلكيين معرفة أوقات حدوث كافة الحالات القمرية، وبالتالي معرفة بداية الشهر القمري ونهايته، وذلك بفوارق زمنية تصل في وقتنا الحاضر مقدار جزء من ألف الثانية.

والجدير بالذكر أن مثل هذه الحسابات الدقيقة هي التي مهدت للولايات المتحدة من بعث أول مركبة قضائية مسكونة إلى القمر.

الرؤية العلمية والبصرية لهلال أول الشهر القمري:

يحصل القران بين القمر والشمس عندما يكون هذان الجرمان على نفس خط الطول السماوي مثلما رأينا في الفقرات السابقة.

وتعريف دخول الشهر القمري عند المسلمين هو عندما يبدأ الهلال في الظهور فما هي العلاقة الموجودة إذن بين ظهور الهلال وبين القران؟

لكن قبل ذلك لنا أن نسوق بعض الملاحظات:

إن المتأمل للحالات المتعددة التي يمر بها القمر يمكن أن يلاحظ أن الهلال إذا ظهر في ليلة ما، فإنه يختفي بعد ساعات من غروب الشمس، ويتفاوت عدد هذه الساعات بتغير حجم الهلال من ليلة إلى أخرى، فهل أول الشهر يختلف مثلًا عن الهلال الذي مرت عليه أربعة أيام، وذلك لأن هذا الأخير يكون في مرحلة إشعاع للضوء أكثر من الأول، نظرًا لوجوده في منطقة من مداره تخول له انعكاسًا أكبر للضوء.

كما أنه إذا اختفى هلال أول الشهر بعد ساعة تقريبًا من غروب الشمس، فإن الهلال الذي يكون عمره أربعة أيام يختفي في القبة السماوية في منطقة الغرب وبعد أكثر من ثلاث ساعات من غروب الشمس.

وكل هذه الملاحظات يمكن أن يتتبعها أي كان عندما يبدأ الشهر القمري وكما ذكرنا في الحالات الظاهرية للقمر فإن تغير حالة قرص القمر ناتجة أساسًا عن الدوران الذاتي للقمر حول الأرض.

يبقى هنا أن نفسر ما يحدث قبل أن يظهر هلال أول الشهر.

بما أن القمر في حالة دوران مستمرة حول الأرض، فإنه قبل أن يظهر هلال أول الشهر يكون القمر قد مر بمرحلة هلال آخر الشهر، وهذا التعريف الأخير غير مستعمل لعدم اهتمامنا به لأنه لا يمثل بداية لوحدة قياس زمنية.

ص: 391

_________

ص: 392

وهلال آخر الشهر يمكن أن يراه كل واحد منا في منطقة الشروق وذلك قبل أن يبزغ قرص الشمس وبين هذه الحالة وحالة هلال بداية الشهر توجد مرحلة ما يعبر عنها بالقران وهي التي يصبح فيها قرص القمر مصاحبًا لقرص الشمس بدون أن يقع تداخلهما الظاهري نظرًا لوجود كل منهما على مستوى مختلف، ولا يمكن أن تحدث حالة التداخل هذه إلا عند وجود القمر في واحدة من العقد الصاعدة أو النازلة أو قربها، وهذا بالذات يقابل حالة الكسوف.

إذن يمكن القول بأن الهلال النظري يولد بعد أن يمر القمر من حالة القران التي يكون فيها حدوث كسوف الشمس ممكنًا إذا توفرت الظروف الملائمة لذلك.

هذا فيما يخص الظهور العلمي للهلال الذي يكون في الدقائق التي تتلو حدوث القران أما فيما يخص الرؤية البصرية للهلال فإنها لا يمكن أن تكون إلا إذا كان بعد قرص القمر عن قرص الشمس بمقدار 8 درجات عند الغروب، وتعادل هذه القيمة ما بين تسع ساعات وعشرين ساعة بعد وقت القران.

ولا يمكن لأضخم آلات الرصد الفلكية أن تعاين الهلال الجديد إلا بعد مرور ساعتين على الأقل من وقت حصول القران.

وتكمن هذه الصعوبة في معاينة الهلال مباشرة بعد القران، في أن القمر حينما يجتاز هذه الحالة، يكون مجال وجوده في مجال ضوء الشمس الذي تحجب عنا قوته مشاهدة القمر الجديد، ولا يمكن بالتالي معاينة الهلال إلا بعد مرور ساعات عن القرن وفي وقت الغروب، لأن قرص الشمس في هذه الفترة يكون قد اختفى، ويكون الانفصال الزاوي بين قرصي الشمس والقمر كافيًا ليشاهد الهلال بالعين المجردة.

ولنا أن نقول هنا: إنه يمكن حساب وقت حدوث القران بدقة كبيرة لا يتعدى فيها الفارق جزءًا بسيطًا من الثانية.

ص: 393

_________

ص: 394

ويمكن لنا إذا أردنا أن نستعمل الحسابات المعتمدة في الدول المتقدمة لتعيين وقت دخول مثل هذه الظواهر، لأغراض تخدم مصالحنا الإسلامية، ومن ذلك فباستطاعتنا أن نعين وقت دخول الشهر القمري قبل عدة أشهر، ونقوم بالتثبيت التطبيقي عند حلول الشهر المعني مثلما أمرنا بذلك في الشريعة، وهذا في رأيي عين الصواب لتحاشي هفوات عديدة قد يكون ضحيتها أفراد الأمة الإسلامية من جراء رؤية قد تكون خاطئة، خصوصًا إذا كانت مصحوبة بحسابات فلكية بالية، وفي هذا السياق آخذ الواقعة التالية التي أتمنى أن يعتبر بها القارئ.

منذ سنوات، أعلنت بعض الإذاعات العربية عن رؤية الهلال، فتبعها، في ذلك عدد لا يستهان به من الدول العربية الأخرى، ثم اعترفت فيما بعد بالخطأ الذي وقعت فيه وكانت رؤية الهلال في ذلك المساء بالذات مستحيلة نظرًا لأن القرار يحصل بعد 11 ساعة من الوقت الذي تم فيه الإعلان عن الرؤية، وقد أكد حدوث القران في ذلك الوقت وجود كسوف كلي في منطقة نصف الكرة الجنوبي، وكما سنرى فيما يلي فإن الكسوف إذا حدث فإنه يكون في وقت القران تمامًا، ولا يمكن لأضخم آلات الرصد الفلكية أن ترى الهلال إلا بعد مرور ساعتين على وقت حصول القران كما ذكرنا.

وفي المدة التي حصلت فيها هذه الحادثة، أراد مدرسان سوفياتيان متابعة الحدث والاطلاع على كيفية تعيين دخول القمر الجديد من قبل المسلمين، فكانت المفاجأة كبيرة إذ قال أحدهما بالحرف الواحد: كيف يمكن أن يحدث هذا الخطأ في البلاد التي كانت مهدًا لأعظم فلكيي الإنسانية؟

فلنتحر إذن كل الإشاعات الموجودة التي تقول: إنه من المستحيل معرفة وقت دخول الشهر القمري أو انتهائه بصفة علمية، ولو كان الأمر كذلك لما تمت للفلكيين معرفة سلسلة الكسوفات والخسوفات التي تحدث بعد عدة سنوات، وكما سنرى، فإن الكسوف والخسوف يتطلبان حسابًا أدق من ذلك الذي تتطلبه المعاينة العلمية لدخول الشهر.

ص: 395

ظاهرة الكسوف والخسوف:

منذ العصور القديمة استرعى انتباه الإنسان حدوث ظواهر يتسبب فيها القمر حينًا عندما يحدث كسوف للشمس، والأرض حينًا آخر عندما يحدث خسوف القمر.

وقد اعتمدت الشعوب القديمة في تفسيرها لهذه الظواهر على أسس دينية ليس لها أي مجال من الصحة.

وقد كان الصينيون القدامى أول من حاول تفسير مثل هذه الظواهر والتعرف على الدورات الوقتية المختلفة لها، فقد قاموا بوضع جداول زمنية لحدوث الكسوف ثم محاولة تعميمها على السنوات الموالية، وقد نجحوا جزئيًا في هذه المهمة.

أما العرب المسلمون فيرجع لهم الفضل في محاولة تفسير جديد للظواهر المذكورة، ويكفي أن نذكر في هذا المجال العالم المسلم ابن الهيثم الذي كان متخصصًا في علم البصريات، والذي قام بتجارب عديدة، مهدت فيما بعد الحصول على معلومات إضافية تهم حدوث الكسوف والخسوف.

كيف يحدث الكسوف:

نعلم أنه طبقًا لقوانين كبلر، أن القمر يدور حول الأرض تبعًا لمدار إهليجي ويتخلل هذه الدورة بعض الاضطرابات الحركية التي تؤثر في الحركة الدائرية للقمر، كما سوف نرى، ومستوى مدار القمر يختلف عن مستوى مدار الأرض حول الشمس بنحو خمس درجات.

إذن يمكن أن نقول: إن القمر يدور حول الأرض تبعًا لمسار شبه دائري ومائل نحو خمس درجات للمستوى الأصلي الذي تتم فيه الدراسات الفلكية وهو مدار الأرض حول الشمس، وبما أنه توجد بعض الاضطرابات فإن هذا المدار ذا الأنحاء القار يتحرك حول خط العقد بسرعة 360 درجة في 18 سنة وثلثي سنة، وهذه المدة هي التي تعيد نفس سلسلة الكسوفات والخسوفات التي حدثت في وقت ما وتسمى بالشروق نظرًا لرجوع القمر إلى نقطة البداية في المدار الأول، إذا فسلسلة الكسوفات والخسوفات التي حدثت بين سنة 1960 وسنة 1978 هي نفسها التي حدثت بين سنة 1948 وسنة 1960 مثلًا.

ص: 396

ولكن متى يحدث الكسوف؟

حينما يكون القمر في حالة قران وتكون منطقة وجوده على مداره على بعد زاوي أقل من درجة و 35 دقيقة بالنسبة للدائرة الكسوفية وهي مدار الأرض حول الشمس، فإنه من الأرجح أن يكون هناك كسوف.

أما إذا كانت منطقة وجوده العرضية أقل من درجة و 22 دقيقة، فإن الكسوف يحدث لا محالة.

وبين هاتين المنطقتين يكون حدوث الكسوف غير ثابت، ولهذا يجب القيام بحسابات أدق من السابقة للتيقن من حدوثه.

ولكن لماذا يحدث الكسوف في هذه المناطق العرضية بالذات؟

للإجابة عن ذلك نقول: إنه في حالة القران يجب أن تكون زاوية العرض السماوية للقمر أقل من مجموع الزوايا التي تفصل على التوالي بين الخطين الهندسيين أرض – قمر، وأرض – شمس من جهة ونصف القطر الظاهر للقمر من جهة ونصف القطر الظاهر للقمر من جهة أخرى، وبما أن حركة القمر غير قارة كل شهر على مداره فإن مقدار هاتين الزاويتين يتغير من شهر إلى آخر.

ومن جانب آخر يمكن أن نقول: إن الكسوف يحدث إذا مكان ظل القمر يحجب بصفة جزئية أو كلية رقعة من الأرض، لذلك يكون وجود القمر في نقطة ما من مداره وقت القران بالذات المحدد الوحيد لحدوث نوع من أنواع الكسوفات المختلفة أو عدم حدوث أي واحد منها.

وأعني بأنواع الكسوف: الكسوفات الكلية، أو الكسوفات التوسطية، أو الكسوفات الجزئية.

ص: 397

_________

ص: 398

ومن المعلوم أنه لما يدور القمر حول الأرض يخلف في كل نقطة من مداره ظلًا يناسب طوله والمسافة التي تفصل القمر عن الشمس، وفي كل الحالات يتراوح مقدار هذا الطول بين 57 و 59 شعاعًا أرضيًا، وهذه الأرقام تقترب إلى حد كبير من الأرقام التي تتعلق بالمسافة الفاصلة بين القمر والأرض والتي تتراوح بين 55 و 66 شعاعًا أرضيًا.

ومن هذا المنطلق، يمكننا أن نصف الكسوفات حسب طول الظل القمري وحسب المسافة الفاصلة بين الأرض والقمر وقت القران.

(أ) الكسوف الكلي:

إذا بلغ طول الظل الذي يخلفه القمر المقدار الأقصى، يعني 59 شعاعًا أرضيًا، بينما لا تكون المسافة الفاصلة بين مركزي الأرض والقمر إلا 55 شعاعًا أرضيًا، وهي المسافة الدنيا بينهما فتكون في هذه الحالة رقعة الظل الواقعة على الأرض عبارة على بقعة دائرية دكناء، يقدر شعاعها بـ 148 كلم، وهذه أكبر الرقاع التي يمكن أن يسببها كسوف للشمس.

أما المناطق المحيطة بهذه الرقعة فيكون فيها الكسوف جزئيًا، وذلك لأن هذه الأماكن قد اخترقها ما تحت الظل فحسب، ومن هنا فلا يرى المشاهد الأرض في هذه المناطق بالذات سوى احتجاب جزئي لقرص الشمس.

ولنصف الآن كيفية حدوث الكسوف الكلي على منطقة أرضية ما: قبل القران بساعة وبضع الساعة يبدأ قرص القمر بالدخول في مجال قرصي الشمس ويكون هذا الدخول بطبيعة الحال جانبيًا وتدريجيًا إلى أن يحجب قرص القمر جزءًا كبيرًا من قرص الشمس، وفي وقت القران بالذات يغطي قرص القمر كليًا قرص الشمس، ويخيم الظلام تمامًا على المنطقة لمدة تقارب ستة دقائق يبدأ إثرها قرص الشمس في الانجلاء شيئًا فشيئًا للرجوع بعد ساعة ونيف إلى حالة إضاءته الطبيعة.

وعلى سبيل الإفادة نذكر الحدث العلمي التالي:

في كسوف شمسي حدث سنة 1973 اتفقت بعض الدول المتقدمة على تمويل مشروع يقضي بمتابعة هذا الكسوف الذي حدثت معظم مراحله على القارة الإفريقية في المنطقة الاستوائية، ولكن هذه المتابعة لم تكن كسابقتها بالعين المجردة فحسب، أو بآلات رصد ثابتة، بل تعدتها لتكون على متن طائرة تتجاوز سرعتها سرعة الصوت، وقد جهزت بآلات رصد خاصة مهدت للعلماء فيها بعد التعرف على جزء كبير ومجهول من مكونات الأجواء الشمسية والتي لا يمكن دراستها إلا عند حدوث كسوف كلي.

والمرحلة الكلية للكسوف التي تدوم عادة ست دقائق، تمت مراقبتها في هذه المرحلة لمدة ساعتين وذلك بمتابعة بقعة الظل القمرية التي التقت بسطح الأرض في منطقة موريتانيا وتواصلت إلى أن ابتعدت عن السطح في منطقة بكينيا، وقد انتظر الفلكيون والعلماء بشغف هذا الكسوف منذ عدة سنوات لإتمام تحضيراتهم على أحسن وجه، ولم يقتصروا على معرفة وقت بداية الكسوف فحسب، بل تعرفوا كذلك على المسار الذي تتبعته بقعة الظل، وقد تم إعطاء هذه التعليمات من قبل دماغ إلكتروني وقع تصميمه لهذا الغرض.

ص: 399

(ب) الكسوف الجزئي:

يحدث هذا النوع من الكسوف عندما تكون المسافة الفاصلة بين سطح الأرض والقمر تعادل في قيمتها طول الظل من قاعدته إلى قمته، وفي هذه الحال تكون كامل المنطقة المحيطة بالنقطة النظرية لهذه القمة في حالة كسوف جزئي، يعني أن ما تحت الظل هو الذي يغطيها وليس الظل نفسه، وتحدث مثل هذه الحالة أيضًا إذا التقى ظل القمر بمناطق قطبية يكون فيها معظم الظل وما تحت الظل خارج الكرة الأرضية.

(ج) الكسوف التوسطي (الحلقي) :

في حالة القران، وعندما تكون المسافة الرابطة بين مركزي القمر والأرض 66 شعاعًا أرضيًا بينما لا يتعدى طول الظل من قمته إلى قاعدته 57 شعاعًا أرضيًا فيحدث أن نرى أن قيمة الظل القمري تكون فوق سطح القمر وبهذا عندما يكون الكسوف في مرحلته القصوى فإن قرص القمر يتوسط قرص الشمس، وهذا ناتج عن كون قيمة شعاع القرص الظاهري للقمر أقل من تلك التي تكون للشمس نظرًا لأن القمر في هذه الحالة يكون في أبعد نقطة من مداره حول الأرض.

أما في المناطق الشريطية المجاورة لمناطق الكسوف التوسطي، فيمكن أن نشاهد على غرار الكسوف الكلي احتجاجًا جزئيًا لقرص الشمس.

بقي أن نلاحظ أن حدوث كسوف كلي في منطقة من المناطق نادرًا أن يتكرر في نفس المنطقة نظرًا لأن الشريط الأرضي الذي يمكن أن يشاهد فيه كسوف كلي صغير جدًا بالنسبة لحجم الكرة الأرضية، وكذلك نظرًا لأن سلسلة الكسوفات التي ذكرناها سابقًا والتي تعيد نفس أنواع الكسوفات في مدة 18 سنة و 11 يومًا لا تعيد الكسوف نفسه فوق المنطقة نفسها لأنه لا توجد تناظرية في عدد الأيام.

ص: 400

فائدة الكسوف:

يتساءل المرء عن أهم الفوائد التي يمكن أن نجنيها من حصول كسوف ما على الأرض.

صحيح أن هذه الفوائد كانت منعدمة في القديم، ولكن الأمور تغيرت في عصرنا الحاضر وأصبح الإنسان يحاول جاهدًا تفسير عدد من الظواهر باتت إلى حد هذا الوقت غير مفهومة، ومن بين المشاكل العلمية التي أمكن للعلماء حلها لما يحدث كسوف للشمس فذلك توصلهم لإثبات عدم وجود طبقات جو على سطح القمر، وقد كان هذا الإثبات نتيجة مقارنتهم لبقعة الظل النظرية التي يمكن أن يخلفها جسم كروي كالقمر بدون أن يكون له مجال جوي محيط به، وبين البقعة الحقيقية التي يسببها مرور القمر بين الأرض والشمس في وقت القران وفي حالة الكسوف الكلي وقد وجد العلماء أن هاتين البقعتين لهما نفس المساحة.

ومثل هذه التجارب مكنت علماء الفضاء من بعث مراكب فضائية مسكونة إلى سطح القمر بدون أن يكون هناك خوف على هذه المراكب من الاحتراق إذا ما اخترقت المجال القمري، وذلك لعدم وجود طبقات جو.

أما التجربة التي قام بها زملاء انشتاين لتثبيت نظريته في النسبية العامة، فقد كانت رائدة في التاريخ الفيزيائي الحديث، ولو لم تكن هذه التجربة التي قاموا بها أثناء كسوف كلي للشمس سنة 1918 والتي حاولوا عبرها إثبات انحناء شعاع الضوء عندما يمر قرب كتلة ضخمة، كما تنص على ذلك بعض الفصول النظرية لقانون النسبية العامة لما كتب لانشتاين أن يفرض ما جاء به نظرًا لما كانت تكتنفه هذه النظرية من غموض على الصعيدين النظري والتطبيقي.

أما الفوائد الأخرى التي يمكن أن يقدمها حدوث كسوف كلي للشمس في منطقة ما، فإننا نذكر الدراسات القائمة على قدم وساق، والتي سوف تمكن العلماء بعد بضع سنوات من التعرف على بعض الخصائص المجهولة لجرم الشمس.

وأجواء هذه الأخيرة، لا يمكن أن تدرس إلا عند حدوث كسوف كلي للشمس، ولهذا نرى أنه كلما علم بحصول كسوف كلي على منطقة ما، تهافت عليها العلماء من كل حدب وصوب للتمكن من إتمام الدراسات التي يقومون بها، ونشير هنا أن معدل الوقت تستمر فيه المراحل الكلية لكامل الكسوفات الكلية التي تحدث كل سنة على أرض لا يتجاوز 10 دقائق، وهذا الوقت جد قصير بالنسبة لدراسات هامة كتلك التي يقوم بها العلماء في هذا المجال، ولذا فإننا نراهم يستعدون كامل الاستعداد لرصد مثل هذه الحالات، وما التجربة الرائدة التي تحدثنا عنها والتي قام بها فريق من الباحثين على متن الطائرة لتتبع بقعة الظل إلا خير دليل على ذلك.

ص: 401

خسوف القمر:

قلنا في الجزء السابق: إنه لما يوجد القمر في نفس المستوى مع الأرض والشمس يمكن أن يكون القمر بين الأرض والشمس أو أن تكون الأرض بينه وبين الشمس.

ولذا فإننا سنتناول الحالة الثانية في الفقرات الموالية:

أن الظل الذي تخلفه الكرة الأرضية عندما تكون مضاءة بالشمس، أكبر من الظل الذي يخلفه القمر عندما يدور حول الأرض، فنظرًا لهذا فإن الخسوفات الكلية، عندما تحدث، يمكن أن تحجب قرص القمر تمامًا، وهذا لن يحدث عندما تكون الأرض في حالة كسوف.

لكن لا يمكن للخسوفات أن تحدث كل مرة يمر فيها القمر من منطقة التقابل، وذلك لأن المدار القمري ذا الأنحاء الثابت غير قارٍّ في تحركاته، ولهذا يمكن أن نصف أنواع الخسوفات حسب زاوية العرض السماوية:

1-

أقل من 21 دقيقة: خسوف كلي ثابت.

2-

بين 21 و 32 دقيقة: خسوف ثابت كلي أو جزئي.

3-

بين 32 و 52 دقيقة: خسوف ثابت جزئي.

4-

بين 52 و 63 دقيقة: خسوف جزئي ممكن.

5-

أكثر من 63 دقيقة: حدوث الخسوف مستحيل.

وفي حالة حدوث خسوف كلي للقمر يمكن لمناطق الأرض التي يوجد فيها الظلام والتي يظهر فيها القمر أن تشاهد هذا الخسوف.

ص: 402

وقد استعمل الخسوف الكلي لفترات طويلة كمحدد رئيس لزاوية الطول الجغرافية لمنطقة ما من الأرض، كما استعمل للتعرف على وقت حدوث البدر الكامل، وقد ساعد هذا على إصلاح بعض الحسابات الفلكية القديمة التي تعتمد دورة القمر كوحدة وقتية لها.

وفي حالة حدوث خسوف كلي يصبح القمر غير مرئي بالمرة، بل نرى ضياء أحمر داكنًا، وما هذا الضياء إلا نتيجة للإشعاعات الشمسية المنعكسة على مناطق سطح الأرض التي يكون فيها الوقت نهارًا.

تواتر الكسوف والخسوف:

اعتمادًا على ما ذكرنا سابقًا فيما يخص موقع القمر بالنسبة لمستوى مدار الأرض على مداره عندما يكون في حالة اقتران أو تقابل، اعتمادًا على هذا فإنه يمكن القول: إن عدد الخسوفات والكسوفات في السنة لا يحدث إلا نادرًا نظرًا لأن الشروط المذكرة لا تتكرر إلا في مناسبات معدودة، فالمعدل العام لحدوث نوع من الكسوفات في السنة يقارب 2.3 مرات، أما معدل الخسوف فلا يتجاوز 1.5 مرات.

وتبلغ مدة الدورة الوقتية التي تعاد فيها نفس الكسوفات والخسوفات، 18 سنة و11 يومًا، ويتراوح عدد الكسوفات والخسوفات في هذه المدة بين حد أقصى يبلغ السبعة (تشمل الكسوف والخسوف) وبين حد أدنى يصل في بعض الأحيان إلى اثنين (كسوف للشمس وخسوف للقمر) .

ص: 403

_________

ص: 404

الخلاصة

اعتبر أنه من الواجب على المسلمين وجوبًا عينيًا وكفائيًا:

- التزام التاريخ الهجري الذي أجمع عليه في عصر الصحابة.

- حساب الشهور القمرية مرتبطة بالعبادات وبالتالي فله أهمية قصوى في حياتنا.

- احترام علم الفلك وعدم مقارنته بالتنجيم الذي ليس له أي صلة بالعلوم وخصوصًا تلك التي حث عليها الإسلام.

- أن التوحيد في أوائل الشهور القمرية أمر ميسور لدى أهل علم الفلك وله ما يدعمه من حقائق وثوابت فلم يبق إلا اجتهاد فقهاء العالم الإسلامي بطريقة جماعية لتحديد أوائل هذه الشهور مستعينين بما يقدمه علم الفلك والفلكيون.

- بما أن الكسوف والخسوف ظاهرتان ثابتتان يمكن حسابهما وتثبيتهما، فإنه بالمثل لبداية الشهور القمرية، ويمكن إصدار تقاويم يوافق عليها علماء من الفلكيين والفقهاء، ومثل هذا ينظم ويبعد شبح التفرقة والفتنة بين أفراد أمة الإسلام.

وفقنا الله لما فيه خير أمة الإسلام، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 405