المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كلمةمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثالث

- ‌تقديم بقلم معالي الأستاذ سيد شريف الدين بيرزاده

- ‌كلمة معالي د/ بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمة العددلمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمة افتتاح الدورةألقاهامعالي الدكتور ناصر الدين الأسد

- ‌كلمة معالي الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بلا تمليك فردي للمستحقلفضيلة الشيخ آدم شيخ عبد الله علي

- ‌توظيف الزكاةفي مشاريع ذات ريع دون تمليك فردي للمستحقلفضيلة الشيخ حسن عبد الله الأمين

- ‌طرق الإنجابفي الطب الحديث وحكمها الشرعيلفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌القضايا الأخلاقيةالناجمة عن التحكم في تقنيات الإنجابالتلقيح الاصطناعيلسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌أجهزة الإنعاش وحقيقة الوفاةبين الفقهاء والأطباءلفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌موت الدماغلسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌نهاية الحياة البشريةللدكتور أحمد شوقي إبراهيم

- ‌متى تنتهي الحياة؟للدكتور حسان حتحوت

- ‌القلب وعلاقته بالحياةمدخل في مناقشة "متى تنتهي الحياة"للدكتور أحمد القاضي

- ‌نهاية الحياة الإنسانيةللدكتور مصطفى صبري أردوغدو

- ‌نهاية الحياة الإنسانيةللدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌نهاية الحياة الإنسانية في ضوء اجتهاداتالعلماء المسلمين والمعطيات الطبيةللدكتور محمد نعيم ياسين

- ‌نظرة في حديث ابن مسعودللدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌حقيقة الموت والحياةفي القرآن والأحكام الشرعية

- ‌توصياتمؤتمر الطب الإسلامي بالكويت

- ‌دراسةوزارة الصحة بالمملكة العربية السعودية

- ‌ورقة العمل الأردنيةقدمت للمؤتمر العربي الأول للتخدير والإنعاش

- ‌حكم إثبات أول الشهر القمري وتوحيد الرؤيةفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌بحثلفضيلة الشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌بحثفريق علماء جامعة الملك عبد العزيزقسم علوم الفلك

- ‌توحيد بدايات الشهور القمرية(الشمس والقمر بحسبان)لسعادة الدكتور فخر الدين الكراي

- ‌الوثائق المقدمةتوحيد بداية الشهور القمريةلفضيلة الشيخ محمد علي السايس

- ‌المناقشةتوحيد بدايات الشهور القمرية

- ‌من أين يحرم القادمبالطائر جوًا للحج أو العمرة؟لفضيلة الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌الإحرام للقادم للحج والعمرة بالطائرة والباخرةلفضيلة الشيخ محمد علي عبد الله

- ‌الإحرام للقادم إلى الحج بالطائرة أو الباخرةلفضيلة الشيخ تجاني صابون محمد

- ‌الإحرام من جدة لركاب الطائرات في الفقه الإسلاميلفضيلة الشيخ محيي الدين قادي

- ‌كتاب حدود المشاعر المقدسةلفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

- ‌جواز الإحرام من جدة لركاب الطائرات والسفن البحريةلفضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود

- ‌حكم الإحرام من جدة للواردين إليها من غيرهاالقرار الثاني لمجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة

- ‌تغيرات النقود والأحكام المتعلقة بها في الفقه الإسلاميلفضيلة الدكتور نزيه كمال حماد

- ‌أحكام أوراق النقود والعملاتلفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملةلفضيلة الشيخ محمد علي عبد الله

- ‌أحكام النقود الورقيةلفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور

- ‌أحكام النقود الورقيةلفضيلة الدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملةفي نظر الشريعة الإسلاميةلفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌النقود الورقيةلفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌الربافضيلة الأستاذ أحمد بازيع الياسين

- ‌أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملةفضيلة الشيخ عبد الله بن بيه

- ‌أحكام النقود واستبدال العملات في الفقه الإسلاميفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌المناقشةأحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملة

- ‌كلمة معالي الدكتور بكر عبد الله أبو زيدرئيس مجلس المجمعكلمة معالي الدكتور بكر أبو زيد

- ‌كلمة معاليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجةالأمين العام للمجمع

الفصل: ‌كلمةمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

‌كلمة

معالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

الأمين العام للمجمع

الحمد لله الذي ميزنا على سائر الأمم برابطة ثابتة دائمة هي العروة الوثقى التي لا انفصام لها، وقد جعلها الله لنا ذكرا وشريعة ومنهاجا، ووصف الذكر فقال عز وجل:{هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}

وفصل الشريعة التي ختم بها الشرائع كلها وقابل بها بين الحق والباطل فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} ووضع لنا منهاج حياتنا، يجمع شملنا، ويسدد سلوكنا، ويدعم صفنا ويوحد كلمتنا، وذلك هو الدين الخالص الذي ارتضاه الله لنا:{فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .

وصلى الله على إمام الأئمة ونبي الرحمة سيد المرسلين وقائد الغر المحجلين سيدنا ومولانا محمد الذي أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله فأدى الرسالة، وبلغ الأمانة وعبد الله حتى أتاه اليقين وعلى آله وصحبه وسلم.

حضرة نائب جلالة الملك صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال المعظم.

صاحب المعالي الدكتور ناصر الدين الأسد رئيس مجمع الحاضرة الإسلامية، مؤسسة آل البيت الموقر.

حضرة صاحب المعالي الأمين العام المساعد لمنظمة المؤتمر الإسلامي المبجل.

حضرات أصحاب السماحة والفضيلة والسعادة أعضاء المجمع الأكارم.

حضرات الأساتذة.. أيها السادة.

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:

ههنا بعاصمة البلقاء عمان قاعدة المملكة الأردنية الهامشية أرض البطولات والأمجاد، حيث يستبسل المناضلون ويرابط المجاهدون، وتزخر الحياة اليومية بألوان الكفاح من أجل تحرير الأوطان، ورفع التحديات وتحقيق عزة العروبة والإسلام وحيث تقوم الجامعات العلمية والمجامع الحضارية واللغوية والمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية بجلائل الأعمال وشتى الخدمات في مختلف مجالات الحياة، وحيث تنعقد باستمرار وطوال الفصول والشهور المؤتمرات والندوات والأيام الدراسية واللقاءات، يأتلف جمعهم الكريم هذا في المؤتمر الثالث لمجمع الفقه الإسلامي بالأردن الحبيب، في ظل رعاية برة كريمة من المقام العالي صاحب الجلالة الملك المعظم الحسين بن طلال أعزه الله ونصره، بدعوة سنية من قواعد الفكر الأمير العالم أمير البيان حضرة صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير الحسن حرس الله كماله وزان بالتأييد علاءه، ولقد وجدنا من صاحب المعالي وزير التعليم العالي ورئيس مجمع الحضارة الإسلامية مؤسسة آل البيت العلامة الجليل والناقد الأديب الدكتور ناصر الدين الأسد عناية فائقة ومساعدة قيمة أسهمتا بفضل الله في توفير الأسباب الكافية لإنجاح دورة مؤتمرنا هذا، أسبغ الله على معاليه نعمه وأمده بروح منه.

ص: 21

وإن مجمعكم الفتي الذي يشعر بدون شك يوما بعد يوم بالرعاية تحوطه، ومظاهر التقدير تسنده وتعزز جانبه، لتحفزه هذه المواقف الكريمة منه، وهو في بداية الطريق، فيمضي قدما بإذن الله في أداء رسالته والاضطلاع بالأمانة الثقيلة التي حملها من العالم الإسلامي كله، مستعينا بالله مستمدا منه الآد والتوفيق والهداية إلى أقوم السبيل {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .

وهنا نحن بمناسبة عقد هذه الدورة الجديدة لمؤتمركم السنوي نضع بين أيدي حضراتكم العددين الأول والثاني من مجلة مجمع الفقه الإسلامي يكتسي الأول منهما صبغة تاريخية وثائقية فيعرض أولا القرارات التأسيسية للمجمع ويصور وقائع المؤتمر التأسيسي الذي انعقد بمكة المكرمة، وحظي بالرئاسة الفعلية لخادم الحرمين الشريفين صاحب الجلالة الملك المعظم فهد بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية الذي أشرف عليه وتكرم فيه بإلقاء خطابه السامي المنهجي الذي يعتز المجمع به ويعتمده دستورا وخطة عمل لبلوغ العالم الإسلامي أهدافه المنتظر تحقيقها عن طريقه، ثم وقائع المؤتمر الأول لمجلس المجمع الذي انعقد بمكة المكرمة وشهده أعضاء المجمع المنتدبون فيه من طرف دول العالم الإسلامي، كما يتضمن في نهايته صورة دقيقة لأعمال شعبة التخطيط التي اجتمعت بمقر المجمع بجدة إثر انعقاد الدورة الأولي لمؤتمر مجلس المجمع.

ويمثل العدد الثاني من المجلة سجلا علميا حافلا يجمع كل ما قدم من بحوث وعرض من دراسات على الدورة الثانية لمؤتمر مجلس المجمع الذي انعقد بمقره بمدينة جدة في العام الماضي، كما يتناول المناقشات الفقهية العميقة التي دارت به والقرارات المجمعية التي صدرت عنه بعد طول مداولة وإنعام النظر.

ص: 22

وقد كان إنجازنا لهذا العمل المادي المعتبر من أعمال المجمع بمطابع رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وإنا لنشكر جزيل الشكر الآذن بطبعه معالي الأمين العام للرابطة الدكتور عبد الله عمر نصيف جازاه الله خير الجزاء عن حسن تعاونه وكريم مساعدته.

وفي الفترة ما بين المؤتمرين الماضي والحاضر قام المجمع بنشاطات عدة تجدونها حضراتكم مثبتة بالتقرير العام الذي يوزع عليكم، ومن جملة تلك النشاطات اجتماع ممثلي شعب المجلس الذي تم انعقاده بجدة أوائل شهر رجب الفرد.

وإن المعروض على أصحاب السماحة والفضيلة والمعالي والسعادة أعضاء المجمع وخبرائه في هذه الدورة المباركة أحد عشر موضوعا، وصلتنا بشأنها تقارير وبحوث نرجو من الله أن نوفق لدراستها دراسة موضوعية، ونتخذ بشأنها القرارات المجمعية الدقيقة، وهذه الموضوعات والقضايا المطروحة علينا اليوم قسمان:

الأول منها فيه مواصلة نظر واستكمال بحث لمسائل وقع عرضها في الدورة الثانية للمجلس، وقد قرر تأجيل البت فيها لهذه الدورة، ومن بين هذه القضايا والموضوعات:

استفسارات البنك الإسلامي للتنمية التي احتاجت بعد المؤتمر الماضي إلى عقد اجتماع تمهيدي بمقر المجمع لتفصيلها وضبطها، ثم إلى اجتماع علمي بمقر بنك التنمية الإسلامي بجدة دعا إليه معالي الدكتور أحمد محمد علي، وتفضل رئيس البنك مشكورا بحضور جلساته والإجابة على كل الملاحظات التي تقدم بها الأعضاء ابتغاء تصحيح المسار الشرعي وتعديل بعض مشاريع العقود حرصا من بنك التنمية الإسلامي على الالتزام بقواعد الشريعة الإسلامية وأحكامها في معاملاته مع الأطراف المتعاونة معه.

والقسم الثاني من المسائل المطروحة لأول مرة على المجمع في دورته هذه يتناول كما هو مثبت بجدول الأعمال جوانب جديدة من أحكام الزكاة ومصارفها، وقضية تعبدية تتصل بالمناسك، وموضوعين اقتصاديين ماليين جدا في عصرنا الحاضر يقتضيان الدرس والنظر وتحديد الأحكام الشرعية فيهما.

ص: 23

وبعد هذا ينكب المجلس بإذن الله على دراسة المشاريع المعروضة عليه من طرف اللجان أو الأعضاء والتي تتعلق بالموسوعة الفقهية في قضايا المعاملات القديمة والجديدة، ومعجم المصطلحات الفقهية، وكتب إحياء التراث، والطرق الكفيلة بتيسير الفقه وتقريبه مثل معلمة القواعد الفقهية ومدونة الأدلة للأحكام الفقهية الشرعية وغيرها.

وإن صفوة زكية ونخبة مختارة من فقهاء الإسلام من أطراف العالم تمثل الدول الإسلامية كلها، والمذاهب الفقهية المعتمدة جميعها، تجتمع دوريا وفي كل سنة لدراسة المشاريع العلمية، والعمل على إنجازها، ولاستعراض القضايا المستجدة للإصداع بحكم الله فيها، وتحديد المنهج الشرعي لها، لخير هيئة دولية إسلامية لتجديد الذات على أساس من صحة العقيدة، وللهيمنة على المشاكل بالتزام شريعة الله السمحة، ولتوحيد الصف بين أفراد المجتمع الإسلامي استجابة لمدلول الأمة الواحدة وتحقيقا له، وإنها لثلاثة من ثلاث تكسب العزة وتوجب السيادة وتبرئ مقام الريادة يلهم الله عباده المؤمنين طرق اكتسابها وسبل الحصول عليها في قوله عز وجل:{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} .

ولا يستولين اليأس على قلوبنا في زمننا هذا لما نرى عليه المجتمع الإسلامي من انحراف عن الدين، أو ضلال عن الحق، وتقاطع وتدابر بين شعوبه، أو تخلف أو تأخر في مجالات الحياة العلمية الجديدة، فإن للدين ربا يحميه، وللإسلام الخالد مناهج تجديدة تعتمل وسط المجتمع الإسلامي في كل صقع من أصقاعه تبعثه وتحييه وتجدد أسباب السؤدد والعزة فيه، أكد ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبوهريرة من قوله: فيما أعلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)) ، وقد تنبه إلى هذا أيضا المجاهدون والمصلحون والمجددون حتى قال الأستاذ الإمام محمد عبده:

إن هذه العوارض التي غشيت الدين وصرفت قلوب المسلمين عن رعايته، وإن كان حجابها كثيفا لكن بينها وبين الاعتقادات الصحيحة التي لم يحرموها بالمرة تدافع دائم وتغالب لا ينقطع، والمنازعة بين الحق والباطل كالمدافعة بين المرض وقوة المزاج، وحيث إن الدين الحق هو أول صبغة صبغ الله بها نفوسهم، ولا يزال وميض برقه يلوح في أفئدتهم بين تلك الغيوم العارضة، فلا بد يوما أن يسطع ضياؤه ويقشع سحاب الأغيان، وما دام القرآن يتلى بين المسليمن، وهو كتابهم المنزل وإمامهم الحق، وهو القائم عليهم يأمرهم بحماية حوزتهم والدفاع عن ولايتهم ومغالبة المعتدين وطلب المنعة من كل سبيل، لا يعين لها وجها ولا يخطط لها طريقا، فإننا لا نرتاب في عودتهم إلى مثل نشأتهم ونهوضهم إلى مقاضاة الزمان ما سلب منهم".

ص: 24

ولقد كانت الجماعة الإسلامية التي أنشأها الرسول صلى الله عليه وسلم فئة قليلة من المؤمنين والمستضعفين، تحولت بعد قليل إلى قوم أولى قوة وبأس، وما فتئت بعد ذلك يزداد عدد أفرادها ويتسع جمهورها حتى أصبحت أمة واحدة تشد أواصر الأخوة بين جماعاتها وفئاتها في أطراف المعمورة رابطة العقيدة التي تذوب أمامها كل العلاقات وتنحل عراها، فإذا هي الآصرة الخالدة التي تتميز بها الجماعة الإسلامية، وتتجاوز بها وعن طريقها حدود الأوطان والأقاليم، وتتلاقي وتتمازج في إطارها الأعراق والأجناس، لتقوم بعد ذلك بالوظيفة السامية التي هيئت لها وأقامها على أساسها نبي الرحمة.

ولقد صور هذا المعنى الدقيق ونفذ فيه إلى غايته محمد فريد وجدي حين قال: "بعث الله خاتم رسله محمدا لإحداث هذا الحدث العالمي الفذ فأنزل عليه الدين في لقائه الأول خالصا من جميع الشوائب البشرية، وأتم على يديه تأليف أمة مثالية في عشر سنين، وهي الأمة التي أعدها الحق لنشر الدين الحق وإيقاظ العقول في سباتها التقليدي إلى النظر في الوجود، والاستفادة من خصائصها الفطرية للوصول إلى الحقائق الإلهية نقية من كل ما يلابسها من وساوس الظنون وأوهام النفوس. لتحدث في العالم ما أراده الخالق له من نقاء العقيدة وصحة الإيمان، وسلامة الصدور".

وقد تولدت عن هذه الرابطة العقدية التي انتظمت في سلكها عناصر أمة التوحيد جملة مقومات، منها العادات والتقاليد المشتركة، والثقافة المميزة الجامعة، والأحوال الاجتماعية المتماثلة، والتاريخ الواحد المتجانس، ووحدة القيم والأسس الأخلاقية والفكرية، ذلك أن المجتمع الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه لم يقم إلا على أساس الاستجابة للرسول الداعي، بالإيمان بالله وحده، وتنزيهه عن الشبيه والنظير وإعلان كلمة الشهادة، والانتظام في سلك الموحدين المؤمنين الذي يشرفهم الله بالحديث عنهم في قوله:{آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} .

وقد جاءت هذه العقيدة المتجسمة في الإيمان بالله وحده وإفراده سبحانه وتعالى بالعبادة الخالصة، آمرة وناهية، بل مقتضية من المسلم جانبا سلوكيا يتعانق مع الإيمان ويجد ما صدقه في العمل الصالح والاستقامة، يدل على ذلك ما رواه مسلم من حديث سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك. قال: ((قل: آمنت بالله أو ربي الله ثم استقم)) .

ص: 25

والاستقامة التزام النظم التي شرعها الله في تحديد علاقة الإنسان بربه، وعلاقته بأخيه المسلم وبالناس جميعا، وعلاقته بالكون وبالحياة، وقد جاء القرآن ضابطا لأصول الاستقامة، مبينا لطرق العدل، مقابلا بين العمل الصالح والعمل السيء داعيا إلى الأخذ بما شرعه الله وأمر به ونبذ ما سواه، قال عز وجل:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} . وقد رتبت أحكام الشريعة التي تضمنها الكتاب الكريم وفصلتها السنة النبوية الشريفة على مقاصد وغايات كانت أساس التحليل والتحريم ومدار الأمر والنهي، وهي صلاح كلها ورحمة كلها، لا يقدر المؤمن على مخالفتها وإن أباح له ذلك ما تواضع الناس عليه من القوانين، ففي الأخذ بالشريعة أخذ بالعدل والحق، وإرضاء لله ولرسوله، وبين الإيمان الصحيح والتزام شرع الله تمام التماسك والترابط في ذهن المسلم، لأن في ذلك طاعة الله الذي آمن به، وامتثالا لحكمه، ورفض الانقياد والاستسلام منه لما شرعه الله وقدره بحكمته يحتاج إلى معالجة العقيدة وإصلاحها، ويقتضي الأوبة إلى الله وتجديد الإيمان.

وقد قامت الدراسات والبحوث على بيان حقيقة الشريعة وأحكامها ومقاصدها وأهدافها فلمسنا ما بينها وبين غيرها من الشرائع والقوانين من تفاوت يدل عليه أنها الدين وقد كمل، وأنها النعمة وقد أتمها الله على عباده المؤمنين، وأنها الإسلام وقد ارتضاه رب العزة دينا للعالمين:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} .

وهكذا امتزجت الشريعة بالعقيدة وارتبطت بها، وكانت هذه أصلا والشريعة لها فرعا، وأدرك المؤمنون أن القطعي فيها الذي لا اجتهاد فيه معدودة مسائله، محدودة قضاياه، وأنها فيما سوى ذلك تخاطب العقل والوجدان والضمير والأخلاق، وتضع الأحكام على النحو الذي يخدم الجماعة ويحقق المصلحة العامة، وكان وما زال من المسلم عند كل مسلم أن الشريعة من الله، وأنها لا تزيغ ولا تحيف، وأنها صالحة لكل زمان ومكان. وقد اهتدى بها المسلمون وجربوها في علاج أوضاعهم الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية، فوجودها الأصح والأنجح والأكمل بما فيها من قواعد كلية، وأصول عامة، ونظريات تشريعية، تواكب تطورات الزمان، وتراعي الملابسات والظروف، وتبني أحكامها على العلل والأسباب، وتعتمد القياس والاستحسان والاستصلاح.

وتجري في كل الأحوال بما يناسبها من الأخذ بالعزائم مرة، وبالرخص أخرى بحسب طاقات المكلفين وأنواع الضرورات والأعذار، وهي في كل ذلك متسمة باليسر لتحقيق الوسطية، وبلوغ قمة العدالة، مع حفظ كرامة الإنسان والبعد به دائما عن مساوئ الإفراط والتفريط في أداء الواجب واقتضاء الحق.

ص: 26

وإذا كان المجمع الفقهي بأعضائه وخبرائه ومجلسه وهيآته قد هيأه الله لتأصيل العقيدة وتصحيحها، وحماية الشريعة وتفصيلها، فإن الدول الإسلامية والمجتمع الإسلامي من ورائها لينتظران منكم أصحاب السماحة والفضيلة في ظل العدالة الإلهية ووفق أصول الشريعة الإسلامية السمحة، ومبادئها الثابتة، وقواعدها المرنة، أن تقربوا الفقه الإسلامي من المجتمعات الإسلامية لتعي أحكامه، وتعرف مسائله وفروعه، وتكون على بصيرة من أمر دينها في كل تصرفاتهم وجميع أحوالها، وإن تحددوا مجمعيا أحكام الشريعة في القضايا المستجدة على وجه يعين الناس على تحقيق معاشهم وطلب مصالحهم من غير أن تتعارض تلك الأحكام مع الأصول الثابتة والدلائل القطعية للشريعة الحكيمة الفاصلة بين الحق والباطل، ولتحرصوا بارك الله جهودكم وأمدكم بعون منه على وضع ما يمكن ويتأكد من التنظيمات والتراتيب والطرق الإجرائية لضمان قيام متطلبات العصر الراهن ومقتضيات الزمن المعاصر مثل المؤسسات الجديدة والشركات المستحدثة وما يجري بها من التصرفات والأعمال وفق أصول الشريعة الإسلامية.

وإن تطبيق الشريعة لمطلب شريف وضروري وأمر حتمي تصان به الحقوق، ويستتب به الأمن، ويتحقق به العدل، وهو ممكن ويسير على المؤمنين كافة متى تبين لهم الحلال والحرام، وضبطت لهم الأحكام، وأدركت مقاصد الشارع.

وقوي الوازع الديني في النفوس يجنبها الوقوع في محارم الله.

وهذا كتاب الله الكريم وهذه سنة نبيه الشريفة معالم على الطريق ينيران لكم السبيل في مهامكم الشاقة وأعمالكم الجليلة.

فمرحبا بكم أئمة هداة مهديين، ومرحبا بكم فقهاء مجتهدين، في هذا المؤتمر الفخور باجتماعكم فيه وفي غيره من المؤتمرات واللقاءات: تقربون ما شرد من الأنظار الصحيحة والآراء الصائبة السديدة، وتضعون الحلول للمشاكل المستعصية، وتسلكون بالناس منهجا يقيهم على الصراط المستقيم ويزيدهم تمكنا من الدين القيم الذي انتسبوا إليه مختارين، فيتحد طريق المؤمنين كما عهدنا ذلك في صدر الإسلام، وتجتمع كلمتهم، وتلتقي الأمة الواحدة أمة التوحيد أمة محمد صلى الله عليه وسلم على منهج الله وسبيل المؤمنين متآخية متضامنة متناصرة متعاونة ومستجيبة دعوة الحق سبحانه {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}

ص: 27

2 -

وقال الله تعالى {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} . جعل الله أخص صفات الأبرار الإحسان، وأن مظهر إحسانهم يتجلى في القيام من الليل، والاستغفار في السحر تعبدًا لله وتقربًا إليه، كما يتجلى في إعطاء الفقير حقه، رحمة وحنوا عليه.

3 – وقال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} . أي أن الجماعة التي يباركها الله ويشملها برحمته، هي الجماعة التي تؤمن بالله، ويتولى بعضها بعضا بالنصر والحب، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتصل ما بينها وبين الله بالصلاة، وتقوي صلاتها ببعضها بإيتاء الزكاة

4 -

وقال الله تعالى {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}

جعل الله إيتاء الزكاة غاية من غايات التمكين في الأرض.

1-

وروى الترمذي عن أبي كبشة الأنماري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه: ما نقص مال من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزا، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر))

2-

وروى أحمد والترمذي وصححه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عز وجل يقبل الصدقات ويأحذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره أو فلوه أو فصيله حتى إن اللقمة لتصير مثل جبل أحد)) ، قال وكيع: وتصديق ذلك في كتاب الله قوله: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}

3-

وروى أحمد بسند صحيح – عن أنس رضي الله عنه قال: أتى رجل من تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: إني ذو مال كثير، وذو أهل ومال وحاضرة فأخبرني كيف أصنع وكيف أنفق؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((تخرج الزكاة من مالك فإنها طهرة تطهرك، وتصل أقرباءك وتعرف حق المسكين والجار والسائل))

ص: 28

4-

وروي أيضًا عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((ثلاث أحلف عليهن، لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، وأسهم الإسلام ثلاثة الصلاة، والصوم، والزكاة، ولا يتولى الله عبدًا في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة، ولا يحب رجل قوما إلا جعله الله معهم. والرابعة لو حلفت عليها رجوت أن لا آثم لا يستر الله عبدًا في الدنيا إلا ستره يوم القيامة)) .

5-

وروى الطبراني في الأوسط، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رجل يا رسول الله: أرأيت إن أدى الرجل زكاة ماله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أدى زكاة ماله ذهب عنه شره))

5-

وروى البخاري، ومسلم، عن جابر بن عبد الله قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم.

3-

الترهيب من منعها:

1-

قال الله تعالى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} .

2-

وقال {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} .

1 -

وروى أحمد والشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم فيجعل صفائح فتكوى بها جنباه وجبهته حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار. وما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت تستن عليه كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها، حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله أما إلى الجنة وإما إلى النار وما من صاحب غنم لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت فتطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها ليس فيها عقصاء ولا جلحاء كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار قالوا: فالخيل يا رسول الله؟ قال:والخيل في نواصيها)) ، أو قال:((الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)) ، الخيل ثلاثة: هي لرجل أجر، ولرجل ستر، ولرجل وزر، فأما التي هي له أجر فالرجل يتخذها في سبيل الله ويعدها له فلا تغيب شيئا في بطونها إلا كتب الله له أجرا، ولو رعاها في مرج فما أكلت من شي إلا كتب الله له بها أجرا، ولو سقاها من نهر كان له بكل قطرة تغيبها في بطونها أجر حتى ذكر الأجر في أبوالها وأوراثها ولو استنت شرفا أو شرفين كتب له بكل خطوة يخطوها أجر، وأما التي هي له ستر، فالرجل يتخذها تكرما وتجملًا، لا ينسى حق بطونها وظهورها في عسرها ويسرها، وأما التي هي عليه وزر، فالذي يتخذها أشرا وبطرا وبذخا، ورياء الناس فذلك الذي عليه الوزر. قالوا: فالحمر يا رسول الله؟ قال: ما أنزل الله علي فيها شيئا إلا هذه الآية الجامعة الفاذة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} .

ص: 29

2-

وروى الشيخان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مُثِّل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه – يعني شدقيه – ثم يقول: أنا كنزك، أنا مالك)) ثم تلا هذه الآية: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} الآية

3-

وروى ابن ماجه، والبزار، والبيهقي – واللفظ له – عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((يا معشر المهاجرين خصال خمس، إن ابتليتم بهن ونزلن بكم أعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم. ولو ينقصوا المكيال والميزان، إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان. ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا. ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدو من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، إلا جعل بأسهم بينهم))

4-

وروى الشيخان عن الأحنف بن قيس قال: جلست إلى ملأ من قريش فجاء رجل خشن الشعر والثياب والهيئة حتى قام عليهم فسلم ثم قال: بشر الكانزين برضف يحمى عليه في نار جهنم، ثم يوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه فيتزلزل ثم ولى فجلس إلى سارية، وتبعته وجلست إليه وأنا لا أدري من هو – فقلت: لا أرى القوم إلا قد كرهوا الذي قلت. قال: إنهم لا يعقلون شيء قال لي خليلي، قلت: من خليلك؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أتبصر أحدا؟)) قال: فنظرت إلى الشمس ما بقي من النهار، وأنا أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسلني في حاجة له. فقلت: نعم: قال: ((ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير. وإن هؤلاء لا يعقلون، إنما يجمعون الدنيا، لا والله لا أسألهم دنيا ولا أستفتيهم عن دين حتى ألقى الله عز وجل) .

حكم مانعها:

الزكاة من الفرائض التي أجمعت عليها الأمة واشتهرت شهرة جعلتها من ضروريات الدين بحيث لو أنكر وجوبها أحد خرج عن الإسلام، وقتل كفرا، إلا إذا كان حديث عهد بإسلام فإنه يعذر لجهله بأحكامه.

ص: 30

على من تجب الزكاة؟

تجب الزكاة على المسلم الحر المالك للنصاب، ومن أي نوع من أنواع المال الذي تجب فيه الزكاة.

ويشترط في النصاب:

1-

أن يكون فاضلا عن الحاجات الضرورية التي لا غنى للمرء عنها، كالمطعم والملبس والمسكن والمركب وآلات الحرفة.

2-

وأن يحول عليه الحول الهجري، ويعتبر ابتداؤه من يوم ملك النصاب، ولا بد من كماله في الحول كله، فلو نقص أثناء الحول ثم كمل اعتبر ابتداء الحول من يوم كماله.

قال النووي: مذهبنا ومذهب مالك وأحمد والجمهور: أنه يشترط في المال الذي تجب الزكاة في عينه – ويعتبر فيه الحول، كالذهب والفضة والماشية – وجود النصاب في جميع الحول فإن نقص النصاب في لحظة من الحول انقطع الحول. فإن كمل بعد ذلك استؤنف الحول من حين يكمل النصاب.

أداؤها وقت الوجوب:

يجب إخراج الزكاة فورًا عند وجوبها، ويحرم تأخير أدائها عن وقت الوجوب، إلا إذا لم يتمكن من أدائها فيجوز له التأخير حتى يتمكن.

لما رواه أحمد والبخاري عن عقبه بن الحارث قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر. فلما سلم، قام سريعًا فدخل على بعض نسائه. ثم خرج ورأى ما في وجوه القوم من تعاجبهم لسرعته، قال ((ذكرت وأنا في الصلاة تبرا عندنا، فكرهت أن يمسي أو يبيت عندنا فأمرت بقسمته)) .

وروى الشافعي، والبخاري في التاريخ عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((ما خالطت الصدقة مالا قط إلا أهلكته)) رواه الحميدي وزاد، قال:((يكون قد وجب عليك في مالك صدقة فلا تخرجها فيهلك الحرام الحلال))

الأموال التي تجب فيها الزكاة:

أوجب الإسلام الزكاة في الذهب والفضة، والزرع، والثمار وعروض التجارة، والسوائم والمعدن، والركاز.

زكاة النقدين: الذهب والفضة

وجوبها:

جاء في زكاة الذهب والفضة قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} .

والزكاة واجبة فيهما سواء أكان نقودا أم سبائك أم تبرا متى بلغ مقدار المملوك من كل منهما نصابا وحال عليه الحول وكان فارغا عن الدين والحاجات الأصلية.

ص: 31

نصاب الذهب ومقدار الواجب:

لا شيء في الذهب حتى يبلغ عشرين دينارا فإذا بلغ عشرين دينارا وحال عليه الحول ففيها ربع العشر أي نصف دينار وما زاد على العشرين دينار يأخذ ربع عشره كذلك فعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس عليك شيء في الذهب – حتى يكون لك عشرون دينارا فإذا كانت لك عشرون دينارا وحال عليه الحول ففيها نصف دينار فما زاد فبحساب ذلك وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول)) . رواه أحمد وأبو داود والبيهقي وصححه البخاري وحسنه الحافظ وعن زريق مولى بني فزارة: أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه – حين استخلف: - خذ ممن مر بك من تجار المسلمين فيما يديرون من أموالهم من كل أربعين دينارا: دينارا واحدا فيما نقص فبحساب ما نقص حتى يبلغ عشرين فإن نقصت ثلث دينار فدعها لا تأخذ منها شيء واكتب لهم براءة بما تأخذ منهم إلى مثلها من الحول. رواه ابن أبي شيبة.

قال مالك في الموطأ: السنة التي لا اختلاف فيها عندنا أن الزكاة تجب في عشرين دينارا كما تجب في مائتي درهم.

نصاب الفضة ومقدار الواجب:

وأما الفضة فلا شيء فيها حتى تبلغ مائتي درهم فإذا بلغت مائتي درهم ففيها ربع العشر وما زاد فبحسابه قل أم كثر فإنه لا عفو في زكاة النقد بعد بلوغ النصاب.

فعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قد عفوت لكم عن الخيل والرقيق فآتوا صدقة الرقة الفضة من كل أربعين درهما: درهم وليس في تسعين ومائة شيء فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم)) رواه أصحاب السنن

زكاة الزروع والثمار:

وجوبها:

أوجب الله تعالى زكاة الزروع والثمار فقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} والزكاة تسمى نفقة قال تعالى {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} قال ابن عباس: حقه الزكاة المفروضة.

فقد أورد الإمام مالك في موطئه الحديث التالي فيه تحديد لمقادير الزكاة في الثمار فقال: حدثني يحيى عن مالك عن الثقة عنده عن سليمان بن يسار وعن بسر بن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر)) .

ص: 32

الأصناف التي كانت تؤخذ منها الزكاة على عهد الرسول:

وقد كانت الزكاة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم تؤخذ من الحنطة والشعير والتمر والزبيب فعن أبي بردة عن أبي موسى ومعاذ رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهما إلى اليمن يعلمون الناس أمر دينهم فأمرهم أن لا يأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة: الحنطة والشعير والتمر والزبيب.

رواه الدارقطني والحاكم والطبراني والبيهقي وقال: رواته ثقات وهو متصل قال ابن المنذر وابن عبد البر: وأجمع العلماء على أن الصدقة واجبة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب.

وجاء في رواية ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما سن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذرة. وفي إسناد هذه الرواية محمد بن عبيد الله العرزمي وهو متروك.

الأصناف التي لم تكن تؤخذ منها:

ولم تكن تؤخذ الزكاة من الخضروات ولا من غيرها من الفواكه إلا العنب والرطب.

نصاب زكاة الزروع والثمار: ذهب أكثر أهل العلم إلى أن الزكاة لا تجب في شيء من الزروع والثمار حتى تبلغ خمسة أوسق.

فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)) رواه أحمد والبيهقي بسند جيد.

زكاة الحيوان:

جاءت الأحاديث الصحيحة مصرحة بإيجاب الزكاة في الإبل والبقر والغنم واجتمعت الأمة على العمل.

ويشترط لإيجاب الزكاة فيها:

1-

أن تبلغ نصابا.

2-

وأن يحول عليه الحول.

3-

وأن تكون سائمة أي راعية من الكلأ المباح أكثر العام.

والجمهور على اعتبار هذا الشرط ولم يخالف فيه غير مالك والليث فإنهما أوجبا الزكاة في المواشي مطلقًا سواء أكانت سائمة أو معلوفة عاملة أو غير عاملة.

ص: 33

زكاة الإبل:

لا شيء في الإبل حتى تبلغ خمسا فإذا بلغت خمسا، وحال عليها الحول ففيها شاة فإذا بلغت عشرا ففيها شاتان وهكذا كلما زادت خمسا زادت شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض (وهي التي لها سنة ودخلت في الثانية) أو ابن لبون (وهو الذي له سنتان ودخل في الثالثة) فإذا بلغت ستة وثلاثين ففيها ابنة لبون وفي ست وأربعين حقة (وهي التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة) وفي إحدى وستين حقتان إلى مائة وعشرين فإذا زادت ففي كل أربعين ابنة لبون وفي كل خمسين حقة.

زكاة البقرة:

وأما البقرة فلا شيء فيها حتى تبلغ ثلاثين فإذا بلغت ثلاثين سائمة وحال عليها الحول ففيها تبيع أو تبيعة (وهو ما له سنة) ولا شيء فيها غير ذلك حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت ففيها مسنة (وهي ما لها سنتان) ولا شيء فيها حتى تبلغ ستين فإذا بلغت ستين ففيها تبعان وفي السبعين مسنة وتبيع وفي الثمانين مسنتان وفي التسعين ثلاثة أتباع وفي المائة مسنة وتبيعان وفي العشرة والمائة مسنتان وتبيع وفي العشرين والمائة ثلاثة مسنات أو أربعة أتباع وهكذا ما زاد ففي كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة.

زكاة الغنم:

لا زكاة في الغنم حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين وحال عليها الحول ففيها شاة إلى مائة وعشرين فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين ففيها شاتان إلى مائتين فإذا بلغت مائتين وواحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة.

ويؤخذ الجذع من الضمأن والثني من المعز.

هذا ويجوز إخراج الذكور في الزكاة اتفاقًا إذا كان نصاب الغنم كله ذكورا فإن كان إناثا أو ذكورا وإناث جاز إخراج الذكور عند الأحناف وتعينت الأنثى عند غيرهم.

مصارف الزكاة

تصرف الزكاة للأصناف الثمانية المذكورة في قوله تعالى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} وفي تعريف كل واحد من هؤلاء الأصناف وما يتعلق ذلك من الأحكام تفصيل في المذهب

1-

الحنفية قالوا:

) الفقير) هو الذي يملك أقل من النصاب أو يملك نصابا غير تام يستغرق حاجته أو يملك نصبا كثيرة غير تامة تستغرق الحاجة فإن ملكها لا يخرجه عن كونه فقيرا يجوز صرف الزكاة له وصرفها للفقير العالم أفضل.

ص: 34

(المسكين) هو الذي لا يملك شيء أصلا فيحتاج إلى المسألة لقوته أو لتحصيل ما يواري به بدنه ويحل له أن يسأل لذلك بخلاف الفقير فإنه لا تحل له المسألة ما دام يملك قوت يومه بعد سترة بدنه.

(العامل) هو الذي نصبه الإمام لأخذ الصدقات والعشور فيأخذ بقدر ما عمل.

(والرقاب) هم الأرقاء المكاتبون.

(والغارم) هو الذي عليه دين ولا يملك نصابا كاملًا بعد دينه والدفع إليه لسداد دينه أفضل من الدفع للفقير.

(وفي سبيل الله) هم الفقراء المنقطعون للغزو في سبيل الله على الأصح.

(وابن السبيل) هو الغريب المنقطع عن ماله فيجوز صرف الزكاة له بقدر الحاجة فقط والأفضل له أن يستدين.

أما (المؤلفة قلوبهم) فإنهم منعوا من الزكاة في خلافة الصديق.

ويشترط لصحة أداء الزكاة النية المقارنة لإخراجها أو وجب إخراجه.

هذا وللمالك أن يصرف الزكاة لجميع الأصناف المذكورة في الآيات الكريمة أو لبعضهم ولو واحد من أي صنف كان والأفضل أن يقتصر على واحد إلا إذا كان المدفوع أقل من نصاب فإن دفع نصابا كاملا فأكثر أجزأه مع الكراهة.

إلا إذا كان استحق الزكاة مدينا فإنه يجوز للمالك أن يسدد له دينه بالزكاة ولو كانت أكثر من نصاب وكذا لو كان ذا عيال فإنه يجوز أن يصرف له من الزكاة أكثر من نصاب لكن بحيث لو وزع على عياله يصيب كل واحد منهم أقل من نصاب.

ص: 35

ولا يجوز أن يصرف الزكاة في بناء مسجد أو مدرسة أو في حج أو جهاد أو في إصلاح طرق أو سقاية أو قنطرة أو نحو ذلك أو تكفين ميت وكل ما ليس فيه تمليك لمستحق الزكاة وقد تقدم أن التمليك ركن للزكاة ويجوز صرف الزكاة لمن يملك أقل من النصاب وإن كان صحيحا ذا كسب أما من يملك نصابا من أي مال كان فاضلا عن حاجته الأصلية وهي مسكنه وثيابه وخادمه ومركبه وسلاحه فلا يجوز صرف الزكاة له.

ويجوز دفع الزكاة إلى ولد الغني الكبير إذا كان فقيرا أما ولده الصغير فلا يجوز دفع الزكاة له وكذا يجوز دفعها إلى امرأة الغني وهي فقيرة وإلي الأب المعسر إن كان ابنه موسرا ويكره نقل الزكاة من بلد إلى بلد إلا أن ينقلها إلى قرابته أو إلى قوم هم أحوج إليها من أهل بلده ولو نقل إلى غيرهم أجزأه مع الكراهة وإنما يكره النقل إذا أخرجها في حينها أما إذا أعجلها قبل حينها فلا بأس بالنقل.

المعتبر في الزكاة مكان المال حتى لو كان المالك في بلد وماله في بلد أخرى تفرق الزكاة في مكان المال وإذا نوى الزكاة بما يعطيه لصبيان أقاربه أو لمن يأتيه ببشارة ونحوها أجزأه وكذا ما يدفعه للفقراء من الرجال والنساء في المواسم والأعياد. ويجوز التصدق على الذمي بغير مال الزكاة ولا تحل لبني هاشم بخلاف صدقات التطوع والوقف.

2 – الحنابلة قالوا:

(الفقير) هو من لم يجد شيئا أو لم يجد نصف كفايته.

(والمسكين) هو من يجد نصفه أو أكثر فيعطى كل واحد منهما من الزكاة تمام كفايته مع عائلته سنة.

(والعامل عليها) هو كل من يحتاج إليه في تحصيل الزكاة فيعطى منها بقدر أجرته ولو غنيا.

(والمؤلف) هو السيد المطاع في عشيرته ممن يرجى إسلامه أو يخشى شره أو يرجى قوة إيمانه أو إسلام نظيره من الكفار أو يحتاج إليه في جبايتها ممن لا يعطيها فيعطى منها ما يحصل التأليف.

و (الرقاب) هو المكاتب ولو قبل حلول شيء من دين الكتابة ويعطى ما يقضي به دين الكتابة.

و (الغارم) قسمان: أحدهما: من استدان للإصلاح بين الناس ثانيهما: من استدان لإصلاح نفسه في أمر مباح أو محرم وتاب ويعطى ما يفي به دينه.

و (في سبيل الله) هو الغازي إن لم يكن هناك ديوان ينفق منه عليه ويعطى ما يحتاج إليه من سلاح أو فرس أو طعام أو شراب وما يفي بعودته.

ص: 36

و (ابن السبيل) هو الغريب الذي فرغت منه النفقة في غير بلده في سفر مباح أو محرم وتاب ويعطى ما يبلغه لبلده ولو وجد مقرضا سواء كان غنيا أو فقيرا.

ويكفي الدفع لواحد من هذه الأصناف الثمانية، ويجوز أن يدفع الجماعة زكاتهم لواحد كما يجوز للواحد أن يدفع زكاته لجماعة، ولا يجوز إخراج الزكاة بقيمة الواجب، وإنما الواجب إخراج عين ما وجب، ولا يجوز دفع الزكاة للكافر، ولا لرقيق، ولا لغني بمال أو كسب، ولا لمن تلزمه نفقته ما لم يكن عاملا، أو غازيا، أو مكاتبا، أو ابن سبيل، أو غارما لإصلاح ذات بين، ولا يجوز أيضًا أن تدفع الزوجة زكاتها لزوجها، وكذلك العكس، ولا يجوز دفعها لهاشمي فإن دفعها لغير مستحقها جهلا ثم علم عدم استحقاقه لم تجزئه، ويستردها ممن أخذها وإن دفعها لمن يظنه فقيرا أجزأه كما يجزئه تفرقتها للأقارب إن لم تلزمه نفقتهم والأفضل تفرقتها لفقراء بلده ويجوز نقلها لأقل من مسافة القصر من البلد الذي فيه المال. والأفضل تفرقتها جميعا لفقراء بلده ويجوز نقلها لأقل من مسافة القصر من البلد الذي فيه المال. ويحرم نقلها إلى مسافة القصر وتجزئه.

3 – الشافعية قالوا:

(الفقير) هو من لا مال له أصلا ولا كسب من حلال أو من له مال أو كسب من حلال يكفيه بأن كان أقل من النصف الكافي ولم يكن له منفق يعطيه ما يكفيه كالزوج بالنسبة لزوجته. والكفاية تعتبر بالنسبة لعمره الغالب وهو اثنان وستون سنة. إلا إذا كان له مال يتجر فيه فيعتبر ربحه في كل يوم على حده فإن كان ربحه في كل يوم أقل من نصف الكفاية في ذلك اليوم فهو فقير وكذا إذا جاوز العمر الغالب فالعبرة بكل يوم على حده فإن كان عنده من المال أو الكسب ما يكفيه في نصف اليوم فهو فقير.

و (المسكين) من قدر على مال أو كسب حلال يساوي نصف ما يكفيه في العمر الغالب المتقدم أو أكثر من النصف فلا يمنع من الفقر والمسكنة وجود مسكين لائق به أو وجود ثياب كذلك ولو كانت للتجمل وكذا لا يمنع من وصف المرأة بالفقر والمسكنة وجود حلي لها تحتاج للتزين به عادة وكذا وجود كتب العلم الذي يحتاج لها للمذاكرة أو المراجعة كما أنه إذا كان له كسب من حرام أو مال غائب عنه بمرحلتين أو أكثر أو دين له مؤجل فإن ذلك كله لا يمنعه من الأخذ من الزكاة بوصف الفقر أو المسكنة.

ص: 37

و (العامل على الزكاة) هو من له دخل في جمع الزكاة: كالساعي والحافظ والكاتب وإنما يأخذ العامل منه إذا فرقها الإمام ولم يكن له أجرة مقدرة من قبله فيعطى بقدر أجر مثله.

و (المؤلفة قلوبهم) هم أربعة أنواع الأول: ضعيف الإيمان الذي أسلم حديثا فيعطى منها ليقوم إسلامه. الثاني: من أسلم وله شرف في قومه ويتوقع بعطائه من الزكاة إسلام غيره من الكفار. الثالث: مسلم قوي الإيمان: يتوقع بعطائه أن يكفينا شر من وراءه من الكفار. الرابع: من يكفينا شر مانع الزكاة.

(والرقاب) هو المكاتب يعطى من الزكاة ما يستعين به على أداء نجوم الكتابة ليخلص من الرق وإنما يعطى بشروط: أن تكون كتابته صحيحة وأن يكون مسلما وأن لا يكون عنده وفاء بما عليه من دين الكتابة وأن لا يكون مكتوب لنفس المزكي.

(والغارم) هو المدين وأقسامه ثلاثة: الأول: مدين للإصلاح بين المتخاصمين فيعطى منها ولو غني. الثاني: من استدان في مصلحة نفسه ليصرف في مباح أو غير مباح بشرط أن يتوب. والثالث: من عليه دين بسبب ضمان لغيره وكان معسرا هو والمضمون إذا كان الضامن بأذنه فإن تبرع هو بالضمان بدون أذن المضمون يعطى متى أعسر هو ولو أيسر المضمون ويعطى الغارم في القسمين الآخرين ما عجز عنه من الدين بخلاف القسم الأول فيعطى منها ولو غنيا.

(وفي سبيل الله) هو المجاهد المتطوع للغزو وليس له نصيب من المخصصات للغزاة في الديوان ويعطى منها ما يحتاج إليه ذهابا وإيابا وإقامة ولو غنيا كما تعطى له نفقة من يمونه وكسوته وقيمة سلاح وفرس ويهيأ له ما يحمل متاعه وزاده إن لم يعتد حملها.

(وابن السبيل) هو المسافر من بلد الزكاة أو المار بها فيعطى منها ما يوصله لمقصده أو لماله إن كان له مال بشرط أن يكون محتاجا حين السفر أو المرور وأن لا يكون عاصيا بسفره وأن يكون سفره لغرض صحيح شرعا.

ص: 38

ويشترط في أخذ الزكاة من هذه الأصناف الثمانية زيادة على الشروط الخاصة لكل صنف شروط خمسة. الأول: الإسلام. الثاني: كمال الحرية إلا إذا كان مكاتبا. الثالث: أن لا يكون من بني هاشم ولا بني المطلب ولا عتيق لواحد منهم ولو منع حقه من بيت المال ويستثنى من ذلك الحمال والكيال والحافظ للزكاة فيأخذون منها ولو كفارا أو عبيدا أو من آل البيت لأن ذلك أجره على العمل. الرابع: أن لا تكون نفقته واجبة على المزكي. الخامس: أن يكون القابض للزكاة وهو البالغ العاقل حسن التصرف.

ويجب في الزكاة تعميم الأصناف الثمانية إن وجدوا سواء فرقها الإمام أو المالك إلا أن المالك لا يجب عليه التعميم إلا إذا كانت الأصناف محصورة بالبلد ووفى بهم المال وإلا وجب إعطاء ثلاثة أشخاص من كل صنف وإن فقد بعض الأصناف أعطيت للموجود واختار جماعة جواز دفع الزكاة ولو كانت زكاة مال لواحد وتشترط نية الزكاة عند دفعها للإمام أو المستحقين أو عند عزلها ولا يجوز للمالك نقل الزكاة من بلد إلى آخر ولو كان قريب متى وُجد مستحق له في بلدها أما الإمام فيجوز له نقلها.

وبلد الزكاة هو المحل الذي تم الحول والمال موجود فيه. وهذا فيما يشترط فيه الحول كالذهب وأما غيره كالزروع فبلد زكاته المحل الذي تعلقت الزكاة به وهو موجود فيه.

4 – المالكيه قالوا:

(الفقير) هو من يملك من المال أقل من كفاية العام فيعطى منها ولو ملك نصابا وتجب عليه زكاة هذا النصاب. وليس الفقير من وجبت نفقته على غيره متى كان ذلك الغير غنيا قادرا على دفع النفقة. فلا يجوز أن يعطي الزكاة لوالده الفقير ولو لم ينفق عليه بالفعل لأنه قادر على أخذ نفقته منه برفع الأمر فإنه يجوز أن يصرف الزكاة له. ومتى كانت له حرفه يتحصل منها على ما يكفيه أو له مرتب كذلك فلا يجوز أعطاءه من الزكاة فإن كان المرتب لا يكفيه أعطي من الزكاة بقدر كفايته.

(والمسكين) من لا يملك شيئا أصلا فهو أحوج من الفقير.

ويشترط في الفقير والمسكين ثلاثة شروط: الحرية والإسلام وأن لا يكون كل منهما من نسل هاشم بن عبد مناف إذا أعطوا ما يكفيهم من بيت المال والأصح إعطاؤهم حتى لا يضر بهم الفقر. وأما بنو المطلب أخي هاشم فليسوا من آل النبي صلى الله عليه وسلم فتحل لهم الزكاة وأما صدقة التطوع فتحل لبني هاشم وغيرهم.

(والمؤلفة قلوبهم) هم كفار يعطون منها ترغيبا في الإسلام ولو كانوا من بني هاشم وقيل هم المسلمون حديثو عهد بالإسلام فيعطون منها ليتمكن الإيمان من قلوبهم، وعلى القول الثاني فحكمهم باق لم ينسخ، فيعطون من الزكاة الآن وأما على التفسير الأول ففي بقاء حكمهم وعدمه خلاف. والتحقيق أنه إذا دعت حاجة الإسلام إلى استئلاف الكفار أعطوا من الزكاة وإلا فلا.

ص: 39

(والعامل على الزكاة) كالساعي والكاتب، والمفرق والذي يجمع أرباب المواشي لتحصيل الزكاة منهم، ويعطى العامل منها ولو غنيا. لا يستحقها بوصف العمل. لا الفقر، فإن كان فقيرا استحق بالوصفين. ويشترط في أخذه منها أن يكون حرا مسلما غير هاشمي. ويشترط في صحة توليته عليها أن يكون عدلا عارفا بأحكامها فلا يولى كافر، ولا فاسق ولا جاهل بأحكامها وإذا ولَّى السلطان عاملا عبدا، أو هاشميا، نفذت توليته ويعطى الأجرة من بيت المال لا من الزكاة.

(وفي الرقاب) الرقبة رقيق مسلم يشترى من الزكاة ويعتق ويكون ولاؤه للمسلمين، فإذا مات ولا وارث له وله مال فهو في بيت مال المسلمين.

و (الغارم) هو المدين الذي لا يملك ما يوفي به دينه من الزكاة، ولو بعد موته، وشرطه الحرية والإسلام وكونه غير هاشمي وأن يكون تداينه لغير فساد: كشرب خمر وإلا فلا يعطى منها إلا أن يتوب ويشترط أن يكون الدين لآدمي فإن كان لله: كدين الكفارات فلا يعطى من الزكاة لسداده والمجاهد يعطى من الزكاة إن كان حرا مسلما غير هاشمي ولو غنيا ويلحق به الجاسوس ولو كافرا فشرطه الحرية فقط ويصح أن يُشترى من الزكاة سلاح وخيل للجهاد ولتكن نفقة الخيل من بيت المال.

(وابن السبيل) هو الغريب المحتاج لمن يوصله لوطنه فيعطى من الزكاة إن كان حرا مسلما غير هاشمي ولا عاصيا بسفره كقطاع الطريق ومتى استوفى الشروط أخذ ولو غنيا ببلده إن لم يجد من يسلفه ما يوصله إليه وإلا فلا يعطى كمن فقد أحد الشروط.

ويجب في الزكاة أن ينوي مخرجها أن هذا القدر المعطى زكاة وتكون النية عند تفريقها إن لم ينو عند العزل، فإن نوى عند عزل مقدار الزكاة أنه زكاة، كفاه ذلك، فإن تركت النية أصلا فلا يعتد بما أخرجه من الزكاة ولا يلزم إعلان الآخذ بأن ما أخذه هو من الزكاة، بل يكره لما فيه من كسر قلب الفقير.

ويعين تفرقة الزكاة بموضع الوجوب أو قربه، ولا يجوز نقله إلى مسافة قصر فأكثر، إلا أن يكون أهل ذلك الموضع أشد حوجة أو حاجة من أهل محل الوجوب، فيجب نقل الأكثر لهم، وتفرقه الأقل على أهله، وأجرة نقلها من بيت مال المسلمين، فإن لم يوجد بيت مال بيعت واشترى مثلها بالمحل الذي يراد النقل إليه، أو فرق ثمنها بذلك المحل على حسب المصلحة، وموضع الوجوب هو مكان الزروع والثمار، ولو لم تكن في بلد المالك ومحل المالك.

ص: 40

هذا في العين، وأما الماشية فموضع وجوبها محل وجودها إن كان هناك ساع وإلا فمحل المالك.

ولا يجب تعميم الأصناف الثمانية في الإعطاء، بل يجوز دفعها ولو لواحد من صنف واحد، إلا العامل فلا يجوز دفعها كلها إليه إذا كانت زائدة على أجرة عمله.

هل يجوز توزيع الزكاة في مشاريع ذات ريع دون تمليك فردي للمستحق؟

يتضح لنا من خلال هذا البحث ومن خلال مختلف آراء الأئمة الأربعة بأن الزكاة لا تصرف إلا إلى الجهات الثمانية التي حددها الكتاب والسنة، وأنه متى ما تم وقت الزكاة فلا بد من أدائها فورا إلى مستحقيها لأن التأخير عن أداء الزكاة يعد مخالفة للشرع حتى إن بعض السادة المالكية أعلنوا بأن تأخير الزكاة عن موعدها كتأخير الصلاة عن وقتها، وأن ذلك يترتب عليه الإثم، لأنه لا مصلحة لتأخير الزكاة والفقراء والمساكين يعانون مآسي الجوع والفاقة، فكيف ترضى نفس مؤمنة بتأخير الزكاة أو التهاون عن أدائها وإخوانهم الفقراء والمساكين بحاجة إليها وعليه فإن توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بلا تمليك فردي للمستحق لا يمكن أن يتم إلا إذا وجد مستحقو الزكاة حقوقهم وبقدر الكفاية المحددة لهم لأنه لابد أن يعطى الفقير القدر الذي يخرجه من الفقر إلى الغنى ومن الحاجة إلى الكفاية على الدوام، فقد قال: عمر رضي الله عنه: إذا أعطيتم فأغنوا يعني الصدقة.

وقال القاضي عبد الوهاب: لم يحد مالك لذلك حدا، فإنه قال: يعطى من له المسكن، والخادم، والدابة الذي لا غنى له عنه، وقد جاء في الحديث ما يدل على أن المسألة تحل للفقير حتى يأخذ ما يقوم بعيشه ويستغني به مدى الحياة.

فإذا ما وجد كل ذي حق حقه من أموال الصدقة وفاضت فيمكن بعد ذلك توجيهها إلى مثل هذا المشروع كما حدث في عهد عمر بن عبد العزيز أنه لما أبلغ بفيض أموال الصدقة بعد توزيعها إلى المستحقين أمر بتزويج العزاب من أموال الصدقة.

كما أن الإمام مالك أورد في موطأه في باب القراض الحديث التالي: "حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري وهو أمير البصرة فرحب بهما وسهل، ثم قال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى ههنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكما، فتبيعان به متاعا من متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون الربح لكما، فقالا: وددنا ذلك، ففعل وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهما المال، فلما قدما باعا فأربحا فلما دفعا ذلك إلى عمر قال: أكل الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما؟ قالا: لا، فقال عمر بن الخطاب ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما، أديا المال وربحه، فأما عبد الله سكت وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي ذلك يا أمير المؤمنين، هذا لو نقص هذا المال أو هلك لضمناه، فقال عمر: أدياه، فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا، قال عمر: قد جعلته قراضا، فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه وأخذ عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب نصف ربح المال.

إن ذلك يدل على جواز استعمال أموال الله في مشاريع ذات ريع.

والله أعلم.

ص: 41