الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فتح مكة]
فصل لما أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه فتح مكة: اقتضت حكمة الله أن أمسك قلوب هوازن عن الإسلام، لتكون غنائمهم شكرانا لأهل الفتح، وليظهر حزبه على الشوكة التي لم يلق المسلمون مثلها. فلا يقاومهم أحد بعد من العرب. وأذاق المسلمين أولا مرارة الكسرة، مع قوة شوكتهم، ليطامن رؤوسا رفعت بالفتح، ولم تدخل حرمه كما دخله رسوله صلى الله عليه وسلم واضعا رأسه، منحنيا على فرسه، حتى إن ذقنه ليكاد يمس قربوس سرجه تواضعا لربه. وليبين سبحانه - لمن قال:" لن نغلب اليوم عن قلة " - إن النصر إنما هو من عنده سبحانه، وأن من يخذله فلا ناصر له غيره. وأنه سبحانه الذي تولى نصر دينه، لا كثرتكم. فلما انكسرت قلوبهم، أرسل إليها خلع الجبر مع بريد النصر:{ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة: 26](1) وقد اقتضت حكمته أن خلع النصر إنما تفيض على أهل الانكسار: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5](2) .
[غزوة الطائف]
غزوة الطائف ولما أراد المسير إلى الطائف - وكانت في شوال سنة ثمان - بعث الطفيل بن عمرو إلى ذي الكفين - صنم عمرو بن حممة الدوسي - يهدمه، وأمره أن يستمد قومه يوافيه بالطائف - فخرج سريعا، فهدمه وجعل يحثو النار في وجهه ويقول: -
(1) من الآية 26 من سورة التوبة.
(2)
الآية 5 من سورة القصص.
يا ذا الكفين ، لست من عبادكا
…
ميلادنا أكبر من ميلادكا
إني حشوت النار في فؤادكا
وانحدر معه من قومه أربعمائة سراعا. فوافوا النبي صلى الله عليه وسلم بالطائف - بعد مقدمه بأربعة أيام - وقدم بدبابة ومنجنيق.
قال ابن سعد: لما انهزموا من أوطاس دخلوا حصنهم، وتهيئوا للقتال. وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنزل قريبا من حصن الطائف. وعسكر هناك. فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدا، كأنه رجل جراد، حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحة. وقتل منهم اثنا عشر رجلا. فارتفع صلى الله عليه وسلم إلى موضع مسجد الطائف اليوم. فحاصرهم ثمانية عشر يوما. ونصب عليهم المنجنيق - وهو أول من رمى به في الإسلام - وأمر بقطع أعناب ثقيف. فوقع الناس فيها يقطعون، فسألوه: أن يدعها لله وللرحم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإني أدعها لله وللرحم» .
ونادى مناديه: " أيما عبد نزل من الحصن، وخرج إلينا. فهو حر " فخرج منهم بضعة عشر رجلا، فيهم أبو بكرة بن مسروج، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفع كل منهم إلى رجل من المسلمين يمونه.
ولم يأذن في فتح الطائف. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأذن بالرحيل، فضج الناس من ذلك، وقالوا: نرحل، ولم يفتح علينا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فاغدوا على القتال» فغدوا، فأصابهم جراحات. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إنا قافلون إن شاء الله» فسروا بذلك. وجعلوا يرحلون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك.
فلما ارتحلوا واستقلوا قال: «قولوا: آيبون، تائبون، عابدون، لربنا
حامدون» وقيل: يا رسول الله، ادع الله على ثقيف، فقال:«اللهم اهد ثقيفا وائت بهم» .
ثم خرج إلى الجعرانة. فدخل منها إلى مكة محرما بعمرة فقضاها. ثم رجع إلى المدينة.