الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- وعمر يكلم الناس - فقال: على رسلك يا عمر، أنصت. فأبى إلا أن يتكلم. فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس. فلما سمع الناس كلام أبي بكر أقبلوا عليه، وتركوا عمر. فحمد الله تعالى، وأثنى عليه. ثم قال: أيها الناس، أنه من كان يعبد محمدا. فإن محمدا قد مات. ومن كان يعبد الله تعالى، فإن الله حي لا يموت. قال: ثم تلا هذه الآية؛ {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] » الآية (1) .
قال: فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت، حتى تلاها أبو بكر يومئذ، قال: وأخذها الناس عن أبي بكر، فإنما هي في أفواههم. قال أبو هريرة فقال عمر: فوالله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها. فعثرت حتى وقعت إلى الأرض، ما تحملني رجلاي، فاحتملني رجلان، وعرفت أن رسول الله قد مات ".
[حديث السقيفة]
حديث السقيفة فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم: انحاز هذا الحي من الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة. واعتزل علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله في بيت فاطمة. وانحاز المهاجرون إلى أبي بكر وعمر، ومعهم أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل. فأتى آت إلى أبي بكر وعمر، فقال: إن هذا الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة قد انحازوا إليه. فإن كان لكم بأمر الناس من حاجة،
(1) آية 144 من سورة آل عمران.
فأدركوا الناس قبل أن يتفاقم أمرهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته لم يفرغ من أمره، قد أغلق دونه الباب أهله. فقال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، حتى ننظر ما هم عليه.
قال ابن إسحاق: وكان من حديث السقيفة: أن عبد الله بن أبي بكر حدثني عن محمد بن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال: أخبرني عبد الرحمن بن عوف - وكنت في منزله بمنى أنتظره، وهو عند عمر في آخر حجة حجها عمر - قال: فرجع عبد الرحمن من عند عمر، فوجدني في منزله بمنى أنتظره، وكنت أقرئه القرآن. فقال لي: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين فقال: هل لك في فلان؟ يقول: والله لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا. والله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت. فغضب عمر، وقال: إني - إن شاء الله - لقائم العشية في الناس، فمحذرهم من هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم، قال عبد الرحمن: فقلت لا تفعل، فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغائهم، وإنهم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس. وإني أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها أولئك عنك كل مطير، ولا يعوها ولا يضعوها على مواضعها. فأمهل، حتى تقدم المدينة. فإنها دار السنة، وتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت بالمدينة متمكنا، فيعي أهل الفقه مقالتك، ويضعوها على مواضعها. فقال عمر: أما والله - إن شاء الله - لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة.
قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة. فلما كان يوم الجمعة، عجلت الرواح حين زالت الشمس. فأجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر، فجلست حذوه، تمس ركبتاه ركبتيه،
فلم أنشب أن خرج عمر.
فقلت لسعيد: ليقولن الساعة على هذا المنبر مقالة لم يقلها منذ استخلف. فأنكر علي سعيد ذلك. وقال: ما عسى أن يقول مما لم يقل قبله؟ فجلس على المنبر.
فلما سكت المؤذن، قام، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها. ولا أدري: لعلها بين يدي أجلي؟ فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته. ومن خشي ألا يعيها، فلا أحل لأحد أن يكذب علي. إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه: آية الرجم، فقرأناها ووعيناها. وعقلناها. ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى - إن طال بالناس زمان - أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله. وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى، إذا أحصن، من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل أو الاعتراف. ثم إنا قد كنا نقرأ فيما نقرأ من الكتاب:" لا ترغبوا عن آبائكم، فأنه كفر بكم - أو كفر لكم - أن ترغبوا عن آبائكم " إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم. فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله» ثم أنه قد بلغني أن فلانا قال: لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلانا. فلا يغترن امرؤ يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت - ألا وإنها والله قد كانت كذلك، إلا أن الله وقى شرها، وليس فيكم من تنقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر. فمن بايع رجلا عن غير مشورة المسلمين. فأنه لا بيعة له هو، ولا الذي بايعه، تغرة أن يقتلا. أنه كان من خبرنا - حين توفى الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم: أن الأنصار خالفونا،
فاجتمعوا بأشرافهم في سقيفة بني ساعدة. وتخلف عنا علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ومن معهما. واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر. فقلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار. فانطلقنا نؤمهم، حتى لقينا منهم رجلان صالحان (1) . فذكرا لنا ما تمالأ عليه القوم. وقالا لنا: أين تريدون يا معاشر المهاجرين؟ قلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار. فقالا: لا عليكم، ألا تقربوهم يا معشر المهاجرين، اقضوا أمركم. قال: قلت: والله لنأتينهم.
فانطلقنا، حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة. فإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل، فقلت: من هذا؟ فقالوا: سعد بن عبادة. قلت: ما له؟ قالوا: وجع. فلما جلسنا، نشهد خطيبهم. فأثنى على الله عز وجل بما هو له أهل، ثم قال: أما بعد، فنحن أنصار الله، وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين، رهط منا. وقد دفت دافة من قومكم. قال: وإذا هم يريدون أن يحتازونا من أصلنا، ويغتصبونا الأمر.
فلما سكت أردت أن أتكلم - وقد زورت في نفسي مقالة قد أعجبتني، أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر. وكنت أداري منه بعض الحد.
فقال أبو بكر: على رسلك يا عمر، فكرهت أن أعصيه. فتكلم - وهو كان أعلم مني وأحكم وأحلم وأوقر - فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني من
(1) هما: عويم بن ساعدة. وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعم المرء منهم عويم بن ساعدة " ومعن بن عدي، أخو بني العجلان، وهو الذي قال: حين بكى الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد توفي - وقالوا: لوددنا أنا متنا قبله. إنا نخشى أن نفتن بعده - فقال معن: " لكني والله ما أحب أني مت قبله. حتى أصدقه ميتا. كما صدقته حيا " وقتل معن يوم اليمامة شهيدا في خلافة أبي بكر رضي الله عنهم.