الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
وإني قد بعثت إليكم خالدا في المهاجرين والأنصار، والتابعين لهم بإحسان، وأمرته أن لا يقاتل أحدا حتى يدعوه إلى داعية الله، فمن دخل في دين الله وعمل صالحا قبل ذلك منه ومن أبى فلا يبقي على أحد، ويحرقهم بالنار، ويسبي الذراري والنساء ".
وعن عروة بن الزبير قال: " جعل أبو بكر يوصي خالدا، ويقول عليك بتقوى الله، والرفق بمن معك. فإن معك أهل السابقة من المهاجرين والأنصار. فشاورهم. ثم لا تخالفهم. وقدم أمامك الطلائع ترتد لك المنازل. وسر في أصحابك على تعبئة جيدة. فإن أعطاك الله الظفر على أهل اليمامة؛ فأقل البقيا عليهم إن شاء الله، وإياك أن تلقاني غدا بما يضيق به صدري منك. اسمع عهدي ووصيتي ولا تغيرن على دار سمعت فيها أذانا، حتى تعلم ما هم عليه ".
" واعلم أن الله يعلم من سريرتك ما يعلم من علانيتك، واعلم أن رعيتك تعمل بما تراك تعمل ".
تعاهد جيشك، وانههم عما لا يصلح لهم. فإنما تقاتلون من تقاتلون بأعمالكم. وبهذا نرجو لكم النصر على أعدائكم. سر على بركة الله تعالى ".
[ذكر مسير خالد إلى بزاخة وغيرها]
ذكر مسير خالد إلى بزاخة وغيرها لما سار خالد إلى بزاخة (2) كان عدي بن حاتم معه، وقد انضم إليه
(1) آية 6 من سورة فاطر.
(2)
رملة من وراء النباج، وقيل: ماء لبني أسد وطيئ.
من طيء ألف، فنزلوا بزاخة وكانت جديلة معرضة عن الإسلام - وهي بطن من طيء - وكان عدي بن حاتم رضي الله عنه من الغوث، وقد همت جديلة أن ترتد فجاءهم مكنف بن زيد الخيل. فقال أتريدون أن تصيروا سبة على قومكم؟ ولم يرجع رجل واحد من طيء وهذا عدي معه ألف رجل من طيء، فكسرهم.
فلما نزل خالد بزاخة قال لعدي: ألا نسير إلى جديلة؟ قال: يا أبا سليمان أقاتل معك بيدين أحب إليك، أم بيد واحدة؟ فقال بل بيدين. قال: فإن جديلة إحدى يدي فكف عنهم. فكف عنهم.
فجاءهم عدي. فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا. فحمد الله. وسار بهم إلى خالد. فلما رآهم صاح في أصحابه السلاح. فلما جاءوا حلوا ناحية، فجاءهم خالد ورحب بهم. فاعتذروا إليه. وقالوا: نحن لك حيث شئت. فجزاهم خيرا. فلم يرتد من طيء رجل واحد.
فسار خالد على تعبئته، وطلب إليه عدي أن يجعل قومه مقدمة أصحابه. فقال أخاف أن أقدمهم فإذا ألجمهم القتال انكشفوا، فانكشف من معنا. ولكن دعني أقدم قوما صبرا، لهم سوابق.
فقال عدي: الرأي ما رأيت، فقدم المهاجرين والأنصار.
ولم يزل يقدم الطلائع منذ خرج من بقعاء حتى قدم اليمامة.
وأمر عيونه أن يختبروا كل من مروا بهم عند مواقيت الصلاة بالأذان لها، فيكون ذلك دليلا على إسلامهم.
فلما انتهوا إلى طليحة الأسدي وجدوه وقد ضربت له قبة وأصحابه
حوله. فضرب خالد خيام عسكره على ميل أو نحوه، وخرج يسير على فرس معه نفر من الصحابة. فوقف قريبا من العسكر. ودعا بطليحة فخرج إليه. فقال إن من عهد خليفتنا إلينا: أن ندعوك إلى الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن تعود إلى ما خرجت منه فأبى طليحة.
وكان عيينة بن حصن قد قال له: لا أبا لك، هل أنت مرينا؟ - يعني نبوتك - فقد رأيت ورأينا ما كان يأتي محمدا. قال: نعم فبعث عيونا له لما أقبل خالد إليهم قبل أن يسمع الناس بإقباله. فقال: إن بعثتم فارسين على فرسين أغرين محجلين من بني نصر بن قعين، أتوكم من القوم بعين. فبعثوا كذلك فلقيا عينا لخالد. فأتوا به. فزادهم فتنة.
فلما أبى طليحة أن يجيب خالدا، انصرف خالد إلى معسكره. فاستعمل تلك الليلة على حرسه مكنف بن زيد الخيل، وعدي بن حاتم. فلما كان من السحر نهض خالد. فعبأ أصحابه ووضع ألويته مواضعها. ودفع اللواء الأعظم إلى زيد بن الخطاب. فتقدم به. وتقدم ثابت بن قيس بن شماس بلواء الأنصار، وطلبت طيء لواء. فعقد لهم خالد لواء ودفعه إلى عدي.
فلما سمع طليحة الحركة عبأ أصحابه. حتى إذا استوت الصفوف زحف بهم خالد حتى دنا من طليحة. فأخرج طليحة أربعين غلاما جلدا، فأقامهم في الميمنة، وقال: اضربوا حتى تأتوا الميسرة. فتضعضع الناس. ولم يقتل أحد حتى أقامهم في الميسرة ففعلوا مثل ذلك وانهزم المسلمون.
فقال خالد: يا معشر المسلمين، الله الله. واقتحم وسط القوم وكر معه أصحابه. فاختلطت الصفوف ونادى يومئذ مناد من طيء عندما حمل أولئك الأربعون: يا خالد عليك - بسلمى وأجا - جبلي طيئ - فقال: بل إلى الله الملتجأ، ثم حمل فما رجع حتى لم يبق من الأربعين رجل واحد. وتراد الناس بعد الهزيمة واشتد القتال. وأسر حبال بن أبي حبال فأرادوا أن يبعثوا به إلى أبي بكر. فقال اضربوا عنقي، ولا تروني محمديكم هذا، فضربوا عنقه.
ولما اشتد القتال تزمل طليحة بكساء له، وهم ينتظرون أن ينزل عليه الوحي فلما طال ذلك على أصحابه وهدتهم الحرب جعل عيينة يقاتل ويذمر الناس حتى إذا ألح المسلمون عليهم السيف أتى طليحة وهو في كسائه. فقال: لا أبا لك، هل أتاك جبريل بعد؟ قال: لا والله. قال: تبا لك سائر اليوم. ثم رجع عيينة فقاتل، وجعل يحض أصحابه على القتال وقد ضجوا من وقع السيوف. فلما طال ذلك عليهم. جاء إلى طليحة وهو متلفف بكسائه فجبذه جبذة شديدة جلس منها. وقال: قبح الله هذه من نبوة، ما قيل لك بعد شيء؟ قال: بلى، قد قيل لي: إن لك رحى كرحاه وأمرا لن تنساه.
فقال عيينة: أظن أن قد علم الله أنه سيكون لك حديث لن تنساه يا بني فزارة هكذا - وأشار تحت الشمس - انصرفوا. هذا والله كذاب. ما بورك لنا ولا له فيما يطلب. فانصرفت فزارة وذهب عيينة وأخوه في آثارهما. فأدرك عيينة فأسر. وأفلت أخوه.
ولما رأى طليحة ما فعل أصحابه خرج منهزما. فجعل أصحابه يقولون:
ماذا تأمرنا؟ وقد كان أعد فرسه وهيأ امرأته. فوثب على فرسه وحمل امرأته وراءه. ثم ولى هاربا. وقال: من استطاع منكم أن يفعل هكذا فليفعل ثم هرب حتى قدم الشام.
وذكر أنه قال لأصحابه لما رأى انهزامهم: ويلكم ما يهزمكم؟ فقال له رجل: أنا أخبرك، إنه ليس منا رجل إلا وهو يحب أن صاحبه يموت قبله، وإنا نلقى قوما كلهم يحب أن يموت قبل صاحبه.
ولما ولى طليحة هاربا، تبعه عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم. وكان طليحة قد أعطى الله عهدا: أن لا يسأله أحد النزول إلا فعل. فلما أدبر ناداه عكاشة بن محصن يا طليحة، فعطف عليه فقتل عكاشة ثم أدركه ثابت فقتله أيضا طليحة، ثم لحق المسلمون أصحاب طليحة فقتلوا وأسروا. وصاح خالد لا يطبخن رجل قدرا، ولا يسخنن ماء إلا وأثفيته رأس رجل (1) .
(1) التحريق بالنار مسألة خلافية، قال صاحب الفتح: واختلف السلف في التحريق فكرهه عمر وابن عباس وغيرهما مطلقا سواء كان ذلك بسبب كفر أو في حال مقاتلة أو كان قصاصا، وأجازه علي وخالد وغيرهما مطلقا سواء كان ذلك بسبب كفر أو في حال مقاتلة أو كان قصاصا، وأجازه علي وخالد وغيرهما، وقال: المهلب ليس هذا النهي على التحريم بل على سبيل التواضع، ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة، وقد سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين بالحديد المحمى، وقد حرق أبو بكر البغاة بالنار في حضرة الصحابة، وحرق خالد بالنار ناسا من أهل الردة، وأكثر علماء المدينة يجيزون تحريق الحصون والمراكب على أهلها، قاله الثوري والأوزاعي، وقال ابن المنير وغيره: لا حجة فيما ذكر للجواز لأن قصة العرنيين كانت قصاصا أو منسوخة لما تقدم، وتجويز الصحابي معارض بمنع صحابي آخر، انتهى فتح الباري ج 6 ص 149 - 150 ط السلفية.