الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الظفر ما لم يكن في حسابه. فقال: بل هما فلان وفلان خرجا في طلب حاجة لهما. ثم مكث قليلا. ثم قام فدخل خباءه وقال لجاريته: أخرجي بالفرس من وراء الخباء وموعدك وراء الأكمة. ثم أخذ رمحه وخفض عاليه يخط به الأرض حتى ركب فرسه. فلما قرب منهم وسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يكثر الالتفات ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يلتفت - قال أبو بكر: يا رسول اللَّه هذا سراقة بن مالك قد رهقنا. فدعا عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فساخت يدا فرسه في الأرض.
فقال قد علمت أن الذي أصابني بدعائكما. فادعوا اللَّه لي، ولكما أن أرد الناس عنكما، فدعا له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فخلصت يدا فرسه. فانطلق. وسأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يكتب له كتابا، فكتب له أبو بكر بأمره في أديم. وكان الكتاب معه إلى يوم فتح مكة. فجاء به فوفى له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
فرجع. فوجد الناس في الطلب فجعل يقول: قد استبرأت لكم الخبر وقد كفيتم ما هاهنا. فكان أول النهار جاهدا عليهما. وكان آخره حارسا لهما.
[قصة أم معبد]
قصة أم معبد ثم مروا بخيمة أم معبد الخزاعية، وكانت امرأة برزة جلدة تحتبي بفناء الخيمة ثم تطعم وتسقي من مر بها، فسألاها: هل عندها شيء يشترونه؟ فقالت واللَّه لو عندنا شيء ما أعوزكم القرى. والشاء عازب - وكانت سنة شهباء - فنظر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة فقال «ما هذه الشاة؟» قالت خلفها الجهد عن الغنم. فقال «هل بها
من لبن؟» قالت: هي أجهد من ذلك. قال «أتأذنين لي أن أحلبها؟» قالت: نعم - بأبي أنت وأمي - إن رأيت بها حليبا فاحلبها.
فمسح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيده ضرعها، وسمى اللَّه ودعا، فتفاجت عليه ودرت. فدعا بإناء لها يربض الرهط فحلب فيه حتى علته الرغوة فسقاها فشربت حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا. ثم شرب هو. وحلب فيه ثانيا فملأ الإناء. ثم غادره عندها وارتحلوا.
فقل ما لبثت أن جاء زوجها يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزالا. فلما رأى اللبن قال: من أين هذا؟ والشاء عازب. ولا حلوبة في البيت؟ . قالت: لا واللَّه إلا أنه مر بنا رجل مبارك، من حديثه كيت وكيت، قال: واللَّه إني لأراه صاحب قريش الذي تطلبه. صفيه لي يا أم معبد.
قالت: ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة ولم تزر به صعلة وسيم قسيم في عينيه دعج وفي أشفاره وطف وفي صورته صحل وفي عنقه سطع. وفي لحيته كثاثة أحور أكحل أزج أقرن شديد سواد الشعر إذا صمت علاه الوقار وإذا تكلم علاه البهاء أجمل الناس وأبهاه من بعيد وأحسنه وأحلاه من قريب. حلو المنطق، فصل: لا نذر ولا هذر كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن ربعة لا تقتحمه عين من قصر ولا تشنؤه من طول. غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدرا. له رفقاء يحفون به. إذا قال استمعوا لقوله. وإذا أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود. لا عابس ولا مفند (1) .
(1) هو الذي لا فند ولا ضعف في كلامه ولا يرد عليه في أي شأن لكمال قوته وحكمته.
قال أبو معبد: هذا - واللَّه - صاحب قريش الذي تطلبه. ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن، إن وجدت إلى ذلك سبيلا.
وأصبح صوت عال بمكة يسمعونه ولا يرون القائل يقول:
جزى اللَّه رب الناس خير جزائه
…
رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر وارتحلا به
…
فأفلح من أمسى رفيق محمد
فيالقصي ما زوى اللَّه عنكمو
…
به من فخار لا يحاذى وسؤدد
وقد غادرت وهنا لديها بحالب
…
يرد بها في مصدر ثم مورد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها؟
…
فإنكموا إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت
…
له بصريح ضرة الشاة مزبد
لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم
…
وقدس من يسري إليه ويغتدي
ترحل عن قوم فزالت عقولهم
…
وحل على قوم بنور مجدد
هداهم به - بعد الضلالة - ربهم
…
وأرشدهم من يتبع الحق يرشد
وقد نزلت منه على أهل يثرب
…
ركاب هدى ، حلت عليهم بأسعد
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله
…
ويتلو كتاب اللَّه في كل مشهد