الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكانت تسمى في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعده " المبعثرة " لما كشفت من سرائر المنافقين وخبايا قلوبهم.
وفي غزوة تبوك: كانت قصة تخلف كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية الواقفي. ممن شهدوا بدرا. ولم يكن لهم عذر في التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، جاء المعذرون من الأعراب من المنافقين، يحلفون أنهم كانوا معذورين. فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرجأ كعب بن مالك وصاحبيه حتى أنزل الله في شأنهم وفي توبتهم - وكانوا من خيار المؤمنين -:{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ - وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 117 - 118] الآيتين (1) . خلفهم الله وأخر توبتهم ليمحصهم ويطهرهم من ذنب تأخرهم. لأنهم كانوا من الصادقين.
[وفود العرب إلى رسول الله]
[وفد بني تميم]
وفود العرب إلى رسول الله ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك، وأسلمت ثقيف. ضربت إليه أكباد الإبل، تحمل وفود العرب من كل وجه، في سنة تسع. وكانت تسمى: سنة الوفود.
قال ابن إسحاق: وإنما كانت العرب تربص بالإسلام أمر هذا الحي من قريش، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذلك: أن قريشا كانوا إمام الناس وهداتهم، وأهل البيت والحرم، وصريح ولد إسماعيل عليه السلام، وقادة العرب لا ينكرون ذلك. وكانت
(1) الآيتان 117، 118 من سورة التوبة.
قريش هي التي نصبت لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما افتتحت مكة، ودانت له قريش. عرفت العرب: ألا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا عداوته، فدخلوا في دين الله أفواجا. كما قال تعالى:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ - وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا - فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 1 - 3](1) .
وفد بني تميم فقدم عليه عطارد بن حاجب التميمي، في أشراف من بني تميم، جاءوا في أسرى بني تميم، الذين أخذتهم سرية عيينة بن حصن الفزاري في المحرم من هذه السنة. وكان عيينة قد أخذ أحد عشر رجلا، وإحدى وعشرين امرأة، وثلاثين صبيا. وساقهم إلى المدينة. فقدم رؤساء بني تميم فيهم. فلما دخلوا المسجد، نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات - وهو في بيته - أن اخرج إلينا. فآذى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله فيهم:{إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ - وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 4 - 5](2) .
فلما خرج إليهم قالوا: جئنا لنفاخرك، فائذن لشاعرنا وخطيبنا. قال:" أذنت لخطيبكم " فقام عطارد. فخطب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس: " قم، فأجب الرجل " فقام ثابت فخطب وأجابه. وقام الزبرقان بن بدر فقال:
نحن الكرام ، فلا حي يعادلنا
…
منا الملوك وفينا تنصب البيع
(1) سورة النصر.
(2)
الآيتان 4، 5 من سورة الحجرات.
وكم قسرنا من الأجياد كلهمو
…
عند النهاب ، وفضل العز يتبع
ونحن يطعم عند القحط مطعمنا
…
من الشواء إذا لم يؤنس القزع (1) .
إلى أن قال: -
إنا أبينا ، ولا يأبى لنا أحد
…
إنا كذلك عند الفخر نرتفع
في أبيات ذكرها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان: " قم، فأجب الرجل " فقام، فقال:
إن الذوائب من فهر وإخوتهم
…
قد بينوا سننا للناس تتبع
يرضى بها كل من كانت سريرته
…
تقوى الإله ، وكل الخير يصطنع
قوم إذا حاربوا ضروا عدوهمو
…
أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
سجية ، تلك منهم غير ، محدثة
…
إن الخلائق - فاعلم - شرها البدع
إن كان في الناس سباقون بعدهمو
…
فكل سبق لأدنى سبقهم تبع
(1) القزع جمع قزعة - بالتحريك - قطع السحاب المتفرقة.
إلى أن قال: -
لا يبخلون على جار بفضلهمو
…
ولا يمسهمو من مطمع طبع
لا يفخرون إذا نالوا عدوهم
…
وإن أصيبوا فلا خور ولا هلع
نسمو إذا الحرب نالتنا مخالبها
…
إذا الزعانف من أظفارها خشعوا
إلى أن قال: -
أكرم بقوم رسول الله شيعتهم
…
إذا تفرقت الأهواء والشيع
أهدى لهم مدحتي قلب ، ووازره
…
فيما أحب: لسان حائك صنع
وقال الزبرقان أيضا: -
أتيناك كيما يعلم الناس فضلنا
…
إذا احتفلوا عند احتضار المواسم
فإنا ملوك الناس في كل موطن
…
وأن ليس في أرض الحجاز كدارم (1)
وإنا نذود المعلمين إذا انتخوا
…
ونضرب رأس الأغيد المتفاخم
وأن لنا المرباع (2) في كل غارة
…
تغير بنجد ، أو بأرض الأعاجم
(1) حي من تميم ينسبون إلى أبيهم دارم بن مالك بن حنظلة.
(2)
المرباع: ربع ما يأخذون من الغنيمة. كان يأخذه السيد والرئيس المطاع، ولو لم يحضر الوقعة.
فأجابه حسان بن ثابت رضي الله عنه: -
هل المجد إلا السؤدد العود والندى
…
وجاه الملوك ، واحتمال العظائم؟
نصرنا وآوينا النبي محمدا
…
على أنف راض من معد وراغم
إلى أن قال: -
ونحن ضربنا الناس حتى تتابعوا
…
على دينه بالمرهفات الصوارم
ونحن ولدنا من قريش عظيمها
…
ولدنا نبي الخير من آل هاشم
بني دارم ، لا تفخروا. إن فخركم
…
يعود وبالا عند ذكر المكارم
هبلتم ، علينا تفخرون؟ وأنتم
…
لنا خول. ما بين ظئر وخادم
فإن كنتمو جئتم لحقن دمائكم
…
وأموالكم: أن تقسموا في المقاسم
فلا تجعلوا لله ندا. وأسلموا
…
ولا تلبسوا زيا كزي الأعاجم
فلما فرغ حسان، قال الأقرع بن حابس: إن هذا الرجل لمؤتى.