المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[وقعة بدر الكبرى يوم الفرقان] - مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لمحمد بن عبد الوهاب

[محمد بن عبد الوهاب]

فهرس الكتاب

- ‌[المقدمة]

- ‌مقدمة هذه الطبعة

- ‌مقدمة طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

- ‌[قصص الأولين والآخرين]

- ‌[قصة آدم وإبليس]

- ‌[قصة إبراهيم عليه السلام وأحواله]

- ‌[ولاية البيت ومكة لإسماعيل ثم لذريته من بعده]

- ‌[قصة عمرو بن لحي وتغييره دين إبراهيم]

- ‌[أقدم أصنام الجاهلية مناة واللات والعزى]

- ‌[انتقال ولاية البيت إلى جرهم]

- ‌[انتقال ولاية البيت إلى غبشان من خزاعة]

- ‌[ولاية قصي وجمعه لقومه]

- ‌[حلف الفضول]

- ‌[قصة الحمس]

- ‌[حدوث الرجوم وإنذار الكهان بخروج النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[قصة بدء الوحي]

- ‌[قصة عمه أبي طالب]

- ‌[قصته صلى الله عليه وسلم مع قريش لما قرأ سورة النجم]

- ‌[إسلام الأنصار]

- ‌[بعض فوائد الهجرة]

- ‌[مشروعية الجهاد في المدينة]

- ‌[قتال أهل الردة]

- ‌[أهم ما على المسلم معرفة التوحيد من الشرك]

- ‌[من قال لا إله إلا الله وفعل ما يناقضها]

- ‌[نسب النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[قصة الفيل]

- ‌[وفاة عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[عبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[أبو طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[خروجه إلى الشام وزواجه خديجة]

- ‌[تحنثه في غار حراء]

- ‌[بناء الكعبة]

- ‌[بعض ما كان عليه أهل الجاهلية]

- ‌[عمرو بن لحي أول من غير دين إبراهيم]

- ‌[صنم مناة]

- ‌[صنم اللات]

- ‌[صنم العزى]

- ‌[صنم هبل]

- ‌[ذو الخلصة]

- ‌[صنم عم أنس]

- ‌[بدء الوحي]

- ‌[أنواع الوحي]

- ‌[أول من آمن]

- ‌[شأن زيد بن حارثة]

- ‌[سمية أول شهيدة]

- ‌[ابتداء الدعوة]

- ‌[أول دم أهريق]

- ‌[استهزاء المشركين]

- ‌[الهجرة الأولى إلى الحبشة]

- ‌[الهجرة الثانية إلى الحبشة]

- ‌[كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي يزوجه أم حبيبة]

- ‌[بعث قريش إلى النجاشي تطلب إرجاع المسلمين]

- ‌[موت النجاشي]

- ‌[إسلام حمزة بن عبد المطلب]

- ‌[إسلام عمر رضي الله عنه]

- ‌[حماية أبي طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[حصار بني هاشم في الشعب]

- ‌[نقض الصحيفة]

- ‌[موت خديجة وأبي طالب]

- ‌[سؤالهم عن الروح وأهل الكهف]

- ‌[قول الوليد بن المغيرة في القرآن سحر]

- ‌[انشقاق القمر]

- ‌[سؤالهم الآيات]

- ‌[خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف]

- ‌[الإسراء والمعراج]

- ‌[فصل في الهجرة]

- ‌[بيعة العقبة الأولى]

- ‌[إسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير]

- ‌[بيعة العقبة الثانية]

- ‌[الهجرة إلى المدينة]

- ‌[تآمر قريش بدار الندوة على قتل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[قصة سراقة بن مالك]

- ‌[قصة أم معبد]

- ‌[دخول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة]

- ‌[بناء المسجد]

- ‌[بناؤه بعائشة]

- ‌[المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين]

- ‌[حوادث السنة الأولى]

- ‌[إسلام عبد اللَّه بن سلام]

- ‌[حوادث السنة الثانية]

- ‌[تحويل القبلة]

- ‌[استقرار الرسول بالمدينة]

- ‌[بعض خصائص رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[أول لواء عقده رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[سرية عبيدة بن الحارث]

- ‌[سرية سعد بن أبي وقاص]

- ‌[غزوة الأبواء]

- ‌[غزوة بواط]

- ‌[خروجه لطلب كرز بن جابر]

- ‌[غزوة العشيرة]

- ‌[بعث عبد اللَّه بن جحش]

- ‌[قتل عمرو بن الحضرمي]

- ‌[معنى الفتنة]

- ‌[وقعة بدر الكبرى يوم الفرقان]

- ‌[قسم غنائم بدر]

- ‌[أسارى بدر]

- ‌[غزوة بني قينقاع]

- ‌[غزوة أحد]

- ‌[وقعة بئر معونة]

- ‌[غزوة المريسيع]

- ‌[قصة الإفك]

- ‌[غزوة الأحزاب]

- ‌[صلح الحديبية]

- ‌[غزوة خيبر]

- ‌[قدوم جعفر بن أبي طالب وصحبه من الحبشة]

- ‌[محاصرة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعض اليهود بوادي القرى]

- ‌[بعث سرية إلى الحرقات]

- ‌[عمرة القضية]

- ‌[غزوة مؤتة]

- ‌[غزوة الفتح الأعظم]

- ‌[هدم عمرو بن العاص صنم سواع]

- ‌[بعث سعد بن زيد لهدم مناة]

- ‌[غزوة حنين]

- ‌[المن على سبي هوازن]

- ‌[فتح مكة]

- ‌[غزوة الطائف]

- ‌[وفد ثقيف]

- ‌[ما في غزوة الطائف من الفقه]

- ‌[حوادث سنة تسع]

- ‌[قصة كعب بن زهير]

- ‌[غزوة تبوك]

- ‌[وفود العرب إلى رسول الله]

- ‌[وفد بني تميم]

- ‌[وفد طيئ]

- ‌[وفد عبد القيس]

- ‌[وفد بني حنيفة فيهم مسيلمة]

- ‌[حجة أبي بكر بالناس]

- ‌[حجة الوداع]

- ‌[بعث أسامة بن زيد إلى البلقاء]

- ‌[مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[موت رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[حديث السقيفة]

- ‌[بيعة العامة لأبي بكر]

- ‌[فضيلة أبي بكر الصديق وخلافته الراشدة]

- ‌[قصة الردة]

- ‌[نفع الله طيئا بعدي بن حاتم]

- ‌[قتال أهل الردة]

- ‌[كتاب أبي بكر لأمرائه]

- ‌[ذكر مسير خالد إلى بزاخة وغيرها]

- ‌[ذكر رجوع بني عامر وغيرهم إلى الإسلام]

- ‌[مسير خالد إلى اليمامة]

- ‌[ذكر ردة أهل اليمامة مفتونين بمسيلمة الكذاب]

- ‌[ذكر تقديم خالد الطلائع من البطاح]

- ‌[ذكر ردة بني سليم]

- ‌[قتل الفجاءة وتحريقه]

- ‌[ذكر ردة أهل البحرين]

- ‌[ذكر ردة أهل دبار وأزد عمان]

- ‌[السنة الثانية عشرة]

- ‌[مسير خالد إلى العراق]

- ‌[حوادث السنة الثالثة عشرة]

- ‌[موت الصديق رضي الله عنه]

- ‌[حوادث السنة الرابعة عشرة]

- ‌[حوادث السنة الخامسة عشرة]

- ‌[فتح القادسية]

- ‌[حوادث السنة السادسة عشرة]

- ‌[حوادث السنة السابعة عشرة]

- ‌[حوادث السنة الثامنة عشرة]

- ‌[حوادث السنة التاسعة عشرة]

- ‌[حوادث السنة العشرين]

- ‌[حوادث السنة الحادية والعشرين]

- ‌[حوادث السنة الثانية والعشرين]

- ‌[حوادث السنة الثالثة والعشرين]

- ‌[حوادث سنة أربع وعشرين]

- ‌[حوادث سنة خمس وعشرين]

- ‌[حوادث سنة ست وعشرين]

- ‌[حوادث سنة سبع وعشرين]

- ‌[حوادث سنة ثمان وعشرين]

- ‌[حوادث سنة تسع وعشرين]

- ‌[حوادث سنة ثلاثين]

- ‌[حوادث سنة إحدى وثلاثين]

- ‌[حوادث سنة اثنتين وثلاثين]

- ‌[حوادث سنة ثلاث وثلاثين]

- ‌[حوادث سنة أربع وثلاثين]

- ‌[حوادث سنة خمس وثلاثين]

- ‌[حوادث سنة ست وثلاثين]

- ‌[موقعة الجمل]

- ‌[حوادث سنة سبع وثلاثين]

- ‌[حوادث سنة ثمان وثلاثين]

- ‌[حوادث سنة أربعين]

- ‌[حوادث سنة سنة اثنتين وأربعين]

- ‌[حوادث سنة ثلاث وأربعين]

- ‌[حوادث سنة أربع وأربعين]

- ‌[حوادث سنة خمس وأربعين]

- ‌[حوادث سنة ست وأربعين]

- ‌[حوادث سنة سبع وأربعين]

- ‌[حوادث سنة تسع وأربعين]

- ‌[حوادث سنة إحدى وخمسين]

- ‌[حوادث سنة اثنتين وخمسين]

- ‌[حوادث سنة ثلاث وخمسين]

- ‌[حوادث سنة أربع وخمسين]

- ‌[حوادث سنة خمس وخمسين]

- ‌[حوادث سنة ست وخمسين]

- ‌[حوادث سنة سبعة وخمسين]

- ‌[حوادث سنة ثمان وخمسين]

- ‌[حوادث سنة ستين]

- ‌[دولة بني العباس]

- ‌[بدء تأليف الكتب]

الفصل: ‌[وقعة بدر الكبرى يوم الفرقان]

وجاره وكالفتن التي وقعت بين أهل الإسلام.

وأما التي يضيفها اللَّه لنفسه فهي بمعنى الامتحان والابتلاء والاختبار.

[وقعة بدر الكبرى يوم الفرقان]

وقعة بدر الكبرى يوم الفرقان فلما كان في رمضان بلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خبر العير المقبلة من الشام مع أبي سفيان فيها أموال قريش فندب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للخروج إليها فخرج مسرعا في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا. ولم يكن معهم من الخيل إلا فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود. وكان معهم سبعون بعيرا يعتقب الرجلان والثلاثة على بعير. واستخلف على المدينة عبد اللَّه بن أم مكتوم.

فلما كان بالروحاء رد أبا لبابة واستعمله على المدينة.

ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير والراية إلى علي وراية الأنصار إلى سعد بن معاذ.

ولما قرب من الصفراء: بعث بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء يتحسسان أخبار العير.

وبلغ أبا سفيان مخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري. وبعثه حثيثا إلى مكة مستصرخا قريشا بالنفير إلى عيرهم. فنهضوا مسرعين. ولم يتخلف من أشرافهم سوى أبي لهب. فإنه عوض عنه رجلا بجعل. وحشدوا فيمن حولهم من قبائل العرب. ولم يتخلف عنهم من بطون قريش إلا بني عدي فلم يشهدها منهم أحد وخرجوا من

ص: 151

ديارهم كما قال تعالى {بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال: 47](1) فجمعهم على غير ميعاد كما قال تعالى {وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ} [الأنفال: 42](2) .

ولما بلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خروج قريش استشار أصحابه. فتكلم المهاجرون فأحسنوا ثم استشارهم ثانيا. فتكلم المهاجرون. ثم ثالثا. فعلمت الأنصار أن رسول اللَّه إنما يعنيهم، فقال سعد بن معاذ: كأنك تعرض بنا يا رسول اللَّه، وكان إنما يعنيهم لأنهم بايعوه على أن يمنعوه في ديارهم، وكأنك تخشى أن تكون الأنصار ترى عليهم ألا ينصروك إلا في ديارهم. وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم. فامض بنا حيث شئت وصل حبل من شئت واقطع حبل من شئت وخذ من أموالنا ما شئت. وأعطنا ما شئت. وما أخذت منها كان أحب إلينا مما تركت. فواللَّه لئن سرت بنا حتى تبلغ البَرْك من غُمدان لنسيرن معك وواللَّه لئن استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك.

وقال المقداد بن الأسود: إذن لا نقول كما قال قوم موسى لموسى {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24] ولكن نقاتل من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك.

فأشرق وجه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بما سمع منهم. وقال: «سيروا وأبشروا. فإن اللَّه وعدني إحدى الطائفتين. وإني قد رأيت مصارع القوم» . وكره بعض الصحابة لقاء النفير وقالوا: لم نستعد لهم فهو

(1) من الآية 47 من سورة الأنفال.

(2)

من الآية 42 من سورة الأنفال.

ص: 152

قوله تعالى {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ - يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ} [الأنفال: 5 - 6]- إلى قوله - {وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال: 8](1) .

وسار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى بدر.

وخفض أبو سفيان. فلحق بساحل البحر. وكتب إلى قريش أن ارجعوا فإنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم. فأتاهم الخبر فهموا بالرجوع. فقال أبو جهل: واللَّه لا نرجع حتى نقدم بدرا فنقيم بها نطعم من حضرنا ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان. وتسمع بنا العرب. فلا تزال تهابنا أبدا وتخافنا.

فأشار الأخنس بن شريق عليهم بالرجوع فلم يفعلوا. فرجع هو وبنو زهرة. فلم يزل الأخنس في بني زهرة مطاعا بعدها.

وأراد بنو هاشم الرجوع. فقال أبو جهل لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع فساروا إلا طالب بن أبي طالب. فرجع.

وسار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى نزل على ماء أدنى مياه بدر. فقال الحباب بن المنذر: إن رأيت أن نسير إلى قُلُب - قد عرفناها - كثيرة الماء عذبة فننزل عليها. ونغور ما سواها من المياه؟ وأنزل اللَّه تلك الليلة مطرا واحدا صلب الرمل. وثبت الأقدام. وربط على قلوبهم.

ومشى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في موضع المعركة. وجعل يشير بيده ويقول: «هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان إن شاء اللَّه.» فما تعدى أحد منهم

(1) الآيات من 5 - 8 من سورة الأنفال.

ص: 153

موضع إشارته صلى الله عليه وسلم.

فلما طلع المشركون قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم «اللَّهم هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها جاءت تحادك وتكذب رسولك. اللَّهم فنصرك الذي وعدتني. اللَّهم أحنهم الغداة» وقام ورفع يديه واستنصر ربه وبالغ في التضرع ورفع يديه حتى سقط رداؤه. وقال «اللَّهم أنجز لي ما وعدتني اللَّهم إني أنشدك عهدك ووعدك اللَّهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض بعد» (1) .

فالتزمه أبو بكر الصديق من ورائه وقال حسبك مناشدتك ربك يا رسول اللَّه. أبشر فوالذي نفسي بيده لينجزن اللَّه لك ما وعدك.

واستنصر المسلمون اللَّه واستغاثوه. فأوحى اللَّه إلى الملائكة {أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 12](2) وأوحى اللَّه إلى رسوله {أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9](3) بكسر الدال وفتحها. قيل إردافا لكم. وقيل يردف بعضهم بعضا لم يجيئوا دفعة واحدة.

فلما أصبحوا أقبلت قريش في كتائبها. وقلل اللَّه المسلمين في أعينهم حتى قال أبو جهل - لما أشار عتبة بن ربيعة بالرجوع خوفا على قريش من التفرق والقطيعة إذا قتلوا أقاربهم - إن ذلك ليس به. ولكنه - يعني عتبة - عرف أن محمدا وأصحابه أكلة جزور وفيهم ابنه فقد تخوفكم عليه.

(1) الحديث أخرجه مسلم والترمذي كما في جامع الأصول.

(2)

من الآية 12 سورة الأنفال.

(3)

من الآية 9 من سورة الأنفال.

ص: 154

وقلل اللَّه المشركين أيضا في أعين المسلمين ليقضي اللَّه أمرا كان مفعولا.

وأمر أبو جهل عامر بن الحضرمي - أخا عمرو بن الحضرمي - أن يطلب دم أخيه. فصاح. وكشف عن استه يصرخ واعمراه واعمراه. فحمي القوم. ونشبت الحرب.

وعدل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الصفوف. ثم انصرف وغفا غفوة. وأخذ المسلمين النعاس وأبو بكر الصديق مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يحرسه. وعنده سعد بن معاذ وجماعة من الأنصار على باب العريش. فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع. ويتلو هذه الآية {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر: 45](1) .

ومنح اللَّه المسلمين أكتاف المشركين. فتناولوهم قتلا وأسرا. فقتلوا سبعين وأسروا سبعين.

وخرج عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة: يطلبون المبارزة. فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار فقالوا: أكفاء كرام. ما لنا بكم من حاجة. إنما نريد من بني عمنا. فبرز إليهم حمزة وعبيدة بن الحارث بن المطلب وعلي بن أبي طالب. فقتل علي قرنه الوليد. وقتل حمزة قرنه شيبة. واختلف عبيدة وعتبة ضربتين كلاهما أثبت صاحبه. فكر حمزة وعلي على قرن عبيدة فقتلاه. واحتملا عبيدة قد قطعت رجله. فقال لو كان أبو طالب حيا لعلم أنا أولى منه بقوله:

ونسلمه حتى نصرع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

(1) آية 45 من سورة القمر.

ص: 155

ومات بالصفراء وفيهم نزلت {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19]- الآية (1) فكان علي رضي الله عنه يقول «أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي اللَّه عز وجل يوم القيامة» .

ولما عزمت قريش على الخروج وذكروا ما بينهم وبين بني كنانة من الحرب. فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك. فقال {لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ} [الأنفال: 48] فلما تعبئوا للقتال ورأى الملائكة فر ونكص على عقبيه فقالوا: إلى أين يا سراقة؟ فقال {إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 48]

وظن المنافقون ومن في قلبه مرض أن الغلبة بالكثرة فقالوا {غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ} [الأنفال: 49] فأخبر اللَّه سبحانه أن النصر إنما هو بالتوكل على اللَّه وحده.

ولما دنا العدو قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فوعظ الناس. وذكرهم بما لهم في الصبر والثبات من النصر وأن اللَّه قد أوجب الجنة لمن يستشهد في سبيله.

فأخرج عمير بن الحمام بن الجموح تمرات من قرنه يأكلهن. ثم قال لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة " فرمى بهن وقاتل حتى قتل فكان أول قتيل.

وأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ملء كفه ترابا فرمى به في وجوه القوم. فلم تترك رجلا منهم إلا ملأت عينيه. فهو قوله تعالى {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17](2) .

(1) من الآية 19 سورة الحج.

(2)

من الآية 17 سورة الأنفال.

ص: 156

واستفتح أبو جهل فقال اللَّهم أقطعنا للرحم وأتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة.

ولما وضع المسلمون أيديهم على العدو - يقتلون ويأسرون - وسعد بن معاذ واقف عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في رجال من الأنصار في العريش - رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في وجه سعد الكراهية. فقال «كأنك تكره ما يصنع الناس؟ قال أجل واللَّه يا رسول اللَّه كانت أول وقعة أوقعها اللَّه في المشركين. وكان الإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال» .

ولما بردت الحرب وانهزم العدو قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم «من ينظر لنا ما صنع أبو جهل؟» (1) فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه معوذ وعوف - ابنا عفراء - حتى برد. فأخذ بلحيته فقال أنت أبو جهل؟ فقال لمن الدائرة اليوم؟ قال للَّه ورسوله. ثم قال له هل أخزاك اللَّه يا عدو اللَّه؟ قال وهل فوق رجل قتله قومه؟ فاحتز رأسه عبد اللَّه بن مسعود. ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال قتلته فقال " آلله الذي لا إله إلا هو؟ - ثلاثا - ثم قال: «الحمد للَّه الذي صدق وعده ونصر عبده. وهزم الأحزاب وحده» . انطلق فأرنيه. فانطلقنا فأريته إياه. فلما وقف عليه قال: «هذا فرعون هذه الأمة» .

وأسر عبد الرحمن بن عوف أمية بن خلف وابنه عليا. فأبصره بلال - وكان يعذبه بمكة - فقال رأس الكفر أمية؟ لا نجوت إن نجا. ثم استحمى جماعة من الأنصار. واشتد عبد الرحمن بهما يحجزهما منهم فأدركوهم. فشغلهم عن أمية بابنه علي ففرغوا منه ثم لحقوهما.

(1) الحديث رواه البخاري.

ص: 157

فقال له عبد الرحمن ابرك. فبرك وألقى عليه عبد الرحمن بنفسه. فضربوه بالسيوف من تحته حتى قتلوه. وأصاب بعض السيوف رجل عبد الرحمن. وكان أمية قد قال له قبل ذاك من المعلم في صدره بريش النعام؟ فقال له ذاك حمزة بن عبد المطلب. قال ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل.

وانقطع يومئذ سيف عكاشة بن محصن. فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم جذلا من حطب فلما أخذه وهزه عاد في يده سيفا طويلا فلم يزل يقاتل به حتى قتل يوم الردة. ولما انقضت الحرب أقبل النبي صلى الله عليه وسلم حتى وقف على القتلى. فقال: «بئس عشيرة النبي كنتم كذبتموني. وصدقني الناس. وخذلتموني ونصرني الناس. وأخرجتموني. وآواني الناس» .

ثم أمر بهم فسحبوا حتى ألقوا في القليب - قليب بدر - ثم وقف عليهم فقال يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة ويا فلان ويا فلان هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا فقال عمر يا رسول اللَّه ما تخاطب من أقوام قد جيفوا؟ فقال ما أنت بأسمع لما أقول منهم.

ثم ارتحل مؤيدا منصورا قرير العين معه الأسرى والمغانم.

فلما كان بالصفراء قسم الغنائم وضرب عنق النضر بن الحارث. ثم لما نزل بعرق الظبية ضرب عنق عقبة بن أبي معيط.

ثم دخل المدينة مؤيدا منصورا. قد خافه كل عدو له بالمدينة.

ص: 158