الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التجويد:
التجويد مصدر جود يجود إذا أدى العمل بإتقان وإحسان، والاسم منه الجودة وهي ضد الرداءة.
والمراد به في اصطلاح القراء: الأداء الجيد لحروف القرآن الكريم وكلماته مع بيان ووضوح، وإعطاء كل حرف حقه، ورده إلى مخرجه، ومراعاة الصورة الملائمة في نطقه مع مجاوره، وإعراب ألفاظه، ومراعاة الحدود بمقاديرها الزمنية المناسبة. كل ذلك من غير إسراف ولا تعسف، وبدون إفراط أو تكلف.
والتجويد حلية التلاوة وزينة القراءة، وقد حرص عليه الأسلاف.
وقد أعطي عبد الله بن مسعود حظًّا عظيمًا في تجويد القرآن وترتيله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب سماع القرآن منه، وكانت تبكيه قراءته أحيانًا، حتى قال عليه الصلاة والسلام:"مَنْ أَحَبَّ أنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ" يعني عبد الله بن مسعود.
كما روى ابن الجزري بسند صحيح عن أبي عثمان النهدي قال صلى بنا ابن مسعود المغرب بـ: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} ووالله لوددت أن قرأ بسورة البقرة من صوته وترتيله1.
يقول ابن الجزري: وهذه سنة الله تبارك وتعالى فيمن يقرأ القرآن مجودًا، مصححًا، كما أنزل، تلتذ الأسماع بتلاوته، وتخشع القلوب عند قراءته، حتى يكاد يسلب العقول، ويأخذ بالألباب، سر من أسرار الله تعالى يودعه من يشاء من خلقه. ولقد أدركنا من شيوخنا من لم يكن
1 النشر ج2 ص301.
له حسن صوت، ولا معرفة بالألحان إلا أنه كان جيد الأداء قيمًا باللفظ، فكان إذا قرأ أطرب المسامع، وأخذ من القلوب بالمجامع، وكان الخلق يزدحمون عليه، ويجتمعون على الاستماع إليه، أمم من الخواص والعوام، يشترك في ذلك من يعرف اللسان العربي ومن لا يعرفه من سائر الأنام مع تركهم جماعات من ذوي الأصوات الحسان1.
والتجويد أبعد ما يكون عن التكلف في النطق، والتعسف في الأداء، يقول أبو عمرو الداني، مشيرًا إلى الصور المرفوضة في الأداء، والتي ينبغي أن ينأى عنها القراء: فليس التجويد بتمضيع اللسان، ولا بتقعير الفم، ولا بتعويج الفك، ولا بترعيد الصوت، ولا بتمطيط الشد، ولا بتقطيع المد، ولا بتطنين العنات، ولا بحصرمة الراءات، قراءة تنفر منها الطباع، وتمجها القلوب والأسماع، بل القراءة السهلة العذبة، الحلوة اللطيفة التي لا مضغ فيها، ولا لوك، ولا تعسف، ولا تكلف، ولا تصنع ولا تنطع، ولا تخرج عن طباع العرب، وكلام الفصحاء بوجه من وجوه القراءات والأداء2.
والوصول إلى المستوى الصحيح من تجويد القرآن، يتطلب مزيدًا من الدربة، والمران، والتلقي عمن يحسن الأداء، وكلما أمعن القارئ من الدربة، والرياضة على القراءة الصحيحة، بعيدة عن مساوئ التكلف وصل ما يريد من التجويد.
وبجانب هذا كله فإن قراءة القرآن عبادة تتطلب حسن النية، وإخلاص العمل، والرغبة الصادقة في التقرب إلى الله بتلاوة كتابه، والعمل بما فيه:
1 المرجع السابق ص302.
2 النشر ج2 ص303.
وحق التلاوة هو العمل والتنفيذ.
ومن خلال ما أسلفناه من كلام أئمة القراء عن "التجويد" يتبين لنا أنه يقوم على مراعاة الأمور الصوتية التالية:
أ- معرفة مخارج الحروف، وإخراج كل حرف من مخرجه الصحيح.
ب- معرفة صفات الحروف، ليأخذ كل حرف صفته التي تميزه عن غيره من الحروف التي تشاركه في المخرج.
ج- مراعاة الإظهار، والإخفاء، والإدغام، والإقلاب بصورها المتعددة شفوية كانت أو حلقية. وقضايا التفخيم والترقيق.
د- المد، وأسبابه، وأنواعه، والمدى الزمني لكل نوع من هذه الأنواع.
وقد دونت منذ مدى بعيد كتب في تجويد القرآن الكريم، وهي في جوهرها دراسات صوتية تتناول قضايا النبر، والتزمين، ومخارح الحروف، وصفاتها ونحو ذلك مما يؤكد أن العرب أسبق من بحث في هذه القضايا اللسانية.
ومن هذه المؤلفات: مؤلفات تناولت مسائل التجويد والأداء بين ما تناولته من موضعات القراءات تأريخًا وأصولًا وفرشًا مثل: الكشف لمكي بن أبي طالب، والإقناع لأبي جعفر بن الباذش وغيرهما.
وقد عرض ابن الجزري في كتابه: النشر أبوابًا من التجويد، وله مؤلفات خاصة بالتجويد.
1 راجع الكشف ج1 ص17 - 24.
وأقدم ما ألف في التجويد بخاصة -فيما أعلم- قصيدة أبي مزاحم الخافاني المتوفى سنة 325هـ، ونشرت محققة بعناية الدكتور عبد العزيز القاري.
ومنها: الرعاية لتجويد القراءة، وتحقيق لفظ التلاوة، لمكي بن أبي طالب1.
ومنها: كتاب جمال القراء، وكمال الإقراء قصيدة نونية لعلم الدين أبي الحسن علي بن محمد السخاوي المتوفى سنة 643هـ قال عنه ابن الجزري: وهو غريب من بابه جمع أنواعًا مما يتعلق بالقراءات، والتجويد والوقوف والابتداء2.
وهذا المؤلف هو بنفسه عروة المفيد3، وعدة المجيد في معرفة لفظ التجويد، جمعه الدكتور عبد العزيز مع قصيدة أبي مزاحم في مؤلف واحد.
ثم تكاثرت المؤلفات فيما بعد في علم التجويد خاصة، وغلب على أكثرها طابع النظم، مثل: من الجزرية، وتحفة الأطفال، ثم أخذ المحدثون يشرحون هذه المتون مثل: ملخص العقد الفريد في فن التجويد للشيخ على أحمد صبره سنة 1331هـ، والإتقان في تجويد القرآن للشيخ محمد الصادق قمحاوي.
والدرس اللغوي الحديث توفر على دراسة التجويد باعتباره يمثل جهود العرب في الدراسات الصوتية.
وقد تناولت في هذا الكتاب فصولًا من التجويد عند الحديث عن الأصول.
فتحدثت في الأصول عن الموقف قضية واحدة سواء ما يتصل منه بالقراءات أم ما يتصل منه بالتجويد، ونحو ذلك فعلت في الحديث عن التفخيم والترقيق، والإظهار والإدغام.
لكني هنا أقدم حديثًا موجزًا ووافيًا عن قضيتين من قضايا التجويد وهما:
1-
مخارج الحروف.
2-
صفات الحروف.
1 راجع الكشف ج1 ص17، 24.
2 النشر ج1 ص165 محبس.
3 راجع كشف الظنون ج2 ص1171 وما بعدها، والسيوطي في الإتقان ج1 ص133 الحلبي.