الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نشأة علم القراءات وبداية نزولها:
كيف نشأ علم القراءات:
منذ تلقى الرسول عليه الصلاة والسلام القرآن من لدن حكيم خبير كان يقرأ ما أنزل عليه لأصحابه والصحابة يلتزمون تلاوة الرسول عليه الصلاة والسلام وأداءه، وكانت تلاوته بحروف شتى، فمنهم من أخذ القرآن عنه بحرف واحد، ومنهم من أخذ عنه بحرفين، ومنهم من زاد على ذلك حتى تفرقوا بعد ذلك في الأمصار، وهم على هذا الحال، يقرءون القرآن بما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بحروفه المختلفة.
وأدرك بعض الصحابة شيئًا من هذا الاختلاف، وسألوا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يجيز ما سمع من قراءات.
من ذلك ما رواه البخاري في صحيحه من أن عمر بن الخطاب لبَّبَ هشام بن حكيم لما سمعه يقرأ سورة الفرقان على حروف لم يقرئها الرسول لعمر، فقاده إلى الرسول، فلما سمع من هشام قال:"كذلك أنزلت" ولما سمعها من عمر. قال: "كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه"1.
وكان تفرق الصحابة في الأمصار إبان الفتوح الإسلامية سببًا في كثرة الاختلاف في وجوه القراءات التي تعددت وكثرت حتى أحس الغُيُر من الصحابة أن هذا الاختلاف في حاجة إلى ضبط فرفعوا الأمر للخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فكتب مصاحفه التي وزعت على الأمصار، وأجمع الصحابة على عدم الاعتداد بما سواها، كما سنفصل ذلك بعد.
1 صحيح البخاري ج6 ص227 الطبعة الشعبية.
انحصرت وجوه القراءات بعد هذا فيما تواتر موافقًا للرسم العثماني، إلا أنه ظهرت قراءات لم يتوافر لها السند القوي، واكتفى أصحابها بموافقة الرسم "فصار أهل البدع والأهواء يقرءون بما لا يحل تلاوته وفاقًا لبدعتهم"1 فكان لا بد من إجراء آخر تصدى له أهل الخبرة والدراية والبصر بهذا الفن، وهو اختيار أئمة ثقات من مختلف الأمصار تكون قراءتهم قدوة لمن سواهم، وكان رائد هذا الاتجاه ابن مجاهد في كتابه "السبعة".
ثم جاء من أضاف ثلاثة قراء آخرين فصاروا عشرة، وأصبحوا هم الذين تنتهي إليهم القراءات الصحيحة التي توافرت لها شروط القبول. وارتضاها الإجماع2.
متى بدأ نزول القراءات:
بلا ريب نزل القرآن الكريم بحروفه المتعددة من عند رب العالمين.
وحروف القرآن المتنوعة سببها التيسير على الأمة التي تختلف لغات قبائلها.
وهذا الأمر لم يظهر إلا بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ودخول القبائل المختلفة في رحاب الإسلام.
فهل نزلت الحروف المختلفة في مكة أو المدينة؟
1 اتحاف فضلاء البشر في قراءات الأربعة عشر للدمياطي ص6.
2 وهذا لا يعني أن كل قراءة عدا العشرة غير صحيحة، بل هناك قراءة صحيحة السند، وخالفت رسم المصحف ولم يعتد بها، تنفيذًا لإجماع الصحابة على الالتزام بالرسم العثماني.
اتجه بعض الباحثين إلى أن القراءات نزلت بمكة مع بداية نزول القرآن الكريم؛ لأن معظم سور القرآن مكية، وفيها من القراءات ما في السور المدنية1.
ويرى آخرون أنها نزلت بالمدينة؛ لأن سببها وهو التيسير لم تظهر الحاجة إليه إلا في المدينة حيث تعددت قبائل المسلمين.
وقد يستشهد أصحاب هذا الرأي بما رواه مسلم في صحيحه، وابن جرير الطبري في تفسيره، عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند "أضاة بني غفار" فأتاه جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف، فقال:"أسأل الله معافاته ومغفرته وأن أمتي لا تطيق ذلك"، ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك على حرفين، فقال:"أسأل الله معافته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك"، ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك على ثلاثة أحرف قال: "أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك"، ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك على سبعة أحرف فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا2.
فيبدو من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح له أن يقرأ بالحروف المختلفة في الفترة المدنية بعد أن دخل في الإسلام قبائل شتى ذات لغات مختلفة؛ ولأن الحديث ذكر "أضاة بني غفار" وهي ماء قريب من المدينة3.
1 في رحاب القرآن د. محمد سالم محيسن ج1 ص233 وما بعدها.
2 صحيح مسلم ج1 ص103 طـ عيسى الحلبي القاهرة.
3 التعريف بالقرآن والحديث الدكتور محمد الزفزاف ص38 طـ دار الكتب العلمية بيروت. وهذا الاستشهاد في تقديري غير دقيق؛ لأن أضاة بني غفار، كما جاء في معجم البلدان لياقوت: موضع على عشرة أميال من مكة، وهو غدير أو مسيل ماء، وإن كنت لا أشك في أن الواقعة حدثت بعد الهجرة.
والخلاف في تقديري نظري؛ لأن القرآن الكريم المكي منه والمدني نزل بحروفه المختلفة التي يسرها الله للذكر، غير أن الحاجة لم تظهر لاستخدامها في مكة، وأصبحت ملحة بعد الهجرة والحديث الشريف ليس فيه ما يقطع بأن الحروف تنزل لأول مرة بل كل ما فيه هو الإذن باستخدامها؛ ولأن السور المكية فيها الحروف المختلفة التي في السور المدنية، بدليل أن أول خلاف نشأ بين الصحابة وهو خلاف عمر بن الخطاب، وهشام بن حكيم كان حول سورة الفرقان وهي مكية.
التدوين في علم القراءات:
على امتداد القرنين الأول والثاني تعددت القراءات وانتشر القراء في الأمصار الإسلامية، ثم أحكمت حركة القراءة والإقراء -كما بينا- في العالم على مرحلتين:
أ- مرحلة نسخ المصاحف العثمانية.
ب- ثم مرحلة التسبيع التي تعني اختيار أئمة مشهورين يرجع إليهم، وهي المرحلة التي قادها ابن مجاهد وأصبح الأمر بعد هذا مهيئًا للتدوين في هذا العلم.
وأكبر الظن أن بداية التدوين في القراءات كانت مع القرن الثالث.
ويتجه الباحثون إلى أن أول إمام يعتد به دون في هذا العلم هو الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام، المتوفى سنة 224هـ، حيث جمع فيه قراءة خمسة وعشرين قارئًا. قال ابن الجزري: لما كانت المائة الثالثة، واتسع الخرق، وقل الضبط، وكان علم الكتاب، والسنة أوفر ما كان في ذلك العصر. تصدى بعض الأئمة لضبط ما رواه من القراءة، فكان أول إمام معتبر جمع القراءات في كتاب واحد أبو عبيد القاسم بن سلام،
وجعلهم فيما أحسب خمسة وعشرين قارئًا مع هؤلاء السبعة1.
ويذهب حاجي خليفة في كشف الظنون إلى أن أول من نظم كتابًا في القراءات السبع هو: الحسين بن عثمان بن ثابت البغدادي الضرير، المتوفى سنة 378 هـ2.
وما ذهب إليه صاحب كشف الظنون بعيد عما قرره المحققون من المؤرخين إلا إذا كان في حسابه أنه يعني أول من دون في القراءات نظمًا.
ويرى بعض الباحثين المعاصرين أن أولية التدوين في القراءات ترجع إلى يحيى بن يعمر المتوفى سنة 90 هـ3.
وفي هذا الاتجاه جانب كبير من المبالغة؛ وذلك لأمور.
منها أن القرن الأول لم يكن عصر تأليف في أي فرع من فروع المعرفة، وإنما كان عصر رواية.
وأنه إذا وجد في أحد المراجع أن يحيى بن يعمر كتب في القراءات فليس معنى هذا أنه دون مؤلفًا يعتد به4، وهذا لا يقدح في مكانته العلمية وإسهامه في خدمة القرآن الكريم.
ونخلص من هذا إلى أن ابن سلام -كما قال صاحب النشر- أول
1 النشر ج1 ص34 ط القاهرة.
2 كشف الظنون ج2 ص1317.
3 ذهب إلى هذا الرأي الأستاذ فؤاد سزكين في "تاريخ التراث العربي". قسم القراءات ج1 ص9 والدكتور عبد الهادي الفضلي القراءات القرآنية -تاريخ وتعريف ص27.
4 ذكر ابن النديم في الفهرست من بين كتب القراءات: كتاب القراءات لأبي عمرو بن العلاء وهو أحد القراء السبعة ت154هـ والرأي فيه لا يتعدى ما ذكرته في أولية: يحيى بن يعمر.
إمام معتبر جمع القراءات في كتاب.
وقد بلغ عدد ما ألف في القراءات حتى تسبيع ابن مجاهد نحو أربعين مؤلفًا منهم من اقتصر على قراءة واحدة ومنهم من تناول أكثر ومن هذه المؤلفات: كتاب القراءات لخلف بن هشام البزار، وكتاب القراءات لابن سعدان، وكتاب القراءات لأبي حاتم السجستاني، وكتاب القراءات لثعلب، وكتاب القراءات لابن قتيبة1.
ثم اتسعت حركة التأليف والتدوين في القراءات:
فكتب ابن مجاهد كتابه السبعة، وله كتاب القراءات الكبير وكتاب القراءات2 الصغير، وكتب إسماعيل بن إسحاق المالكي المتوفى سنة 310 هـ كتابًا في القراءات سماه "الجامع" جمع فيه عددًا من القراءات3.
وممن ألف في القراءات أحمد بن جبير المتوفى سنة 358 هـ ألف كتابًا ضمنه قراءة أئمة الأمصار الخمسة: مكة والمدينة، والبصرة، والكوفة والشام4.
ومنهم الإمام محمد بن أحمد الداجوني المتوفى سنة 334 ألف كتابًا سماه "القراءات الثمانية".
جمع فيه قراءات الأئمة السبعة، وأضاف إليهم قراءة أبي جعفر5.
1 راجع الفهرست ص53.
2 الفهرست ص53.
3 النشر ج1 ص34.
4 طبقات القراء ج1 ص42.
5 غاية النهاية ج2 ص77.
وعلى هذا النحو تتابع التأليف في القراءات وتكاثر ما بين منظوم ومنثور، ومطول ومختصر.
كما تنوعت اتجاهاته، فهناك مؤلفات في القراءات وأسانيدها، والأصول والفرش.
وهناك مؤلفات في طبقات الفراء.
وهناك مؤلفات في الاحتجاج للقراءات سأشير إليها في حديثي عن مكانة علم القراءات، والعلوم التي تندرج تحته.
ومن أراد أن يتتبع مؤلفات القراءات منذ بدايتها حتى القرون الأخيرة فعليه بالمراجع التالية.
الفهرست لابن النديم.
وفيات الأعيان لابن خلكان.
الوافي بالوفيات للصفدي.
بغية الوعاة للسيوطي.
معرفة القراء الكبار على الطبقات والأمصار -للإمام الذهبي- ت محمد سيد جاد الحق.
غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري.
من كتب القراءات المطبوعة:
1-
الإبانة عن معاني القراءات.
تأليف مكي بن أبي طالب القيسي ت سنة 437 ص دار المأمون للتراث دمش تحقيق د. محيي الدين رمضان وهناك طبعة أخرى دار نهضة مصر تحقيق د. عبد الفتاح شلبي.
2-
الإقناع في القراءات لابن الباذش.
نشر مركز البحث العلمي -جامعة أم القرى- مكة ت د. عبد المجيد قطامش.
3-
إبراز المعاني من حرز الأماني شرح على الشاطبية تأليف عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي - الشهير "بأبو شامة" ت سنة 665هـ طبع القاهرة.
4-
إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر تأليف أحمد بن محمد الدمياطي.
طبع مكتبة المشهد الحسيني بالقاهرة.
5-
تحبير التيسير في القراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة -تأليف الإمام محمد بن محمد الجزري المتوفى سنة 832هـ طبع القاهرة.
6-
التيسير في القراءات السبع -تأليف الإمام أبي عمرو الداني المتوفى 444هـ طبع استانبول سنة 1930م.
7-
الحجة في القراءات السبع تأليف الحسين بن أحمد بن خالويه المتوفى سنة 370هـ طبع دمشق.
8-
الحجة في علل القراءات السبع تأليف الحسن بن أحمد، الشهر بأبي علي الفارسي المتوفى سنة 377هـ -الهيئة القومية للكتاب- صدر منه جزءان.
9-
حجة القراءات للإمام أبي زرعة ت سعيد الأفغاني الطبعة الأولى -جامعة بنغازي 1974.
10-
سراج القارئ المبتدي وتذكرة القارئ المنتهي -شرح علي الشاطبية.
تأليف أبي القاسم علي بن عثمان الشهير بابن القاصح المتوفى سنة 801- طبع القاهرة.
11-
طيبة النشر في القراءات العشر -نظم- تأليف الإمام ابن الجزري طبع القاهرة.
12-
غيث النفع في القراءات السبع -تأليف الشيخ على النوري الصفاقسي "طبع بالقاهرة على هامش سراج القارئ".
13-
كتاب السبعة لابن مجاهد 324هـ دار المعارف تحقيق شوقي ضيف.
14-
الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها -تأليف الإمام مكي بن أبي طالب القيسي ت سنة 437هـ. ط دمشق تحقيق د. محيي رمضان.
15-
كنز المعاني في شرح حرز الأماني تأليف الإمام محمد بن أحمد، الشهير بشعلة -المتوفى سنة 656هـ طبع القاهرة.
16-
حرز الأماني ووجه التهاني نظم في القراءات السبع للإمام الشاطبي المتوفى سنة 548هـ طبع القاهرة.
17-
المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات تأليف أبي الفتح ابن جني 392هـ نشر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية -القاهرة.
18-
مختصر شواذ القراءات تأليف الإمام ابن خالويه طبع بالقاهرة.
19-
النشر في القراءات العشر -تأليف الإمام ابن الجزري- القاهرة.
20-
لطائف الإشارات لفنون القراءات للقسطلاني ت عبد الصبور شاهين، والشيخ عامر السيد عثمان طـ القاهرة.
21-
غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري ط الحلبي بالقاهرة الطبعة الأولى 1352هـ.
هذه طائفة من أشهر كتب التراث التي أخرجتها المطابع في ميدان القراءات وللباحثين المعاصرين بحوث ودراسات جيدة تتصل بالقراءات في ميادينها المختلفة وهي في متناول الباحث، وقد وعتها فهارس دور النشر، والمكتبات العامة.