الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القراءات السبع، والقراء السبع:
كيف نشأت فكرة القراءات السبع؟:
القراءات كثيرة ومتعددة تتجاوز المئات، والقراء ورواتهم آلاف مؤلفة، وظهرت فكرة تحديد أئمة وقراءات تكون مرجعًا لأهل الأمصار، وقدوة لهم.
يقول مكي: إن الرواة عن الأئمة من القراء كانوا في العصر الثاني والثالث كثيرًا في العدد، كثيرًا في الاختلاف فأراد الناس في العصر الرابع أن يقتصروا من القراءات التي توافق المصحف على ما يسهل حفظه وتنضبط القراءة به فنظروا إلى إمام مشهور بالثقة والأمانة وحسن الدين، وكمال العلم، قد طال عمره، واشتهر أمره، وأجمع أهل مصره على عدالته فيما نقل، وثقته فيما قرأ وروى، وعلمه بما يقرأ فلم تخرج قراءته عن خط مصحفهم المنسوب إليهم، فأفردوا من كل مصر وجه إليه عثمان مصحفًا إمامًا هذه صفته وقراءته على مصحف ذلك المصر1.
هكذا شرح مكي الأسس التي قام عليها فيما بعد اختيار ما عرف بالقراءات السبع والقراء السبعة.
وقد ألف ابن جبير المقري كتابًا في القراءات وسماه: كتاب الثمانية، ذكر فيه القراء السبعة المشهورين:
ابن عامر إمام أهل الشام.
أبو عمرو بن العلاء من البصرة.
وحمزة وعاصم والكسائي من الكوفة.
ونافع من المدينة.
وابن كثير من مكة.
1 الإبانة ص86.
وزاد عليهم يعقوب الحضرمي.
وكان عمل ابن جبير اتجاهًا من اتجاهات التحديد التي ظهرت من هذا العصر، وأول من سبع السبعة أبو بكر بن مجاهد1، وتابعه على ذلك من أتى بعده.
وشاع أمر القراء السبعة، والقراءات السبع.
وهذا التحديد أمر أكده العلماء.
يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: "لا نزاع بين العلماء المعتبرين أن الأحرف السبعة التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن أنزل عليها ليست قراءات القراء السبعة المشهورة، بل أول من جمع ذلك ابن مجاهد"2.
وهنا أمور لا بد من مناقشتها:
ماذا يعني التزام ابن مجاهد بالسبعة؟
هل هذا التحديد يعني إهدار من سواهم؟
ما القيمة العلمية لعمل ابن مجاهد؟
أما التحديد بالسبعة فيمكن أن نجيب عنه بما يأتي:
1-
أن عثمان رضي الله عنه كتب سبعة مصاحف، ووجه بها إلى الأمصار، فجعل عدد القراء على عدد المصاحف.
2-
أنه جعل عددهم على عدد الحروف التي نزل بها القرآن وهي سبعة، على أنه لو جعل عددهم أكثر أو أقل لم يمنع ذلك؛ لأن عدد الرواة
1 أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي، شيخ القراء، ولد سنة 245 بسوق العطش ببغداد، وتوفي سنة 324 "طبقات القراء ج1 ص129".
2 راجع النشر ج1 ص97.
الموثوق بهم أكثر من أن يحصى1.
فهدف ابن مجاهد مجرد الموافقة في العدد "لا لاعتقاده واعتاقد غيره من العلماء أن القراءات السبع هي الحروف السبعة، أو أن هؤلاء السبعة المعينين هم الذين لا يجوز أن يقرأ بغير قراءتهم"2.
هذه هي الأسباب وراء التحديد بالسبعة.
ولا يعني إهدار من سواهم.
وما دام قد تبين لنا حكمة التحديد بالسبعة عند ابن مجاهد ومن تابعه فقد اتضح لنا بناء على هذا أنه لا يعني عدم توثيق من سواهم، وذلك لأمور.
1-
لم تترك القراءة بقراءة غيرهم، أو اختيار من أتى بعدهم إلى الآن مثل قراءة يعقوب الحضرمي3 وعاصم الجحدري4، واختيار أبي حاتم5 وأبي عبيد6.
2-
اختلاف وجهات النظر في السبعة زيادة ونقصانًا، يقول
1 الإبانة ص90.
2 النشر ج1 ص97.
3 يعقوب بن إسحاق بن زيد الحضرمي البصري أحد القراء العشرة، إمام البصرة ومقرئها، وهو أعلم الناس بالحروف والنحو توفي سنة 250هـ.
4 هو عاصم بن أبي الصبن الجحدري البصري، قرأ على نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر توفي سنة 128هـ.
5 أبو حاتم السجستاني: سهل بن محمد بن عثمان إمام البصرة في النحو والقراءة واللغة، عرض على يعقوب الحضرمي، وروى عن الأصعمي "ت سنة 255" طبقات القراء ج1 ص320.
6 أبو عبيد القاسم بن سلام الخراساني الأنصاري صاحب التصانيف الكثيرة في القراءات والحديث والفقه واللغة والشعر، ورحل في طلب العلم توفي سنة 224هـ، وطبقات القراء ج2 ص17.
مكي: "والكسائي إنما ألحق بالسبعة بالأمس في أيام المأمون وغيره، وكان السابع يعقوب الحضرمي فأثبت ابن مجاهد في سنة ثلاثمائة أو نحوها الكسائي في موضع يعقوب1، وتم ذلك في عصر المأمون.
وفي كلام ابن تيمية الذي نقله عنه صاحب النشر جاء فيه قوله. ولهذا قال بعض من قال من أئمة القراء: لولا أن ابن مجاهد سبقني إلى حمزة لجعلت مكانه يعقوب الحضرمي إمام جامع البصرة وإمام قراء البصرة في زمانه في رأس المائتين2.
كما نقل صاحب النشر عن مكي: وقد ذكر الناس من الأئمة في كتبهم أكثر من سببين ممن هو أعلى رتبة وأجل قدرًا من هؤلاء السبعة، على أنه قد ترك جماعة من العلماء في كتبهم في القراءات ذكر بعض هؤلاء السبعة" ثم ذكر مكي أمثلة لذلك، فذكر أبو حاتم الذي ترك ذكر السبعة، وكذلك زاد الطبري في كتاب القرءات له على هؤلاء نحو خمسة عشر رجلًا3.
3-
مما أجمع4 عليه علماء الإسلام والأئمة المتبعون للسلف أنه لا يتعين القراءة بهذه القراءات في جميع أمصار المسلمين، فمن ثبت عنده قراءة الأعمش شيخ حمزة، أو قراءة يعقوب الحضرمي، ونحوهم كما ثبت عنده قراءة حمزة والكسائي فله أن يقرأ بها بلا نزاع بين العلماء المعتد بهم، والمعدودين من أهل الإجماع والخلاف.
1 الإبانة ص39، والنشر ج1 ص93.
2 النشر ج1 ص97.
3 المرجع السابق ص92.
4 ذكر هذا الإجماع صاحب النشر ج1 ص97.
فمتى توافر في القراءة شروط القبول قرئ بها ولو كانت لغير السبعة الذين ذكرهم ابن مجاهد.
القيمة العلمية لعمل ابن مجاهد:
لكن هذا العمل الذي عمله ابن مجاهد له قيمة علمية كبيرة.
هو أنه وضع أمام الجماهير المسلمة أنماطًا محددة من القراءات معتدًا بها، دفعًا لما يترتب على اختلاف القراءات الكثيرة من نوع من الفوضى لدى غير الواعين بأبعاد هذا العلم فقد سن منهج التحديد، وهو نافع بلا ريب.
وجاء بعده من ذكر القراءات العشر وقرائها، وأضاف إلى السبعة أبا جعفر المدني، وأبا يعقوب البصري، وخلفًا العاشر البغدادي.
ويبدو لنا من خلال النصوص السابقة أن العلماء الذين جاءوا بعد ابن مجاهد ارتضوا عمله، ووافقوا عليه وتلقوه بالقبول، وقد أسلفنا قول من قال: لولا ابن مجاهد سبقني إلى حمزة لجعلت مكانه يعقوب.
وثمرة صنيع ابن مجاهد باقية إلى عصرنا الحاضر فيما نراه من الدقة والانضباط1، واجتماع العالم الإسلامي على الشاطبية والتيسير، مع علمنا بقيمة القراءات الأخرى التي استوفت شروط القبول.
1 راجع السبعة لابن مجاهد -مقدمة د. شوقي ضيف ص23.