الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
الإدغام والإظهار:
الإدغام معناه لغة: إدخال شيء من شيء لمناسبة بينهما، قال الخليل: يقال: أدغمت الفرس اللجام، أي أدخلته في فيه1.
وفي اصطلاح القراء: أن تصل حرفًا ساكنًا. بحرف مثله من غير أن تفصل بينهما بحركة أو وقف، فيرتفع اللسان بالحرفين ارتفاعة واحدة2.
أو هو: اللفظ بحرفين حرفًا كالثاني مشددًا3.
والإدغام -بهذا- عملية صوتية تحدث عندما تتوافر أسبابها، ويترتب عليها أن يتحول الحرفان المتقاربان أو المتجانسان إلى متماثلين.
وهو ظاهرة يألفها اللسان العربي، قال أبو عمرو بن العلاء:
الإدغام كلام العرب الذي يجري على ألسنتها ولا يحسنون غيره4 وله
1 كتاب سيبويه 1/ 491، والكشف ج1 ص143.
2 الإقناع ج1 ص164.
3 النشر ج1 ص374.
4 المرجع السابق ص375.
شواهد كثيرة في كلامهم.
أسباب الإدغام:
وللإدغام أسباب تهيئ لحدوثه، وهي التماثل والتجانس والتقارب.
فالتماثل: أن يتفقا مخرجًا وصفة كالباء في الباء، والتاء في التاء، وسائر الحروف المتماثلة.
والتجانس: أن يتفقا مخرجًا، ويختلفا صفة كالذال في الثاء، والثاء في الظاء، والتاء في الدال.
والتقارب: أن يتقاربا مخرجًا أو صفة، أو مخرجًا وصفة.
ويشترط في الإدغام التقاء الحرفين لفظًا وخطًّا، أو خطًّا فقط وموانع الإدغام المتفق عليه ثلاثة: أن يكون الحرف الأول:
أ- تاء الضمير سواء أكان متكلمًا أم مخاطبًا مثل قوله تعالى: {كُنْتُ تُرَابًا} ، {أَفَأَنْتَ تُسْمِع} .
ب- أو مشددًا مثل قوله تعالى: {غَفُورٌ رَحِيم} ، {نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا} ، {رَجُلٌ رَشِيد} .
وللإدغام مذاهب شتى وصور متعددة في كلام العرب، لكننا في القراءات نتوافر ما ورد بسند صحيح متواتر؛ لأن كل ما صح في العربية لا يلزم أن تصح القراءة به؛ إذ القراءة سنة متبعة، والعكس صحيح؛ إذ ما صح سنده، ووافق المصحف العثماني لا بد أن يصح وجهه في العربية.
أحكام الإدغام:
قال أبو جعفر بن الباذش: والحرف عند لقائه حرفًا آخر لا يخلو من أحد ثلاثة أقسام:
قسم لا يجوز فيه إلا الإدغام
وقسم لا يجوز فيه إلا الإظهار.
وقسم يجوز فيه الإظهار والإضمار.
القسم الأول: ما يجب فيه الإدغام
صورته أن يكون الحرفان مثلين أولهما ساكن.
كقوله تعالى: {مِنْ نَاصِرِين} [آل عمران: 22]{يُدْرِكَكُّمُ الْمَوْت} [النساء: 78]{فَلَا يُسْرِف فِي القَتْل} [الإسراء: 33]{فَمَا زَالَتْ تِلْكَ} [الأنبياء: 15] .
وكذا كل حرف ساكن لقي مثله في جميع القرآن، سواء أكان ساكنًا أساسًا أم أصله الحركة1.
وعلة الإدغام في هذه الحالة.
إرادة التخفيف؛ لأن اللسان إذ لفظ بالحرف من مخرجه، ثم عاد مرة أخرى إلى المخرج بعينه، ليلفظ بحرف آخر مثله صعب ذلك، وشبه النحويون بمشي المقيد؛ لأنه يرفع رجلًا ثم يعيدها إلى موضعها، أو قريب منه، وشبهة بعضهم بإعادة الحديث مرتين وهو ثقيل على السامع2.
وتشبيه النحويين أدق؛ لأنه يصور صعوبة النطق بالمثلين من الناحية
1 الإقناع ج1 ص164 بتصرف.
2 الكشف ج1 ص134.
العضوية، وهي المعتبرة هنا أعني في الدرس اللغوي، وفيما اتسم به الحرف القرآني من السهولة واليسر.
القسم الثاني: ما يجب فيه الإظهار
والإظهار عكس الإدغام، بمعنى أن ينطق اللسان بالحرف مستقلًّا بنفسه، واضحًا بصفاته.
وصورته: أن يتباين الحرفان مخرجًا وصفة، أو مخرجًا أو صفة.
واختلاف المخرج وإن قلَّ من أسباب الإظهار، وكذلك تباين الصفتين، وكل حرف فيه زيادة صوت لا يدغم فيما هو أنقص صوتًا منه لذهاب ما يذهب منه من الصوت1.
وعلة الإظهار: أن الأصل إظهار الحروف، وكان هو الأصل؛ لأنه الأكثر، والإدغام دخل لعلة فإذا لم توجد علة فلا بد من الرجوع إلى الأصل2.
القسم الثالث: ما يجوز فيه الإظهار والإدغام
وهو ما اجتمع علة كل من الإظهار والإدغام كاختلاف الحرفين مع تقارب المخرج مثل: {قَالَت طَائِفَة} ، {وَدَّت طَائِفَة} 3، وتماثل الحرفين مع فتح الأول مثل:{قَالَ لَهُمْ} ، {ذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ} 4، فنجد هنا سببًا للإدغام، كما نجد سببًا للإظهار.
وقد يكون الإدغام في العربية أوجه، وقد يكون الإظهار أوجه، وقد يكونا متساويين على قدر القرب والبعد.
1 الإقناع ج1 ص170.
2 الكشف ج1 ص134 بتصرف.
3 الحرفان من سورة آل عمران "آية 72- 69".
4 الحرفان من سورة البقرة "آية 247- 200".
وهذا الباب طريقه الرواية ومن هنا كان محل عناية القراء وعلماء القراءات، ويعتمدون عليه في التعليل لكل مروي.
وهو ينقسم عند القراء إلى قسمين: إدغام صغير، وإدغام كبير.
الإدغام الصغير:
ليس فيه إدغام متحرك، ولا مثل1 بل له مواطن معينة يلتزم فيها تجاوز دائرة الإدغام القياسي المعروف في علم التصريف، وهذا النوع له مسوغاته الصوتية التي تحسنه أو تجيزه، كما أن الاعتماد فيه -كما أشرنا- على السند والرواية.
وهو عند القراء على قسمين.
القسم الأول: كلمات نطقها العرب ساكنة، أو على تعبير القراء سكونها خلقه2.
وهي ستة أصناف.
1-
قد.
2-
إذ.
3-
تاء التأنيث المتصلة بالفعل.
4-
لام هل وبل.
5-
حروف الهجاء ويقصد بها التي في أوائل السور.
6-
النون الساكنة والتنوين3.
وقد فصلت كتب القراءات الروايات التي وردت بإدغام ما أدغم منها، والقراء الذين قرءوا بها ولا نريد أن نفصل ذلك هنا ونحن نريد أن نقدم مدخلًا يعرف الباحث الخطوط العريضة فحسب.
1 الإقناع ج1 ص238، وعرفه صاحب النشر بقوله: ما كان أول الحرفين منهما ساكنًا، راجع ج1 ص374.
2 المرجع السابق، والنشر ج1.
3 ذكر أبو العز في كتابه إرشاد المبتدئ وتذكرة المنتهي خمسة أصناف فقط، ولم يذكر النون والتنوين راجع ص89، رسالة ماجستير تحقيق.
لكن سأقصر الحديث على سبيل المثال على ما قيل في واحد من هذه الستة.
قال أبو جعفر بن الباذش: باب دال قد.
اتفقوا على إدغامها في مثلها، والتاء نحو:{وَقَد دَّخَلُوا} [المائدة: 61] ولا يجوز غيره حسب ما قدمناه، ونحو:{وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم} [العنكبوت: 38] ويجوز الإظهار، وقد رواه المسيبي1.
واختلفوا فيها عند ثمانية أحرف: الجيم والسين، والشين، والصاد، والزاي، والذال، والضاد، والظاء نحو:{لَقَدْ جَاءَكُم} [التوبة: 128]{لَقَدْ سَمِع} [آل عمران: 181]{قَدْ شَغَفَهَا} [يوسف: 30] وليس غيره، و {لَقَدْ صَدَقَكُم} [آل عمران: 152] و {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا} [الأعراف: 179] وليس غيره و {لَقَدْ زَيَّنَّا} [الملك: 5] و {لَقَدْ ضَرَبْنَا} [الروم: 58] و {لَقَدْ ظَلَمَك} [ص: 24] .
فقرأ ابن كثير وقالون وعاصم بإظهار الدال عند الثمانية.
وأدغم ورش في الظاء والضاد.
وأدغم ابن ذكوان في الذال والضاد والطاء، زاد له غير الفارسي2 الزاي.
الباقون وهم: أبو عمرو وحمزة والكسائي وهشام بالإدغام في الثمانية.
1 المسيّبي هو أبو محمد إسحاق بن محمد بن عبد الرحمن المسيبي، قيم في قراءة نافع ضابطًا لها، عالم بالحديث آخذ عنه ولده محمد، وخلف بن هشام وغيرهما توفي سنة 206هـ.
2 هو أبو القاسم عبد العزيز بن جعفر بن محمد بن إسحاق الفارسي يعرف بابن غسان، مقرئ نحوي، شيخ صدوق، قرأ عليه أبو عمرو الداني توفي سنة 412هـ.
القسم الثاني: ما كان سكونه عن حركة
وصورته: أن يكون الحرفان اللذان وقع فيهما الإدغام متقاربين مخرجًا، وكان سكون أولهما غير أساس بأن كان نتيجة لوضع إعرابي.
وقد ذكر له القراء تسعة أنواع:
1-
الباء مع الفاء. 2- الباء عند الميم. 3- الثاء عند التاء. 4- الثاء عند الذال. 5- الدال عند الثاء. 6- الذال عند التاء. 7- الراء عند اللام. 8- اللام عند الذال. 9- الفاء عند الباء.
وتحدد الروايات ما نقل من إدغام في هذه المواضع التسعة.
ومثال ذلك ما قاله القراء من إدغام في باب الباء عند الفاء. على النحو التالي:
وجملة ذلك خمسة مواضع1 في سورة النساء: آية 74، {أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ} ، وفي سورة الرعد: آية 5، {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَب} ، وفي سورة سبحان2: آية 63، {اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَك} ، وفي سورة طه: آية 97، {اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَك} ، وفي سورة الحجرات: آية 11، {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ} .
فأدغم فيهن أبو عمرو والكسائي بلا خلاف عنهما، وخلاد وهشام3 بخلاف عنهما والذي ثبت عن الجوهري4 عن خلاد، وعن
1 هذا النص بكامله من كتاب الإقناع لابن الباذش ج1 ص262 وما بعدها.
2 سورة الإسراء.
3-
خلاد أحد الرواة عن حمزة، وهشام أحد الرواة عن ابن عامر وقد ترجمنا لهما في فصل القراء.
4-
هو أبو بكر محمد بن شاذان، مقرئ حاذق، مشهور، روى القراءة عرضًا عنه الحسن بن شنبوذ، وأبو بكر النقاش ت سنة 286.
الحلواني عن هشام الإدغام1، وبه قرأت2 على أبي القاسم من طرفيهما عنهما.
وقرأت على أبي رضي الله عنه، وعلى ابن شريح بالإدغام لخلاد، وبالإظهار لهشام وكذلك ذكر أبو الطيب.
وقال أبو عمرو3 وخيَّر خلاد في: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِك} وخَيَّرني فارس بن أحمد لهشام، فقرأت عليه بالوجهين، وبالإظهار آخُذُ.
قال أبو جعفر4: بالإدغام آخذ لهما في الباب.
وقال الأهوازي: سمعت أبا عبد الله العجلي5 يقول: وجدت الحذاق من أهل الآداء على إخفائها عند الفاء عن اليزيدي عن أبي عمرو.
الباقون بالإظهار في الخمسة.
هذه صورة لما ورد من خلافات حول الإظهار والإدغام في الموضع الأول من المواضع التسعة وعلى هذه النحو توفرت كتب القراءات على ما ورد من روايات حول الخلاف في المواضع الباقية.
وقد تحدث مكي عن أحكام الإدغام بصورتيه. يقول وأعلم أن الإدغام إنما يحسن في غير المثلين ويقوي إذا سكن الأول،
1 هو أبو الحسن محمد بن يزيد الحلواني، إمام كبير قرأ بمكة على النواس، وبالمدينة على قالون توفي سنة 250هـ.
2 هذا كلام ابن الباذش.
3 أبو عمرو الداني، انظر التيسير ص44.
4 هو ابن الباذش.
5 هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله العجلي اللالكائي المقرئ، وهو شيخ متصدر صاحب القصيدة الرائية التي عارض بها قصيدة أبي مزاحم الخاقاني، قرأ عليه أبو علي الأزهري وآخرون.
وهو على ضربين: أحدهما: إذا كان الحرفان متقاربين في المجزع، والحرف الأول أضعف من الثاني، فيصير بالإدغام إلى زيادة قوة؛ لأنك تبدل من الأول حرفًا من جنس الثاني، فإذا فعلت ذلك نقل لفظ الضعيف إلى لفظ القوة، فذلك حسن جيد. والضرب الثاني: أن يكون الحرفان المتقاربان في القوة سواء كالمثلين فيحسن الإدغام؛ إذ لا ينتقص لأول من قوته قبل الإدغام، وضرب ثالث من إدغام المتقاربين ضعيف قليل، هو أن يكون الحرف الأول أقوى من الثاني، فيصير بالإدغام أضعف من حاله قبل الإدغام1.
وهكذا علل مكي لأحكام الإدغام الصغير، ولما ورد فيه من قراءات في مواضعه التي ذكرها القراء.
الإدغام الكبير:
ما كان أول الحرفين فيه متحركًا سواء كانا مثلين أم جنسين أم متقاربين.
وسمي كبيرًا؛ لأنه أكثر من الصغير، ولما فيه من تصيير المتحرك ساكنًا، ولما فيه من الصعوبة2، وقيل لكثرة وقوعه؛ إذ الحركة أكثر من السكون، وقيل لشموله المثلين والجنسين والمتقاربين2.
ذكر ابن الباذش أن هذا الإدغام انفرد به أبو عمرو بن العلاء، وكان له مذهبان: أحدهما الإظهار كسائر القراء والآخر الإدغام، وأنه كان يأخذ به عند الحدر، وإدراج القراءة4.
1 الكشف ج1 ص135.
2 الإقناع ج1 ص195.
3 النشر ج1 ص374.
4 نوع من القراءة شرحنا أصوله في الفصل الخاص بالترتيل.
ثم قال: وكان أبو عمرو يدغم المتحرك في مثله وفي مقاربة إذا كانا متحركين، سواء سكن ما قبله أو تحرك، ولا تصل إلى الإدغام حتى تسكن المدغم، وترد الأول لمقاربه، الذي تدغم فيه.
وإذا كان أول المثلين مشددًا أو منونًا، أو منقوصًا، أو تاء مخاطبة ذكرًا أو أنثى لم يدغم باتفاق الأئمة -كما ذكر الخزاعي- ونقل عن أبي عمرو الإدغام في ذلك أيضًا مثل قوله تعالى:{صَوَافَّ فَإِذَا} [الحج: 36]{مَسَّ سَقَر} [القمر: 48] .
والمتقاربان كالمثلين في امتناع الإدغام في حالتي التشديد والتنوين1.
ويذكر ابن الجزري أن أبا عمرو غير منفرد بالإدغام الكبير تل قد ورد أيضًا عن الحسن البصري، وابن محيصن، والأعمش، وعيسى بن عمر، ويعقوب الحضرمي، ومسلمة بن عبد الله الفهري، ومسلمة بن محارب السدوسي وغيرهم.
وقد قام أبو جعفر بن الباذش دراسة جيدة مدعومة بأقوال النحاة وأسانيد القراء شرحت أصول الإدغام الكبير وما قيل فيه حسب حروف المعجم بحيث يغني الناظر فيه، والمتتبع له عن النظر في فرش الحروف2.
ملحوظة:
ما أسلفناه من الكلام عن الإدغام سواء الواجب منه أم الجائز، الصغير أم الكبير إنما هو الإدغام القائم على الرواية أعني الإدغام في دائرة
1 راجع الإقناع ص195 وما بعدها.
2 المرجع السابق من ص198 إلى ص237.
بحوث القراءات، أما الإدغام التصريفي أو القياسي، والذي يعد ظاهرة لغوية مطردة في اللسان العربي في مثل شد، يشد، والذي له شروطه المعروفة بالتفصيل في كتب التصريف فذلك غير داخل معنا؛ لأن الالتزام به شرط لا بد من تحققه؛ لأنه هو الوجه في العربية ولا يمكن أن تكون قراءات القرآن على خلافه؛ لأنه بلسان عربي مبين.
حروف يخاف على القارئ اللحن فيها حال الإدغام:
ذكر القراء بعض الحروف التي وقع الخلاف فيها بين الإظهار والإدغام، غير أنه في حالة الاتجاه إلى الإدغام في بعضها قد يترتب عليه وقوع اللحن.
من هذه الحروف التي ذكرها القراء. على سبيل المثال لا الحصر:
حروف الفاء لا يجوز إدغامها في الميم والواو والباء، والباعث على المنع هنا باعث صوتي؛ وذلك لأنها انحدرت إلى الفم حتى قاربت مخرج الثاء نحو:{وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُم} [الأنعام: 133]{نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} [القصص: 75]{لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوه} [الذاريات: 28]{إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْض} [سبأ: 9] وليس في القرآن من الفاء عند الباء غيره.
فخوفًا من اللحن منع المانعون الإدغام.
وقد قرأ الكسائي مدغمًا ووجهه أنها من حروف الشفة، وأن الباء مجهورة، والفاء مهموسة.
ومن ذلك الميم عند الفاء والواو نحو: {هُمْ فِيهَا} ، {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِم} [البقرة: 15] ، {قُمْ فَأَنْذِر} [المدثر: 2] ، {مَنْ يُسْلِمْ وَجْهَه} [لقمان: 22] ، وشبه ذلك حيث سكنت، لا يجوز في شيء من الإدغام لما
فيه من الإخلال بالغنة، فالحكم أن تظهر الميم عندهما، وتبين بيانًا حسنًا من غير تكلف1.
ومن ذلك الظاء عند التاء: وهو موضع واحد في قوله تعالى: {أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ} في [الشعراء: 136] ، فالقراء على الإظهار، وكأنهم عدلوا عن الإدغام لما فيه من اللبس.
وقد روى عباس2 عن أبي عمرو عن ابن سعدان3 عن اليزيدي عنه، وعن أبي المنذر نصير بن يوسف بن أبي نصر الرازي، ثم البغدادي النحوي المتوفى سنة 240هـ، عن الكسائي إدغامها فيها، وإذهاب صفتها، فتكون في السمع مثل:"أوعدت" من الوعد وهو جائز4.
وهذا الجواز في تقديره من الناحية اللغوية البحتة، وموقف أهل الأداء أدق لما فيه من دفع اللبس، والبعد عن اللحن.
وهناك حروف أخرى فصلها القراء، وتوفرت عليها كتب القراءات.
1 راجع الإقناع ج1 ص176- 177.
2 هو أبو الفضل العباس بن الفضل بن عمرو الواقفي، الأنصاري البصري، قاضي الموصل، أستاذ ثقة من أكابر أصحاب أبي عمرو توفي سنة 186.
3 هو أبو جعفر محمد بن سعدان، النحوي، الكوفي، الضرير، إمام كامل ثقة عدل، صنف في العربية والقراءات، وأخذ القراءة عن سليم عن حمزة، توفي سنة 221هـ.
4 راجع الإقناع ج1 ص187.