الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكمة في تعدد الحروف والقراءات:
وراء اختلاف الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم، ووعتها قراءاته المتنوعة فوائد كثيرة، وحكم بالغة.
أولها: تيسير القراءة على الفراء.
يقول مكي بن أبي طالب في شرح هذا الجانب: وكانت لغات من أنز عليهم القرآن مختلفة ولسان كل صاحب لغة لا يقدر على رده إلى لغة أخرى إلا بعد تكلف ومئونة شديدة، فيسر الله عليهم أن أنزل كتابه على سبع لغات متفرقات1 في القرآن بمعانٍ متفقة ومختلفة ليقرأ كل قوة على لغتهم على ما يسهل عليهم من لغة غيرهم، وعلى ما جرت به عادتهم، فقوم جرت عادتهم بالهمز وقوم بالتخفيف، وقوم بالفتح، وقوة بالإمالة، وكذلك الإعراب واختلافه في لغتهم2.
فاختلاف الأحرف -إذن- بهذه الصورة يسر على القارئين أسباب القراءة برغم اختلاف لغاتهم.
ثانيها: فيها برهان عظيم على سمو بلاغة القرآن، ومنزلته في الإيجاز؛ إذا يترتب على ذلك سعة الوعاء المعنوي للآية، فتحمل معاني عدة متآخية، كما تدعم أحكامًا متعددة تفهم من الآية.
ثالثها: سهولة الحفظ، وتيسير النقل؛ لأن حفظ كلمة ذات وجوه في الأداء أيسر من حفظ جمل من الكلام تؤدي معاني تلك القراءات.
رابعها: في تعدد القراءات آية بالغة وبرهان قاطع على صدق
1 هذا هو تفسير مكي للحروف السبعة، وإن كان كلامه في تيسير القراءات يوحي بما أشرنا إليه من صلاحية كل الآراء في تفسير الحديث ما عدا الرأي القائل بأنها القراءات السبع.
الرسول صلى الله عليه وسلم وعظمة الآية القرآنية؛ إذ إنه برغم تعدد القراءات، وتنوع الأداء لم يتطرق إليه تناقض ولا تضاد، ولا تخالف بل يصدق بعضه بعضًا، ويبين بعضه بعضًا، ويشهد بعضه لبعض على نمط واحد، وأسلوب واحد.
خامسها: فيه دلالة على عظمة هذه الأمة وشرفها التي تلقت هذا القرآن بحروفه المختلفة، ووعته هذا الوعي، وقامت بما ينبغي له من ضبط وإحكام، ودقة في الأداء، وتوفرت على وضع القواعد والأصول للعلوم التي من شأنها صيانة الكتاب العظيم ورعايته، مما يجعل أعلام هذه الأمة محلًا لفضل الله ومثوبته وتكريمه.
سادسها: في تعدد القراءات سند لقواعد مختلفة نحوية وتصريفية مثل قراءة حمزة لقوله تعالى: "وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ" بجر الأرحام، فاستشهد بها من قال بجواز العطف على المجرور دون إعادة الجار، ومنها قراءات تفسر معنى لغويًّا في قراءة أخرى مثل قراءة ابن مسعود:"وتكون الجبال كالصوف المنفوش" فإنها مفسرة للقراءة الأخرى، سادسها: ما يكون في حجة في قضية من قضايا العقيدة تأييدًا لأهل الحق، ودفعًا لأهل الزيغ وذلك كقراءة:"رأيت نعيمًا ومَلِكًا كبيرًا" بفتح الميم، وكسر اللام، وهي قراءة ابن كثير وغيره، وهي دليل واضح على رؤية الله في الدار الآخرة.
سابعها: تأثير اختلاف القراءات في الأحكام الفقهية.
اختلاف القراءات مجال خصب لآراء فقهية وتشريعية تدعم التشريع الإسلامي وتكسبه خصوبة ومرونة، وطواعية في مواجهة مشكلات الحياة المتعددة والمتجددة.
وذلك على النحو التالي:
قد تأتي القراءة مبنية لحكم أجمع عليه الفقهاء كقراءة سعد بن أبي وقاص وغيره: "وله أخ أو أخت من أم"؛ إذ إن العلماء أجمعوا على أن الأخ في الآية هو الأخ لأم.
وقد تأتي مرجحة لحكم مختلف فيه، كقراءة:"أو تحرير رقبة مؤمنة" في كفارة اليمين فكان في هذه القراءة ترجيح لما اشترطه الشافعي من الإيمان في العبد المقرر عتقه.
وقد تكون للجمع بين حكمين مختلفين كقراءة: "يَطْهُرْن""وَيَطَّهران" بالتخفيف والتشديد ينبغي الجمع بينهما وهو أن الحائض لا يقربها زوجها حتى تطهر بانقطاع حيضها، وتطهر بالاغتسال.
وقد تقدم القراءات أحكامًا شرعية متعددة كقراءة: "وأرجلكم" بالخفض والنصب، فإن الخفض يقتضي فرض المسح، والنصب يقتضي فرض الغسل، فبينهما النبي صلى الله عليه وسلم فجعل المسح للابس الخف، والغسل لغيره.
وقد تكون القراءة موضحة لحكم يقتضي الظاهر خلافه مثل: {فَاسْعَوا إِلَى ذِكْرِ الله} يقتضي ظاهرها المشي فجاءت قراءة: "فامضوا إلى ذكر الله" رافعة لهذا الوهم1.
القراءات واللهجات:
ثامنًا: تقدم قراءات القرآن لدارسها سجلًا عن اللغات المنتشرة عند العرب، واختلافاتها الصوتية وفي البنية والإعراب.
1 النشر ج1 ص80 إلى ص82 بتصرف.