الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقوال العلماء في الأحرف السبعة:
المقصود بالسبعة:
اتفق العلماء على أنه لا يعني بالأحرف السبعة أن يكون الحرف الواحد مقروء على سبعة أوجه؛ لأن ذلك لا يوجد -كما قال ابن الجزري في النشر- إلا في كلمات يسيرة مثل: "أف، جبريل، أرجه، هيهات، هيت".
لكنهم اختلفوا في المقصود بالأحرف السبعة.
الرأي الأول:
هي سبع لغات من لغات العرب.
وذلك على وجهين:
أولهما: كما تختلف لغات العرب في تناول معنى من المعاني يأتي القرآن منزلًا بألفاظ وتعبيرات مختلفة على ضوء هذه اللغات، وقد روى هذا الفهم عن محمد بن السائب الكلبي وسليمان بن مهران الأسدي "الشهير بالأعمش".
والآخر: أن القرآن الكريم في جملته لا يخرج عن سبع لغات من لغات العرب هي أفصحها فأكثره بلغة قريش، ومنه ما هو بلغة هذيل أو ثقيف أو هوازن1.
وقد أيد هذا الرأي أبو عبيد القاسم بن سلام بقوله: ليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبع لغات، بل اللغات السبع مفرقة فيه، فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة اليمن، وبعض اللغات أسعد به من بعض وأكثر نصيبًا"2.
واختلف العلماء في تحديد اللغات السبع.
فقيل هي لغات قريش، وهذيل، وتميم، والأزد، وربيعة، وهوازن، وسعد بن بكر3، وهذا قول أبي حاتم السجستاني.
1 الإتقان للسيوطي ج1 ص47.
2 المرجع السابق، وممن قال به مكي بن أبي طالب راجع الإبانة، ص71.
3 المرجع السابق.
وقال أبو عبيد: قريش، وهذيل، وثقيف، وهوازن، وكنانة، وتميم، واليمن1.
ويمكن أن يعترض على الرأي القائل بأنها اللغات السبع: باختلاف عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم في قراءة سورة الفرقان كما ثبت في الصحيح، وكلاهما قرشي، ولغتهما واحدة.
الرأي الثاني:
أنها سبعة من المعاني، أو الأحكام، أو طرائق التعبير التي جاءت في الكتاب العزيز.
والقائلون بهذا لهم عدة تفسيرات.
فمنهم من قال: هي، الحلال، والحرام، والمحكم، والمتشابه، والأمثال، والإنشاء، والإخبار.
ومنهم من قال: هي: الناسخ، والمنسوخ، والخاص، والعام، والمجمل والمبين، والمفسر.
ومنهم من قال: هي: الأمر، والنهي، والطلب، والدعاء، والخبر، والاستخبار، والزجر.
ومنهم من قال: هي: الوعد والوعيد، والمطلق والمقيد، والتفسير، والإعراب، والتأويل2.
وقد يحتج لهذه الآراء بحديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد، وعلى حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب، على سبعة أحرف: زجر وأمر،
1 النشر ج1 ص75، وراجع الإبانة لمكي ص72- 73.
2 النشر ج1 ص75- 76.
وحلال، وحرام ومحكم، ومتشابه، وأمثال1.
ويمكن أن نناقش هذا الرأي بما يأتي:
1-
الصحابة الذين اختلفوا ورفعوا الأمر للنبي عليه الصلاة والسلام مثل: عمر بن الخطاب، وهشام بن حكيم وأبي بن كعب، وابن مسعود، وعمرو بن العاص لم يختلفوا في تفسيره، ولا أحكامه، وإنما اختلفوا في قراءة حروفه2.
2-
يبدو التكلف في عد الأبواب السبعة بحيث تفتقد التناسق، ووحدة الأساس الذي قامت عليه القسمة؛ إذ هي تخليط بين الأحكام الشرعية، وطرائق التعبير، وعلوم القرآن.
3-
من جهة الحديث الشريف.. نرى الأبواب المذكورة فيه غير الأحرف السبعة، على أن الحديث ذكر الأحرف والأبواب ثم فسر الأبواب، أو يكون ما ذكره من حلال وحرام "لا تعلق له بالسبعة الأحرف ولا بالسبعة الأبواب بل إخبار عن القرآن هو كذا وكذا، وجاءت الصفات السبع اتفاقًا3.
الرأي الثالث:
العدد لا مفهوم له، ولا تراد به حقيقته، والعرب يطلقون لفظ
1 أخرجه الحاكم والبيهقي، ورواه الطبراني من حديث عمرو بن أبي سلمة المخزومي.
2 يقول مكي في هذا المعنى: إن عمر إنما سمع هشامًا يقرأ غير قراءته، فأنكر عليه، ولم يره يغير حكمًا، ولا بحرف معنى في القرآن، ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تخاصموا إليه في القراءة أمرهم بالقراءة، فلما سمعوا صوب قراءتهم، ولم يسألهم عن معانٍ مستورة في نفوسهم، إنما سمع ألفاظهم فصوبها. الإبانة ص72- 73.
3 النشر ج1 ص76.
السبع، والسبعين، والسبعمائة، ولا يريدون حقيقته العدد بحيث لا يزيد ولا ينقص، بل يريدون الكثرة والمبالغة من غير حصر، كما جاء في الآيات:{كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} ، {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُم} ، وفي الأحاديث الشريفة:"الإيمان بضع وسبعون شعبة"، "إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة"1.
ويرى ابن الجزري أن الحديث بالصورة التي ورد بها يعني أن العدد بحقيقته مراد ومقصود؛ لأن وجوه اختلاف القراءات يمكن حصرها في سبعة كما سنشير في الرأي التالي2.
ويفسر آخرون من علماء القراءات بأن التحديد بالسبعة بأن أصول قبائل العرب تنتهي إلى سبعة، أو أن اللغات الفصحى سبع.
الرأي الرابع:
ذهب إليه ابن الجزري3: وهو أنها سبعة أوجه من الاختلاف لا تخرج عنها قراءة، على النحو التالي:
1-
اختلاف في الحركات بلا تغير في المعنى مثل: "يحسَِب" بفتح السين وكسرها.
2-
اختلاف في الحركات مع تغيير في المعنى دون الصورة مثل: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّه كَلِمَاتٍ} 4، بنصب الميمم من "آدم" أو رفعها، وفتح التاء من "كلمات" أو ضمها.
3-
أن يكون التغيير في الحروف مع التغيير في المعنى دون
1 الإتقان ج1 ص45 والنشر ج1 ص77.
2 المرجع السابق.
3 المرجع السابق مع اختصار وتصرف ص77، وما بعدها.
4 سورة البقرة: 37، الأولى قراءة الجمهور والأخرى قراءة ابن كثير.
الصورة مثل قوله تعالى1: {هُنَالِكَ تَبْلُو} ، قرئ:"تتلو".
4-
تغير في الحروف مع تغير في الصورة لا المعنى نحو: "الصراط، والسراط"، "وبصطة، وبسطة".
5-
تغير في الحرف والصورة والمعنى واحد وتختلف عن الصور السابقة بأن هذه حدث فيها تقديم وتأخير بين حروفها مثل: "يَأْتَل، ويَتَأَلَّ"2، والسابقة استبدل فيها حرف بحرف.
6-
التغيير بالتقديم والتاخير. قرئ: {وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا} 4، بالتقديم والتأخير، وقرئ:{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَق} 5، "وجاءت سكرة الحق بالموت".
7-
التغيير بالزيادة والنقصان نحو قوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوب} 6، قرئ:"وأوصى".
الرأي الخامس:
ذهب إليه الإمام أبو الفضل الرازي. ويرى فيه وجوه التغاير السبعة التي ترجع إليها القراءات غير الوجوه التي ذهب إليه ابن الجزري، وهي في مجملها أمور نحوية وتصريفية.
1-
اختلاف الأسماء بالإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث.
1 سورة يونس: 30.
2 سورة التوبة: 22 قرأ الجمهور "يأتل" وقرأ أبو جعفر "يتأل" على وزن يتفعل بمعنى الحلف فيهما "إتحاف فضلاء البشر ص224.
3 آل عمران: 195.
4 التوبة: 111.
5 سورة "ق".
6 البقرة: 132.
مثال: {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} قرئ: "لأمانتهم"1، بالإفراد.
2-
الاختلاف في التصريف كقوله تعالى: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} ، قرئ:"رَبُّنَا بَاعَد"، رب:"مبتدأ، بَاعَد: فعل ماض، كما قرئ: "بَعَّدَ" فعل ماض مضعف2.
3-
الاختلاف بالإبدال سواء أكان إبدال حرف بحرف أم كلمة بكلمة.
مثال الأول: {نَنْشُزُهَا} ، قرئ:"ننشرها" بالراء مع فتح النون الأولى3.
ومثال الثاني: {كَالعِهْنِ الْمَنْفُوش} قرأ ابن مسعود، وهي قراءة أحادية شاذة:"كالصوف المنفوش"4.
4-
الاختلاف في التقديم والتأخير في الحروف مثل: {أَفَلَمْ يَيْأَس} قرئ: "يأيس"5، وفي الكلمات مثل:{فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} 6، قرئ: بالتقديم والتأخير.
5-
الاختلاف بالزيادة والنقص مثل قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} 7، قرأ نافع وابن عامر، وأبو جعفر بدون الواو، والقراءتان صحيحتان.
1 المؤمنون: 8.
2 سبأ: 9 وراجع إتحاف فضلاء البشر، ص359.
3 البقرة: 259، وراجع غيث النفع في القراءات السبع للصفاقسي ص72.
4 القارعة: 5.
5 سورة الرعد: 21، وراجع الإتحاف ص270.
6 التوبة: 111، وراجع الإتحاف:245.
7 آل عمران: 133، وراجع الإتحاف ص179.
6-
الاختلاف في وجوه الإعراب، مثل:{فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} 1، وقد أشرنا إلى القراءتين فيها وهي اختلاف الإعرابيين من الفاعل والمفعول به.
7-
اختلاف لغات العرب في التفخيم والترقيق، والهمز والتسهيل، والإظهار والإدغام ونحو ذلك.
هذا وقد اتجه مكي بن أبي طالب إلى رأي يكاد يجمع بين ما ذهب إليه الرازي وابن الجزري من وجوه التغاير السبعة ونسبه إلى ابن قتيبة "ت276 هـ"، وابن شريح "476هـ"، وأكبر الظن أن الرازي وابن الجزري أخذا رأييهما منه.
الرأي السادس:
ذهب إليه شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل، المعروف بأبي شامة المقدسي2 المتوفى سنة:665.
يرى الأحرف السبعة هي الأصول السبعة المطردة في القراءات وهي:
1-
وصل ميم الجمع وهاء الضمير وعدم ذلك.
2-
الإظهار الإدغام.
3-
والمد والقصر.
4-
وتحقيق الهمز وتسهيله.
5-
والإمالة وعدم الإمالة.
6-
والوقف بوجوهه المتنوعة: الإسكان، والروم، والإشمام.
1 البقرة: 37 وراجع سراح القاريّ المبتدي لابن الناصح ص191 المكتبة التجارية الكبرى.
2 المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز ط. بيروت ص127.
7-
الياءات من حيث الفتح والإسكان والإثبات والحذف.
وهذا الرأي على جانب كبير من الوجاهة وحسن الفهم إلا أن المفروض أن كل القراءات تندرج تحتها لكنا نلاحظ أن هذا التفسير مقصور على الأصول المطردة في القراءات ولا يتناول "الفرش" وتحته قراءات كثيرة غير مطردة.
الرأي السابع:
أن الأحرف السبعة هي القراءات السبع.
وهو رأي بالغ الضعف لأمور:
1-
القراءات كثيرة ومتعددة ولا حصر لها.
2-
الحديث منذ عصر النبوة وإطلاقه على القراءات غير سديد، كما أن فيه تحديدًا لمحتواه وإخلالًا بمضمونه العظيم الذي يبرز مدى التنوع التعبيري في أسلوب القرآن الكريم مع استبقاء سلامة المعنى واستقامته، وبعده عن التناقض، واحتفاظه بخصائص الفصاحة، وأعظم مقومات البلاغة.
3-
أن هذا رأي ناشئ عن لبس في الفهم أساسه ما شاع بين الأوائل من تسمية القراءة حرفًا.