الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاتمة:
في ختام هذا العمل العلمي، وبعد جولة باحثة فاحصة في ميادين القراءات المتعددة والمتشعبة لا أستطيع أن أنزه هذا العمل من الهفوات والعثرات شأن أي جهد يبذله بشر {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} .
غير أني أحسب بعد هذه الجولة أني أستطيع أن أضع أمام الدارس والباحث عددًا من النتائج التي يمكن أن ينطلق منها إلى عمر آخر، وأن يحقق بعد الوقوف عليها والتحرك من مفاهيمها نتائج أعمق أثرًا، وأشد خطرًا.
وهذا شأن العلم لبنات تتعاقب الأجيال في إرساء صرحه الشامخ حتى يأوي الإنسانية في ظلاله الوارفة.
والأجيال المسلمة في حياتنا المعاصرة في أمس الحاجة إلى علوم القراءات لترشد مسيرتها المهتدية بكتاب الله، والقائمة على حفظه ودرسه.
ودونكم النتائج التي رأيت إثباتها في هذه
الخاتمة
.
القراءات المقبولة نزلت وحيًا، ولم تكن من اجتهاد رسول الله
صلى الله عليه وسلم، واختلاف القراءات اختلاف تنوع لا اختلاف تعارض وتناقض.
مصدر اختلاف القراءات الأسانيد المتواترة التي تثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ بها جميعًا، ولم تنشأ عن الرسم العثماني كما يزعم المستشرقون وأذنابهم.
الحروف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم هي تنوع في صور الأداء مع اتحاد المعنى في الجميع، والعدد ليس مرادًا، ولا يعني سوى الكثرة. وكل قراءة ثبتت بسند متواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووافقت قوانين اللسان العربي على أساس أن القرآن نزل بلسان عربي مبين، ولم تخالف رسم المصحف العثماني فهي من الحروف السبعة، ولو نسبت لغير القراء السبعة أو العشرة.
من أعظم الأعمال في تاريخ القرآن المجيد المصحف العثماني أو المصحف الإمام الذي وضع ضوابط دقيقة ومحددة أجمع عليها قراء الصحابة لتكون مرجعًا للقراء من بعدهم، ولتدفع احتمالات الفوضى التي قد تنشأ من تعدد القراءات بدون وعي. ولهذا عددت هذا العمل من وسائل الحفظ الذي تكفل به رب العالمين لكتابه العزيز.
وعمل ابن مجاهد -مهما قال العلماء في تقويمه- عمل مشكور، له آثاره الطيبة في جمع الأمة على عدد من القراءات الصحيحة المتواترة.
أعلام القراء حتى عصر ابن الجزري كانوا علماء هذه الأمة، وأعرف الناس بعلوم العربية وفنون الرواية، والحديث، والتفسير، وسائر علوم القرآن.
علوم القراءات، الدراية بها ضرورة لدارس اللسان العربي على
كل مستويات الدراسة فيه.
الأصول من القراءات كثيرة ومتنوعة، ويراد بها القواعد العامة المطردة التي عززتها الأسانيد الصحيحة، وليست سبعة فقط كما رأى بعض العلماء.
في كتب التفسير، ومعاني القرآن، وإعرابه قراءات كثيرة، وغير منسوبة، ويكتفي فيها بأن يقال: وقرئ كذا، وهذا الأمر يحدث أكثر ما يحدث في غير القراءات العشرة، أو لغير القراءات العشرة ممن صحت قراءاتهم، ويتطلب هذا جهدًا يبذله المهتمون بعلوم القراءات لنسبة هذه القراءات والتعرف على أسانيدها، ولا يكفي مجرد عمل معجمي يكتفي بذكر القراءة دون نسبة واضحة محددة.
القراءات الشاذة التي تنتهي أسانيدها إلى بعض الأعلام من قراء الصحابة، أساسها وهم من بعض الرواة، فقد يلجأ الصحابي إلى ذكر كلمة للتفسير والتوضيح فيدخلها الراوي في صلب الآية مثل:"فصيام ثلاثة أيام متتابعات" التي نسبت لابن مسعود رضي الله عنه.
القراءة الشاذة مصدر صحيح لقضايا النحو والصرف واللغة، وإن اختلف العلماء في الاستشهاد بها في الأحكام الشرعية. كما ذكرت.
هناك فرق بين الاحتجاج بالقراءات، والاحتجاج للقراءات.
أما الأول فلا ريب فيه؛ إذ نحتج بالقراءات السبع والعشر في كل الأمور شرعية أم لغوية أم غير ذلك؛ لأنها القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم، والتوقف أمام واحدة منها ضلالة ضالة.
وأما الثاني فهو منهج علماء القراءات في إثبات صحتها، إما عن
طريق ذكر الأسانيد المتواترة، وإما عن طريق كشف صلتها الوثيقة بقواعد اللسان العربي، وإما عن طريق إثبات موافقتها لما أجمع عليه الصحابة من الرسم العثماني.
القراءات مصدر لتقنين النحو، وضبط قواعده، ولا يصح أن تحكم عليها بما قرره النحاة من قواعد على أساس بيت مجهول القائل، أو عبارة قالها عربي في البادية.
والحمد لله رب العالمين.