الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لو كان القرآن من عند غير الله لكان فيه اختلاف كثير حيث ينطوي في هذا تقرير لكون ما في الآيات لا يمكن أن يتناقض.
هذا، ومع خصوصية الآيات الزمنية من حيث احتواؤها على صورة من السيرة النبوية في العهد المدني فهي كسابقاتها تحتوي تلقينا عاما مستمر المدى والمدد بوجوب القتال في سبيل الله والإقدام عليه دون حساب للموت المحتوم على جميع الناس. والمحدد الأجل وإسلام الأمور إلى الله عز وجل الذي هو وحده مرجع جميع الأمور ونتائجها. وبتقبيح الصورة التي ترسمها الآيات لمرضى القلوب والتي تظهر في كل ظروف القتال ووجوب اجتنابها أيضا.
والآية الأخيرة جديرة بالتنويه لما فيها من تقرير حاسم لكون طاعة الرسول هي عنوان أو دليل على طاعة الله الذي أرسله حيث ينطوي فيها أولا توكيد سلطان النبي على المسلمين وواجب طاعتهم له مما فتئت الآيات المدنية تكرره. وثانيا تقرير لعصمة النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربّه. فلا يمكن أن يؤذن الله المسلمين بأن طاعة رسوله عنوان ودليل على طاعته إلّا وهو يعلم أنه معصوم فيما يبلغه عن الله وفيما يأمرهم به بأمر الله وإلهامه. وأنه معصوم عن الأمر بما فيه شرّ وضرر على الإطلاق. وواضح أن طاعة الرسول التي هي عنوان طاعة الله بعد وفاته هي في اتباع ما صحّ عنه من سنن قولية وفعلية على ما شرحناه في مناسبة قريبة سابقة.
[سورة النساء (4) : الآيات 81 الى 82]
وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (81) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (82)
. (1) ويقولون طاعة: ويقولون سمعا وطاعة لما تقول.
(2)
فإذا برزوا: فإذا خرجوا.
(3)
بيّت: نوى في نفسه. وأصل التبييت ما يقرر في الليل من أمور وهجوم العدو على عدوّه ليلا مفاجأة وهو غار في ليله ونومه وبيوته. ومنه جملة أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً في آية سورة يونس [50] .
وفي الآيتين:
(1)
إشارة تنطوي على التنديد بالفريق الذي هو موضوع التقريع في الكلام السابق حيث كانوا يقولون سمعا وطاعة لما كان النبي يأمرهم به ثم لا يلبثون حينما يخرجون عنده أن يقرروا فيما بينهم خطة مخالفة لما أبرموه ووافقوا عليه.
(2)
وتنديد رباني لهم فالله مراقبهم ومحص عليهم أعمالهم ونياتهم ومجزيهم بما يستحقون.
(3)
وتسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتهوين لأمرهم: فلا ينبغي أن يعبأ أو ينزعج من مواقفهم وليجعل اتكاله على الله ونعم هو الوكيل والمعتمد.
(4)
وتساؤل إنكاري ينطوي على التقريع لهم والتعجب من أمرهم: فالنبي إنما يتلو عليهم القرآن الذي يوحي به الله إليه. وإنما يأمرهم بالسير بمقتضى أمر الله فيه. ولو تدبروا فيه لما وجدوا فيما يتلوه عليهم ويأمرهم به أي اختلاف وتناقض.
وهذا دليل على أنه من عند الله عز وجل. ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.
لم يرو المفسرون فيما اطلعنا عليه رواية خاصة في مناسبة نزول الآيتين والمتبادر أنهما متصلتان بالآيات السابقة سياقا وموضوعا واستمرارا لها. وفيها صورة أخرى من صور مواقف المنافقين الذين هم موضوع الكلام والتنديد في الآيات السابقة. وهي صورة خبيثة ممضة. ولذلك انطوى في الآيتين جواب وتحدّ قويان وتسلية وتطمين للنبي صلى الله عليه وسلم وقد تلهم الآية الثانية أن المنافقين كانوا يظنون أن ما كان يأمر به النبي هو من عنده أو أنهم كانوا يشكون فيما يتلو من الفصول القرآنية بسبب ما كانوا يرونه من تنوع الأساليب. وقد نددت الآية بهم لأنهم يظنون أو يشكون بغير نظر وتدبر. وقررت أنهم لو نظروا فيه وتدبروا لما وجدوا أي اختلاف الجزء الثامن من التفسير الحديث 12