الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي هذه الآيات:
(1)
تنبيه للمؤمنين بأن من أزواجهم وأولادهم من يكون عدوّا لهم يجب الحذر منه.
(2)
ووصية لهم على كل حال بالعفو والصفح والغفران تأسيا بالله الغفور الرحيم.
(3)
وتنبيه لهم كذلك بأن أموالهم وأولادهم هي بوجه عام امتحان لهم في الاختيار بين واجبهم نحو الله والمصلحة العامة وبين أموالهم وأولادهم. وبأن ما عند الله من الأجر العظيم هو أعظم وأجدى وبأن من مصلحتهم أن يختاروا ما فيه رضاء الله حتى ينالوا ما عنده.
(4)
وتعقيب على ذلك فيه حثّ لهم على تقوى الله في اتباع أوامره واجتناب نواهيه جهد استطاعتهم، وعلى الطاعة لله ورسوله وبذل المال في سبيل الله ووجوه البرّ ففي هذا خاصة خير ونفع لهم. وأن المفلح هو الذي ينجو من شحّ النفس والبخل. وأنهم إذا أنفقوا فكأنهم يقرضون الله قرضا حسنا سوف يردّه عليهم مضاعفا مع غفران ما يلمون به من ذنوب وهو الشكور لفاعلي الخير الذي يعامل عباده بالحلم والعطف والتسامح. العليم بالحاضر والمستقبل المغيب القوي القادر الحكيم الذي يأمر بما فيه الحكمة والصواب.
تعليق على الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ والآيات الأربع التي بعدها وما فيها من صور وتلقين
لقد روى المفسرون روايات عديدة في نزول هذه الآيات أو بالأحرى الآيتين
الأوليين «1» منها واحدة معزوة إلى ابن عباس ومجاهد، جاء فيها أنها نزلت في قوم أرادوا الهجرة فثبطهم نساؤهم وأولادهم عنها. وقد روى الترمذي هذا في حديث عن ابن عباس فيه زيادة حيث جاء في الحديث «هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة وأرادوا أن يأتوا النبيّ فأبى أزواجهم وأولادهم ذلك ومنعوهم فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأوا الناس قد فقهوا في الدين همّوا أن يعاقبوهم فأنزل الله الآية» «2» وثانية معزوة إلى عطاء بن يسار من كبار علماء التابعين جاء فيها «أنها نزلت في عوف بن مالك الأشجعي. كان ذا أهل وولد وكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه وقالوا إلى من تدعنا فيرقّ لهم ويقيم» «3» وثالثة معزوة إلى عكرمة من علماء التابعين جاء فيها «كان الرجل يريد أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيقول له أهله إلى أين تذهب وتدعنا. فإذا أسلم وفقه قال لأرجعن إلى الذين ينهون عن هذا الأمر فلأفعلن ولأفعلن. فأنزل الله وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) » «4» .
وعلى كل حال فروح الآيتين الأوليين ومضمونهما يلهمان أنهما نزلتا في مناسبة مماثلة. ويتبادر لنا أن الآيات متصلة بالآيات السابقة لها وأن الآيات السابقة جاءت تمهيدا أو مقدمة لها وفي كلتا المجموعتين أمر بالسمع والطاعة لله ورسوله.
وهذا التشارك بنوع خاص قرينة قوية على الاتصال بين المجموعتين.
ويلحظ أن الخطاب في الآيات موجه إلى جميع المؤمنين حيث يتبادر من هذا أن حكمة التنزيل اقتضت ذلك ليكون الحادث وسيلة لتوجيه الكلام إلى المسلمين جميعهم ويكون لهم فيه عظة وتنبيه وتحذير على النحو الذي شرحنا به الآيات. وهذا ما جرى عليه التنزيل القرآني مما مرّ منه أمثلة كثيرة.
(1) تفسير الطبرسي والبغوي وابن كثير.
(2)
التاج ج 4 ص 238.
(3)
تفسير البغوي.
(4)
تفسير الطبري.
والآيات بهذا التعميم والإطلاق مستمرة التلقين والمدى من جميع النواحي بالنسبة لجميع المسلمين في كل ظرف ومكان في المناسبات والمواقف المماثلة.
وواضح من الشرح والمناسبات المروية أن جملة عَدُوًّا لَكُمْ قد جاءت للتشبيه وتشديد التحذير من التأثر وشدة الشغف بالأزواج والأولاد إلى المدى الذي يشغل المسلم عن واجبه نحو الله ودينه وخلقه أو يجعله يرتكب إثما ومعصية.
فلا يصح أخذها على غير هذا المدى.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآيات حديثا رواه الحافظ البزار عن أبي سعيد قال «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد ثمرة القلوب. وإنهم مجبنة مبخلة محزنة» حيث ينطوي في الحديث تقرير لواقع الأمر والتطابق مع الآيات من حيث كون الأولاد قرة عين ولكنهم يكونون أحيانا من أسباب جبن الآباء وبخلهم ودواعي الحزن لهم. وقد أورد المفسر حديثا آخر رواه الطبراني عن أبي مالك الأشعري قال «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس عدوّك الذي إن قتلته كان فوزا لك وإن قتلك دخلت الجنة.
ولكن الذي لعلّه عدوّ لك ولدك الذي خرج من صلبك ثم أعدى عدوّ لك مالك» والحديث مما تضمنت الآيات تقريره وهدفت إلى التحذير منه كما هو المتبادر.
ولقد قال بعض المفسرين: إن في الآية فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ تخفيفا عن المسلمين ونسخا لآية آل عمران هذه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ [102] .
ورووا عن سعيد بن جبير ومقاتل والسدي أن المسلمين لما نزلت آية آل عمران اشتدوا في العمل فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرّحت جباههم- يعني من كثرة الصلاة- فأنزل الله هذه الآية تخفيفا عنهم «1» . وقال بعضهم إنها غير ناسخة وإن حكم الآيتين محكم في الحالات المختلفة ولا تنافي بينها «2» . ونحن نرى هذا هو الأوجه إن شاء الله. لأن تقوى الله حقّ تقاته لا تتضمن تحميلا للمسلم ما ليس له به
(1) انظر البغوي والخازن وابن كثير والرواية وردت في ابن كثير.
(2)
انظر الطبرسي.
طاقة فيما نرى ولا سيما أن في الآيات المكية والمدنية التي نزلت قبل نزول آية آل عمران تقريرا ربانيا بأن الله لا يكلّف نفسا إلّا وسعها. وإنما تعني الإخلاص التام لله ومراقبته مراقبة تامة. ولقد نزلت آية آل عمران في موقف خطير وفي سياق تضمن تحذيرا للمسلمين إزاء ذلك الموقف على ما شرحناه في سياق تفسيرها فلا محلّ لربط هذه الآية بتلك.
على أنه يتبادر لنا أن الأوجه المتسق مع روح الآيات وهدفها ومقامها هو صرف الجملة إلى قصد الحثّ على الاجتهاد في تقوى الله جهد الطاقة وعدم التهاون في ذلك. وهذا لا يتنافى مع القول الذي رجحناه سابقا والله أعلم.
وتعبير وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) يتكرر هنا للمرة الثانية حيث ينطوي في ذلك توكيد على سوء خلق الشحّ وعظم فلاح من يكون بريئا منه وحثّ على نبذه وقد أوردنا ما روي من الأحاديث النبوية في ذلك في المناسبة الأولى التي ورد فيها هذا التعبير وهو آية سورة الحشر [9] .