الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعليق على الآية حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ
…
إلخ والآية التالية لها وما يتصل بهما من أحكام
ولم نطلع على مناسبة خاصة لنزول الآيتين. وما احتوتاه هو تشريعات رئيسية قد لا تحتاج إلى مناسبات خاصة. غير أن الّذي نرجحه أنهما نزلتا بسبب حوادث متنوعة في صدد حرام الأنكحة وحلالها كثرت في مناسباتها الاستفتاءات والمناقشات. وهو المتسق مع ما جرت عليه حكمة التنزيل في التشريع وغير التشريع في الأعمّ الأغلب.
والتناسب الموضوعي الخاص بين الآيتين والآية السابقة لها أولا والتناسب الموضوعي العام بينهما وبين الآيات السابقة جملة واضح. فإما أن تكون الآيتان نزلتا بعد السياق السابق بدون فاصل فوضعتا في مكانهما للتناسب الموضوعي والظرفي وإما أن تكونا نزلتا لحدتهما بعد وقت ما فوضعتا في مكانهما للتناسب الموضوعي.
ولم نطلع على روايات تفيد أن شيئا من المحرمات المذكورة وبخاصة الرئيسية منها مثل الأم والبنت والأخت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت وزوجة الابن من الصلب كان مباحا عند العرب قبل الإسلام وقد تكون جملة إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ في صدد نكاح زوجات الآباء والجمع بين الأختين قرينة على أن المحرمات المذكورة في الآيتين وبخاصة الرئيسية كانت محرمة قبل الإسلام.
ولعلهم كانوا يتساهلون في غير هذه المحرمات الرئيسية كأمهات الرضاع وأخوات الرضاع والربائب مثل تساهلهم في نكاح زوجة الأب والجمع بين الأختين. وكانوا إلى هذا يتشددون في تحريم نكاح أرامل ومطلقات الأبناء حتى شمل ذلك مطلقات الأبناء بالتبني فاقتضت حكمة التنزيل إيحاء هذه الآيات لتكون أحكاما صريحة شاملة لجميع الحالات بأسلوب حاسم.
والنصّ على تحريم زوجة الابن من الصلب فقط وقيد تحريم الربائب بالدخول بأمهاتهن وما ورد من أحاديث حرمة الرضاع على ما سوف نورده بعد قد يكون قرائن على ما نقول.
والنصّ على تحريم زوجة الابن من الصلب فقط الذي خرج به تحريم زوجة الابن بالتبني من المحرمات قد يدل على أن هذه الآيات قد نزلت بعد إبطال تقليد التبني وتوابعه في سورة الأحزاب. ولعل ذلك من أسباب تقديم سورة الأحزاب على هذه السورة في روايات ترتيب النزول.
وقد نبّه المفسرون «1» والفقهاء ومنهم من عزا قوله إلى أهل التأويل من أصحاب رسول الله وتابعيهم على أن تعبير الأب في المحرمات يشمل الجد وتعبير الأم يشمل الجدة، وتعبير الابن يشمل ابن الابن وبنت الابن، وتعبير البنت يشمل ابن البنت وبنت البنت، وتعبير العمة يشمل عمة الأب وعمة الأم، وتعبير الخالة يشمل خالة الأب وخالة الأم. وهذا وجيه ومتسق مع روح الآيات وأساليب اللغة العربية، ونبهوا كذلك على حرمة الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها استنادا إلى حديث رواه الخمسة عن أبي هريرة جاء فيه «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها» «2» وهذا تشريع نبوي لحالة سكت القرآن عنها.
ونبهوا كذلك على حرمة وطء الرجل والدة أمته التي يستفرشها ولا بناتها من غيره ولا بنات أبنائها وبناتهم أيضا ولو كن ملك يمينه. وهو قول سديد. ولم نقع على قول في عمات الأمة التي يستفرشها سيدها وخالاتها أو الجمع بينها وبينهن.
ويتبادر لنا أن هذا ينسحب عليه ذلك الأصل لأن تعليله جنسي ولا يتبدل في حالة الحرية والرق. والله أعلم. ونبهوا أيضا على أن زوجات الكفار داخلات في مدى عبارة وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ محرمات على المسلمين على اعتبار أنهن ذوات أزواج سواء أكنّ مشركات أم كتابيات باستثناء ما يسبيه المسلمون من
(1) انظر تفسير الخازن وابن كثير والطبري والبغوي وغيرهم.
(2)
انظر أيضا التاج ج 2 ص 264.
أعدائهم الكفار نتيجة لحرب وقتال من نساء حيث أبيح لهم أن يستفرشوهن لأنهن غدون ملك يمين لهم على ما تفيده جملة إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مما سوف نزيده شرحا بعد.
وفي موطأ مالك «1» حالات أخرى. منها عزوا إلى زيد بن ثابت (عدم صحة زواج رجل من أم زوجة عقد عليها ثم طلقها قبل أن يمسها لأنه صارت أم زوجته على كل حال) وهذا متسق مع إطلاق العبارة القرآنية. ومنها بدون عزو إلى أحد (حالة الرجل تكون تحته امرأة فيجامع أمها. حيث تحرم عليه زوجته وأمها معا) .
وهذا اجتهاد تطبيقي للجملة القرآنية إذا أخذ بقول من يقول بحرمة المرأة التي يصيبها الرجل ولو سفاحا. وقد علقنا على هذا سابقا.
ولم يذكر شيء في الآيات عن دين النساء اللاتي يحل للمسلم أن يتزوجهن.
غير أن الآية التالية لهذه الآيات مباشرة ذكرت ذلك بأسلوب يفيد وجوب كونهن من المؤمنات. ولقد حرمت آية البقرة [220] نكاح المشركات على ما شرحناه قبل. ولقد أدخل تعديل على ذلك بإباحة الكتابيات في آية سورة المائدة [5] على ما سوف نشرحه بعد.
وفي صدد حرمة الرضاع روى الخمسة عن عائشة رضي الله عنها حديثا جاء فيه «قال النبي صلى الله عليه وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة» «2» . وحديثا ثانيا رواه الشيخان جاء فيه «يحرم من الرضاعة ما يحرم من الرحم» «3» . وحديثا ثالثا رواه جميعهم عدا الترمذي عن أم حبيبة «قالت يا رسول الله إنا لنتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبي سلمة فقال: بنت أم سلمة، قلت نعم قال فو الله لو لم تكن في حجري ما حلّت لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة» «4»
(1) الموطأ ج 2 ص 23 و 24.
(2)
انظر التاج ج 4 ص 264- 265.
(3)
المصدر نفسه.
(4)
المصدر نفسه. [.....]
وحديثا رابعا رواه الخمسة إلّا البخاري عن أمّ الفضل جاء فيه «قال النبي صلى الله عليه وسلم:
لا تحرّم الرضعة أو الرضعتان أو المصّة أو المصتان» «1» . وحديثا خامسا رواه البخاري والترمذي عن عقبة بن الحارث قال: «تزوجت امرأة فجاءتنا امرأة سوداء فقالت أرضعتكما فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته وقلت إن المرأة كاذبة فأعرض، فأتيته من قبل وجهه وقلت إنها كاذبة، قال كيف بها وقد زعمت أنها أرضعتكما، دعها عنك» «2» . وحديثا سادسا رواه الترمذي جاء فيه «أن ابن عباس سئل عن امرأتين في عصمة رجل واحد أرضعت إحداهما جارية (بنتا) والأخرى غلاما أتحلّ الجارية للغلام فقال لا إن اللقاح واحد» «3» . وحديثا سابعا رواه الترمذي عن أم سلمة قالت «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحرم من الرضاع إلّا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام» «4» . وحديثا ثامنا عن ابن عباس رواه الدارقطني جاء فيه «قال رسول الله لا يحرم من الرضاع إلّا ما كان في الحولين» «5» .
وفي موطأ مالك أحاديث أخرى. منها حديث عن عائشة قالت: «جاء عمي من الرضاعة يستأذن عليّ فأبيت أن آذن له حتى أسأل رسول الله فسألته فقال إنه عمك فأذني له قالت يا رسول الله إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل قال إنه عمك فليلج عليك» «6» وحديث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه أخبره «أن عائشة زوج النبي كان يدخل عليها من أرضعته أخواتها وبنات أخيها. ولا يدخل عليها من أرضعته نساء أخواتها» «7» .
وليس في الأحاديث ما ينقض الجملة الواردة في الآية الأولى في تحريم
(1) انظر التاج ج 4 ص 264- 265.
(2)
انظر أيضا التاج ج 2 ص 266.
(3)
المصدر نفسه.
(4)
ابن كثير.
(5)
المصدر نفسه.
(6)
الموطأ ج 2 ص 68- 70.
(7)
المصدر نفسه.
المرضعات وبناتهن وإنما فيها توضيح وتوسيع ومن الواجب الأخذ بها بحيث يصح القول على ضوئها وضوء الجملة القرآنية أن الرضاعة المشبعة في سن الرضاعة هي التي تحرم النكاح وأن الرضاعة بهذا الوصف تحرم من الأنكحة ما يحرمه الرحم والولادة حيث تغدو المرضعة بمثابة أم الطفل أو الطفلة التي رضعت منها فتحرم هي على الطفل كما يحرم عليه بناتها وأخواتها وعماتها وخالاتها وبنات أبنائها وبنات بناتها ويحرم على الطفلة أبو المرضعة وأبناؤها وإخوتها وأعمامها وأخوالها ويحرم على الطفل من رضع معه منها من بنات غير بناتها ويحرم على الطفلة من رضع معها منها من صبيان غير صبيان مرضعتها مع التنبيه على أن هناك بعض اختلافات مذهبية لا يتحمل منهج التفسير بسطها.
ولقد روى الخمسة إلّا البخاري حديثا عن عائشة جاء فيه «كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرّمن، ثم نسخن بخمس معلومات وتوفي رسول الله وهنّ فيما يقرأ من القرآن» «1» ، ونحن في حيرة من هذا الحديث. ففي عهد أبيها حرر مصحف رسمي ليكون الإمام والمرجع على ملأ من المسلمين ولا يعقل أن تسكت على عدم إثبات قرآن مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو قرآن في المصحف ولا يعقل أن ترد شهادتها في ذلك ونرجح أن في الأمر التباسا وقد ناقش رشيد رضا هذه المسألة وقال ما مفاده أن رواية الخمس عنها هي المعتمدة وبها يقول أهل الحديث ويرون أن العمل بها يجمع بين الأحاديث. ورواية القرآن كقرآن لا تثبت إلا بالتواتر وليس هناك تواتر يؤيد صحة ما روي في هذا عن عائشة رضي الله عنها.
وعلى كل حال فإن قصارى الأمر تقرير كون حرمة الرضاع منوطة بالرضاعة الكثيرة المشبعة لا بالمصة والمصتين وهو ما تضمنت الأحاديث الأخرى تقريره.
ولقد روى مالك قولا عن سعيد بن المسيب «2» (إن كل ما كان في الحولين وإن كانت قطرة واحدة يحرّم) وعن ابن شهاب (إن الرضاعة قليلها وكثيرها إذا
(1) التاج ج 2 ص 265.
(2)
الموطأ ج 2 ص 68.
كانت في الحولين تحرم) ولا يروي الإمام مالك ما رواه البخاري وغيره من أصحاب الكتب الخمسة وأوردناه آنفا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا ندري إذا كانت لم تبلغه أو لم تثبت عنده وعند سعيد وابن شهاب. وما دامت هذه الأحاديث واردة في كتب الصحاح فهي الأكثر وثاقة ولزوما وما فيها هو الأسدّ والأوجه في الوقت نفسه والله تعالى أعلم.
وقد تعددت أقوال المفسرين ورواياتهم في تأويل جملة إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ بعد جملة وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ «1» منها أنها في صدد إباحة التزوج بسبايا الأعداء اللاتي يكون لهن أزواج أو وطئهن كإماء. حيث يكون السبي قد جعلهن ملك يمين المسلمين وأحلّ لهم وطئهن رغم كونهن ذوات أزواج، وقد رووا في صدد ذلك عن أبي سعيد الخدري «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا إلى أوطاس فأصابوا سبيا لهن أزواج من المشركين فكرهوا غشيانهن فأنزل الله هذه الآية بإباحتهن» «2» ومنها أنها في صدد الأمة التي تكون مستفرشة من سيدها فيبيعها أو يهبها لغيره حيث تضمنت الجملة على رأي أصحاب هذا القول إباحة استفراشها من سيدها الجديد أيضا. ومنها أن الجملة في صدد إباحة استفراش الإماء من قبل مالكيهن بدون تحديد، بالإضافة إلى أربع زوجات شرعيات، واعتبار ذلك غير مقيد بما قيد به الزواج من عدد ومهر إلخ.
وقد يكون القول الأول هو الأكثر اتساقا مع مقام الجملة. غير أن الجملة جزء من آية والآية جزء من سياق بحيث يسوغ التوقف في التسليم بنزول الجملة لحدتها حسب الرواية المروية عن أبي سعيد الخدري. ولعل حادث جيش أوطاس كان سابقا لنزول الآيات فأباح النبي صلى الله عليه وسلم للمجاهدين وطء سبايا المشركين ثم أيد القرآن ما أباحه النبي صلى الله عليه وسلم في سياق بيان الحلال والحرام من الأنكحة.
(1) انظر تفسيرها في ابن كثير والخازن والطبرسي والبغوي.
(2)
أورد هذا الحديث ابن كثير والخازن ورواه الترمذي وأبو داود أيضا. انظر التاج ج 4 ص 81 في فصل التفسير.
وننبه في هذه المناسبة على أن وطء المسبية والأمة التي يبيعها سيدها أو يهبها وتكون مستفرشة له قبل بيعها لا يجوز إلّا بعد استبراء رحمها. وقد روي أن المسلمين أخذوا يقعون على سبايا خيبر فأرسل النبي مناديا ينادي «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعن على امرأة من السبي حتى يستبرئها» «1» وهناك حديث رواه أبو داود والترمذي أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لا يحلّ لامرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها بحيضة» «2» . وواضح من إطلاق الآية والأحاديث أن المسلم يستطيع أن يستفرش أمته سواء أكانت مسلمة أم غير مسلمة إطلاقا وهو ما عليه الجمهور دون خلاف. أما آية البقرة [220] التي نهي فيها عن نكاح المشركات فهي في صدد التزوج بهن بعقد على ما نبهنا عليه في مناسبتها.
ومما نبّه عليه المفسرون «3» وأهل التأويل في هذا الصدد أن سيد الأمة حينما يهبها أو يبيعها تخرج من نطاق ملك يمينه فلا تعود تحل له وهي في ملك غيره إلّا إذا اشتراها ثانية أو وهبت له. وإلّا إذا تزوجها بعقد مما أباحته آية تأتي بعد قليل.
وهذا سديد وجيه. وننبه على أن بيع الأمة وهبتها يسوغان إذا لم تلد من سيدها فإذا ولدت صارت أم ولد ولم يعد يسوغ بيعها وهبتها وتصبح بعد موت سيدها حرة.
ونذكر بهذه المناسبة بالتعليق الذي علقناه على هذا الموضوع في سياق الآيات الأولى من سورة المؤمنون لأن فيه بعض البيان الذي يحسن ملاحظته حين قراءة هذا الكلام.
واستثناء ما قد سلف من حالة جمع الأختين هو مثل استثناء حالة زواج الابن من زوجة والده لتسوية النتائج الطبيعية تسوية حقوقية وشرعية كما قلنا في صدد استثناء الحالة الثانية.
(1) ابن سعد ج 3 ص 161.
(2)
التاج ج 2 ص 316.
(3)
انظر كتب التفسير السابقة الذكر. [.....]
ولقد أورد المفسرون «1» حديثا رواه أبو داود عن الضحاك بن فيروز عن أبيه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني أسلمت وتحتي أختان فقال طلق أيتهما شئت. والمتبادر أن ذلك كان بعد نزول الآيات وكتطبيق لها.
ولقد نبّه المفسرون إلى أن عقد نكاح الأخت مع الأخت باطل. فإن كان العقد على الأختين معا فالعقد عليهما باطل وإن كان العقد على واحدة بعد أخرى فعقد الثانية باطل. كذلك نبهوا إلى أن حرمة الجمع بين الأختين شاملة لملك اليمين أيضا بحيث قالوا عزوا إلى بعض أصحاب رسول الله وتابعيهم أنه لا يجوز لسيد أن يستفرش أختين في آن واحد. وقد فرضوا حالة ثالثة وهي أن تكون واحدة ملك يمين وثانية حرة وقالوا إن هناك من جوز ذلك ولكن الأكثر على خلافه.
ورووا بسبيل ذلك حديثا أخرجه الإمام مالك جاء فيه: أن رجلا سأل عثمان عن أختين مملوكتين لرجل هل يجمع بينهما فقال أحلتهما آية وحرمتهما آية، فأمّا أنا فلا أحب أن أصنع ذلك فخرج من عنده فلقي رجلا من أصحاب رسول الله هو في رواية علي بن أبي طالب وفي رواية الزبير بن العوام فسأله فقال: أما أنا فلو كان لي من الأمر شيء لم أجد أحدا فعل ذلك إلّا جعلته نكالا «2» . والنهي عن جمع الأختين في الآية مطلق بحيث يتبادر أنه شامل للأخوات مطلقا سواء أكن حرائر أو إماء أو بعضهن حرائر وبعضهن إماء والله أعلم.
وهناك نقاط أخرى متصلة بمدى الآيات رأينا من المفيد الإلمام بها:
إن الآيات تأمر بإيتاء النساء مهورهن وفرضها لهن فريضة. وآيات البقرة [236 و 237] تفيد سواغ عقد النكاح بدون تعيين المهر وأدائه مسبقا. فيكون الأمر في الآيات التي نحن في صددها مطلقا لإيجاب أداء المهر سواء كان قبل العقد أم بعده وهناك حديث رواه أصحاب السنن في صدد ذلك وفي صدد المهر الواجب في هذه الحالة جاء فيه «سئل ابن مسعود عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض
(1) انظر تفسير الآيات في تفسير الخازن وابن كثير والطبرسي.
(2)
المصدر نفسه.
لها صداقا ولم يدخل بها حتى مات فقال لها صداق نسائها لا وكس ولا شطط ولها ميراثه وعليها العدّة فقام معقل بن سنان فقال قضى رسول الله في بروع بنت وأشق مثل الذي قضيت ففرح بها ابن مسعود» «1» . ويقاس على هذا جواز العقد والدخول قبل فرض الصداق وأدائه واستحقاق المرأة المدخول بها صداق أمثالها كما هو المتبادر. أما مهر المرأة المطلقة في مثل هذه الحالة فالحكم في آيات البقرة [236 و 237] وفي نطاق ما شرحناها.
2-
وإيجاب إعطاء المرأة مهرها يمنع تزويج الرجل بنته أو أخته لرجل مقابل تزوج بنت الرجل أو أخته بدون مهر وهو ما عرف بالشغار الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم أيضا في أحاديث سبق إيرادها قبل قليل.
3-
ولقد سبق تعليق على المهور والمغالاة فيها قبل قليل أيضا فنكتفي به في صدد مقادير المهور في الإسلام. وهناك أحاديث لم نوردها في التعليق رأينا أن نوردها هنا لأن فيها سننا للمسلمين في بعض الحالات. من ذلك حديث رواه الترمذي وصححه جاء فيه «تزوجت امرأة من بني فزارة على نعلين فقال رسول الله أرضيت نفسك بنعلين قالت نعم فأجازه» «2» . وحديث رواه الخمسة عن سهل بن سعد جاء فيه «إنّ امرأة جاءت إلى رسول الله فقالت جئت لأهب لك نفسي فنظر رسول الله إليها وصعّد نظره ثم طأطأ رأسه. فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست فقام رجل من أصحابه فقال يا رسول الله إن لم تكن لك حاجة بها فزوجنيها فقال هل عندك من شيء قال لا والله يا رسول الله قال فاذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا فذهب ثم رجع فقال لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئا قال انظر ولو خاتما من حديد فذهب ثم رجع فقال لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد ولكن هذا إزاري فلها نصفه فقال رسول الله ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء فجلس الرجل حتى طال مجلسه ثم قام
(1) التاج ج 2 ص 273 صداق نسائها يعني صداق أمثالها. والعدة هي عدة حداد الزوجة المتوفى عنها زوجها.
(2)
التاج ج 2 ص 270.
فرآه رسول الله موليا فأمر به فدعي فقال ما معك من القرآن قال معي سورة كذا وسورة كذا عددها قال أتقرأهن عن ظهر قلبك قال نعم قال اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن وفي رواية زوجتكها بما معك من القرآن» «1» .
4-
وغير المحرمات في الآية المسموح للمسلم التزوج بهن يجب أن يكون بموافقتهن على ما يستفاد من أحاديث نبوية عديدة منها حديث رواه الخمسة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا يا رسول الله وكيف إذنها قال أن تسكت» «2» . وفي رواية «الثيب أحقّ بنفسها من وليها والبكر تستأمر وإذنها سكوتها» «3» . وحديث رواه أصحاب السنن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم «تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها» «4» . وحديث رواه البخاري وأبو داود عن خنساء بن خدام الأنصارية «أن أباها زوجها وهي ثيّب فكرهت ذلك فأتت رسول الله فردّ نكاحها» «5» وحديث رواه أبو داود وأحمد جاء فيه «جاءت جارية بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم» «6» . وجمهور الفقهاء على أن هذه الأحاديث هي بالنسبة للبالغات، وأن للولي أن يزوج غير البالغة بدون حاجة إلى استئمارها وإذنها لأنها غير راشدة. وليس هناك حديث صريح في إثبات ذلك ونفيه. والقول وجيه سديد بتعليله.
5-
والأحاديث لا تنفي مع ذلك دور الولي للبالغات وإنما تحتم استئماره لمن هي تحت ولايته إن كانت بكرا وتمنعه من تزويجها وهي غير موافقة. وتجعل الثيب أكثر انطلاقا في حقها في التصرف في نفسها.
(1) التاج ج 2 ص 271 و 272.
(2)
المصدر نفسه ص 266 و 267.
(3)
المصدر نفسه.
(4)
المصدر نفسه.
(5)
المصدر نفسه.
(6)
المصدر نفسه.
على أن هناك أحاديث تجعل دور الولي أقوى بروزا. منها حديث رواه أبو داود والترمذي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل. ثلاث مرات. فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها. فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» «1» .
وصيغة الحديث تحتمل أن يكون في حق البكر والثيب معا. وهناك حديث يرويه أحمد والبيهقي جاء فيه «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» «2» وحديث رواه أصحاب السنن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «أيما امرأة زوّجها وليّان فهي للأول منهما» «3» ، وليس في الأحاديث ما يخلّ في وجوب استئمار البكر والثيب وإذنهما مما قررته الأحاديث السابقة كما هو المتبادر.
وننبه على أن آيات سورة البقرة [228- 231 و 234 و 240] تقرر بشيء من القوة والصراحة بأن للمرأة المطلقة والمترملة أن تتصرف بنفسها بدون تدخل وليها بل إن الآية [231] تنهى الولي عن ممانعتها من الرجوع إلى زوجها إذا تراضت معه.
وبناء على ذلك ثم على نصوص الأحاديث فإن المذاهب الفقهية مع اتفاقها على حق الولي في تزويج من هي تحت ولايته إذا كانت بالغة بكرا كانت أم ثيبا مع الحصول على إذنها وموافقتها فإن منها من لا يرى ضرورة لموافقة ولي ولا لشهود ومنها من يرى ذلك ضروريا ومنها من لا يرى ذلك ضروريا بالنسبة للثيب دون البكر. ومنها من جعل للقاصرة حق الخيار والرفض حينما تبلغ إذا كرهت تزويج وليها لها.
ويتبادر لنا على ضوء الآيات والأحاديث أن الصواب هو أن للثيب حق
(1) التاج ج 2 ص 266 و 267.
(2)
المصدر نفسه ص 267 و 268.
(3)
المصدر نفسه.
التصرف بنفسها دون ضرورة للولي. وإن موافقة الولي ضرورية بالنسبة للبكر بشرط موافقتها هي أيضا. وأن للقاصرة البكر التي يزوجها وليها الخيار حين بلوغها إذا لم يكن زوجها قد دخل بها. أما الشاهدان فنعتقد بضرورتهما لأن ذلك أحوط من الغش والخداع والضرر والله تعالى أعلم.
6-
وفي صدد المرأة التي يظهر فيها عاهة روى الإمامان مالك والشافعي عن عمر قال «أيما رجل تزوّج امرأة بها جنون أو جذام أو برص فمسّها فلها صداقها كاملا ولزوجها غرم ذلك على وليها» «1» .
7-
وفي صدد الوفاء بما يشرطه الزوج على نفسه من شروط روى الخمسة عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن أحق الشرط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج» «2» .
وهذا الحديث واسع الآفاق بحيث يمكن أن يشمل كل شرط شرطه الزوج على نفسه لزوجته من لباس وسكن ومعاش وعدم قسمة للزوجة الثانية وعدم الزواج بأخرى وجعل الطلاق بيدها وعدم إخراجها من بلدها وعدم منعها من العمل وعدم إجبارها على الخدمة والعمل إلخ. وقد قال هذا غير واحد من المفسرين والمؤولين والفقهاء. وهناك من ساق حديثا رواه الخمسة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «كلّ شرط ليس في كتاب الله باطل» «3» وقالوا إن هذا الحديث ضابط للأمر فما كان من شرط لا يتناقض مع ما أباحه كتاب الله ورسوله أو منعاه وجب الوفاء به، ومن الأمثلة التي سيقت مسألة شرط عدم التزوج بأخرى وعدم القسمة للأخرى وعدم إخراج الزوجة من بلدها لأن كل هذا من حق الرجل شرعا وفاق كتاب الله وسنّة رسوله. ومع صواب القول إن الحديث يكون ضابطا فإن للمرأة أن ترفع أمرها للحاكم ليقدر مدى انطباق الشرط على شرع الله ورسوله فيلزم به الزوج والله أعلم.
(1) التاج ج 2 ص 299. [.....]
(2)
المصدر نفسه.
(3)
المصدر نفسه ص 271.
8-
وفي صدد الحثّ على الزواج روى الخمسة حديثا عن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغضّ للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» «1» ومن المفسرين من أوّل (الباءة) بالقدرة المالية ومنهم من أولها بالقدرة الجنسية.
والراجح أنها بالمعنى الأول. بقرينة نهاية الحديث.
9-
وفي صدد إيجاب تزويج صاحب الخلق والدين ترجيحا على غيره ممن يكونون في حالة مالية أو اجتماعية أرقى ويكون دونه دينا وخلقا روى الترمذي وحسنه عن أبي حاتم المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد، قالوا يا رسول الله وإن كان فيه؟
قال إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ثلاث مرات» «2» .
10-
وفي صدد المرأة الفضلى للزواج روى الخمسة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك» «3» . وللنسائي ومسلم «إن الدنيا كلّها متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة» «4» . وروى أبو داود والنسائي والحاكم وصححه عن معقل بن يسار قال «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أحببت امرأة ذات جمال وحسب وإنها لا تلد أفأتزوجها قال لا. ثم أتاه الثانية فنهاه. ثم أتاه الثالثة فقال تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم» «5» وروى أصحاب السنن «قيل يا رسول الله أي النساء خير قال التي تسرّه إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في
(1) التاج ج 2 ص 253 و 254 و 259.
(2)
المصدر نفسه.
(3)
المصدر نفسه ص 257 و 258 والمتبادر أن مرد تفضيل ذات الدين إلى أن الوفاء وحسن الأخلاق والأمانة وحسن المعاشرة والاستقامة كل ذلك مضمون في حين لا يكون مضمونا بالصفات الثلاث الأخرى.
(4)
المصدر نفسه.
(5)
المصدر نفسه.