الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يوجب عليهما ذلك «1» .
(2)
وإذا كانتا قد تظاهرتا وتعاونتا على الكيد للنبي فلتعلما أن الله نصيره وظهيره. وأن جبريل والملائكة والصالحين المخلصين من المؤمنين أيضا نصراؤه وظهراؤه.
(3)
وأن ربّه ليستطيع إذا تراءى له أن يطلّق نساءه بسبب أمثال هذه المكايدات أن يبدله بهن أزواجا خيرا منهن ثيبات وأبكارا متصفات بأحسن الصفات وأطهرها من إسلام وإيمان وخشوع وخضوع وعبادة وصوم أو هجرة.
تعليق على الآية يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) والآيات الأربع التي بعدها وما فيها من صور وتلقين
ولقد روي في صدد نزول هذه الآيات وصورها روايات عديدة. منها حديث رواه البخاري ومسلم والترمذي عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عسلا عند زينب بنت جحش ويمكث عندها فواطيت أنا وحفصة على أيّتنا دخل عليها فلتقل له أكلت مغافير، إني أجد منك ريح مغافير. قال: لا ولكنّي كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش فلن أعود له وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا» «2» وهذا الحديث ورد في كتاب التاج في سياق تفسير السورة في فصل التفسير كأنما
(1) هذا تأويل جملة إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وهو ما ذهب إليه أكثر المفسرين ومنهم الزمخشري والخازن والطبرسي والبغوي والنسفي. وقد رأينا في تفسير القاسمي تأويلا آخر وهو: إن تتوبا إلى الله فتكون قلوبكما قد صغت وعادت إلى الحق وقد اخترنا الأول لأننا رأيناه الأكثر اتساقا مع روح الآية. والله أعلم.
(2)
التاج ج 4 ص 239. واطيت بمعنى تواطأت أو اتفقت. مغافير صمغ شجر العرفط وهو حلو الطعم كريه الريح. والقصد إيهام النبي أن النحل قد جنى من هذا الصمغ فصار ريحه كريها. وقد أوردنا النص كما ورد والظاهر أنه مختصر. ويفيد على كل حال أن إحداهما قالت للنبي صلى الله عليه وسلم. ما تواطأنا عليه فأجابها بما جاء في الشطر الثاني من الحديث
…
يورد كسبب لنزول الآيات «1» . وقد روى الثلاثة المذكورون حديثا طويلا آخر ورد في التاج في سياق تفسير السورة أيضا عن ابن عباس رأينا من المفيد إيراده لما فيه من صور طريفة قال «مكثت سنة أريد أن أسأل عمر عن آية فما أستطيع ذلك هيبة له حتى خرجت في الحجّ معه فلمّا رجعنا وكنّا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له فوقفت له حتى فرغ ثم سرت معه فقلت يا أمير المؤمنين: من اللتان تظاهرتا على النبيّ صلى الله عليه وسلم من أزواجه فقال تلك حفصة وعائشة. قلت والله كنت أريد أن أسألك عن هذا من سنة فما أستطيع هيبة لك. قال فلا تفعل، ما ظننت علمه عندي فاسألني عنه فإن كان لي علم خبرتك به ثم قال عمر والله إنا كنّا في الجاهلية ما نعدّ للنساء أمرا حتى أنزل الله فيهنّ ما أنزل وقسم لهن ما قسم. قال فبينا أنا في أمر أتأمره إذ قالت امرأتي لو وضعت كذا وكذا فقلت لها ما لك ولما هاهنا وما تكلفك في أمر أريده؟ فقالت لي عجبا يا ابن الخطاب ما تريد أن تراجع وإنّ ابنتك لتراجع رسول الله حتى يظلّ يومه غضبان، فقام عمر فأخذ رداءه حتى دخل على حفصة فقال لها يا بنية إنك لتراجعين رسول الله حتى يظلّ يومه غضبان؟ فقالت حفصة والله إنا لنراجعه فقلت تعلمين أني أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله. لا تغرنّك هذه التي أعجبها حسنها وحبّ رسول الله إيّاها. قال ثم خرجت حتى دخلت على أم سلمة لقرابتي منها فكلمتها فقالت عجبا لك يا ابن الخطاب! دخلت في كلّ شيء حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله وأزواجه فأخذتني والله أخذا كسرتني عن بعض ما كنت أجد. فخرجت وكان لي صاحب من الأنصار إذا غبت أتاني بالخبر وإذا غاب أتيته بالخبر. وكنا نتخوف ملكا من ملوك غسان سمعنا أنه يريد السير إلينا وقد امتلأت صدورنا منه فإذا صاحبي الأنصاريّ يدقّ الباب فقال افتح فقلت جاء الغسانيّ؟ قال بل أشدّ من ذلك. اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه. فقلت رغم أنف حفصة وعائشة. فأخذت ثوبي فخرجت حتى جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربة له يرقى عليها بعجلة وغلام لرسول الله أسود على رأس الدرجة. فقلت له: قل هذا عمر بن الخطاب فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر: فقصصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) إن المفسرين: البغوي والطبرسي أوردا هذا الحديث وقالا إن الآيات نزلت في مناسبة ما جاء فيه.
هذا الحديث فلمّا بلغت كلام أمّ سلمة تبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف وعند رجليه قرظ مصبوب.
وعند رأسه أهب معلقة. فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت فقال ما يبكيك؟ قلت:
يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هم فيه وأنت رسول الله، فقال أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة» «1» . وقد روى البخاري حديثا ثالثا عن أنس ورد في التاج في فصل التفسير وفي سياق تفسير السورة أيضا قال:«قال عمر رضي الله عنه: اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت لهنّ عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجا خيرا منكنّ فنزلت هذه الآية» «2» .
ولقد أورد المفسرون «3» هذه الأحاديث. وأوردوا بالإضافة إليها أحاديث أخرى لم ترد في كتب صحاح الأحاديث. فقد روى البغوي بالإضافة إلى الحديث الأول الذي أورده وقال إن الآيات نزلت في مناسبة ما جاء فيه، حديثا عن عائشة ذكر فيه أن النبيّ إنما شرب شراب العسل عند حفصة وأن التواطؤ كان بين عائشة وسودة وصفية. وقد روى البغوي وابن كثير والطبرسي والخازن حديثا فيه سبب آخر «وهو أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أذن لحفصة أن تزور أهلها وفي غيابها استدعى مارية القبطية إلى بيتها ووقع عليها. وعرفت حفصة ذلك فأخذت تبكي وتقول للنبي صلى الله عليه وسلم إنك أذنت لي من أجل هذا وأدخلت أمتك بيتي ووقعت عليها في يومي وعلى فراشي، فقال لها ألا ترضي أن أحرّمها فلا أقربها؟ قالت: بلى فقال لها: لا تذكري ذلك لأحد فذكرته لعائشة فأنزل الله الآيات» ومما رووه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحفصة من قبيل المراضاة والبشرى إن أباها وأبا عائشة سيكونان خليفتين بعده. ومما رووه تتمة للحادث أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب لإفشاء سرّه واعتزل نساءه شهرا وقعد في مشربة
(1) المصدر السابق الذكر ص 240- 241 والقرظ: ثمرة مثل البلوط. وأهب جمع إهاب.
وهو كيس من جلد. وفسر الشارح كلمة (عجلة) بدرجة. وقد جاءت هذه الكلمة بعد كلمة (عجلة) كأنها مرادفة لها.
(2)
المصدر نفسه.
(3)
انظر تفسير الطبري والطبرسي والبغوي والخازن وابن كثير.
مارية. وشاع أن النبي صلى الله عليه وسلم طلقهن بل ورووا أنه طلق حفصة وأن عمر بن الخطاب جاء إلى المسجد فوجد الناس جالسين يبكون وفي رواية ينكتون بالحصى ويقولون: طلّق رسول الله نساءه فاستأذن على النبي فلما أذن له قال: يا رسول الله ما يشقّ عليك من أمر النساء فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك ثم سأله: أطلقتهن؟ قال: لا، فنادى بأعلى صوته: لم يطلق النبي نساءه ونزلت الآيات.
وعلى كل حال فالآيات قد نزلت بسبب حادث ما مما ورد في الأحاديث، وبالتالي بسبب غيرة نساء النبي صلى الله عليه وسلم لأن فحواها متطابق مع ذلك. مع القول إن رواية المفسرين لأحاديث غير أحاديث الشيخين والترمذي قد تفيد أن من الرواة من لم يكن متأكدا من هذه الأحاديث، ومتأكدا مما بلغه وأن المفسرين جاروهم في ذلك فجمعوا بين الأحاديث على اختلاف مراتبها. ومن الجدير بالتنبه أنه ليس في الحديث الطويل المروي عن ابن عباس وحديثه عن عمر ما يتصل بالحادث إلّا كون جملة وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ هي في حفصة وعائشة. وهذا مطابق للحديث الأول الذي هو الأقوى سندا والذي قد يكون ما جاء فيه هو الأصحّ والله أعلم.
والتنديد والإنذار في الآيات قويان يلهمان أن الحادث مما أزعج النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا فجاءا بهذه القوة متناسبين مع شدة الإزعاج والألم اللذين ألمّا بالنبي صلى الله عليه وسلم مع علوّ مقامه الذي هو جدير بالتعظيم والتوقير وبخاصة من نساء النبي أكثر من أي شخص آخر.
وهكذا تكون الآيات قد احتوت مشهدا آخر من مشاهد السيرة النبوية الخاصة بحياة النبي صلى الله عليه وسلم الزوجية. وقد سبقت الإشارة إلى مشاهد أخرى من ذلك في سورتي الأحزاب والنور.
والإيجاز في الإشارة وأسلوب الآيات معا يلهمان أن الآيات إنما أوحيت للعظة والتعليم مما يصح أن يكون شاملا لعامة المسلمين في الحالات المماثلة التي هي من مشاهد الحياة الزوجية.
ويحسن أن ننبه على مدى تعبير لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ من حيث كونه ليس في معنى المناقضة في تحريم ما أحل الله تعالى في المفهوم الشرعي الذي يقابله معنى إحلال ما حرّم الله. وإنما هو في معنى حرمان النفس ومنعها مما أحلّه الله.
وهذا غير غريب عن المألوفات البشرية في امتناع الناس أو حلفهم على الامتناع عن شيء هو في أصله حلال ومباح لهم دون أن يعني أنه قصد نقيض حلّه.
وتحلّة الأيمان إنما وردت في آيات سورة المائدة هذه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) .
ويفيد هذا أن الآيات التي نحن في صددها قد نزلت بعد هذه الآيات مع أن سورة المائدة متأخرة في الترتيب عن سورة التحريم. ولقد احتوت سورة المائدة فصولا متعددة منها ما يدل على أنها نزلت قبل فصول نزلت في سور متقدمة عليها في الترتيب على ما سوف نشرحه بعد. ومنها هذا الفصل على ما يبدو.
وقد يفيد أسلوب الآيتين الأولى والثانية أن الله عز وجل لا يحب أن يحرم الإنسان على نفسه ما أباحه وأحله له. وأن الواجب إذا صدر من امرئ يمين بذلك أن يكفر عنه ويتمتع بما أباحه الله وأحله له. وهذا صريح أكثر في آيات المائدة. ولقد أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث وردت في الكتب الخمسة مؤيدة لذلك. وأحاديث في تعريف اليمين اللغو وأخرى في اليمين الغموس التي تحلف كذبا على أمر جرى خلافا للمدعى به، وأخرى في صدد اليمين بغير الله وأخرى في صدد الاستثناء في اليمين أوردناها في سياق تفسير الآية [224] من سورة البقرة فنكتفي بهذا التنبيه هنا يرجع إليها.
هذا، وجبريل يذكر هنا للمرة الثانية. وقد ذكر لأول مرة في آيات سورة البقرة [97- 98] وعلقنا عليه بما فيه الكفاية. والأسلوب والمقام الذي جاء ذكره