الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
أضغانهم: ما يضمرونه في قلوبهم من حقد.
(2)
لحن القول: لهجة الكلام وأسلوبه.
في هذه الآيات:
(1)
تساؤل إنكاري فيه معنى التسفيه والإنذار عما إذا كان ذوو القلوب المريضة المنافقون يظنون أن أمرهم خاف على الله وأنه عاجز عن فضيحتهم وإظهار ما في قلوبهم من حقد ونوايا سيئة للمسلمين.
(2)
وتنبيه موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الله لو أراد لأراه كل واحد منهم بعينه وعرفهم له بأشكالهم وأسمائهم. ومع ذلك فإنه يستطيع أن يعرفهم ويميزهم من لهجة كلامهم وأسلوب حديثهم بما فيه من المواربة والكذب والنفاق وأمارات الكيد والعناد والتشويش.
(3)
وتوكيد تقريري بأن الله يعلم أعمال جميع الناس ومحيط بها.
تعليق على الآية أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ والآية التالية لها
الآيتان متصلتان بالفصول السابقة ومعقبتان عليها كما هو ظاهر. والمتبادر المستلهم من روح الآية الثانية ومضمونها أنها انطوت أولا: على تقرير كون الأصلح للجميع ما اقتضته مشيئة الله من عدم تعريف جميع المنافقين للنبي والمسلمين تعريفا حاسما وصريحا. ولا سيما أنهم لا يخفون في لهجة الكلام وأسلوب التصرف على النبي ذي النظر الناقد والذهن الثاقب والمتصل بوحي الله وإلهامه. وثانيا: على تهديد المنافقين في الوقت نفسه بالفضيحة من جهة ورغبة
إثارة الخوف في نفوسهم منها حتى يرعووا عن موقفهم قبل دمغهم دمغا لا يبقى بعده لهم مخلص من جهة أخرى.
وهذا وذاك يلهمان أولا أن من المنافقين من استطاع أن يخفي حقيقة أمره على بعض المسلمين على الأقل. وفي سورة التوبة آية صريحة بذلك بل وبكون بعض المنافقين استطاعوا إخفاء حقيقة أمرهم على النبي صلى الله عليه وسلم وهي وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (101) وثانيا أن المنافقين كانوا يحذرون أن يعرف نفاقهم ويتحاشون الفضيحة به ويحاولون تأويل مواقفهم. وقد حكت ذلك آيات عديدة منها آية سورة المنافقون هذه إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1) ومنها آية سورة التوبة هذه وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) وآية سورة التوبة هذه يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا [74] .
والنفاق في حد ذاته يتضمن هذا القصد. فالمنافق كافر وغير مخلص ولو لم يخش الفضيحة والأذى لظهر على حقيقته بدون مواربة. ومع ذلك فلعل من الصواب أن يقال إن الحذر في المنافقين قد اشتد بعد توطد مركز النبي في المدينة وبخاصة بعد تطهيرها من اليهود إجلاء وتنكيلا.
ولقد روى الطبري عن ابن عباس والضحاك في سياق الآية الثانية أن الله سبحانه عرفه إياهم في سورة التوبة حيث أوحى له وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً [الآية: 84] ولَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا [الآية: 83] .
غير أن الآية [101] من سورة التوبة التي أوردناها والتي يلهم سياقها أنها نزلت بعد هاتين الآيتين صريحة النصّ كما قلنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف بعضهم.
ومع ذلك فإن الآية التي نحن في صددها تلهم أن المنافقين مهما حاولوا التستر فإن
تصرفاتهم ومواقفهم وأقوالهم تظل تفضحهم وتعريهم وتجعل النبي صلى الله عليه وسلم والمخلصين يعرفونهم منها.
هذا، ومما لا شك فيه أن الآيات قد احتوت درسا وموعظة بليغة مستمرة التلقين وبخاصة للزعماء والحكام الذين يسوسون الناس ويتولون توجيههم في كيفية التصرف معهم مخلصهم ومترددهم ومنافقهم.
ولقد روى الطبرسي وهو مفسر شيعي في سياق الآية الثانية أن أبا سعيد الخدري قال «لَحْنِ الْقَوْلِ هو بغض عليّ بن أبي طالب. وقد كنّا نعرف المنافقين في عهد رسول الله ببغضهم له» وقال المفسر إن مثل هذا روي عن جابر ابن عبد الله وعبادة بن الصامت. ولا يوثّق المفسر رواياته بسند وثيق. ولم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. والهوى الشيعي واضح في هذا. وقد يكون حقّا أن بغض عليّ رضي الله عنه من علامات النفاق. ولكن ليس من محل للاختصاص بحيث يصح أن يكون من علامات النفاق بغض كل واحد من الرعيل الأول من أصحاب رسول الله ومن أقران عليّ أيضا وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم وغيرهم رضي الله عنهم.
وإذا كان هناك حقا حديث رواه الترمذي عن أم سلمة جاء فيه «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحبّ عليا منافق ولا يبغضه مؤمن» «1» فهناك أحاديث أخرى من هذا الباب عن أصحاب رسول الله عامة وعن الأنصار خاصة منها حديث رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود جاء فيه «الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبّهم فبحبّي أحبّهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه» «2» وحديث رواه الشيخان ومسلم عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «الأنصار لا يحبّهم إلّا مؤمن ولا يبغضهم إلّا منافق فمن أحبّهم أحبّه الله ومن أبغضهم أبغضه الله» «3» .
(1) التاج ج 3 ص 297.
(2)
المصدر نفسه ص 272.
(3)
المصدر نفسه ص 341.