الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعليق على الآية هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ والآية التالية لها وما فيهما من صور
الآيتان استمرار للخطاب الموجه للمؤمنين كسابقاتهما وجزء من السياق.
وقد استهدفتا ما استهدفته الآيات السابقات من تثبيت وتطمين. وقد انطوتا على تقرير ما يلي:
(1)
إن الكفار مستحقون لعذاب الله تعالى. ولقد كان قادرا على إنزال النكال الشديد بهم حالا لما بدا منهم. فهم كافرون من جهة. وقد صدوا المسلمين عن زيارة المسجد الحرام. وصدوا الهدي المنذور لله عن المكان الذي يحل فيه نحره من جهة. ولعبت في رؤوسهم نزوة الجاهلية وحميتها من جهة.
(2)
ولكن حكمة الله العليم بكل شيء قضت بأن ينتهي الموقف إلى ما انتهى إليه. فأنزل السكينة على رسوله وعلى المؤمنين. وهدّأ من سورة غضبهم وغيظهم. وألزمهم كلمة التقوى التي هي الأمثل بهم لأنهم أهلها والأحق بها.
وألهمهم الرضاء بما فيه الخير والمصلحة. ولا سيما أنه كان في مكة فريق من المؤمنين والمؤمنات لا يعلمهم المؤمنون الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان من المحتمل أن يدوسوهم وينالهم أذى أثناء الاشتباك فيقعوا بذلك في الإثم والمشاكل.
وهذه ناحية رئيسية من حكمة الله تعالى في كفّ أيدي الفريقين عن بعض.
ولقد احتوت الآيتان إشارات خاطفة متوافقة مع ما ذكر الرواة تفصيله وأوردنا خلاصته قبل في صدد بعض مشاهد سفرة الحديبية والمفاوضات التي جرت بين النبي صلى الله عليه وسلم ومندوبي قريش وما كان من تعنّت قريش وإصرارهم على الشروط التي كان الحافز عليها أنفة الجاهلية وحميتها وما كان من هدوء جأش النبي صلى الله عليه وسلم وتساهله وموقفه الحازم وانبثاث السكينة في نفسه ونفوس معظم المسلمين ومسايرتهم لهذه الشروط التي لا تهضمها النفوس بسهولة لولا إلهام الله وسكينته التي أنزلها على قلوبهم وإلزامه إياهم كلمة التقوى والحق والمصلحة.
الجزء الثامن من التفسير الحديث 39
وفي الآية الأولى خبر وجود فريق من المؤمنين والمؤمنات في مكة. وروح العبارة يلهم أوّلا أنهم كانوا يكتمون إيمانهم وأنهم لم يكونوا قليلين بحيث كان من الصعب أن يختفوا وأن يسلموا من الأذى لو وقع اشتباك حربي بين المسلمين وقريش في مكة. وليس في العبارة القرآنية معنى تأنيبي في حقهم حيث يلهم ذلك أنهم كانوا معذورين في البقاء في مكة. ولعلّهم أو لعلّ منهم من أشارت إليه آية النساء هذه وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75) وآيات النساء هذه إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً (99) ويكاد يكون من المتفق عليه أن العباس رضي الله عنه عمّ النبي صلى الله عليه وسلم وأسرته كانوا من المؤمنين وقد ظلّوا في مكة إلى يوم الفتح. والمرجح أن بقاءه كان بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولمصلحة كان يراها «1» .
ولقد روى البخاري عن ابن عباس قوله «كنت أنا وأمي من المستضعفين وفي
(1) ذكرنا في سياق تفسير آيات سورة الأنفال [69- 71] وفي سياق تفسير آيات سورة النساء المذكورة الروايات التي تذكر خبر إسلام العباس. ولقد روى ابن هشام ج 3 ص 398- 399 أن شخصا اسمه الحجاج من المسلمين ممن شهد وقعة خيبر استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر إلى مكة لاقتضاء دين له في التصرف في بعض القول ليسهل عليه ذلك، فأذن له فلما بلغ مكة سأله بعض رجال قريش عن أخبار النبي وكانوا قد عرفوا أنه سار إلى خيبر ولم يعرفوا أن الحجاج قد أسلم فقال لهم عندي من الخبر ما يسرّكم: إنه هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط وقتل أصحابه وأسره اليهود وهم يهمون بإرساله إليكم. فسروا أعظم سرور وسهلوا له قضاء حاجته وجاءه العباس فزعا يسأله الخبر فأخبره الحقيقة. وطلب كتمانها إلى أن يخرج فلما خرج لبس العباس حلّة وتخلّق (تطيب بالطيب وأخذ عصاه وجاء إلى الكعبة فطاف بها فقال له بعض رجال قريش: يا أبا الفضل والله هذا التجلد لحرّ المصيبة، فقال وأي مصيبة. كلا والله الذي حلفتم به لقد فتح محمد خيبر وأحرز أموالهم وتزوج بنت ملكهم (وهي زوجته صفية بنت حيي بن أخطب) حيث يستفاد من هذا الخبر ما قلناه من أن العباس كان أشبه بنائب عن النبي أو معتمد له في مكة.