الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والوقوف عند ذلك مع الإيمان بأن لا بد من حكمة سامية في ذكر ذلك لعل منها ما ذكرناه من تشويق وترهيب.
ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآيات حديثا رواه الإمام أحمد عن حكيم بن معاوية عن أبيه قال «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الجنة بحر اللبن وبحر الماء وبحر العسل وبحر الخمر ثم تشقّق الأنهار منها بعد» . وحديثا رواه أبو بكر بن مردويه عن عبد الله بن قيس عن أبيه قال «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأنهار تشخب من جنة عدن في جوبة ثم تصدّع بعد أنهارا» وحديثا رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني عن لقيط بن عامر قال «قلت يا رسول الله فعلام نطلع من الجنة قال على أنهار عسل مصفّى وأنهار من خمر ما بها صداع ولا ندامة وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وماء غير آسن وفاكهة لعمر إلهك ما تعلمون وخير من مثله، وأزواج مطهّرة قلت يا رسول الله أولنا فيها أزواج مصلحات قال الصالحات للصالحين تلذّونهن مثل لذّاتكم في الدنيا ويلذّونكم غير أن لا توالد» .
وينطوي في الأحاديث توضيحات نبوية للآيات وترغيب وتبشير متسقان مع ما استهدفته كما هو المتبادر.
[سورة محمد (47) : الآيات 16 الى 17]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (17)
. (1) ماذا قال آنفا: ماذا قال الآن من جديد.
في الآيتين حكاية لحالة من حالات بعض فئات الكفار والمنافقين وحالة المؤمنين حينما كانوا يحضرون مجالس النبي ويستمعون إلى ما يقوله ويبلغه، حيث كان الأولون يحضرون هذه المجالس لاهية أذهانهم وقلوبهم مستخفّين بما يسمعون وحينما يخرجون يسألون بعض ذوي العلم والفهم من أصحاب رسول الله
الذين شهدوا المجلس عما قال النبي من شيء جديد فهؤلاء قد طبع على قلوبهم بسبب كفرهم ونفاقهم وخبث طواياهم ففقدوا السداد والرشاد والإدراك وانساقوا وراء الأهواء بخلاف المؤمنين المخلصين الذين كان الله يزيدهم هدى وفهما لما ينبغي أن يتقوا به الله كلما شهدوا مجالس النبي وسمعوا كلامه ومواعظه.
وسؤال ماذا قالَ آنِفاً يحتمل أن يكون استخفافا وسخرية كما يحتمل أن يكون بقصد التأكد لأنهم لم ينتبهوا إلى ما كان يقوله النبي أو لم يعوه ويفهموه، وقد ذكر المفسرون الاحتمالين. وفي سورة التوبة آيتان قد تكونان من هذا الباب وتفيدان أن السؤال على سبيل السخرية والاستخفاف وهما هاتان وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (125) حيث يصح الاستئناس بالآيتين لترجيح احتمال الاستخفاف والسخرية في السؤال الذي نحن في صدده.
وجملة وَمِنْهُمْ التي بدئت بها الآيتان تدلّ على أنهما معطوفتان على موضوع الكلام السابق أي الكافرين. حيث يفيد هذا أولا: أن الآيتين استمرار للسياق السابق. وثانيا: أن الكفار كانوا يجلسون إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم مع غيرهم.
ويستمعون إليه في العهد المدني أيضا.
وإذا صح هذا الاستنتاج فيكون هؤلاء الكفار من المعاهدين أو المسالمين وليسوا على كل حال من أعداء محاربين. ويكون في ذلك صورة من صور هذا العهد.
على أن هناك احتمالا بأن يكون هؤلاء من المنافقين أيضا. وفي آيات تأتي بعد قليل إشارات إلى مواقف المنافقين ومرضى القلوب وحملة عليهم وفضح لأخلاقهم ومكائدهم حيث يستأنس بذلك على هذا الاحتمال.
وهذا الاحتمال لا يقطع الصلة الموضوعية بين هاتين الآيتين والسياق