الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقامها تتحمل كل هذا «1» .
(2)
مريدا: متمردا.
(3)
فليبتكن: من البتك وهو الشقّ أو الخرق.
(4)
فليغيرن خلق الله: القصد من الجملة ما كان يفعله العرب في الحيوانات والأرقاء من خصي وكي ووشم إلخ. وقيل إن القصد منها تغيير فطرة الله ودينه.
والقول الأول هو الأوجه في مقام الجملة وهو متناسب مع البتك.
(5)
محيصا: مهربا ومخلصا.
(6)
قيلا: قولا.
تعليق على الآية إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ
…
إلخ. والآيات التالية لها إلى آخر الآية [122] ومدى المراد من تغيير خلق الله
عبارة الآيات واضحة. وقد تضمنت تقريرا بعدم إمكان غفران الله للمشرك به مع ما هناك من أمل في هذا الغفران لغير المشرك. وتقريرا بشدة خسران المشرك وضلاله البعيد وسخفه. لأنه إنما يدعو من لا قدرة له على نفع وضرر، بل لأنه في الحقيقة إنما يدعو الشيطان المتمرد على الله الذي آلى على نفسه أن يضلّ من قدر عليه من عباد الله بالأماني الباطلة والتغريرات الخادعة. وأن يجعلهم- فيما يجعلهم- أن يشقوا آذان الأنعام وأن يغيروا خلق الله ويشوهوه. وتقريرا بكون مصير الذين ينخدعون به فيدعون غير الله ويغيرون خلق الله جهنّم بينما يكون مصير الذين لا ينخدعون به ويؤمنون بالله ويعملون الأعمال الصالحة الجنات التي وعدهم الله بها وليس من أحد أصدق قولا وأوفى وعدا من الله.
ولقد روى المفسرون روايتين في نزول الآية الأولى. إحداهما تذكر أنها
(1) انظر تفسير الطبري الذي ورد فيه جميع هذه الأقوال وقد أوردها مفسرون آخرون بعده انظر ابن كثير والطبرسي والخازن مثلا.
الجزء الثامن من التفسير الحديث 16
نزلت في ابن أبيرق بشير أو طعمة الذي نزلت فيه الآيات السابقة والذي ارتدّ ولحق بالمشركين لتؤذن أنه لن يكون له مغفرة من الله. وثانيتهما تذكر أنها نزلت في شيخ أعرابي جاء إلى رسول الله يقول إني منهمك في ذنوب كثيرة ولكن لم أشرك بالله شيئا منذ عرفة وإني تائب فما حالي فنزلت بالبشرى له.
والروايتان لم تردا في الصحاح. وتقتضيان أن تكون الآية الأولى نزلت منفردة في حين أنها مع الآيات التالية لها وحدة تامة مستقلة، وبتك آذان الأنعام وتغيير خلق الله بالكي والخصي والوشم من عادات الجاهلية بحيث يرد على البال أن حديثا جرى في صدد ذلك أو حادثا وقع من ذلك أو سؤالا ورد على ذلك في الظرف الذي سبق نزول الآيات فأوحى الله بالآيات لتعلن أن كلّ ذلك من وساوس الشيطان الذي يوحي بها إلى المشركين. ولتشنّع على الشرك وتنذر المشركين وتنوه بالمؤمنين الذين يعملون الصالحات بالمقابلة وتبشرهم بالجنة. وقد وضعت في مكانها لأنها نزلت بعدها. وقد يكون ذكر ارتداد ابن أبيرق أو جاء الأعرابي ليسأل عن حاله فتليت الآية الأولى فالتبس على الرواة الذين رووا الروايتين.
والله أعلم.
ولقد ورد في سياق سابق صيغة قريبة لصيغة الآية الأولى وهي الآية [48] حيث يبدو أن حكمة التنزيل اقتضت التكرار لتكرار المناسبة مما جرى عليه التنزيل القرآني. على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة. ولقد جاءت الآية [48] في سلسلة في حق اليهود لتلبسهم بموقف شرك شديد البشاعة. وجاءت هنا في حقّ مشركي العرب. ولقد علّقنا على الآية [48] وأوردنا طائفة من الأحاديث في صدد غفران الله لغير المشركين وأوردنا تعليقا لبعض المفسرين على ذلك فلم يعد محلّ للإعادة والزيادة في صدد مدى الآية.
ولقد أوردنا معاني كلمة إِناثاً التي رواها المفسرون في مكان شرح كلمات الآيات وقلنا إن الكلمة قد تتحمل كل هذه المعاني فنكتفي بهذا التنبيه. وقد يكون استعمال الكلمة في مقامها قد قصدت زيادة التشنيع والإفحام من حيث إنه
كان يقوم في أذهان المخاطبين لأول مرة وهم العرب قناعة بعجز الإناث عن أي عون مجد. وهذا المعنى ملموح في آيات أخرى جاءت في صدد مثل هذا الصدد.
مثل آيات الزخرف هذه أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)[16- 18] .
وحكاية أقوال الشيطان في الآيتين [118 و 119] التي تفيد أن الشيطان يزعم أنه سوف يؤثر على فريق من الناس ويزين لهم ويغويهم قد تكررت في آيات سابقة وبخاصة في سياق حكاية قصة آدم وإبليس. وقد علقنا على ذلك في سياق هذه القصة في سورة ص وغيرها بما يغني عن التكرار. والإيمان بكل ما يخبر به القرآن من مثل هذه الأمور الغيبية واجب على ما نبّهنا عليه في مناسبات مماثلة مع واجب الإيمان بأن لذكرها بالأسلوب الذي جاءت به حكمة. وقد تكون حكمتها في مقام الآيات التي نحن في صددها إيذان المشركين بأنّ ما هم عليه من هذه العادات الفاسدة هي من وساوس الشيطان وتغريراته ولقد كانوا يعرفون ماهية الشيطان وكونه متمردا على الله وكونه ملعونا من الله وكون الذين يستمعون لوساوسه وتغريراته مدموغين بالفساد والانحراف عن الحقّ والهدى فاستحكم فيهم التنديد القرآني.
وواضح أن الآيات قد تضمنت إعلان بطلان هذه العادات الجاهلية وفسادها وتحذيرا للمسلمين منها في الوقت نفسه.
والعادات التي حكت الآيات أنها من وساوس الشيطان وتغريراته نوعان:
نوع متصل بالأنعام ومتمثل هنا ببتك آذانها. ونوع عام هو ما عبر عنه بجملة فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ولقد أشار القرآن في آيات سورة الأنعام [135- 144] التي مرّ تفسيرها إلى بعض عادات متصلة بالأنعام كان ينسبها المشركون إلى الله افتراء وشرحناها وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار، وفي سورة المائدة هذه الآية ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (103) حيث احتوت إشارة إلى عادات عديدة أخرى
للمشركين في الأنعام وينسبونها إلى الله ومنها البحيرة التي تعنيها جملة فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ في الآية التي نحن في صددها حيث كانوا يثقبون أو يبتكون أو يبحرون آذان النوق التي تنتج خمسة بطون ويخلون سبيلها على ما شرحناه أيضا في سياق تفسير آيات الأنعام. وقد روى المفسرون أحاديث تفيد أن أول من سنّ هذه العادات ومنها بتك آذان الأنعام أبو خزاعة عمرو بن عامر وأن رسول الله قال إنه يجر قصبته في النار ويتأذى أهل النار بنتن رائحته بسبب ذلك.
ولقد تعددت الأقوال التي يرويها المفسرون عن ابن عباس وغيره في مدى جملة وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ منها أنها عنت تغيير دين الله وتبديل فطرة التوحيد. وأيد القائلون قولهم استنادا إلى آية الروم هذه فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ [30] ومنها أنها عنت الخصي والوشم والوشر وتفليج الأسنان ووصل الشعر. وأورد القائلون حديثا رواه البخاري عن عبد الله أنه قال «لعن الله الواشمات والموتشمات والنامصات والمتنمّصات والمتفلّجات للحسن المغيّرات خلق الله. فبلغ ذلك امرأة من بني أسد تسمّى أمّ يعقوب فجاءت فقالت بلغني أنك لعنت كيت وكيت فقال ومالي لا ألعن من لعن رسول الله. ومن هو في كتاب الله. فقالت لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول قال لو قرأتيه لوجدتيه أما قرأت وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7] . قالت بلى. قال فإنه قد نهى عنه. قالت فإني أرى أهلك يفعلونه قال فاذهبي فانظري فذهبت فنظرت فلم تر من حاجتها شيئا» «1» . ومنها أنه التخنّث وهو أن يتشبه الرجل بالنساء في حركاتهن وكلامهن ولباسهن. وقد رجح الطبري القول الأول. غير أن العادات الأخرى ألصق بمعنى تغيير خلق الله وأكثر تناسبا مع جملة فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ فيما هو المتبادر.
ولقد أورد المفسرون في سياق الآيات أحاديث أخرى. فمما أورده القاسمي
(1) التاج ج 4 ص 230 و 231.
منها حديث رواه الإمام أحمد وابن عساكر عن ابن عمر قال «نهى رسول الله عن الإخصاء وفي رواية عن خصاء الخيل والبهائم» وحديث رواه الطبراني عن ابن مسعود قال «نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يخصى أحد من ولد آدم» وحديث رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة قال «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوشم» ومما أورده الخازن حديث عن أسماء قالت «لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة» .
ومما أورده الطبري حديث عبد الله جاء فيه «لعن رسول الله الواشرات بالإضافة إلى المستوشمات المتنمصات المتفلجات» . وباستثناء الحديث الذي رواه البخاري ليس شيء من هذه الأحاديث واردا في الصحاح. وأكثرها مع ذلك من باب ما رواه البخاري.
وتعليقا على ذلك نقول إن موضوع الآيات الأصلي هو تعظيم الشرك ثم تقرير كون المشركين إنما يدعون الشيطان الذي يجعلهم يعملون هذه العادات وإن الأولى أن يبقى الأمر مربوطا بعضه ببعض. وأن تؤخذ الأحاديث كتعليمات نبوية للمسلمين منفصلة عن مدى الآيات. وإن على المسلمين أن يلتزموا بما ثبت منها.
وعلى احتمال أن يكون النهي عن الخصاء صادرا عن النبي صلى الله عليه وسلم نقول إن الحكمة فيه ظاهرة لأن فيه تشويها وتعطيلا لمهمة الإخصاب التي أودعها الله في الإنسان وجعلها وسيلة لحفظ النوع. أما عدا ذلك مما كانت تفعله المرأة للتزين من وشم وتنمّص ووصل شعر وتطويله وتفلّج «1» فلا تبدو حكمة النهي عنه لنا ظاهرة.
والتنمّص يقرب من تقليم الأظفار حينما تطول ومن حلق شعر الرأس والعانة ونتف شعر الإبط. وكان هذا مع التمشط والتدهن بالطيب والتكحل مما كان يمارسه النساء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بدون حرج في غير وقت الحداد على ما تفيده الآثار التي منها حديث رواه الشيخان وأبو داود والترمذي عن أم عطية قالت «كنا ننهى أن نحدّ على ميت فوق ثلاث إلّا على زوج أربعة أشهر وعشرا ولا نكتحل أثناء ذلك
(1) التنمّص: هو نتف شعر اليدين والساق. والتفلّج: هو تفريق الأسنان عن بعضها للتحسين.
ولا نتطيب ولا نلبس ثوبا مصبوغا» «1» وهناك أحاديث نبوية تحثّ المرأة على التزين. منها حديث رواه النسائي وأبو داود عن عائشة قالت «إنّ امرأة أومأت من وراء ستر، بيدها كتاب إلى رسول الله فقبض يده وقال ما أدري أيد رجل أم امرأة.
قالت بل يد امرأة قال لو كنت امرأة لغيّرت أظفارك بالحنّاء» «2» وحديث رواه البخاري ومسلم والترمذي عن جابر قال «قال النبي صلى الله عليه وسلم أمهلوا حتى تدخلوا لكي تمتشط الشعثة وتستحدّ المغيبة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره أن يأتي الرجل أهله طروقا» «3» . وهذا ما يجعلنا نتوقف أمام الحديث المروي عن عبد الله والذي عزي فيه لعن الواشمات والمتنمصات والمتفلّجات إلا إذا كان قصد بذلك المبالغة حتى يبدو تشويها أكثر منه تزيينا. ولقد روى الطبري «أن رجلا سأل الحسن ما تقول في امرأة قشرت وجهها قال مالها لعنها الله غيّرت خلق الله» حيث ينطوي في هذا صورة لما كان بعض النساء يفعلن في وجوههن بالتنمص أو غيره حتى يقشرنها قشرا.
وهناك أحاديث تبيح خضاب اللحية بل تستحبه. منها حديث رواه البخاري وأبو داود عن ابن عمر قال «كان النبي يلبس النعال السبتية ويصفر لحيته بالورس والزعفران» «4» وحديث رواه أصحاب السنن جاء فيه «قال أبو رميثة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وأبي وكان قد لطخ لحيته بالحناء» «5» وحديث رواه هؤلاء أيضا عن أبي ذر قال «قال النبي صلى الله عليه وسلم إن أحسن ما غيّر به هذا الشيب الحناء والكتم» «6» وبعضهم يرى حلق اللحية الحديث الشائع هو من تغيير خلق الله. ونحن لا نرى ذلك من ناحيتين: من ناحية الآية التي تربط الشرك وتغيير خلق الله برباط واحد بحيث لا يجوز أن يوصم مسلم يؤمن بالله وحده بالشرك بسبب حلق ذقنه. ومن ناحية الأحاديث لأنها تذكر
(1) انظر التاج ج 2 ص 330 والحديث يفيد أن ذلك كان مباحا للنساء في غير وقت الحداد.
(2)
التاج ج 3 ص 157.
(3)
التاج ج 2 ص 288 و 289 أي لا تتعجلوا الدخول في الليل على زوجاتكم وأعطوهن فرصة للتمشط والاستعداد. والاستحداد حلق شعر العانة بالحديدة أي السكينة.
(4)
التاج ج 3 ص 157.
(5)
المصدر نفسه.
(6)
المصدر نفسه.