الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أشياء بأعيانها وليس لأحد أن يتجاوز ذلك. والله تعالى أعلم.
[سورة النساء (4) : الآيات 123 الى 126]
لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124) وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً (125) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً (126)
. في الآيات:
(1)
تقرير بأن مصير الناس في الآخرة لن يكون وفقا لأماني السامعين ولا أماني الكتابيين وظنونهم ورغباتهم، وبأن من يعمل السوء لا بد من أن يجزى عليه بما يستحق دون أن يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا، وبأن من يؤمن بالله ويعمل صالحا من ذكر أو أنثى يدخل الجنة دون أن يبخس من حقه شيء.
(2)
وتساؤل على سبيل الاستطراد والحثّ والتنويه عما إذا كان يصح أن يكون أحد أحسن دينا ومنهجا ممن أسلم وجهه لله وأخلص له وحده واتبع ملّة إبراهيم المستقيمة الموحدة الذي اتخذه له خليلا.
(3)
وتقرير استطرادي وتعقيبي بأن لله ما في السموات وما في الأرض وأنه محيط بكل شيء. ومحص لكل عمل يصدر من أي كان فلا تخفى عليه خافية ولا يفلت منه أحد.
تعليق على الآية لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ والآيات الثلاث التي بعدها
روى المفسرون روايات متعددة الطرق والصيغ والأسماء متفقة المدى في نزول الآيات يستفاد منها أن جدلا جرى بين فريق من أهل الكتاب وفريق من
المسلمين حول الأقرب إلى الله تعالى والأولى به من الفريقين حيث قال الكتابيّون كتبنا وأنبياؤنا أسبق وقال المسلمون نبيّنا خاتم الأنبياء وكتابنا مهيمن على كتبكم وشريعتنا أو فى الشرائع ونحن مؤمنون بكتبكم وأنبيائكم وأنتم غير مؤمنين بكتابنا ونبيّنا فنحن الأقرب والأولى. وهناك رواية تذكر أن الآية الأولى نزلت بسبيل الردّ على قريش التي كانت تنكر الآخرة وحسابها وعلى الكتابيين الذين كانوا يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه ولن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى.
وليس شيء من الروايات واردا في الصحاح ومع ذلك فالآيات متناسبة معها بحيث يمكن القول إنها نزلت في مناسبة مماثلة لتقرر الحق في الموقف الجدلي أو التفاخري ولتنبه على أن رضاء الله ورحمته إنما ينالا بالإيمان والعمل الصالح وليس بالتفاخر والآمال والادعاء. والآية [125] احتوت ثناء على من اتبع ملة إبراهيم.
وهي منسجمة في الآيات بحيث يمكن القول إنها جزء منها. ولقد كان يقوم جدل بين النبي والكتابيين حول ملّة إبراهيم وأولى الناس به وحكي ذلك في آيات سورة آل عمران [65- 68] التي مرّ تفسيرها. ومن الجائز أن يكون الكلام في الجدل الجديد تطرق إلى ذلك فاقتضت حكمة التنزيل بيان كنه ملّة إبراهيم التوحيدية الإسلامية والتنويه بأن أحسن الناس هم الذين يسلمون وجوههم له ويتبعون هذه الملّة حيث يبدو أن رواية الجدل بين المسلمين والكتابيين هي الأكثر ورودا كسبب لنزول الآيات. وعلى ضوء آيات سورة آل عمران يمكن القول بأن الآيات انطوت على تقرير أولوية وأفضلية النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به على أهل الكتاب الذين هم طرف في الموقف الجدلي لأنهم هم الذين اتبعوا هذه الملة.
ومن الممكن أن يلمح شيء من الصلة بين موضوع هذه الآيات والآيات السابقة فإما أن تكون قد نزلت هذه بعد تلك فوضعت مكانها للتناسب الظرفي والموضوعي. وإما أن تكون وقعت بعدها للتناسب الموضوعي والله تعالى أعلم.
وعلى كل حال فالآيات قوية حاسمة في التعبير والتقريب والتلقين كما هو واضح فلا يصح لامرىء أن يركن على الدعوى والأمانيّ والانتساب والظواهر.
وعلى كل إنسان أن يتأكد من أنه ملاق جزاء عمله إن خيرا فخيرا وإن سوءا فسوءا.
وأن النهج القويم الذي يرضى الله عنه ولا نهج خيرا منه هو إسلام النفس لله عز وجل ونبذ سواه والعمل الصالح في اتباع ملّة الإسلام المستقيمة التي هي ملة إبراهيم عليه السلام. وتقرير كون كل امرئ ملاقيا جزاء عمله بدون ظلم خيرا كان أو سوءا مما تكرر في القرآن كثيرا بل ومما دار عليه كل هدف قرآني بالنسبة لحياة الإنسان في الدنيا والآخرة.
ولقد كان كثير من العرب والكتابيين ينتسبون إلى إبراهيم فاستحكمت الآيات في الجميع فالانتساب إلى إبراهيم لا يفيد إلا باتباع ملته. وكل دعوى خلاف ذلك باطلة. وهذا المعنى مما تضمنه وهدف إليه كثير مما جاء في قصص إبراهيم عليه السلام على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة عديدة.
ولقد أورد المفسرون أحاديث عديدة تذكر أن المسلمين فزعوا من الآيات وراجعوا النبي في صددها واعتبروها من أشد آيات القرآن عليهم وأن النبي صلى الله عليه وسلم هدّأ روعهم وطمأنهم وبشّرهم. ولم يرد من ذلك في الكتب الخمسة إلا حديث واحد رواه الترمذي عن أبي هريرة قال «لما نزل مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ شقّ ذلك على المسلمين فشكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال قاربوا وسدّدوا. ففي كل ما يصيب المؤمن كفارة حتى الشوكة يشاكها أو النكبة ينكبها. حتى إن العبد ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير» «1» ويلحظ أن في القرآن المكي آيات فيها من التقرير الحاسم ما في هذه الآيات مثل آيات سورة الزلزلة فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) وآية سورة فصلت مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46) . ويبدو أن الآية الجديدة قد شقت على المستجدين في الإسلام في العهد المدني، الذين كانت لهم من المصالح والمشاغل الدنيوية ما يؤثر في سلوكهم فأفرغتهم وجعلتهم يراجعون النبي صلى الله عليه وسلم فاقتضت حكمته هذا التطمين الذي في الحديث مع الترجيح أن الكفارة
(1) التاج ج 4 ص 88.