الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فنكتفي بهذا التنبيه دون التكرار أيضا.
حالة الإكراه والغصب
روى أصحاب السنن عن علقمة بن وائل عن أبيه «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة أكرهت على الزنا فاذهبي فقد غفر الله لك» «1» وروى الترمذي حديثا جاء فيه «استكرهت امرأة على الزنا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فدرأ عنها الحد وأقامه على الذي أصابها ولم يذكر أنه جعل لها مهرا» «2» . وروى مالك «أن عبدا زنى بأمة بالإكراه في زمن عمر فأمر بجلد العبد دون الأمة لأنها مستكرهة» «3» .
وليس في الأحاديث توضيح للاستكراه، ويتبادر لنا أنه لا يبرر سقوط الحدّ إلّا منع المدخول به عن المقاومة بصورة ما.
أما إذا هدّد بالقتل أو بما دون القتل فلا يبرّر ذلك موافقته والرضاء بما يفعل به، لأن عقوبة ذلك هي القتل إذا كانت الجريمة لواطا أو إذا كانت المزني بها محصنة ولا يصحّ لامرىء أن يوافق ويرضى بأمر بالتهديد فقط إذا كانت عقوبة ما يطلب منه بالتهديد مثل عقوبة الفعل. وإذا كان الإكراه أكثر احتمالا بالنسبة للمفعول به، فليس من المستحيل أن يكون حادث الإكراه على الفاعل أيضا. غير أن هذه الحالة تختلف عن الحالة السابقة. فالزاني واللائط هو المباشر للجريمة على كل حال وليس هنا محل لفرض التقييد «4» ومنع المقاومة، والخضوع للتهديد والإكراه لا يعفي والحالة هذه من العقوبة لأنه لا يصح أن يتفادى القتل أو ما دون القتل بجريمة عقوبتها مثل ذلك، والله تعالى أعلم.
ومن قبيل الاستطراد نذكر أن هناك حديثين متناقضين في صدد إتيان البهيمة رواهما أبو داود والترمذي عن ابن عباس جاء في أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من
(1) التاج ج 3 ص 32.
(2)
المصدر نفسه.
(3)
الموطأ ج 2.
(4)
من القيد.
أتى البهيمة فاقتلوه واقتلوها معه. قلت لابن عباس ما شأن البهيمة؟ قال ما أراه قال ذلك إلا أنه كره أن يؤكل لحمها وقد عمل بها هذا العمل» «1» . وجاء في ثانيهما عن ابن عباس «ليس على الذي يأتي البهيمة حدّ» «2» ولقد علّق الشارح على الحديث الأول قائلا إنه مرفوع وموقوف ويكون ضعيفا ولم يأخذ به أحد من الأئمة الأربعة فلا تقتل البهيمة ولا الفاعل بل يعزّر بما يراه الحاكم. ويبدو هذا وجيها والله تعالى أعلم.
ويلحظ أنه ليس في الآية طريقة لإثبات الزنا. والحوادث التي روت الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام الحد على أصحابها ثبتت بالاعتراف. والمتبادر أن الأمر ظل على ما ذكرته آية النساء [15] وهو شهادة أربعة شهود من المسلمين أو الحبل أو الاعتراف على ما ورد في الحديث الذي رواه الخمسة عن عمر بن الخطاب وأوردناه قبل قليل. وفي آيات تالية تأييد بخاصة لشهادة الشهود الأربعة بحيث يصح القول إن آية النور التي نحن في صددها عدلت حكم الزناة في آيتي سورة النساء [15 و 16] مع بقاء عدد الشهود محكما. ولقد ذكرنا في سياق تفسير آيتي النساء هاتين ما عنّ لنا من ملاحظات في صدد مدى الشهادات وحكمة تعليق ثبوت هذه الجريمة على أربع شهادات فلا حاجة إلى الإعادة.
ومن تحصيل الحاصل أن يقال إن ثبوت جرم اللواط منوط بما نيط به ثبوت جرم الزنا ما عدا الحبل الذي ليس واردا في هذا الحال.
والحدود المذكورة في الآية والأحاديث مطلقة بحيث تتناول الأحرار والمماليك. وقد احتوت آية النساء [25] استثناء للأمة المتزوجة على ما فصلناه في سياق تفسير الآية المذكورة. أما المملوك الذكر فلم نطلع على أثر نبوي فيه وإطلاق الآية والأحاديث قد يفيد أن شأنه شأن الحر في مختلف الحالات. ويظهر من قول أورده القاسمي أن هناك من يقول إن المملوك يرجم إذا زنى بحرّة ويجلد
(1) التاج ج 3 ص 25 و 26.
(2)
المصدر نفسه.
إذا زنى بأمة. وقد عزا المفسر المذكور إلى السيوطي تفنيدا لهذا القول لأنه لا يتفق مع نص الآية. والتفنيد في محله. ولقد كانت حالة الإماء وتعرضهن للبغاء هي السبب الذي جعل حكمة التنزيل تخفف عنها الحد على ما شرحناه قبل. وهذا ليس واردا بالنسبة للمماليك الذكور.
ولقد وقف بعضهم عند جملة وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ فقالوا إن ذلك بسبيل تنفيذ الحد وأنه لا يعني القسوة في الجلد. وأن هذا يجب أن يكون غير مبرح. وقد روى ابن كثير- الذي هو من جملة من ذكر ذلك- أن ابن عمر ضرب جارية له زنت ضربا غير مبرح، فقال له ابنه كيف تفعل ذلك والله يقول وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ فقال له يا بني إنّ الله لم يأمرني أن أقتلها ولا أن أجعل جلدها في رأسها. ولقد أوردنا في سياق تفسير الآية [25] من سورة النساء حديثا رواه الخمسة جاء فيه «أن النبي أمر بجلد الأمة إذا زنت دون تثريب أي دون قسوة» .
بحيث يمكن القول إن ابن عمر أخذ بالسنّة النبوية. والحديث وإن كان في صدد الإماء فإن الأخذ به بالنسبة لكل من يقام عليه حدّ الجلد يكون شذوذا، والله تعالى أعلم.
هذا ويلحظ أن الزانية قدّمت على الزاني في الآية الثانية في معرض عقوبة الجلد، مع أن القرآن جرى على تقديم الرجل والذكر على المرأة والأنثى بصورة عامة الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ [البقرة: 71] والْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ [الفتح: 6] ولا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى [آل عمران:
195] ووَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
…
إلخ [غافر:
40] . وفي عقوبة السرقة وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما [المائدة: 38] ويتبادر لنا في ذلك حكمة، وهي أن الزنا المستحق للحد لا يمكن أن يتم إلا بموافقة المرأة، إذا لم يكن بإكراه الرجل لها. فتكون والحالة هذه سبب الإثم فاستحقت أن تذكر قبل الرجل. وفي حالة الإكراه لا تكون مستحقة للعقوبة على ما مرّ بيانه، والله تعالى أعلم.