الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والقول الأخير هو الأوجه بقرينة في الآية التالية.
(6)
لو تسوّى بهم الأرض: الجملة كما يتبادر لنا أنها في معنى (لو تنشق الأرض وتبلعهم ثم تعود إلى حالها مسواة ويبقون في بطنها) .
تعليق على الآية وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً والآيات الخمس التالية لها وما فيها من تلقينات في صدد سلوك المسلم تجاه غيره على اختلاف الفئات
الخطاب في الآيات موجه للمؤمنين السامعين كالآيات السابقة. وقد تضمنت:
(1)
أمرا لهم بعبادة الله وحده وعدم إشراك شيء بأي هدف وشكل وبحسن معاملة الوالدين والأقارب واليتامى والمساكين والجيران والأقارب والغرباء والأصحاب والمعارف وأبناء السبيل والأرقاء والبرّ بهم ومعاونتهم.
(2)
وتشنيعا على المتكبرين المتفاخرين الذين لا يعاملون الناس بالبرّ والحسنى ويبخلون بأموالهم في سبيل الخير ويكتمون ما آتاهم الله من فضله ولا يكتفون بما في ذلك من إثم عليهم بل يأمرون غيرهم بمثل عملهم. وتشنيعا كذلك بالمرائين الذين إذا أنفقوا شيئا أنفقوه مراءاة للناس وطلبا للثناء وتفاخرا لا عن إيمان بالله ورغبة في رضائه ولا عن إيمان باليوم الآخر ورغبة في تقديم العمل الصالح بين أيديهم. وهؤلاء وأولئك هم قرناء الشيطان. ومن كان الشيطان قرينه فقد ساء قرينه وتعس وشقي.
(3)
وتنديدا بهؤلاء بأسلوب السؤال التعجبي عما دهاهم حتى جعلهم ينحرفون هذا الانحراف في حين أن العقل والمنطق يقضيان بالبداهة أن يؤمنوا بالله واليوم الآخر وينفقوا مما رزقهم الله وهم يعترفون بوجوده ويعرفون أنه عليم بجميع أحوالهم وأعمالهم.
(4)
وتقريرا بأن الله لا يظلم أحدا ولا يبخس حق أحد وعمله ولو كان مثقال ذرة واحدة. وإذا كان هذا العمل خيرا ضاعفه وآتاه عليه أجرا عظيما.
(5)
وسؤالا موجها للنبي صلى الله عليه وسلم فيه تنديد وإنذار لهم عما يكون حالهم حينما يجمع الله الناس ويأتي بشهيد من كل أمة عليها ويأتي به شهيدا عليهم.
(6)
وجوابا عما يكون حال الذين كفروا وعصوا الرسول حيث يتولاهم الندم والحسرة ويتمنون لو انشقت الأرض وبلعتهم حتى لا يقفوا أمام الله هذا الموقف العصيب، أو حتى لا يضطروا إلى كتمان حقيقة ما كانوا عليه في الدنيا وإنكار شركهم بسبيل الدفاع عن أنفسهم.
ولم نطلع على مناسبة في نزول الآيات. ويتبادر لنا أنها غير منقطعة عن الآيات السابقة ولو من قبيل الصلة التعقيبية أو الاستطرادية. فالآيات السابقة احتوت بيان الحقوق والواجبات بين الأزواج والرجال والنساء فاقتضت حكمة التنزيل بوحي هذه الآيات تعقيبا أو استطرادا لتنبيه المسلمين على ما يجب عليهم من حسن المعاملة والبرّ نحو جميع الطبقات عامة من آباء وأقارب وأباعد وجيران وأصحاب وغرباء ومساكين وأيتام وأرقاء، وللتشنيع على من يقصر في ذلك ويتعاظم ويختال على الناس اغترارا بماله وجاهه ومركزه ليتم الاتساق بين التلقينات القرآنية الخاصة بالأسرة وبغير الأسرة معا.
وأسلوب الآيات قوي نافذ وبعض ما احتوته من أوامر ونواه ورد في سور مكية ومدنية سبق تفسيرها. غير أنها جاءت هنا مجموعة بحيث يصح وصفها بأنها من جوامع الآيات في بابها. وقد انطوت على تلقينات جليلة فياضة بواجب الإحسان والبر بالناس على اختلاف طبقاتهم وجعلت للطبقات الضعيفة والمحتاجة خاصة نصيبا واضحا في ذلك وبتقبيح إهمال هذا الواجب والتقصير فيه والتكبر على الناس وأذيتهم وحرمان المحتاجين والتحريض على ذلك وإنكار فضل الله ورزقه بسبيل ذلك وبكون القيام بهذا الواجب لا يؤدي على وجهه الصحيح إلّا بالإخلاص فيه والصدور فيه عن إيمان بالله واليوم الآخر وعن رغبة صادقة في أدائه
كواجب أوجبه الله عليه ابتغاء مرضاته مجردا عن مراءاة الناس وقصد اكتساب ثنائهم أو نيل جزائهم وكل هذا متسق مع وصايا القرآن على ما شرحناه في مناسبات عديدة سابقة.
ولقد أثرت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في صدد ما احتوته هذه الآيات فيها الأمر وفيها النهي. ومنها ما ورد في الكتب الخمسة ومنها ما أخرجه الإمام أحمد أو روي من طرق أخرى. منها في صدد حق الجار عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» «1» . وعنها «قالت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال إلى أقربهما منك بابا» «2» .
وحديث آخر جاء فيه «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه» «3» . وحديث رابع أخرجه الإمام أحمد جاء فيه «لا يشبع الرجل دون جاره» «4» . وحديث خامس جاء فيه «لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بحليلة جاره، ولأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره» «5» . وحديث سادس جاء فيه «الجيران ثلاثة: جار له حقّ واحد وجار له حقان وجار له ثلاثة حقوق. فالأول جار مشرك فله حقّ الجوار، والثاني جار مسلم فله حقّ الإسلام والجوار والثالث جار مسلم ذو رحم فله حق الجوار والإسلام والرحم» «6» . وحديث سابع جاء فيه «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره» «7» . ومنها في صدد حق الجار والصاحب معا حديث جاء فيه «خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره» «8» . ومنها في صدد الأقارب وذوي الرحم حديث
(1) التاج ج 5 ص 14 الحديث رواه الأربعة.
(2)
التاج ج 5 ص 14 الحديث رواه البخاري وأبو داود.
(3)
التاج ج 5 ص 14 الحديث رواه الشيخان.
(4)
من تفسير ابن كثير للآيات.
(5)
المصدر نفسه.
(6)
المصدر نفسه.
(7)
من تفسير الخازن. [.....]
(8)
التاج ج 5 ص 9 و 15 والحديث رواه الترمذي.
عن أبي هريرة جاء فيه «من سرّه أن يبسط الله في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه» «1» وحديث عنه أيضا «إنّ رجلا قال يا رسول الله إنّ لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إليّ وأحلم عنهم ويجهلون عليّ فقال لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك» «2» . ومنها في حق الخدم والمماليك حديث رواه عبادة بن الصامت جاء فيه «سمع رسول الله يقول أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون» «3» . وثان عن أبي مسعود قال «كنت أضرب غلاما لي فسمعت صوتا من خلفي يقول: اعلم أبا مسعود- مرتين- أن الله أقدر عليك منك عليه فالتفتّ فإذا هو النبي فقلت يا رسول الله هو حرّ لوجه الله قال أما لو لم تفعل للفحتك النار» «4» . وثالث عن أبي هريرة عن النبي قال «من قذف مملوكه وهو بريء مما قال جلد له يوم القيامة حدا» «5» . ورابع عن ابن عمر جاء فيه «جاء رجل إلى النبي فقال يا رسول الله كم نعفو عن الخادم فصمت فأعاد الكلام فصمت فلما كان في الثالثة قال في كل يوم سبعين مرة» «6» . وخامس عن أبي ذرّ جاء فيه «قال رسول الله من لاءمكم من مملوككم فأطعموه مما تأكلون واكسوه مما تكتسون ومن لم يلائمكم منهم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله» «7» وسادس عن رافع جاء فيه «أن النبي قال حسن الملكة يمن وسوء الخلق شؤم» «8» . وسابع عن جابر جاء فيه «ثلاث من كنّ فيه ستر الله عليه كنفه وأدخله الجنة: رفق بالضعيف وشفقة على الوالدين وإحسان إلى المملوك» «9»
(1) التاج ج 5 ص 9 و 15 والحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود.
(2)
المصدر نفسه ص 9 رواه الأربعة.
(3)
المصدر نفسه ص 10- 12.
(4)
المصدر نفسه.
(5)
المصدر نفسه.
(6)
المصدر نفسه.
(7)
المصدر نفسه.
(8)
المصدر نفسه. والملكة في معنى الذي يملك شيئا.
(9)
المصدر نفسه.
وثامن عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله «كفى المرء إثما أن يحبس عمن يملك قوتهم» «1» . وتاسع عن أبي ذرّ جاء فيه «خولكم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم وإن كلفتموهم فأعينوهم» «2» . وعاشر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوصي أمته في مرض الموت فيقول «الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم، ويردّد ذلك حتى ما يفيض بها لسانه» «3» . وحادي عشر عن أبي هريرة قال قال رسول الله «للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلّف من العمل إلّا ما يطيق» «4» . ومنها في صدد الخيلاء حديث رواه مسلم والترمذي جاء فيه «لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ولا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة خردل من كبرياء» «5» . وحديث ثان رواه الترمذي جاء فيه «لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين» «6» . وحديث ثالث رواه الترمذي جاء فيه «يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذلّ من كل مكان» «7» . وفي صدد البخل والشحّ حديث عن أبي بكر رواه الترمذي جاء فيه «لا يدخل الجنة خبّ ولا منّان ولا بخيل» «8» وحديث عن أبي سعيد رواه الترمذي كذلك جاء فيه «خصلتان لا تجتمعان في مؤمن البخل وسوء الخلق» «9» . وفي صدد الإنفاق مرآة للناس روى مسلم والترمذي والنسائي حديثا عن أبي هريرة «في من يقضى عليهم أول ما يقضى يوم القيامة رجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه
(1) من تفسير ابن كثير.
(2)
المصدر نفسه.
(3)
المصدر نفسه.
(4)
المصدر نفسه. [.....]
(5)
التاج ج 5 ص 29- 30.
(6)
المصدر نفسه.
(7)
المصدر نفسه.
(8)
المصدر نفسه ص 38.
(9)
المصدر نفسه.
فعرفها قال ما عملت فيها قال ما تركت من سبيل تحبّ أن ينفق فيها المال إلّا أنفقت فيها لك. قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار» «1» وروى البغوي بطرقه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا وما الشرك الأصغر يا رسول الله قال الرياء» «2» .
ونختم هذه السلسلة بحديث جامع لما يجب على المسلم تجاه أخيه رواه الأربعة عن أبي هريرة جاء فيه «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم.
لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. التقوى هاهنا، ويشير إلى صدره ويكررها ثلاث مرات. بحسب امرئ من الشرّ أن يحقر أخاه المسلم. كلّ المسلم على المسلم حرام. دمه وماله وعرضه» «3» .
وهكذا تتسق التلقينات النبوية بهذه السعة مع التلقينات القرآنية في هذا الموضوع المهم في صلات الناس ومعاملاتهم وسلوكهم مع بعضهم على اختلاف فئاتهم وبقطع النظر عن أي اعتبار طبقي أو مالي بل أو ديني كما هو الشأن في كل موضوع آخر.
هذا، ولقد روي عن عبد الله قال «قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: اقرأ عليّ. قلت أقرأ
(1) التاج ج 1 ص 51.
(2)
هناك أحاديث أخرى في الرياء فاكتفينا بما تقدم وننبه على أن هناك أحاديث فيها استدراكات يحسن أن يساق بعضها للتوضيح من ذلك حديث رواه الترمذي جاء فيه «قال رجل يا رسول الله الرجل يعمل العمل فيسرّه فإذا اطلع عليه أعجبه ذلك. قال رسول الله له أجران أجر السر وأجر العلانية» التاج ج 1 ص 51. وحديث رواه أبو داود جاء فيه «وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني رجل حبّب إليّ الجمال وأعطيت منه ما ترى حتى ما أحبّ أن يفوقني أحد بشراك نعلي أفمن الكبر من ذلك قال لا ولكن الكبر بطر الحق وغمط الناس» التاج ج 5 ص 31 حيث يفيد الحديثان أن الإنسان لا يؤاخذ إلّا إذا أراد بما يفعل مراءاة الناس أو إظهار الكبر والخيلاء.
(3)
انظر التاج ج 5 ص 35.