الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2)
قيعة: قاع. وهي السهل الذي فيه شيء من الانخفاض.
(3)
لجّي: عميق.
في الآيات تنديد بالكفار مقابل التنويه بعباد الله الصالحين في الآيات السابقة جريا على الأسلوب القرآني في المناسبات المماثلة. وقد تضمنت تقرير ما يلي: أن الذين كفروا ولم يهتدوا بنور الله الساطع لن يكون لهم نور آخر يهتدون به. وأن أعمالهم لخاسرة حابطة مهما خيّل لهم غير ذلك. وأن مثلهم كمثل ذلك الظمآن الذي رأى سرابا في قيعة فظنه ماء، فلما جاءه لم يجده شيئا فوقع في الخيبة المريرة. أو كمثل الذي هو فوق بحر عميق تلاطمت حوله الأمواج الصاخبة فسدت عنه أفق الساحل وادلهمّ وجه السماء بالسحب القاتمة، وكان الوقت ليلا مظلما فاكتنفته هذه الظلمات المتراكمة بعضها فوق بعض، حتى لا يكاد يرى يده لو رفعها- فضلا عن الطريق أو الأمل بالنجاة. ولسوف يوفيهم الله هم الآخرون حسابهم الحقّ فليس عنده مطل ولا تسويف في توفية الحساب.
والتنديد والتمثيل قويان رهيبان. مستمدان من مشاهد الطبيعة الرهيبة. ومن شأنهما إثارة الخوف والارعواء في السامعين من الكفار، وهذا مما استهدفته الآيات كما هو المتبادر.
ولقد روى البغوي عن مجاهد أن الآيات نزلت في عتبة بن عتبة بن أمية الذي كان يلتمس الدين في الجاهلية ويلبس المسوح فلما جاء الإسلام كفر. ويلحظ أن الآية معطوفة على ما قبلها عطف تعقيب وتمثيل ومقابلة. وقد قال البغوي راوي الرواية إن الأكثر على أنها عامة في جميع الكفار وهو ما قاله جمهور المفسرين.
ولعل بعضهم لما سمعها اعتبرها منطبقة على حالة عتبة فكان ذلك سبب الرواية.
[سورة النور (24) : الآيات 41 الى 45]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (44) وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)
.
(1)
والطير صافات: باسطة أجنحتها في السماء.
(2)
يزجي: يسوق.
(3)
ركاما: متكاثفا أو متراكما بعضه على بعض.
(4)
الودق: قطرات المطر.
(5)
وينزل من السماء من جبال فيها من برد: أوجه تأويلات الجملة هو (ينزل من السماء بردا قدر الجبال) .
(6)
سنا: سناء وهو الضوء أو لمعان الجسم المضيء.
عبارة الآيات واضحة. وفيها تنبيه وتقرير بصيغة السؤال ولفت النظر إلى بعض مشاهد قدرة الله وملكوته ونواميس كونه وخضوع خلقه له. وتقرير كونه هو الذي يخلق كل شيء، والقادر على كل شيء، والمحيط علمه بكل شيء، وإليه مرجع كل شيء.
ولم يرو المفسرون رواية ما في نزولها. والمتبادر أنها متصلة بسابقاتها وبخاصة بآية النور اتصال تعقيب واستطراد. ففي ما جاء في الآيات من مظاهر قدرة الله ونواميسه الكونية وإحاطته بكل شيء في السموات والأرض عبرة لأولي البصائر النيرة والعقول السليمة خليقة بأن تكون دافعة لهم إلى ذكر الله والاستشعار بعظمته وهيبته والاستمساك بحبله والدأب على القيام بواجبهم نحوه.
والمتبادر كذلك أن ما احتوته الآيات من نواميس كونية وتكوينية هو مما يقع تحت مشاهدات الناس ومداركهم وأن القصد من ذلك هو إثارة الاعتبار فيهم وجعلهم يعترفون بعظمة الله وقدرته ويخضعون له. وليس بسبيل شرح تلك