الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وثواب ما كان الكفار يفعلونه من المكرمات هباء بسبب كفرهم، وعزوا ذلك إلى بعض التابعين. وإلى هذا فإن البغوي عزا إلى الضحاك تأويلا آخر وهو أن معناها (أبطل الله كيدهم ومكرهم بالنبي وجعل الدائرة تدور عليهم)«1» . وهذا أوجه وأرجح فيما هو المتبادر.
هذا، وعبارة الآيات المطلقة تشمل في الوقت ذاته كل كافر حاد عن سبيل الله وكل مؤمن صالح العمل في كل ظرف. وعلى هذا الاعتبار ينطوي فيها أولا تعليل لما يحل بالكافرين من سخط الله ولما يناله المؤمنون من عفوه ورضائه. وهو تعليل متسق مع ما جاء من ذلك في مناسبات كثيرة سابقة ومع المبدأ القرآني المحكم المتكرر بأن كل فئة تنال من الجزاء حسب ما تختاره وتسير فيه من طريقي الضلال والهدى. وثانيا تلقين مستمر المدى بتقبيح الباطل وأهله وتقرير لما ينتج عن أعمالهم من شرّ وضرر عليهم وتحسين الحق ومتبعيه وتقرير لما ينتج عن أعمالهم من خير وفائدة. وهو ما تكرر في القرآن بأساليب عديدة.
ومع ما قلناه فإننا نكرر هنا ما ذكرناه في مناسبات سابقة أن ما ذكر من أمر الكافرين بالنسبة لظروف الآيات هو من قبيل تسجيل الواقع وليس هو على التأبيد.
إلّا بالنسبة لمن يستمر على كفره وصده عن سبيل الله.
وكالعادة وقف مفسرو الشيعة عند الآية الثالثة وفسروا الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ بأنهم أعداء علي وآل الرسول رغم الصراحة القطعية على أنها في صدد الكافرين بالله مقابل الذين آمنوا
…
«2» .
[سورة محمد (47) : الآيات 4 الى 6]
فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (6) .
(1) روى هذا الخازن أيضا.
(2)
التفسير والمفسرون للذهبي ج 2 ص 71.
(1)
أثخنتموهم: أكثرتم فيهم القتل وقهرتموهم وانتصرتم عليهم.
(2)
فشدوا الوثاق: ائسروهم وقيدوهم بالقيود.
(3)
فإما منّا بعد وإما فداء: فإما أن تمنوا عليهم فتطلقوهم بدون فداء وإما أن تطلقوهم بفداء بعد ذلك.
(4)
حتى تضع الحرب أوزارها: حتى تنتهي حالة الحرب ويخلص الناس من أثقالها.
(5)
عرّفها لهم: وصفها لهم أو أخبرهم بمنازلهم فيها.
الخطاب في الآيات موجّه إلى المسلمين كما هو المتبادر. وقد تضمنت:
(1)
أمرا لهم بأن عليهم إذا لقوا الكافرين في الحرب أن يصدقوا في قتالهم حتى إذا أكثروا فيهم القتل وقهروهم وضمنوا لأنفسهم الغلبة عليهم جنحوا إلى أسر ما بقي منهم، ويظل أمرهم معهم على هذا المنوال حتى تنتهي حالة الحرب ويتخلص الناس من أعبائها.
(2)
وتشريعا في حق الأسرى. فالمسلمون مخيرون فيهم بعد ذلك: فإما أن يمنوا ويتفضلوا عليهم فيطلقوهم بدون فداء وإما أن يطلقوهم بفداء.
(3)
واستطرادا تنبيهيا بأن الله قادر على التنكيل بالكفار والانتصار للمسلمين منهم بدون حاجة إلى قتالهم. ولكن حكمته شاءت أن يبلو بعضهم ببعض.
(4)
وبشارة وتطمينا بأن الله تعالى لن يضيع أجر الذين قتلوا في سبيله. وأنه سيهدىء روعهم ويقرّ عيونهم ويدخلهم الجنة التي وصفها لهم.
وقد أول الزمخشري جملة وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ بمعنى أن الله شاءت حكمته بدلا من الانتقام منهم بدون قتال أن يبلو المؤمنين بالكافرين فيجاهدوا ويصبروا حتى يستوجبوا الثواب. والكافرين بالمؤمنين ليعاجلهم على أيديهم ببعض ما وجب لهم من العذاب. وقال غيره في