الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
ولد: هذا اللفظ وجمعه في الآيات يعني الذكور والإناث.
(2)
الكلالة: تطلق الكلمة على الميت بدون وارث أصلي أو فرعي مباشر أي الذي لا يكون له والد وأم وولد. والكلال هو الإعياء أي الضعف والعجز.
كأنما الكلمة استعيرت لبيان عجز الميت وضعفه بفقده الوالد والولد من قبل.
وأكثر المفسرين على أن الميت إذا ترك ابن ابن لا يعد موته كلالة «1» .
تعليق على الآية يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ إلخ والآيات الثلاث التالية لها وشرح إجمالي لأحكام الإرث وتلقينات الآيات
عبارة الآية واضحة. وقد احتوت بيان ما اقتضت الحكمة بيانه من الأنصبة المفروضة للرجال والنساء أو الذكور والإناث في إرث الأموات كما يلي:
(1)
نصيب الذكر هو ضعف نصيب الأنثى.
(2)
إذا كان الميت أبا ولم يترك إلّا بنتا فلها نصف تركته. وإن ترك أكثر من بنتين فلهن ثلثاها.
(3)
إذا كان للميت والدان وأولاد فلكل من والديه السدس.
(4)
إذا كان للميت والدان وليس له أولاد فلوالده الثلثان ولأمه الثلث.
(5)
إذا كان للميت والدان وليس له أولاد وله إخوة فيكون للأم السدس بدلا من الثلث.
(1) انظر تفسير الآيات في الزمخشري والخازن والطبرسي والبغوي.
الجزء الثامن من التفسير الحديث 3
(6)
للزوج نصف تركة زوجته إن لم يكن لها ولد. فإن كان لها ولد فله ربعها.
(7)
للزوجات ربع تركة زوجهن إن لم يكن له ولد. فإن كان له ولد فلهن الثمن.
(8)
إذا لم يكن للميت والدان ولا أولاد وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما سدس التركة وإذا كان الإخوة والأخوات أكثر فهم شركاء في ثلث التركة.
(9)
التركة التي تقسم على الورثة هي ما يبقى منها بعد سداد دين الميت وتنفيذ وصيته.
وقد انتهت الآية الأولى بفقرة توطيدية لهذا التقسيم. فالناس لا يدرون حقيقة الأنفع لهم من آباء وأبناء ولكن الله أعلم بذلك. وقد أمر بما هو الأصلح لهم وجعله فريضة واجبة التنفيذ. وهو العليم الحكيم الذي يعلم مقتضيات الأمور ويأمر بما فيه الحكمة والصلاح.
وقد انتهت الآية الثانية بالتنبيه على عدم تعمد الإضرار والإجحاف بحقوق أحد. وعلى أن هذا التقسيم هو فريضة الله العليم الحليم الذي يعلم مقتضيات الأمور ويرأف بكل ذي حق ويعامله بمقتضى حلمه.
وفي الآيتين الأخيرتين توطيد تعقيبي أيضا: فما تقدم من الأحكام هي حدود الله التي يجب الوقوف عندها وعدم الانحراف عنها والتلاعب فيها. ومن أطاع الله ورسوله والتزم حدود الله كانت له الجنة والفوز العظيم. ومن عصاهما وانحرف عن حدود الله وتجاوزها أدخله الله النار وكان له عنده العذاب المهين.
ولقد رويت بعض الأحاديث والروايات في مناسبة نزول الآيات. من ذلك حديث رواه الشيخان والترمذي عن جابر قال «عادني النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فوجدني النبي صلى الله عليه وسلم لا أعقل شيئا فدعا بماء فتوضأ منه ورشّ عليّ فأفقت فقلت يا رسول الله
ما تأمرني أن أصنع في مالي؟ فنزلت يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» «1» ومنها حديث رواه البخاري وأبو داود عن ابن عباس قال «كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين فنسخ الله من ذلك ما أحبّ فجعل للذكر مثل حظّ الأنثيين وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس والثلث وجعل للمرأة الثمن والربع وللزوج الشطر والربع» «2» ومنها حديث رواه أبو داود والترمذي عن جابر قال «جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد إلى رسول الله فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك يوم أحد شهيدا. وإن عمّهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا تنكحان إلا ولهما مال. قال يقضي الله في ذلك فنزلت آيات المواريث يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ
…
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمّهما فقال أعط ابنتي سعد الثلثين وأعط أمهما الثمن وما بقي هو لك» «3» ومنها رواية عن السدي قال «كان أهل الجاهلية لا يورثون الجواري- أي البنات- ولا الضعفاء من الغلمان ولا يرث الرجل من ولده إلّا من أطاق القتال، فمات عبد الرحمن بن ثابت وترك امرأة وخمس بنات فجاء الورثة فأخذوا ماله فشكت امرأته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله الآيات «4» .
وهذه الأحاديث تقتضي أن تكون الآيات نزلت مجزّأة في مناسبات مختلفة ويلحظ أن بعضها سيق كمناسبة لبعض الآيات السابقة. والذي يتبادر لنا من انسجام الآيات من أول السورة إلى آخر هذه الآيات وتسلسلها سياقا وموضوعا أنها نزلت في ظرف واحد دفعة واحدة أو تباعا لتحتوي ما احتوته من تشريعات وتحذيرات وتحديدات متنوعة متناسبة في صدد حقوق الأيتام واليتيمات وأموالهم وحقوق الزوجات ومهورهن والعدل بينهن وحقوق أصحاب الحق في التركات من رجال ونساء.
(1) التاج ج 4 ص 80.
(2)
المصدر نفسه.
(3)
التاج ج 2 ص 232. [.....]
(4)
الخازن.
وهذا لا يمنع طبعا أن تكون وقعت مناسبات ورفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شكايات وتظلمات واستفتاءات مما احتوته الأحاديث والروايات فكان ذلك مناسبات لنزول هذه السلسلة التشريعية.
ولقد تعددت تأويلات المؤولين التي يرويها المفسرون لجملة آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً وكلمة نَفْعاً حيث قيل إن النفع المذكور هو نفع الدنيا أو نفع الدنيا والدين أو نفع الآخرة وحيث قيل في تأويل الجملة كلها (إن الله قد عين أنصبة الوارثين من الآباء والأبناء بمقتضى حكمته التي يعرف بها ما هو الأنفع للناس ولم يترك ذلك لهم لأنهم لا يدرون أي شيء أنفع فيخطئون في تعيين الأنصبة وتقسيم التركة) وفي هذا سداد كما هو الظاهر.
ويلحظ أن في الأحكام شيئا من الاقتضاب والإطلاق والفراغ. مثل إغفال الفقرة الأولى من الآية الأولى ذكر حالة وحقّ البنتين اللتين ترثان وحدهما أباهما، والاكتفاء بذكر حالة وحق بنت واحدة أو نساء فوق اثنتين. ومثل إغفال الفقرة الثانية من نفس الآية ذكر مستحق الباقي إذا كان الوارث والدين وبنتا واحدة حيث ذكر فيها أن الوالدين يأخذان السدسين والبنت النصف. ومثل السكوت عن مستحق السدس الذي ينقص من نصيب الأم إذا كان للوارث أخوة مع الوالدين. ومثل إغفال ذكر مستحق النصف الثاني من تركة الزوجة التي ليس لها ولد، ومستحق الأرباع الثلاثة من تركة الزوج الذي ليس له ولد. ومثل إغفال ذكر مستحق الثلثين الباقيين من تركة من يموت كلالة.
وعلى كل حال فالمتبادر أن الآيات احتوت الأسس والأحكام الرئيسية التي اقتضت حكمة التنزيل بيانها. وقد أكملت بعض الآيات والسنن المأثورة النبوية والراشدية بيان وأحكام ما فيها من اقتضاب وإطلاق وفراغ. وصار كل ذلك موضوع أبحاث واستنباطات وتفريعات تكون منه علم واسع وخطير من العلوم الإسلامية الفقهية المعروف بعلم الفرائض.
وجملة فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ هي كما هو المتبادر لبيان كون أحكام الإرث
التي احتوتها الآيات مما رسمه الله وفرضه. وكلمة الفرائض التي سمى بها العلم المذكور آنفا هي جمع فريضة كما هو واضح. وقد استعملت هذه الكلمة للدلالة على أحكام الإرث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حيث جاء في حديث نبوي رواه الترمذي عن أبي هريرة «تعلّموا القرآن والفرائض وعلّموها الناس فإني مقبوض» «1» .
ومما جاء في القرآن للتوضيح والتحديد والإتمام وسدّ الفراغ الآية الأخيرة من سورة النساء التي جعلت للأخ جميع تركة أخته المتوفاة كلالة وجعلت للأختين ثلثي تركة أخيهما المتوفى كلالة وجعلت جميع التركة لأخواته وإخوته إذا كانوا أكثر من ذلك على أن يكون نصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى. وقد بدأت الآية بجملة يَسْتَفْتُونَكَ
حيث يدل ذلك على أنه وقع التباس في صدد ما احتوته الآية [12] من الآيات التي نحن في صددها من حكم إرث الذي يموت كلالة وهو السدس لكل من أخته وأخيه، والثلث إذا كانوا أكثر من ذلك فجاءت الآية الأخيرة من السورة في بيان حكم التوارث بين الإخوة الأشقاء أو الإخوة من أب الذين يورثون كلالة واعتبرت الآية [12] في صدد حكم التوارث بين الإخوة من أمّ على ما رواه جمهور المفسرين من طرق عديدة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم وقالوا إن هذا متفق عليه «2» .
ومن ذلك الحالة التي أغفلتها الفقرة الأولى من الآية الأولى إلى الآية [10] ونبهنا عليها وهي عدم ذكر حكم البنتين حيث قيست على ما احتوته الآية الأخيرة من سورة النساء بالإضافة إلى الحديث النبوي الذي أوردناه قبل والذي روي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى البنتين ثلثي تركة والدهما.
ومن ما جاء في الأحاديث المأثورة أحاديث نبوية منعت التوارث بين المسلمين والكفار. منها حديث رواه الشيخان وأبو داود والترمذي عن أسامة بن
(1) التاج ج 2 ص 228.
(2)
انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي والطبرسي والخازن وابن كثير والنيسابوري والنسفي والقاسمي.
زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم» «1» وحديث آخر رواه أصحاب السنن جاء فيه «لا يتوارث أهل ملّتين شتى» «2» ومن ذلك حديث رواه أصحاب السنن جاء فيه «القاتل لا يرث» «3» .
ومن ذلك حديث رواه الترمذي جاء فيه «أيّما رجل عاهر بحرة أو أمة فالولد ولد زنا لا يرث ولا يورث» «4» .
ومن ذلك حديث رواه البخاري وأبو داود عن شرحبيل بن هذيل «أن ابن مسعود سئل عن حقّ بنت وبنت ابن وأخت فقال: أقضي بما قضى النبي صلى الله عليه وسلم، للبنت النصف، ولبنت الابن السدس، وما بقي فللأخت» «5» حيث يفيد هذا أن بنت الابن المتوفى في حياة أبيه ترث من جدها إن لم يكن له ولد ذكر آخر يحجبها.
وقد قيس على ذلك ابن الابن أيضا. وقد روي عن زيد بن ثابت حديث فيه توضيح أكثر لهذه الحالة جاء فيه «أولاد الأبناء بمنزلة الأبناء إذا لم يكن دونهم ابن. ذكرهم كذكرهم. وأنثاهم كأنثاهم. يرثون كما يرثون. ويحجبون كما يحجبون ولا يرث ولد ابن مع وجود ابن ذكر آخر» «6» وننبه على أن العلماء نبهوا على أن هذا بالنسبة لابن الابن دون ابن البنت لأنه ليس من ذوي عصبة المورث «7» .
ومن ذلك ما روي عن ملاعنة رجل لامرأته ونفيه ولدها عنه حيث روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ألحق الولد بأمه وحرمه من ميراث الأب الذي نسبته أمه إليه وجعل التوارث بينه وبين أمه وورثتها من بعدها وحسب. وقد ورد هذا في حديث رواه
(1) التاج ج 2 ص 229.
(2)
المصدر نفسه.
(3)
المصدر نفسه ص 230. وواضح أنه لا يرث قتيله إذا كان له نصيب شرعي في تركته.
(4)
المصدر نفسه ص 231.
(5)
المصدر نفسه ص 230.
(6)
تفسير الخازن.
(7)
تفسير القاسمي.
البخاري وأبو داود «1» .
ومن ذلك حديث رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا معلّما وأميرا على قوم. فسئل عن رجل توفي وترك بنتا وأختا فأعطى كلا منهما النصف وكان ذلك في حياة النبي «2» . وهذا قد يفيد أنه أفتى بما علم من فتاوى رسول الله.
ومن ذلك أحاديث في إرث الجد والجدة حيث روى أصحاب السنن أن النبي قضى لرجل مات ابن ابن له بالسدس. كما رووا أن أبا بكر قضى لجدة بسدس تركة ابن ابن لها وأن عمر قضى للجد مع الإخوة بالثلث وأن النبي جعل للجدة السدس إذا لم تكن دونها أمّ «3» والمتبادر أن الجد يستحق ذلك إذا كان ابنه ووالد ابنه متوفّى في حياته.
ومن ذلك حديث رواه الشيخان وأبو داود والترمذي جاء فيه «أنا مولى من لا مولى له. أرث ماله وأفكّ عانه والخال مولى من لا مولى له يرث ماله ويفكّ عانه» «4» ولفظ رواية الترمذي «الله ورسوله مولى من لا مولى له والخال وارث من لا وارث له» والفقرة الأولى توطد حق بيت المال في تركة من لا وارث له. والفقرة الثانية تجعل الخال وريثا إذا لم يكن للميت وريث من عصبته.
ومن ذلك حديث رواه أبو داود والترمذي وحسّنه عن عائشة قالت «إن مولى للنبي صلى الله عليه وسلم مات وترك شيئا ولم يدع ولدا ولا حميما فقال هاهنا أحد من أهل أرضه قالوا نعم قال فاعطوه ميراثه» «5» ومن ذلك حديث رواه الخمسة في صدد ميراث
(1) التاج ج 2 ص 231 والملاعنة اصطلاح إسلامي حيث يكلف الزوج الذي يتهم زوجته بالزنا ولا يكون معه شهود أن يشهد بالله أربع شهادات إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين وحيث يسمح للزوجة أن ترد شهادته بأربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيفرق بينهما دون إقامة حدّ.
(2)
المصدر نفسه ص 232.
(3)
المصدر نفسه ص 236.
(4)
المصدر نفسه ص 239 وعانه بمعنى أسيره أو مملوكه. ومولى بمعنى وارث. [.....]
(5)
المصدر نفسه ص 239 و 240.
رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة عن أبي بكر رضي الله عنه قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا نورث ما تركناه صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال. وفي رواية لا يقتسم ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤونة عاملي فهو صدقة» «1» . ومن ذلك حديث رواه الترمذي وأحمد والحاكم عن علي بن أبي طالب قال «إنكم تقرءون هذه الآية مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وإن رسول الله قضى بالدين قبل الوصية. وإن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلّات الرجل يرث أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه» «2» والشطر الأول من هذا الحديث يزيل الإشكال في تقديم الوصية على الدين في النص القرآني. وهذا هو الحق العدل لأن الوصية هبة وتبرع من مال الواهب المتبرع والدين ليس ماله. وإنما هو مال غيره ولا يكون ما يتركه بعد موته مالا خالصا له إلا بعد إخراج ما ليس ماله. والحديث بالتالي يسوغ القول إن النّص القرآني ليس لترتيب أولوية وإنما هو أسلوبي وحسب. وفي الشطر الثاني من الحديث توضيح لمدى التوارث بين الأخوة وفي حالة موت الكلالة فالتركة يرثها في الدرجة الأولى الأخوة الأشقاء ذكورا وإناثا فإذا لم يكن له إخوة أشقاء فيرثه أخوته لأبيه. وننبه على أن هذا الشطر يجب أن يكون موضحا لآية النساء الأخيرة في الكلالة لأنها نزلت لأجل الأخوة من أب أو من أب وأمّ. أما إذا كان لميت الكلالة أخ أو أخت لأمه فيكون لكل منهما السدس وإن كانوا أكثر فللجميع الثلث حسب نصّ الآية [12] التي قلنا إن الفقهاء والمؤولين متفقون على أنها لأجل نصيب الأخوة من أم من ميت الكلالة. والمتفق عليه أن الأشقاء أو الأخوة من أب لا يحجبون نصيب الأخوة من أم إذا كان لميت الكلالة أخوة من أم وأخوة لأب وأم أو لأب. فهؤلاء يأخذون نصيبهم وفق آية النساء الأخيرة على ما سوف يأتي شرحها ووفق الشطر الثاني من الحديث الأخير بعد إخراج نصيب الأخوة من أم لأن هذا النصيب مفروض قرآنا.
(1) التاج ج 2 ص 239 و 240.
(2)
المصدر نفسه ص 234.
ولقد روى الشيخان وأبو داود والترمذي حديثا عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر» «1» حيث يفيد هذا الحديث أن البواقي من تقسيم التركة حسب أحكام الآيات يعطي للأقرب فالأقرب إلى المتوفى من عصبته الذكور فقط الأخوة فأبناء الأخوة فالأعمام فأبناء الأعمام إلخ وأن الخال يأتي إذا لم يكن له عصبة ذكور. وهناك اصطلاح يستعمله علماء الفرائض، وهو الحجب ويريدون به القول بأن وجود طبقة من القرابة يحجب طبقة أخرى يحق لها أن ترث لو لم تكن الأولى موجودة. وقد جعلوا الحجب نوعين حجب نقصان وحجب حرمان. فمن الأول أن الولد يحجب الزوج من نصف تركة زوجته إلى الربع والزوجة من ربع تركة زوجها إلى الثمن. ويحجب الأب من الثلثين والأم من الثلث إلى السدس لكل منهما. والأخوة يحجبون الأم من الثلث إلى السدس إذا لم يكن للميت ولد وورثه أبواه. ومن الثاني سقوط حق الأخوة للأم وأولاد الأم بالأب والجد وبالولد وولد الابن وسقوط حق الأخوة للأم والأب بالأب والأم والابن وابن الابن
…
وبمناسبة الحجب ننبه على أننا لم نطلع على أثر نبوي عن مدى كلمة إِخْوَةٌ في جملة فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ في الآية الأولى. وفي هذه الجملة مسألتان، الأولى مسألة عدد الأخوة الذين يحجبون الأم من الثلث إلى السدس. والثانية مسألة السدس الذي ينقص من نصيب الأم. ففي المسألة الأولى روى المفسرون عن بعض أصحاب رسول الله والتابعين قولين: أحدهما أن العدد الحاجب هو ثلاثة على الأقل أخذا بمدى جمع (إخوة) وثانيهما اثنان أخذا بجواز استعمال صيغة الجمع للاثنين. والجمهور على ما يستفاد من أقوال المفسرين هو على القول الثاني ويكون الأخ الواحد أو الأخت الواحدة غير حاجب. ويرد على بالنا خاطر وهو أي كلمة (الإخوة) للجنس فإذا صحّ هذا فيكون وجود أخ أو أخت فقط حاجبا أيضا والله تعالى أعلم. وفي المسألة الثانية الجمهور على أن
(1) المصدر السابق نفسه ص 233.
السدس الذي ينقص من الأم يعود إلى الأب لأنه أولي ذكر في العصبة دون الإخوة.
ونكتفي بما تقدم «1» وفيه سداد للفراغ والاقتضاب والإطلاق الملحوظ في الآيات دون تبسط في التفريعات والاصطلاحات والاستنباطات والتطبيقات لأنه خارج عن منهج التفسير.
هذا، ومما يحسن لفت النظر إليه أن هذه الأحكام قد غيرت وعدلت ما كان جاريا قبل نزولها في أمر الميراث مما كان فيه تموج وجنف. فقد كان حق الآباء والأقربين حائرا أو غير ثابت حتى لقد اقتضت حكمة التنزيل التعجيل بالأمر بوجوب الوصية للوالدين والأقربين في آيات سورة البقرة [180- 182] وكان كذلك حق الإناث في مختلف حالاتهن أمهات كنّ أو بنات أو بنات أو زوجات أو أخوات حائرا غير ثابت وعرضة للتهضم والإنكار. فثبتت الآيات حق الوالدين وحق المرأة في جميع حالاتها وحق الأقربين على أساس الأقرب فالأقرب عصبة بقطع النظر عن كونهم ذكورا وإناثا وصغارا وكبارا وضعفاء وأقوياء وليس فيها غبن ولا إجحاف في حق أحد.
ونريد أن نخصّ مسألة نصيب الأنثى في هذا المقام بكلمة لأن الأغيار غمزوا الشريعة الإسلامية بسبب جعلها نصيب الذكر ضعف نصيبها. مع أن الحكمة في ذلك ظاهرة بليغة وفيه كل الحق والإنصاف بل وربما كان فيه الإحسان الذي يفوق العدل. فالأنثى في غالب أحوالها مضمونة النفقة من ابنها أو أبيها أو زوجها بل أو أخيها. وحينما لا تكون كذلك فإنها لا تكون في الغالب مكلفة بغير نفسها. وذلك بعكس الذكر المكلف دائما بالإنفاق عليها وعلى أسرته مما هو مشاهد وممارس في مختلف الأدوار والبيئات دون استثناء. فإذا أضيف إلى هذا أن القرآن قد اهتمّ اهتماما عظيما بتثبيت حقها الذي كان ضائعا أو حائرا وحماها من الظلم والإجحاف ظهر أن في الغمز أو النقد قلبا للحقيقة وغضا لمزايا الشريعة الإسلامية
(1) في تفسير الخازن خاصة بسط واسع.
على طول الخط. ومهما تطورت البشرية فلن يأتي طور فيما نعتقد تنعكس فيه الحالة ويكون الرجل عالة على المرأة أو تكون المرأة هي المنفقة على الأسرة دونه في الأعم الأغلب. وكل ما يحتمل أن يكون أن طوائف من النساء يعوّلن على كسبهن في معيشتهن فتقل رغبتهن في التقيد بقيد الزواج أو يطرأ على زوج مانع قاهر من صحة وظرف فتبذل الزوجة جهدها في الكسب للإنفاق على الأسرة أو للمشاركة في الإنفاق. وهذا لن يغير ما قررناه ويخفف من مسؤولية وأعباء نفقة الأسرة والمرأة عن ظهر الرجل. وواضح من هذا الشرح أن عدم تسوية المرأة بالرجل في الميراث ليس من شأنه أن يخل بما قرره الله ورسوله لها من أهلية تامة ومركز متساو مع الرجل في مختلف المجالات الأخرى.
كذلك نريد أن نلفت النظر إلى ما في الأمر باحترام وصية المرأة المورثة المتوفاة وتنفيذها وتسديد ديونها من دلالة على ما وطده القرآن من شخصية المرأة وحقوقها وأهليتها التصرفية المدنية والمالية على قدم المساواة مع الرجل. فهي ترث كما يرث، وتوصي كما يوصي، وتستدين كما يستدين، وتمتلك كما يمتلك استقلالا عنه مما كان في الوقت الذي نزل فيه القرآن مفقودا كل الفقد في سائر أنحاء العالم المتحضر فضلا عن غيره، وظل كذلك بمقياس واسع بعده إلى أمد قريب. بل ما يزال بعض الأمم المتحضرة لم تحققه! ولقد عدّ جمهور العلماء والمفسرين أن الآيات قد نسخت أحكام آيات الوصية الواردة في سورة البقرة التي أشرنا إليها قبل قليل بالنسبة للذين جعلت لهم نصيبا مفروضا من تركة أمواتهم أي الوالدين والأقربين الأدنين وجاء الحديث النبوي «لا وصية لوارث» «1» مؤيدا لذلك وبقي حكم وجوب الوصية بالنسبة لمن ليس له نصيب محكما وهذا صواب. وقد نبهنا عليه في سياق شرح آيات البقرة المذكورة. والحديث المذكور وتوكيد وجوب تنفيذ وصية الميت في هذه الآيات دليل على بقاء وجوب الوصية لمن ليس له نصيب محكما. ولقد حددت السنة
(1) أوردنا نصّه في مناسبة سابقة وانظر التاج ج 2 ص 243.
النطاق الذي يجب أن لا تتعداه الوصية. وقد شرحنا ذلك وأوردنا ما في صدده من أحاديث في سياق شرح آيات البقرة فلا نرى محلا للزيادة أو الإعادة.
وتكرار توكيد وجوب تنفيذ وصية المورث وتسديد ديونه وتقديم ذلك على حقوق الوارثين ذو مغزى خطير بما فيه من الاتساق مع مقتضيات الحق والإنصاف والبرّ والإحسان التي قررها القرآن في مختلف المناسبات. وهو في أصله طبيعي لأن الديون والوصايا حقوق ثابتة في التركة للغير. والوارث إنما يحق له ما يفضل من تركة الميت بعدها.
وتعبير غَيْرَ مُضَارٍّ مطلق. ومع أنه جاء في الآية الثانية فقط فإن إطلاقه قد يسوغ القول بأنه شامل لما جاء في هذه الآية وفي الآية الأولى معا.
وإطلاقه يسوغ القول كذلك أن ما انطوى فيه من النهي عن المضارة موجه للمورث حين يستدين وحين يوصي وللورثة حين يقتسمون التركة وينفذون الوصية ويسددون الدين. وإن مما يشمله الأمر أن لا يتعمد المورث الإضرار بورثته في المبالغة في المنح والاستغراق في الدين. وأن لا ينسى في الوقت نفسه الوصية لأولي القربى واليتامى والمساكين. وأن لا يتعنت الورثة في أداء ما على التركة من حقوق للغير أي ديون ووصايا. ولا في إعطاء كل ذي حقّ حقّه من الورثة حسب أحكام الآيات وسنة الرسول.
وتلقين هذا التعبير بهذا الشرح جليل متصل بمبادىء العدل والإنصاف والبرّ القرآنية ومستمر المدى كما هو واضح.
ولقد روى الطبري بطرقه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا جاء فيه «قال النبي صلى الله عليه وسلم الضرار في الوصية من الكبائر» وروى هذا الحديث من طرق أخرى غير منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه من أقوال ابن عباس وبصيغ أخرى منها «الضرار والحيف من الكبائر» . وأورد ابن كثير حديثا رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة قال «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا أوصى وحاف في وصيته فيختم له بشرّ عمله فيدخله النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل
النار سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة ثم قال أبو هريرة اقرأوا إذا شئتم تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ إلى قوله عَذابٌ مُهِينٌ» . وهذه الأحاديث لم ترد في الصحاح. وهذا لا يمنع صحتها. وهناك حديث من باب الحديث الأخير رواه الترمذي وأبو داود بسند صحيح عن أبي هريرة جاء فيه «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فتجب لهما النار» «1» . وفي الأحاديث تلقين متساوق مع التلقين القرآني كما هو ظاهر. والآيات [13 و 14] من الآيات التي نحن في صددها قويتا الأسلوب في صدد توطيد الأحكام والأوامر التي احتوتها آيات المواريث. ففي التزامها طاعة لله وفي عصيانها عصيان لله وتعدّ على حدوده.
وقد جعلت الآية [14] عقوبة الخلود في النار لمن يتجاوز أحكام الله ويحتال عليها مستحلا لذلك. وهذا إنذار رهيب هدف فيما هدف إليه جعل المسلمين يتقون الله ولا يقدمون على مخالفة أحكامه وتجاوزها. وبعض المسلمين يعمدون إلى اختصاص بعض الورثة بشيء من أموالهم المنقولة وغير المنقولة في حياتهم فيسلمونهم الأموال المنقولة ويسجلون عليهم الأموال غير المنقولة. والذي يتبادر لنا أن هذا احتيال على حدود الله وأحكامه ويدخل في نطاق المضارة المنهي عنها والإنذار الرباني الرهيب. وهناك حديث نبوي في هذا الصدد بالذات رواه الخمسة عن النعمان بن بشير قال «انطلق بي أبي يحملني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله اشهد أني قد نحلت النعمان كذا وكذا من مالي. فقال له أكلّ بنيك قد نحلت مثل هذا قال لا. قال فأشهد على هذا غيري. ثم قال أيسرّك أن يكونوا في البرّ إليك سواء. قال بلى. قال فلا إذا. وفي رواية أنه قال اتّقوا الله واعدلوا في أولادكم» «2» . وهناك حديث نبوي عام ومبدئي رواه مسلم وأبو داود عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «أقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله تعالى» «3» .
(1) التاج ج 2 ص 241.
(2)
المصدر نفسه ص 232 و 233.
(3)
المصدر نفسه