الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الامتحان وإن النصر النهائي سيكون للمؤمنين عليهم. وهذا وجيه مؤيد بآيات كثيرة وعد الله فيها المؤمنين والرسل بالنصر والتأييد غير أن من الحق أن نذكر أنه شرط ذلك بالإخلاص وصدق الإيمان.
5-
لقد استنبط بعضهم من الآية [141] أيضا عدم جواز ولاية الكافر وحكمه على المسلمين وعدم جواز الرضاء بهما وعدم جواز ولاية الكافر في نكاح مؤمنة ولا في سفرها. وعدم جواز شفاعة الكافر في مؤمن. وعدم جواز بيع مملوك مسلم ذكرا كان أو أنثى لكافر. وكل هذا سديد وجيه في ذاته. وإن كنا نرى في استنباطه من الآية تكلفا.
6-
ولم يمنع عقل ولا دين بعض مفسري الشيعة من القول إن الآية [136] نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم لأنهم آمنوا بالنبي أولا ثم كفروا حين عرضت عليهم ولاية علي، ثم آمنوا بها في حياة النبي وكفروا بها بعده وازدادوا كفرا بأخذهم البيعة لأنفسهم «1» .
[سورة النساء (4) : الآيات 148 الى 149]
لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَاّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (148) إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (149)
.
تعليق على ما في الآية لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ
…
إلخ من تلقين وعظة
عبارة الآيتين واضحة. وهما فصل جديد. ويلمح شيء من التناسب الموضوعي بينهما وبين الآية السابقة لهما مباشرة. فإذا لم تكونا نزلتا بعدها فيكون وضعهما في مكانهما بسبب ذلك على ما يتبادر.
(1) انظر كتاب الصراع بين الإسلام والوثنية للقصيمي ج 1 ص 434 عزوا إلى كتاب تفسير الكليني المسمى بالكافي.
روى الخازن رواية في نزول الآية الأولى ورد صيغة مقاربة لها في سنن أبي داود عن أبي هريرة بهذا النص «إن رجلا كان يسبّ أبا بكر بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فصمت عنه أبو بكر ثم آذاه الثانية فصمت عنه ثم آذاه الثالثة فانتصر منه فقام رسول الله فقال أبو بكر أوجدت عليّ يا رسول الله. قال نزل ملك من السماء يكذّبه بما قال لك فلما انتصرت وقع الشيطان فلم أكن لأجلس إذ وقع الشيطان» » .
ويلحظ أن في الآية تبريرا لانتصار أبي بكر لنفسه في حين أن الحديث يذكر عدم رضاء النبي عن ذلك وأن الآية الثانية هي متممة للأولى ومنسجمة معها وهذا يسوغ الترجيح نزولهما معا. فإذا فرضنا أن حادث أبي بكر كان سبب نزولهما وليس نزول الآية الأولى فقط فإن الملاحظة الأولى تبقى واردة. إلا أن يقال إن حكمة التنزيل اقتضت تبرير موقف أبي بكر ثم اقتضت ردف ذلك التبرير بالحث على العفو. ومهما يكن من أمر فيصح القول إن الآيتين نزلتا في حادث سوء جهر به شخص ما. ولا ينفي هذا أن يكون هو الحادث الذي ذكر في الحديث والله أعلم.
وقد جاءت الآيات بأسلوب مطلق عام لتكون عامة مستمرة المدى في ما احتوته من تعليم وتأديب وعظة وتلقين بما مفاده:
(1)
إن الجهر بالسوء مهما كان. وسواء أكان بذاءة أو شتيمة أم تعريضا أم تحريضا أم تقريعا أم سخرية أم استهتارا أم إشاعة فاحشة وشيوع ذلك بين المسلمين شيء قبيح لا يحبه الله تعالى.
(2)
ويستثنى من ذلك المظلوم الذي يقول ما يقول ردا على المعتدي عليه بدءا.
(3)
ومع ذلك فعفو المسلمين عن بعضهم خير مستحب وفيه اقتداء بالله عز وجل الذي يعفو عن الناس ويسع حلمه ما يبدو منهم من مواقف فيها سوء أدب وجحود مع قدرته على البطش والانتقام. وليعلموا أن الله يعلم كل ما يصدر منهم
(1) التاج ج 5 ص 47 ومعنى فانتصر منه أي ردّ على مؤذيه بالمثل مدافعا عن نفسه.
من خير سواء أأبدوه أو أخفوه. وعليهم أن يفعلوا الخير على كل حال والعفو خير.
وبعض هذه التلقينات ورد في آيات سورة الشورى [39- 43] على ما شرحناه في مناسبتها حيث يتساوق التلقين القرآني المكي مع التلقين القرآني المدني في هذا الأمر كما هو في الأمور الأخرى. وقد يكون استثناء المظلوم وتبرير ردّه على ظالمه قد استهدف به عدم استشراء البذاءة والعدوان في المجتمع الإسلامي. وروح الآيات تلهم أن هذا لا ينبغي أن يكون إلّا في نطاق هذا الهدف من جهة وأن العفو هو الأفضل إذا كان لا يؤدي إلى ذلك الاستشراء من جهة أخرى. وفي هذا تتمة للتلقين الذي انطوى في الآيتين.
ومما قاله المفسرون لأنفسهم أو لعلماء آخرين إن من الواجب أن يكون ردّ المظلوم على الظالم بما ليس فيه عدوان وفحش وافتراء وهذا وجيه سديد.
هذا. ومن تحصيل الحاصل أن نقول إن تعبير لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ هو أسلوبي يستهدف التأديب بالنص على قبح الجهر بالسوء وإنه لا يمكن أن يكون بمعنى أن الله عز وجل يرضى عن السوء إذا كان في مجلس خاص أو إذا كان صدر خفية من دون جهر علني. فالله سبحانه قد حرم الإثم والفواحش مطلقا ما ظهر منها وما بطن على السواء وآذن أنه لا يرضى ما بيت من سوء قولا وفعلا في آيات عديدة مكية ومدنية ومنها ما جاء في سور سبق تفسيرها مثل آيات الأنعام [130 و 151] والأعراف [33] والآيات [108 و 123] من هذه السورة. ومنها ما جاء في سور يأتي تفسيرها بعد.
وهناك أحاديث نبوية ساق بعضها بعض المفسرين في سياق الآيتين متساوقة في التلقين معهما. من ذلك حديثان رواهما أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء في أحدهما «قال النبي أيعجز أحدكم أن يكون مثل أبي ضمضم قالوا ومن أبو ضمضم قال رجل فيمن كان قبلكم كان إذا أصبح قال اللهم إني جعلت عرضي لمن شتمني» «1»
(1) انظر التاج ج 5 ص 24 و 26.