الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولقد كان ما أورده بعض المفسرين في سياق الآيات التي نحن في صددها من أن الله قد كافأ أهل الحديبية بغنائم خيبر وعوّضهم بها عما لقوه من جهد ومنوا به من خيبة أمل في الزيارة وسيلة لجعل بعض الأغيار يقولون إن زحف النبي صلى الله عليه وسلم على خيبر لم يكن له أي سبب مبرر إلّا رغبة مكافأة أهل الحديبية وتطييب خاطرهم. مع أنه ليس هناك كما قلنا قبل رواية تذكر أن الذين خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر كانوا هم أهل الحديبية فقط. ومع أن ما أوردناه من بيانات يدحض هذا الزعم أقوى دحض ويبرز الأسباب المبررة القوية للزحف. ونقول من باب المساجلة إن ما أورده كتّاب السيرة والمؤرخون القدماء قد أورد على سجيته ولم يكن هناك حينئذ قضية مثل القضية التي يثيرها الأغيار اليوم حتى يكون اختراعا بقصد التبرير والدفاع وفي ما أورده الرواة من الأسباب القوية المبررة للزحف ردّ حاسم أيضا. وما قاله بعض المفسرين لا يصحّ أن يغطي على ما أورد من الأسباب المبررة القوية أو يتخذ بديلا أو تكأة. وليس ما قالوه بعد واردا في كتب الحديث الصحيح ولا مستندا إلى أسناد وثيقة.
[سورة الفتح (48) : الآيات 20 الى 21]
وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (20) وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (21)
.
تعليق على الآية وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ والآية التالية لها
المتبادر أن الآيتين متصلتان بالآيات السابقة وبخاصة بالآيتين اللتين قبلهما مباشرة اتصال التفات وتعقيب. فالسابقتان وجهتا إلى النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التنويه بالذين بايعوا تحت الشجرة وتبشيرهم وتطمينهم. وهاتان وجهتا إلى المبايعين
أنفسهم على سبيل توكيد التبشير والتطمين. وهما على كل حال جزء من السياق واستمرار له. وقد استهدفتا ما استهدفته الآيات السابقة.
وعبارة الآيتين اللغوية واضحة. غير أن الأقوال في مدلول محتواها تعددت «1» . ونلخصها بما يلي:
فأولا: قيل عن المغانم الكثيرة التي ذكرت الفقرة الأولى أن الله وعد المؤمنين بها إنها مغانم خيبر، كما قيل إنها مغانم الفتوحات التي سوف ييسرها الله للمسلمين في مختلف الظروف والأماكن. ويتبادر لنا أن القول الثاني هو أوجه وأن الفقرة هي بسبيل التبشير والتطمين بوجه عام. أما القول الأول فالذي نرجحه أنه من وحي ما تمّ بعد قليل من سفرة الحديبية من زحف على خيبر واكتساحها وما يسره الله للمسلمين من غنائمها.
وثانيا: قيل إن المقصود من جملة فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ هو ما تمّ من صلح الحديبية كما قيل إنه مغانم خيبر. والمتبادر أن القول الأول هو الأوجه. لأن في الجملة تقريرا لواقع وإشارة إليه. ولم يكن واقعا حين نزولها إلّا صلح الحديبية.
ولعل في الجملة قرينة على ذلك حيث نبّه المسلمون فيها إلى أن الله عجّل بحسم هذه المسألة لييسر لهم إتمام وعده.
وثالثا: قيل إن جملة وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ قد عنت ما كان من منع الله الحرب بين المسلمين وقريش بصورة عامة أو إنها عنت خيالة قريش الذين حاولوا بقيادة خالد بن الوليد مباغتة معسكر النبي والمسلمين فعلم النبي بخبرهم وأرسل من ردّهم وأسر بعضهم ثم عفا عنهم على ما ذكرناه في خلاصة وقائع الحديبية.
كما قيل إنها عنت ما كان من تجمع أسد وغطفان للإغارة على المدينة أثناء غياب النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين عنها وإحباط الله كيدهم بإلقاء الرعب في قلوبهم. ويتبادر لنا أن القول الأول والثاني هو الأوجه لأن الجملة تذكّر المسلمين في أثناء عودتهم إلى المدينة بما كان جرى في الحديبية وظروفها.
(1) انظر تفسيرها في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن.