الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أكون ما كان البر منه
قيل: أراد به الفؤاد، وليس كذلك، بل أراد ما تقدم؛ أي يحبني محبة البر، ويقال: بر أباه فهو بار وبر، مثل صائف وصيف وطائف وطيف، وعلى هذا قوله تعالى:{وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ} (مريم: 14) وبرا بوالدتي، وبر في يمينه فهو بار، وأبررته وبر يميني، وحج مبرور أي مقبول، وجمع البار أبرار وبررة قال تعالى:{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} (الانفطار: 13). وقال: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} (المطففين: 18). وقال في صفة الملائكة: {كِرَامٍ بَرَرَة} (عبس: 16) فبررة خص بها الملائكة في القرآن من حيث أنه أبلغ من أبرار؛ فإنه جمع بر وأبرار جمع بار، وبر أبلغ من بار، كما أن عدلًا أبلغ من عادل، والبر معروف، وتسميته بذلك لكونه أوسع ما يحتاج إليه في الغذاء
…
إلى آخر ما قال عليه رحمة الله.
من خلال هذا العرض لكلمتي الإحسان والبر في لغتنا العربية- يتضح لنا أن الإحسان معناه أن يبذل الشخص أقصى ما في وسعه حتى يصل إلى درجة التجويد في ما يؤديه من قول أو فعل، وأن البر معناه الطاعة والتوسع في الخير، وهذا التوسع على الأبناء أن يصلوا به إلى درجة تنشرح لها وبها صدور آبائهم؛ ليصلوا من هذا البر وبهذا البر إلى درجة الإحسان.
الإحسان إلى الوالدين في القرآن الكريم
وقد وردت هذه الوصية في القرآن في ستة مواضع:
أولها: في سورة "البقرة" في قول الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} (البقرة: 83) فهذه إذًا وصية الله لبني إسرائيل، فهي وصية
قديمة أخذها الله ميثاقًا على بني إسرائيل، جاءت الوصية جاءت الوصية بالوالدين فيما أوصى الله به وفيما أخذ من العهد والميثاق بعد عبادة الله سبحانه وتعالى وما بعد ذلك هذا هو الذي نراه في قوله:{وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} لكن بني إسرائيل لم يلتزموا بهدي الله وشرع الله، إنما كما قال ربنا في الآية الكريمة:{ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} .
وفي سورة "النساء" يقول الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} (النساء: 36).
وفي وصايا سورة "الأنعام" يقول تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (الأنعام: 151).
وفي سورة "الإسراء" يقول ربنا: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا * إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (الإسراء: 24).
فأنت ترى في هذه الآيات أن سبحانه وتعالى أمر بعبادته أولًا، ثم ثنى بالوصية بالإحسان إلى الوالدين ثانيًا؛ لتعرف قيمة هذه الوصية وقيمة هذا الأمر وقيمة ما أمر الله به في قوله:{وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}
يقول الإمام الفخر الرازي: وإنما ثنى القرآن بهذا التكليف لأن أعظم أنواع النعم على الإنسان نعمة الله تعالى، ويتلوها نعمة الوالدين؛ لأن المؤثر الحقيقي في وجود الإنسان هو الله سبحانه، وفي الظاهر هو الأبوان، ثم نعمهما على الإنسان عظيمة، وهي نعمة التربية والشفقة والحفظ من الضياع والهلاك في وقت الصغر.
وقد تأتي الوصية من الله مباشرة بالوالدين والإحسان إليهما كما نرى ذلك في سورة "العنكبوت" حيث يقول ربنا: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (العنكبوت: 8).
هذه الآيات الستة التي وردت فيها كلمة الإحسان أو حسنى إلى الوالدين، ولكن وردت وصية من الله عز وجل بالوالدين دون ذكر كلمة الإحسان وذلك في سورة "لقمان" في قول الله تعالى:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (لقمان: 15).