الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حقوق وإكرام الضيوف في السنة المشرفة
ولعل مما يوضح هذه الحقيقة ما جاء في السنة المشرفة، وفيها بيان واضح وجلي لما يجب للضيف من كرامة ومن إكرام، فنتابع هذه الأحاديث وسوف نجد فيها الكثير بإذن الله تعالى.
في هذا الحديث المبارك الشريف نلحظ مدى طاعة الزوجة المسلمة لزوجها، ومدى تعاونها معه في تنفيذ ما رغِب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي تنفيذ ما علما من هذا الدين من جزاء من يكرم الضيف؛ تعاونت مع زوجها واستطاعت أن تهيئ الطعام وأن تطفئ السراج وأن تنيم الصبية وأن تجلس هي وزوجها مع الضيف، ليظهران له أنهما يأكلان، حتى باتا طاويين، فلما أصبح الرجل وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام بوحي من الله بأن الله عجب من
فعالكما أو ضحك الله سبحانه وتعالى مما حدث منكما، وأنزل على رسوله عليه الصلاة والسلام:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .
أيضًا يروي الإمام مسلم عن أبي هريرة: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف -أي: نزل به ضيف- وهو -أي: هذا الضيف- كافر فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أخرى فشربه ثم أخرى فشربه حتى شرب حلاب سبع شياه، ثم أصبح فأسلم، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فشرب حلابها ثم أمر بأخرى فلم يستتمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الْمُؤْمِنُ يَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ)).
فصلوات الله وسلامه على هذا الرسول الكريم الذي نظر إلى حاجة ضيفه إلى ما يكفيه، فجعله يشرب حلاب سبع شياه، ثم في اليوم التالي لما أسلم هذا الضيف جاء له أيضًا بما يكفيه فشرب مرة، ولم يستطع أن يتم الأخرى.
أيضًا مما جاء في السنة المشرفة ما رواه الإمام أحمد قال: حدثني أبو دقانة قال: كنت جالسًا عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال: ((أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف فقال لبلال: آتنا بطعام، فذهب بلال فأبدل صاعين من تمر بصاع من تمر جيد، وكان تمرهم دون فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم التمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أين هذا التمر؟ فأخبره أنه أبدل صاعًا بصاعين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رد علينا تمرنا)).
وفي هذا الحديث بيان لما يكون فيه الربا، وأن الربا إنما يكون بهذه الطريقة في أن يدفع شيئًا، وأن يأخذ أكثر منه، ولكن الصحيح أن يبيع التمر الذي كان معه ليشتري به هذا التمر الجيد، فهذا هو الطريق الذي يريده رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن الشاهد في حديثنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم حين أتاهم هذا الضيف قال لبلال:((اتئنا بطعام))،
وأن بلالًا ذهب ففعل ما فعل، لكن هذا هو الرسول الكريم -عليه الصلاة وأزكى السلام.
أيضًا يروي الإمام أحمد بسنده عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محرومًا، أي: لم يقم هؤلاء القوم بحق ضيافته؛ فله أن يأخذ بقدر قِراه ولا حرج عليه)).
ويروي أيضًا بسنده عن أبي أمامة قال: ((أنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة فأتيته فقلت: يا رسول الله، ادع الله لي بالشهادة فقال: اللهم سلمهم وغنمهم، قال: فسلمنا وغنمنا، قال: ثم أنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوًا ثانيًا فأتيته، فقلت: يا رسول الله، ادعُ الله لي بالشهادة، فقال: اللهم سلمهم وغنمهم، قال: ثم أنشأ غزوًا ثالثًا، فأتيته فقلت: يا رسول الله، إني أتيتك مرتين قبل مرتي هذه فسألتك أن تدعو الله لي بالشهادة فدعوت الله عز وجل أن يسلمنا ويغنمنا، فسلمنا وغنمنا، يا رسول الله، فادع الله لي بالشهادة؛ فقال: اللهم سلمهم وغنمهم، قال: فسلمنا وغنمنا، ثم أتيته فقلت: يا رسول الله، مرني بعمل قال: عليك بالصوم، فإنه لا مثل له، قال: فما رؤي أبو أمامة ولا امرأته ولا خادمه إلا صُيامًا قال: فكان إذا رؤي في داره دخان بالنهار قيل: اعتراهم ضيف، نزل بهم نازل قال: فلبس بذلك ما شاء الله، ثم أتيته فقلت: يا رسول الله، أمرتنا بالصيام، فأرجو أن يكون قد بارك الله لنا فيه، يا رسول الله فمرني بعمل آخر قال: اعلم أنك لم تسجد لله سجدة إلا رفع الله بك درجة وح ط عنك بها خطيئة)).
وفي هذا الحديث الشريف حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه، فلم يكن الجهاد غاية لأن يرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ليموتوا في المعارك وفي مواقع
الجهاد، إنما كان يدعو الله أن يسلمهم وأن يغنمهم، ولكنه أيضًا في الجانب الآخر رأينا حرص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم أبو أمامة على أن يحظى بالشهادة، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يدعو دائمًا بأن يسلم أصحابه وأن يغنمهم وأن يعودوا سالمين غانمين، فلما رأى ذلك أبو أمامة طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصية فأوصاه بالصوم، وبين له أن الصوم لا عدل له ولا مثل له، ولذلك كان أبو أمامة وكانت امرأته وكان خادمه دائمًا في صيام متواصل، فكان إذا رؤي في دارهم دخانٌ بالنهار قيل: اعتراهم ضيف نزل بهم، فهذا يدل على أن هؤلاء قد تعلموا فيما ما تعلموا إكرام الضيف، وأنهم إذا نزل بهم ضيف أفطروا ليأكلوا معه وليشاركوه ولئلا يحرجوه، فنعم هذا الخلق الكريم هذا الذي تعلمه هؤلاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيضًا يروي الإمام البخاري عن أبي شريح العدوي قال: سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته، قالوا: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت))، وفي رواية أخرى عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، جائزته يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، فما بعد ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه)) ويروي في هذا أيضًا أبو داود عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، جائزته يومه وليلته، الضيافة ثلاثة أيام، وما بعد ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يثوي -أي: أن يقيم- عنده حتى يحرجه)).
وفي هذه الأحاديث نرى أن إكرام الضيف من الإيمان، وأن جائزة الضيف هي يوم وليلة، وأن الضيافة ثلاثة أيام، وما زاد عن هذه الأيام الثلاثة فهو صدقة، وفي توجيه النبي صلى الله عليه وسلم ما يرشد أهل الإيمان إلى أنه لا ينبغي ولا يحل ولا يجوز للضيف أن يقيم عند صاحب البيت حتى يحرجه.
لكنه إن رأى تمسك الضيف به وأنه يريد أن يقيم معه مدة من الزمان أخرى، ووجد أنه في ذلك صادق وأنه يريد هذا على وجه الحقيقة لا من باب الحياء؛ فلا حرج عليه.
أيضًا يروي لنا الإمام البخاري حديثًا عظيم ًا عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- فيقول: كان أبو هريرة يقول: ((يحلف بالله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدتُ يومًا على طريقهم الذي يخرجون منه -أي: على طريق خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر- فمر أبو بكر فسألته عن آيات من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي عمر فسألته عن آيات من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر فلم يفعل، ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: يا أبا هر، قلت: لبيك يا رسول، قال: الْحقْ -أي: الْحَقْ بي- ومضى فتبعته فدخل فاستأذن فأذن لي، فدخل فوجد لبنًا في قدح فقال: من أين هذا اللبن؟ قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة، قال: أبا هر قلت: لبيك يا رسول الله، قال: الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي، قال -أي: أبو هريرة-: وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئًا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة! كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، فإذا جاء أمرني فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن؟ ولم يكن من طاعة الله
وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بدّ، فأتيتهم فدعوتهم، فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت، قال: يا أبا هر، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: خذ فأعطهم، قال: فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلهم، فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إلي فتبسم فقال: أبا هر، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: بقيت أنا وأنت، قال: صدقت يا رسول الله، قال: اقعد فاشرب، فقعدت فشربت فقال: اشرب، فشربت فما زال يقول: اشرب حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسلكًا، قال: فأدن فأعطيته القدح، فحمد الله وسمى وشرب الفضل)).
هذه معجزة عظيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف أن هذا القدح وفيه هذا القدر من اللبن يكفي هذا الجمع الغفير من أهل الصفة، وعددهم عدد كبير! وكيف أن أبا هريرة شرب حتى شبع من هذا اللبن وأقسم قائلًا: والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكًا!.
وفي هذا نرى كيف يكون إكرام الضيف من خلال هذا الحديث، وأن توكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ربه وثقة رسول الله في عطاء الله له جعله ينادي على أهل الصفة وهو واثق أن الله سبحانه وتعالى سوف يبارك له في هذا القدر القليل من اللبن؛ ليكفي هذا العدد الكثير، فصلوات الله وسلامه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يروي الإمام مسلم عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: ((نزل علينا أضياف لنا قال: وكان أبي يتحدث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل قال: فانطلق وقال: يا عبد الرحمن، افرغ من أضيافك، قال: فلما أمسيت جئنا بقراهم -أي بما
أعددناه لهم من الطعام- قال -أي: عبد الرحمن-: فأبوا فقالوا: حتى يجيء أبو منزلنا يقصدون أبا بكر، فيطعم معنا قال: فقلت لهم: إنه رجل حديد، وإنكم إن لم تفعلوا خفت أن يصيبني منه أذى، قال: فأبوا، فلما جاء لم يبدأ بشيء أول منهم، فقال: أفرغت من أضيافكم؟ قال: قالوا: لا والله ما فرغنا، قال: ألم آمر عبد الرحمن قال: وتنحيت عنه، فقال: يا عبد الرحمن، قال: فتنحيت، قال: فقال: يا غنثر؛ أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي إلا جئت، قال: فجئت فقلت: والله ما لي ذنب، هؤلاء أضيافك فسلهم، قد أتيتهم بقراهم -أي: بطعامهم- فأبوا أن يطعموا حتى تجيء، قال: فقال: ما لكم ألم تقبلوا عنا قراكم؟ قال: فقال أبو بك ر: فوالله لا أطعمه الليلة، قال: فقالوا: فوالله لا نطعمه حتى تطعمه، قال: فما رأيت كالشر كالليلة قط، ويلكم ما لكم ألا تقبلوا عنا قراكم، قال: ثم قال: أما الأولى فمن الشيطان، هلموا قراكم قال: فجيء بالطعام فسمّى فأكل وأكلوا، قال: فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، بروا وحنثت، فأخبره فقال: بل أنت أبرهم وأخيرهم قال: ولم تبلغني كفارة)).
وفي هذا الحديث الشريف نرى حرص أبي بكر الصديق على إكرام هؤلاء الضيوف، وكيف أنه أوصى ابنه عبد الرحمن وأوصى أهل بيته أن يقوموا بإكرام هؤلاء الضيوف، ولكن هؤلاء الضيوف رفضوا وأبوا أن يأكلوا إلا إذا حضر أبو بكر، فلما حضر ووجد أنهم لم يأكلوا طعامهم إلى هذا الوقت المتأخر من الليل غضب على ابنه عبد الرحمن وقال له ما قال، فأخبره بما كان من أمرهم إلى أن غضب أبو بكر فأقسم ألا يتناول هذا الطعام، وأقسم هؤلاء أيضًا أنهم لن يأكلوا، فلما رأى هذا رجع عما حلف فيه، وعاد واعتبر أن هذا الذي حدث من الشيطان، وقال: هلموا إلى قراكم -أي إلى طعامكم- فسمى فأكل وأكل هؤلاء الضيوف، وذهب في الصباح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ما قال.
هذه هي أخلاق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في إكرامهم للضيوف.