الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} ، {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} ، {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} ، فنرى من خلال هذه الآيات أن كلمة العفو تعني شيئًا زائدًا على مجرد الصفح، والذي هو كما رأينا في معانيه اللغوية يعني: أن يدير الإنسان صفحته بعيدًا عن هذا الذي أساء إليه، أو أخطأ، أو وقع منه ذنب.
أما العفو فهو المحو التام للذنب وآثاره، ومن هنا جاءت هذه الآيات كما نرى وصفًا لله سبحانه وتعالى، {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} ، {إِنَّ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} ، وأن الله سبحانه كما قال:{فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} ، {عَفَا اللهُ عَنْكَ} بمعنى: أنه أزال هذا الذنب فلا تثريب، ولا مؤاخذة، ولا عتاب؛ فالمؤمنون حين يصفون بهذا {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} إلى آخر الآيات، {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} فهذا معناه: أن المؤمن يكظم غيظه، ولا يكفي هذا إنما يحتاج إلى أن يعفو عمن أساء إليه، {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} ، فهذا العفو يعني: ألا يبقى للذنب أثر في نفس هذا الإنسان. وهذا هو الإسلام الذي جاء بالدعوة إلى الصفح وإلى العفو.
العفو في السنة المشرفة
يروي الإمام البخاري بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة حتى نظرت صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال: مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء)) فما أكرم هذا الرسول هذا الأعرابي يصنع هذا الصنيع بمن؟ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مع
أصحابه، وأنس بن مالك خادمه كان معه يشاهد هذا الموقف ويرى أن هذه الجذبة قد أثَّرت في صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بإمكان هذا الأعرابي أن يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن يصنع هذا، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام مع ذلك التفت إليه فضحك، مما يدل سعة صدره، وحلمه، وحسن خلقه، وعظم صفحه وعفوه عما أساء إليه، ولم يكتفِ بهذا إنما أمر له بعطاء، فأعطاه ما أعطاه حتى رضي.
أيضًا يروي الإمام البخاري بسنده عن أسامة بن زيد رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان راكبًا على حمارٍ على قطيفة فدكيه، وأنه أردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن خزرج قبل وقعة بدر، قال: حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول، وذلك قبل أن يُسلم عبد الله بن أبي، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عَبَدة الأوثان واليهود والمسلمين، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة -أي: الغبار الذي يكون من أثر سير دابة الرسول صلى الله عليه وسلم خمَّر عبد الله بن أبي أنفه بردائه -أي: غطاه- ثم قال: لا تغبّروا علينا، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ثم وقف، فنزل فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أبي بن سلول: أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقًّا فلا تؤذنا به في مجلسنا، ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه، فقال عبد الله بن رواحة: بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا، فإنا نُحبّ ذلك، فاستبَّ المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتساورون -أي: يمسك بعضهم برقاب بعض- فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يُخفّضهم حتى سكتوا، ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب؟ -يريد عبد الله بن أبي قال: كذا وكذا- قال سعد بن عبادة: يا رسول الله اعفُ واصفح عنه، فو الذي أنزل عليك الكتاب
لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك، وقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوِّجُوه فيعصِّبوه بالعصابة -أي: ليتوجوه ملكًا عليهم، أو رئيسًا عليهم- فلما أبى الله ذلك بالحق الذي أعطاك الله؛ شرك بذلك، فذلك فعل به ما رأيت، فعفى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم) كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله، ويصبرون على الأذى، قال الله عز وجل:{وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} (آل عمران: 186) الآية، وقال الله:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} (البقرة: 109) إلى آخر الآية.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتأوَّل العفو ما أمره الله به حتى أذن الله فيهم، فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرًا فقتل الله به صناديد كفار قريش قال ابن أبي بن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان: هذا أمر قد توجَّه، فبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام فأسلموا، ولكن إسلام هؤلاء كان إسلامًا في الظاهر، أما الباطن فهو ما زال مظلمًا بظلام الكفر، فهؤلاء أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، وما زالوا يكيدون للإسلام بكل ألوان الكيد، ولكن الله سبحانه وتعالى كان يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يعفو عن هؤلاء المنافقين، وأن يصفح عنهم ما وقعوا فيه من نفاق.
أيضًا يروي الإمام البخاري بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن هذه الآية التي في القرآن: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} قال في التوراة: "يا أيها النبي إن أرسلناك شاهدًا ومبشرًا وحرزًا للأمين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل ليس بفظٍّ، ولا غليظ، ولا صخَّاب بالأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يُقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله، فيفتح به أعينًا عميًا، وأذانًا صمًّا، وقلوبًا غلفًا"، فالعفو والصفح إذًا -كما نرى- في هذا الحديث صفة أو صفتان ملازمتان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر الله بهما في التوراة.
وأيضًا إذا ما انتقلنا إلى ما رواه الإمام الترمذي سوف نجد جملة من الأحاديث، منها ما رواه الإمام الترمذي بسنده عن أبي إسحاق قال: سمعت أبا عبد الله الجدلي يقول: سألت عائشة عن خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ((لم يكن فاحشًا ولا متفحشًا، ولا صخَّابًا في الأسواق، ولا يجزئ بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح)) قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وأبو عبد الله الجدلي: اسمه عبد الله بن عبد، ويقال: عبد الرحمن بن عبد.
أن السيدة عائشة -رضي الله تعالى عنها- قد ذكرت من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، وهذا ما ذكره أيضًا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في الحديث السابق حين ذكر أنه قرأ في التوراة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح"، فتحقق ما أخبر الله به في الكُتب المنزلة السابقة على القرآن مما سيكون من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فتحقق ما أخبر به ربنا في كتبه المنزلة، وأخبرت السيدة عائشة بما كان من خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيضًا في هذا السياق يروي الإمام أحمد بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أفضل الفضائل: أن تصل من قطعك، وتعطي من منعك، وتصفح عمن شتمك)) كما يروى أيضًا عن عائشة أنها قالت: ((لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا، ولا صخابًا في الأسواق، ولا يجزئ بالسيئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح)) كما سبق أن ذكر ذلك الإمام الترمذي، هذا في الصفح.
أما في العفو فهناك جملة منها الأحاديث، منها ما رواه الإمام البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قدم عُينية بن حصن بن حذيفة، فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس وكان من النفر الذين يُدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورتهم، كهولًا كانوا أو شبانًا، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي
هل لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه قال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عباس: فأستأذن الحر بن عيينة فأذن له عمر، فلما دخل عليه قال: ها يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى همَّ أن يُوقع به -أي: أن يوقع به عقابًا- فقال له الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله قال لنبييه صلى الله عليه وسلم:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف: 199)، وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقَّافًا عند كتاب الله".
ففي هذا الحديث ما يبين كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- من التزام ما جاء في كتاب الله عز وجل.
أيضًا يروي الإمام البخاري عن عبد الله بن الزبير -رضي الله تعالى عنهما- في قول الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} قال: ما أنزل الله إلا في أخلاق الناس، وقال عبد الله بن براد: حدثنا أبو أسامة، حدثنا هشام عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال:"أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس" أو كما قال. ومعنى أن يأخذ العفو من أخلاق الناس أي: أن يتجاوز عما يكون منهم من سوء خلق، وإنما يقبل منهم عذرهم، وعليه أن يعفو عنهم، وقال ابن عباس في قول الله تعالى:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن} (المؤمنون: 96): "الصبر عند الغضب، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوك عصمهم الله وخضع لهم عدوهم".
وعند الإمام مسلم نقرأ ما يلي: يروي الإمام مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، وما توضع أحد لله إلا رفعه الله))،
وعند الترمذي يروي بسنده عن شيخ من بني مرّة فقال: "قدمت الكوفة وأُخبرت عن بلال بن أبي بردة، فقلت: إن فيه لمعتبر؛ فأتيته وهو محبوس في داره التي قد كان بنى قال: وإذا كل شيء قد تغيَّر من العذاب والظرب، وإذا هو في قشاش فقلت: الحمد لله يا بلال، لقد رأيتك وأنت تمرّ بنا تُمسك بأنفك من غير غبار، وأنت في حالك هذا اليوم فقال: ممن أنت؟ فقلت: من بني مرة بن عباد، فقال: ألا أحدثك حديثًا عسى الله أن ينفعك به قلت: هات. قال: حدثني أبي أبو بردة عن أبيه أبي موسى -أي: الأشعري- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يصيب عبدًا نكبة فما فوقها أو دونها إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر))، قال: وقرأ {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ} ".
فهذا عفو الله عن عباده مع ارتكابهم للذنوب، ويروي عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنها قالت:((قلت يا رسول الله: أرأيت أن علمت أي ليلة ليلةُ القدر ما أقول فيها قال: قولي اللهم إنك عفوّ كريم تحب العفو فاعفُ عني))، ويروي الإمام أبو داود بسنده عن ابن عمر أنه قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يَدَع هؤلاء الدعوات حين يُمسي وحين يصبح: ((اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عورتي -وقال عثمان: "عوراتي، وآمن روعاتي"- اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)) فهذا هو ما كان يدعو به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يسأل الله العافية، وكان يسأل الله العفو
…
والعفو هو محو الذنب بكل ما في هذا الذنب من مساوئ، ولكن الأمل في الله كان عظيمًا في أن الله الإله الكريم يعفو ويصفح.
ويروي الإمام أحمد عن الحسن -رضي الله تعالى عنه- قال: ((استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في الآثار يوم بدر، فقال: إن الله عز وجل قد أمكنكم منهم، قال: فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله اضرب أعناقهم، قال: فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إن الله قد أمكنكم منهم، وإن ما هم أخوانكم بالأمس، قال: فقام عمر فقال: يا رسول الله؛ اضرب أعناقهم، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ثم عاد النبي صلى الله عليه وسلم فقال للناس مثل ذلك، فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله إن ترى أن تعفو عنهم وتقبل منهم الفداء، قال: فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغمّ، قال: فعفا عنهم، وقبل منهم الفداء قال: وأنزل الله عز وجل: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (الأنفال: 68))) إلى آخر ما نزل من الآيات.
ففي هذا الحديث ما يبين عظم خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه مع شدة عداء أعدائه، ومع أنهم حاربوه وقتلوا من أصحابه من قتلوا إلا أنه عليه الصلاة والسلام عفا عنهم، وقبل منهم الفداء -فصلوات الله وسلامه- على هذا الرسول الذي لا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح.
الإمام أبو الحسن الماوردي في (أدب الدنيا والدين)، ذكر كلامًا كثيرًا في الفصل الرابع في كتابه في الحلم والغضب، وذكر لنا أسباب الحلم الذي يؤدّي إلى الصفح وإلى العفو، فمما ذكر في ذلك قال: روى سفيان بن عيينة: أن النبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف: 199) قال: ((يا جبريل ما هذا؟ قال: لا أدري حتى أسأل العالم، ثم عاد جبريل وقال: يا محمد، إن ربك يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك))، ثم يذكر ما رواه هشام عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم، كان
إذا خرج من منزله قال: اللهم إني تصدَّقت بعرضي على عبادك))، ويروي أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((إن الله يُحب الحليم الحيي ويبغض الفاحش البذيء))، وقال عليه الصلاة والسلام:((من حَلُم ساد، ومن تفهَّم ازداد))، ويذكر عن بعض الأدباء قول من غرز شجرة الحلم اجتنى شجرة السلم، وقال بعض البلغاء: ما ذبَّ عن الأعراض كالصفح والإعراض، وذكر عن بعض الشعراء قوله:
أُحبّ مكارم الأخلاق جهدي
…
وأكره أن أعيب وأن أعاب
وأصفح عن سباب الناس حلمًا
…
وشر الناس من يهوي السباب
ومن هاب الرجال تَهيَّبوه
…
ومن حقر الرجال فلن يهاب
ثم يقول: فالحلم من أشرف الأخلاق وأحقها بذوي الألباب لما فيه من سلامة العرض، وراحة الجسد، واجتلاب الحمد، وقد قال علي -رضي الله تعالى عنه-:"أول عوض الحليم عن حلمه أن الناس أنصاره، وحدّ الحلم ضبط النفس عند هيجان الغضب"، وهذا هو ما نذكره من الصفح والحلم.
وقد ذكر الإمام الماوردي عشرة أسباب تؤدّي إلى ضبط النفس؛ منها" الرحمة بالجهال، والقدرة على الانتصار، والترفع عن السباب
…
إلى آخر ما ذكر من هذه الأسباب، والتي تحتاج إلى قراءتها في هذا الكتاب.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.