المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحقوق المشتركة بين الزوجين - التفسير الموضوعي ٢ - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال الأخلاق في القرآن الكريم

- ‌التعريف بالتفسير الموضوعي

- ‌الأخلاق في القرآن الكريم

- ‌الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌الدرس: 2 مفهوم العلة

- ‌الصفح" و"العفو" في معاجم اللغة

- ‌كلمة الصفح في القرآن الكريم

- ‌العفو في السنة المشرفة

- ‌الدرس: 3 الإحسان إلى الوالدين

- ‌معنى كلمتي الإحسان والبر

- ‌الإحسان إلى الوالدين في القرآن الكريم

- ‌الإحسان إلى الوالدين في السنة المشرفة

- ‌الدرس: 4 إكرام الضيف

- ‌معنى كلمة الضيف

- ‌حقوق وإكرام الضيوف في القرآن الكريم

- ‌حقوق وإكرام الضيوف في السنة المشرفة

- ‌إكرام الضيف عند الإمام الغزالي

- ‌الدرس: 5 التغاضي عن الجار ومواساته

- ‌المقصود بكل من: التغاضي - الجار - المواساة

- ‌المواساة بين الجيران من خلال السنة الشريفة وأقوال العلماء

- ‌الدرس: 6 الأخلاق في القرآن الكريم (1)

- ‌الإيثار في كتب اللغة

- ‌الإيثار في السنة وأقوال العلماء

- ‌الدرس: 7 الأخلاق في القرآن الكريم (2)

- ‌الصدق في اللغة

- ‌الصدق في القرآن الكريم والسنة المطهرة

- ‌أهل الصدق في القرآن

- ‌الدرس: 8 الآداب الاجتماعية في القرآن الكريم

- ‌تعريف الأسرة

- ‌الأسس التي بنى عليها الإسلام العلاقة الأسرية

- ‌الدرس: 9 عشرة الرجل مع أهله

- ‌المقصود بالعشرة

- ‌بداية العشرة الزوجية

- ‌الحقوق المشتركة بين الزوجين

- ‌الدرس: 10 الأحكام عند سوء العشرة أو الافتراق

- ‌الأسباب التي أدت إلى سوء العشرة

- ‌الحلول القرآنية للمشكلات الزوجية

- ‌الدرس: 11 أهمية القصة في القرآن الكريم

- ‌المقصود بالقصة وأمثلة لها في القرآن الكريم

- ‌قصة موسى، والدروس المستفادة من قصص القرآن

- ‌الدرس: 12 قصة أصحاب الكهف

- ‌الفرق بين تناول القصة في التفسير الموضوعي، وتناولها في الفن القصصي

- ‌قصة أصحاب الكهف وما فيها من العظات والعبر

- ‌الدرس: 13 قصة صاحب الجنتين

- ‌موقع القصة من الآيات التي سبقتها والآيات التي ستلحقها

- ‌قصة صاحب الجنتين

- ‌الدرس: 14 قصة موسى والخضر

- ‌بين يدي قصة موسى والخضر

- ‌رحلة البحث عن العبد الصالح

- ‌رحلة الأسرار مع العبد الصالح

- ‌علم الله المكنون وكشف الأسرار

- ‌الدروس المستفادة من قصة موسى والخضر

- ‌الدرس: 15 قصة يوسف مع امرأة العزيز

- ‌بين يدي قصة يوسف عليه السلام

- ‌أحداث القصة

- ‌يوسف مع امرأة العزيز

- ‌الدرس: 16 قصة أصحاب الجنة

- ‌وجه ارتباط قصة أصحاب الجنة بمطلع السورة

- ‌أصحاب الجنة، وعاقبة فعلهم

- ‌الدرس: 17 الأمثال في القرآن الكريم، وتأثيرها على السامعين

- ‌المثل؛ تعريفه، وأهميته، وفوائده

- ‌أمثلة ضربها الله في القرآن في للكافرين، والمشركين، والمنافقين

- ‌أمثلة ضربها الله في القرآن للدنيا

- ‌الدرس: 18 منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله

- ‌الحكمة من خلق الإنسان

- ‌مسلك الأنبياء في تبليغ رسالة ربهم

- ‌الدرس: 19 أوصاف الداعية في القرآن ومسلكه في دعوته

- ‌أهم صفات الداعية

- ‌كيف ينجح الداعية في دعوته

- ‌الدرس: 20 دعوة نوح عليه السلام

- ‌التعريف بنوح عليه السلام ودعوته

- ‌رد قوم نوح عليه وكيفية استقبالهم لدعوته

- ‌الدرس: 21 دعوة إبراهيم وموسى عليهما السلام

- ‌دعوة إبراهيم عليه السلام

- ‌دعوة موسى عليه السلام

- ‌الدرس: 22 دعوة عيسى ومحمد عليهما السلام

- ‌دعوة عيسى عليه السلام

- ‌دعوة النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌الحقوق المشتركة بين الزوجين

فالتعبير القرآني: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} ليس فيه أن الرجال أفضل من النساء، وإنما يشير إلى أن الرجل أفضل من المرأة في جوانب، وهي أفضل منه في جوانب أخرى، فليس في قدرتها إلا بمشقة شديدة أن تقوم بما يقوم به الرجال من أعمال تحتاج إلى جهد ومجالدة وتعب، وليس في قدرة الرجل أن يقوم بما تقوم به المرأة من حمل وإرضاع وسهر وجهد في رعاية الأبناء، وما إلى ذلك مما لا يتحمله الرجال.

فهذه القوامة إذًا مسئولية يقوم بها الرجل بشروطها، مِن العدل والحكمة والمشورة والمودة، وفي النساء بحمد الله كثرة عظيمة لهن حسن الرأي وصدق المشورة، مما جعل أزواجهن يأخذون برأيهن في كل أمر، والمسلمون لا ينسون مشورة أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها في الحديبية، حين أشارت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أشارت به، فكان في رأيها الخير للمسلمين.

‌الحقوق المشتركة بين الزوجين

وإذا كانت هذه حقوق كل من الزوجين على الآخر، فإننا لا ننسى أن هناك حقوقًا يشترك فيها الزوجان، ويؤديها كل واحد منهما للآخر، ومن هذه: الحقوق حق الاستمتاع، وثبوت النسب، وحرمة المصاهرة، وحسن المعاشرة، والتوارث، فلكل من الزوجين أن يستمتع بالآخر، وهذا أيضًا من حسن العشرة، ولا يقال بأن هذا حق للزوجة فحسب، وعلى زوجها أن يؤدي لها هذا الحق، بل هو حق عليها لزوجها كذلك.

وهنا نجد كلامًا للأئمة والباحثين في تحديد المدة التي يحق للزوجة التي تطالب فيها بهذا الحق، وهل هي ما زاد على أربعة أشهر أو في كل طهر أو في ليلة من أربع

ص: 161

ليالٍ؟ وأولى الآراء أن ذلك لا ضابط له إلا الابتعاد عن قصد الضرر، وتعمد الحرمان، وعلى الزوج أن يجتهد في إعفاف زوجته بقدر طاقته، كما يسوقون كثيرًا من الأحاديث التي توجب على الزوجة أن تستجيب لزوجها إذا ما دعاها لفراشه على أية حال كانت، وأنها إن أبت لعنتها الملائكة حتى تصبح، ما دام ليس لديها مانع شرعي من حيض أو نفاس أو صيام فرض، أو ما إلى ذلك، وسواء كانت مشغولة بعمل أم لا في ليل أو نهار.

ولكن ثقة التوجيهات النبوية والآيات القرآنية في هذا الأمر، وأن الزواج سكن ومودة ورحمة وعلاقة أبدية في الدنيا والآخرة، ترشدنا إلى ما يجب على الزوج إذا ما رغب في ذلك من التلطف والمداعبة؛ حتى لا يكون لقاء الرجل بامرأته وكأنه حالة اغتصاب وقهر.

وقد قال بذلك أعداء الإسلام في مؤتمراتهم، وطالبوا بالتحرر من قيد الزواج لتكون العلاقة بين الذكر والأنثى بعيدة عن فراش الزوجية، ومن هنا كان البحث في هذه المؤتمرات عن حكم الإجهاض لو حملت المرأة من هذه العلاقة الفاسدة، التي لا يترتب عليها أي حق لطرف منهما على الآخر، وتؤدي إلى خراب الدنيا وفساد أجيالها وهدم بيوتها.

أما في الإسلام فيستطيع كل من الزوجين أن يصل إلى ما يريد من صاحبه بالوسائل التي رسمها ديننا العظيم؛ ليكون لقاء الزوجين متعة وسعادة وأنسًا وودًا وحبًّا، تتوثق به القلوب وتنمو العواطف، وتحل به المشكلات، وينشأ في ظله الأبناء، ويبقى حنين كل منهما للآخر مشبوبًا، لا يؤدي كل منهما لصاحبه ما يؤديه على أنه حق شرعي يريد أن يتخلص منه، فيسلم جسده للآخر لقضاء وطره.

وإنما هناك تعانق الأرواح وتلاقي القلوب، ولحظات الرضا التي تذوب فيها الهموم، وتشفى بها الجروح، وتستقيم بها الحياة، ويشرق دين الإسلام على

ص: 162

أرض الله نورًا يشع في كل مكان وفي كل زمان، ليقول للدنيا بأن هذا هو المنهج الذي هو واحة الإنسانية، وإلا لفح الإنسانية هجير صحراء مجدبة يؤدي بهم إلى الهلاك.

وإذا كان هذا هو الحق الأول المشترك بين الزوجين وهو حق الاستمتاع، فهناك حق ثانٍ وهو ثبوت النسب، إذا ما حملت الزوجة ووضعت حملها نسب هذا المولود لأبيه، فيقال: هذا ولد فلان، كما يقال بأن هذه أُمه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((الولد للفراش وللعاهر الحَجَر)) أي: لمن يزنى له الحجر وهو حد الرجم.

ومعناه أن النسب إنما يثبت بعقد النكاح لا بمجرد اتصال رجل بامرأة، فولد الزنا لا نسب له، والزاني والزانية إن كانا محصنين لهما الحجر، أي: الرجم بالحجارة، والمسلمون يحفظون المولود من الزنا، ويقومون بتربيته، ولا يحاسب نفسيًّا ولا اجتماعيًّا، ولا في الدنيا ولا في الآخرة عما كان قد حدث في الحرام، فأدى إلى وجوده في هذه الدنيا، ومَن عيّره بذلك فهو قاذف يقام عليه حد القذف.

أيضًا يثبت بعقد النكاح حق ثالث وهو حرمة المصاهرة، وهذه الحرمة المترتبة على عقد الزواج أو على الدخول بعقد الزواج. والمثال الأول: حرمة أم الزوجة بمجرد العقد على الزوجة. ومثال الثاني: حرمة بنت الزوجة بالدخول بالزوجة، فالقاعدة أن العقد على البنات يحرم الأمهات، والدخول بالأمهات يحرم البنات، كما قال تعالى في تحريم من حرم الزواج بهن:{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} (النساء: 23).

ص: 163

ومن ذلك تحريم الزواج من زوجة الابن، وتحريم الجمع بين المرأة وأختها، كما قال تعالى:{وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} (النساء: 23). وقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها.

أما الحق الرابع فهو حق التوارث، فكل من الزوجين يرث صاحبه وفق قاعدة الإسلام في الميراث، والتي تقوم على أن الغُرْم بالغُنم، وما دام الإسلام قد حمّل الرجال مسئولية الإنفاق، فإنه بعدله أعطاهم في الميراث غالبًا ضعف ما أعطى النساء. يقول تعالى:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (النساء: 24).

يبقى لنا الحق الخامس وهو حسن المعاشرة، حسن المعاشرة يعني حسن الخلق مع الوثاق واحتمال الأذى منهن. قال تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} . ومن المعلوم أن العقد الذي تم بين الزوج وزوجه ميثاق غليظ، كما قال تعالى:{وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (النساء: 21).

وقال في المرأة حين أوصى بالإحسان إلى من أوصى بهن في قوله: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} (النساء: 36) قالوا: أن الصاحب بالجنب هي الزوجة.

ولعلنا نذكر أن آخر ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الأخير كان يقول: (((الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم، لا تكلفوهم ما لا يطيقون، الله الله في

ص: 164

النساء فإنهن عوانٍ في أيديكم -عوانٍ يعني أسرى- أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)) والأحاديث في هذا كثيرة.

وليس حسن الخلق مع الزوجة أن تكف الأذى عنها فقط، بل عليك أن تحتمل الأذى منها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كانت أزواجه تراجعنه الكلام، وتهجره الواحدة منهن يومًا إلى الليل، وراجعت امرأة عمر رضي الله عنها عمر في الكلام فقال:"أتراجعينني! فقالت: إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يراجعنه وهو خير منك، فقال عمر: خابت حفصة وخسرت إن راجعته، ثم قال لحفصة: لا تغتري بابنة ابن أبي قحافة -يقصد أبا بكر رضي الله عنه فإنها حِب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخوّفها من المراجعة".

وهذه أيضًا أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاملته لنسائه؛ لتكون نبراسًا يهتدي به أهل الإسلام، فقد كان عليه الصلاة والسلام في معاملته لأهل بيته على أحسن حال، وهو القائل:((أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم خلقًا)). وسئلت السيدة عائشة -رضي الله تعالى عنها- عما كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته فقالت: ((كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة)).

وعن عروة قال: ((قلت لعائشة: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم)). وهذا أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- يقول: ((خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال لي أف قط، ولا قال لي لشيء: لم فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا، وكانت الأمة من إماء أهل المدينة تأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت)) مما يدل على تواضعه وهو القائل: ((ما تواضع أحد لله إلا رفعه)).

إذا كانت هذه هي معاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لخادمه وللإماء، فما بالكم بمعاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجاته وأهل بيته؟!:

ص: 165

إننا إذا نظرنا في كتب السيرة والحديث التي تحدثت عن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم نجد أن أمهات المؤمنين كن على درجة عالية من القرب من الله عز وجل، فكل واحدة منهن صوامة قوامة، ومن هنا كن جديرات بأن يكن أمهات للمؤمنين، وزوجات لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذه صور جميلة من الملاطفة والدلال وحسن العشرة، نتعلمها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، انظروا وهو ينادي السيدة عائشة بأحب الأسماء إليها، فيصغر اسمها أو يرخمه من باب المداعبة فيقول:((يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام)). وكان يقول لها: ((يا حميراء))، والحميراء تصغير حمراء يراد بها البيضاء. وقال الذهبي:"الحمراء في لسان أهل الحجاز: البيضاء بحمرة، وهذا نادر فيهم". ونقرأ في صحيح مسلم من حديث عائشة في الصيام قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبل إحدى نسائه وهو صائم، ثم تضحك رضي الله تعالى عنها)).

ومن هذه الصور العظيمة الجميلة التي تقرب ما بين الزوجين: ما نقرأه في قول الرسول صلى الله عليه وسلم حين يقول: ((وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة، حتى اللقمة التي ترفعها إلى في امرأتك)) اللقمة ترفعها بيدك إلى فم امرأتك هي لك صدقة، وانظروا كم تصنع هذه اللقمة في كسب القلوب، وليست المسألة مجرد كسب القلوب فقط، إنما هي صدقة يؤجر عليها الرجل، وهذا أمر يسير وسهل لمن أراد أن يحيا حياة إسلامية عظيمة جميلة.

أيضًا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدر مشاعر الزوجة، ويظهر لها ما يحمله لها من حب، فقد سألت السيدة عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم:((كيف حبُّك لي؟ فقال عليه السلام: كعقدة الحبل، ثم سألته: كيف العقدة؟ فقال: على حالها)) أي: لم تتغير. والنبي عليه الصلاة والسلام يصف لعائشة رضي الله عنها حبه لها كعقلة الحبل، أي: أن الحب ما زال مربوطًا في قلبه.

ص: 166

فانظروا إلى كمْ كانت السيدة عائشة سعيدة مسرورة منشرحة الصدر بهذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال لها بأنها فضلت على النساء كتفضيل الثريد على باقي الطعام، فإظهار مشاعر المودة والمحبة للزوجة من حسن العشرة التي يجب علي الأزواج أن يدركوها وأن يَعلموها.

ومن الأشياء التي من حسن العشرة أن يتزين وأن يتجمل وأن يتطيب الرجل لزوجته. سئلت السيدة عائشة: بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: ((بالسواك)) وكان يفعل ذلك ليستقبل زوجاته بالتقبيل وما إلى ذلك. وعند البخاري أن عائشة قالت: ((كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم بأطيب ما أجد، حتى أجد وبيص الطيب في رأسه ولحيته)).

وانظروا إلى ما رواه الإمام البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كنت أُرَجِّل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض)). وانظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنه وجلالة قدره وعظيم منزلته، وهو يجعل السيدة عائشة تسرح له شعر رأسه، ومع أنها تكون حائضًا.

وهي تشير بذلك إلى عظمة الإسلام؛ لأن اليهود وقد كانوا يساكنون المسلمين في المدينة، كانت المرأة إذا حاضت لا يأكل معها الرجل ولا يبيت معها في فراشها، فجاء الإسلام بعكس ذلك، وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نرى، فهل منا من يجعل زوجته تسرح له شعره، وماذا في هذا العمل من تقارب الأفئدة والأرواح، وما إلى ذلك، ولذلك كان ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- يقول:"إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي، وما أحب أن أستعطف كل حقي الذي لي عليها، فتستوجب حقها الذي لها علي". قال ابن عباس: "إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي؛ لأن الله تعالى يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ".

ويذكر لنا التاريخ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو خليفة المسلمين: "أن رجلًا دخل عليه أشعث أغبر، ومع الرجل امرأته وهي تقول: "لا أنا ولا هذا؛ لأنها

ص: 167

لا تريده، تنفر من زوجها على هذا النحو

انظروا إلى ما فعل عمر -رضي الله تعالى عنه- أرسل الزوج فاغتسل، وأخذ من شعر رأسه وقلم أظافره، فلما حضر أمره أن يتقدم مِن زوجته فنفرت منه؛ لأنها لم تعرفه ثم عرفته، فقبلت به ورجعت عن دعواها، فقال عمر: هكذا فاصنعوا لهن، فوالله إنهن ليحببن أن تتزينوا لهن، كما تحبون أن يتزينَّ لكم".

قال يحيى بن عبد الرحمن الحنظلي: "أتيت محمد بن الحنفية، فخرج إليّ في ملحفة حمراء، ولحيته تقطر من الغالية -والغالية هي خليط من الطيب، فالخليط أفضل الطيب- يقول يحيى: فقلت له: ما هذا؟ قال محمد: إن هذه الملحفة ألقتها عليّ امرأتي، ودهنتني بالطيب، وإنهن يشتهين منا ما نشتيه منهن". فالمرأة تريد من الرجل أن يتجمل وأن يتزين، فهذا من العشرة التي أمر الله بها حين قال:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} .

ولعلكم تذكرون من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان دائم البِشر، جميل العشرة، يداعب أهله ويتلطف بهم ويضاحك نساءه، وتذكرون كان يسابق السيدة عائشة -رضي الله تعالى عنها- في البرية في بعض سفراته؛ يتودد إليها بذلك. تقول:((سابقني رسول الله فسبقته، وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني، فقال: هذه بتلك)). وكم في ذلك من مداعبة لطيفة.

وأنتم تذكرون أنه عليه الصلاة والسلام كان يجمع نساءه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلًا قبل أن ينام، يؤنسهم بذلك صلى الله عليه وسلم، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم معيار خيرية الرجال في حسن عشرة الزوجات، فقال:((خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله)).

ص: 168

وسأل عمرو بن العاص رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلًا: ((يا رسول، من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة. قال: مِن الرجال؟ قال: أبوها)) رواه الترمذي. ولعلكم تذكرون ما كان من أمر عائشة رضي الله عنها وأنها قالت: ((كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يَنْقَمِعْن -أي: يتغيبن منه- فيُسَرِّبُهن إليّ فيلعبن معي)).

وقصتها في رؤية من كانوا يلعبون في المسجد من الأحباش دليل على حسن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن معاشرته. تقول رضي الله عنها: ((لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي، والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقْدُروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو)).

ومن حسن معاشرته صلى الله عليه وسلم ما تقرؤه في سنته عليه الصلاة والسلام، من قول عائشة:((كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله -أي: أناول الرسول صلى الله عليه وسلم القدح فيضع فاه على موضع فيّ فيشرب، وأتعرق العِرْق وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيّ)). وكم في هذا من إناس ومن رحمة ومن لطف من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولعلكم قرأتم ما كان من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة: ((إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت عليَّ غضبى. قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولي: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى قلت: لا ورب إبراهيم. قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك)) صلوات الله وسلامه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وسيد الأوفياء محمد عليه الصلاة والسلام انظروا إليه في وفائه لخديجة -رضي الله تعالى عنها- تقول السيدة عائشة: ((ما غِرت على امرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما غرت على خديجة؛ لكثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها وثنائه عليها)).

ص: 169

ومن صور وفائه مع زوجاته أنه صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه آية التخيير: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} (الأحزاب: 28) بدأ بعائشة وقال لها: ((إني ذاكر لك أمرًا فلا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك)) خشية منه صلى الله عليه وسلم أن تختار زينة الحياة الدنيا لصغر سنها، فتخسر الخير الكثير في الدنيا والآخرة، لكنها -رضي الله تعالى عنها- كانت أحرص على خير نفسها من أبويها، فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم:"أفي هذا أستأمر أبوي؟! فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة".

ثم استقرأ عليه الصلاة والسلام الحُجَر، أي: حجرات أمهات المؤمنين، يخبر نساءه ويقول لهن:((إن عائشة رضي الله عنها قالت كذا وكذا فقلن: ونحن نقول مثل ما قالت عائشة)) رضي الله عنهن كلهن.

ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، كما قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب: 21). فأفعاله وأقواله وتقريراته وصفاته تشريع لأمته وهدي كريم، يجب على أهل الإسلام أن يلتزموا به في حياتهم؛ لتطيب حياتهم وعشرتهم لزوجاتهم، ولتحيى بيوتهم في جو من الأمان والاستقرار.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 170