الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكون لها من الواقع نصيب، وإنما هذا الذي ذكره ربنا جاء مصدقًا لما بين يديه من الكتب السماوية السابقة، وجاء تفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون.
قصة موسى، والدروس المستفادة من قصص القرآن
وإذا كان هذا هو قطرة من بحر ما جاء في التعقيب على قصة يوسف، فهيا فلننتقل لنلتقط من جواهر القرآن في موضوع آخر، وفي جانب آخر في قصص القرآن الكريم، لعلكم تذكرون سورة تسمى بسورة "القصص"، أخذًا من قول الله تعالى في هذه السورة:{فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (القصص: 25) عند هذا القول في السورة الكريمة هيا لنقف قليلًا لنرى موضع الآية في السورة، ولندرسها من خلال الآيات التي وردت في سياقها.
وسورة القصص ثمانٍ وثمانون آية، تبدأ قصة موسى بعد الآية الثانية:{طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} (القصص: 1، 2) ثم تبدأ في عرض قصة موسى عليه السلام وتستمر الآيات إلى الآية الثالثة والأربعين عند قوله: {وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (القصص: 43) ثم تأتي تعقيبات القرآن على هذه القصة لبيان ما فيها من دروس نافعة، إلى أن تختم السورة، وقريبًا من نهايتها بقصة قارون وما صار إليه أمره، وهو أيضًا من قوم موسى، والآيات التي تناولت موسى وقصته في هذه السورة، تعرض لما كان من ظلم فرعون لبني إسرائيل، وأن الله أراد أن يمن عليهم ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين، وبدأت الآيات بكلماتها بل وبحروفها ترسم مشاهد قصة من قصص القرآن، وكأنك ترى صورة مجسمة متحركة لأشخاص وأبطال هذه القصة.
فهذه أم موسى في خوفها على رضيعها، تخشى من فرعون وجنده أن يعتدوا عليها، وأن يأخذوا وليدها، وأن يقتلوه لوهم كاذب ورؤيا خاطئة، ولكن الله ألقى في روعها أنها إذا خافت على وليدها هذا، فعليها أن تلقيه في اليم وألا تخاف وألا تحزن، وقد وعدها الله سبحانه وتعالى بأن يرد إليها وليدها ليكون هذا الوليد من المرسلين.
وسارت أحداث القصة وجرى قدر الله بالذي كان في علمه، فهذا هو فرعون وجنده يلتقطون الصندوق الذي فيه هذا الوليد؛ ليكون هذا الوليد لهم عدوًا وحزنًا:{إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} (القصص: 8) وألقى الله محبة موسى في قلب امرأة فرعون فقالت: هذا قرة عين لي ولك، وأمرتهم ألا يقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا وهم لا يشعرون، وحين علمت أم موسى بما كان في الأمر أصبح فؤادها فارغًا، كما قال تعالى، حتى لقد كادت تبدي من شدة جزعها وخوفها على وليدها أن هذا الغلام هو ابنها، لكن الله ربط على قلبها لتكون من المؤمنين.
وأوصت ابنتها أن تبحث وأن تتقصى أخبار هذا الطفل وأخبار موسى: {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} (القصص: 11) وجرى قدر الله سبحانه وتعالى بأن هذا الوليد، وقد جاءوا له بالمراضع من كل مكان، فلم يلتقم ثدي واحدة منهن فقالت البنية: هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون، فرد الله سبحانه وتعالى موسى إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن، ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون.
والقصة كما نرى تنتقل من مرحلة الطفولة، والتي تربى فيها موسى في بيته ومع أمه، ولكنه لما بلغ أشده واستوى كان في بيت فرعون، وقد آتى الله موسى حكمًا وعلمًا، وكذلك نجزي المحسنين، هو يعلم أنه من بني إسرائيل،
ويذكر القرآن أن موسى عليه السلام دخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان، هذا من شيعته وهذا من عدوه، وأن الذي من شيعته قد استغاثه على الذي من عدوه، فوكز موسى هذا العدو فصادفت أجله فمات، فندم موسى على ما كان من الأمر وقال: هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين، واتجه إلى الله قائلًا: رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم، فأقسم بما أنعم الله عليه ألا يكون بعد ذلك ظهيرًا للمجرمين.
وانتشر الخبر في المدينة ووصل إلى الفرعون، وأجمع القوم على قتل موسى، ولكن رجلًا صديقًا محبًا لموسى جاء إليه يسعى يقول له: يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك، فاخرج إني لك من الناصحين، فخرج منها خفية خائفًا يترقب، يسأل الله سبحانه وتعالى أن ينجيه من القوم الظالمين، وتوجه جهة مدين سائلًا الله أن يرشده إلى الطريق السديد:{وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (القصص: 23 - 25).
وصلنا إذًا إلى: {فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ} (القصص: 25) وكأنكم ترون معي وتنظرون بعيون قلوبكم إلى موسى عليه السلام وقد جاء إلى نبي الله شعيب وجلس معه مطمئنًا إليه، يذكر له ما كان من أمر فرعون مع بني إسرائيل من بداية عهدهم معه، إلى أن كان ما كان من أمر قَتْل ذكورهم واستحياء نسائهم، وما كان من أمر وصوله إلى قصر الفرعون وأنه تربى في هذا القصر، ثم كان من أمره أن قتل أحد هؤلاء الذين هم
من أعداء بني إسرائيل، وأجمع أمر مجلس فرعون على قتل موسى، فخرج خائفًا يترقب إلى أن وصل إلى هذا المكان، ورأى شعيب صدق هذا الشاب، وانبرت إحدى الفتاتين تقول لأبيها:{يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} (القصص: 26) وهنا وقد انتهت أيام المحن وبدأت أيام المنن، فعاش موسى آمنًا مطمئنًا في كنف هذا الشيخ العظيم ووفى بما عاهد عليه.
ولما قضى موسى الأجل وعاد بأهله إلى مصر ليرى أهله هناك، كان هذا الاختيار الإلهي العظيم للرسالة والنبوة، ونودي موسى من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة، أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين، وتذكر الآيات ما كان من أمر الله مع موسى، وأن الله أرسله لفرعون، وماذا كان من أمر فرعون حين جاءه موسى بالآيات البينات، وأن فرعون كما قال تعالى:{وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} (القصص: 39، 40) فانظر أيها المشاهد ويا من له النظر كيف كان عاقبة الظالمين، وجعلناهم أي: جعلنا فرعون وجنوده أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون {وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ * وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (القصص: 42، 43).
أردت أن ألتزم بكلمات القرآن في أغلب ما ذكرنا من هذه القصة؛ لنرى عظمة القرآن الكريم في سرده لأحداث قصصه، وأنه في أسلوبه المعجز لا يصل إلى شأوه أحد، ولا يستطيع أن يجاريه أحد، فهذا تنزيل من العليم الخبير من رب العالمين، يسوق الله هذا بيانًا لرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين معه ليكون في هذا القصص العبرة والعظة، فماذا يمكن أن نلتقط من الدروس النافعة والعبر والعظات البليغة، فيما ذكر الله من أحداث هذه القصة في سورة "القصص".
أول ما نلتقطه هو ما ذكرناه في سورة "يوسف"، أن في هذا الإخبار دليلًا على أن محمدًا هو رسول الله حقًا، ذلكم حيث يقول الله له:{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ * وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (القصص: 44 - 46).
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك ولم يشاهد ما حدث، فمن الذي أخبره؟ الذي أخبره هو الذي أوحى إليه بهذا القرآن، فهذا دليل على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغ عن ربه وأنه رسول الله حقًّا، وعلى طريقة القرآن بعد أن ساق هذا الدليل المقنع، والذي كان لا بد أن يسوقهم إلى الإيمان بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك يهددهم ويتوعدهم، وأنهم إن لم يستجيبوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم إنما يتبعون أهواءهم وهم ظلمة:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (القصص: 50).
ويسلي الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن الهداية بيده سبحانه وتعالى فيقول: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (القصص: 56) كما ذكر ذلك أيضًا في قصة يوسف عليه السلام وتسير الآيات تهدد وتتوعد، وتذكر جملة من الأدلة على أن الله هو الواحد الأحد، له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون، إلى آخر ما ذكر الله في هذه السورة الكريمة، وما فيها من دروس وما فيها من عظة.
ذكر الله عز وجل في أواخر سورة "هود": {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} (هود: 100، 101).
فهذه أنباء القرى يقصها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وقد ذكر له في سورة "هود" مجموعة من قصص القرآن العظيم، ذكر له قصة نوح وقصة هود وقصة صالح وقصة إبراهيم وقصة لوط وقصة شعيب، وقصة موسى مع فرعون، ذكر له ذلك كله، وبين ما فيها من الدروس ومن العبر، ثم ختم هذا بقوله:{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} .
فهذا هو ما قصه الله سبحانه وتعالى، يبين أنه -جل وعلا- إذا أخذ القرى فإن أخذه كما يقول -جل وعلا- أليم شديد:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} (هود: 103)، وتتواصل الآيات تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يجب عليه من الصبر والثبات في موقف الإنكار والتكذيب، كما قال ربنا:{وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (هود: 115) وتذكر له مرة أخرى أن الهداية بيد الله: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (هود: 118، 119).
ثم تقول له بأن ما يقصه عليه من أنباء الرسل إنما يسوق ذلك؛ تثبيتًا لفؤاده، وليعلم أنه منصور لا محالة، وأن ما معه هو الحق بعينه، وأن ما جاء به إنما هو ذكرى لمن عنده استعداد للإيمان:{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} (هود: 120).
وتتوعد المكذبين المعاندين وهي تقول: {وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ * وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (هود: 121 - 123) فما أعظم هذا القصص الذي جاء به كتاب الله!!.
اقرءوا مرة أخرى في مادة القصص القرآني، ما جاء في سورة "آل عمران" من قول الله تعالى:{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ} (آل عمران: 62، 63).
والآية كما نرى تأتي تعقيبًا على ما كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل الكتاب من نقاش في عيسى عليه السلام وأن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى رسوله أن يقول لهم ما ذكره ربنا -جل وعلا- في كثير من آيات القرآن، وأكد عليه هنا في سورة "آل عمران" ذلكم حيث يقول ربنا:{ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ * إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} (آل عمران: 58 - 60).
ثم دعاهم إلى المباهلة: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} (آل عمران: 61) أي: فمن حاجك في عيسى عليه السلام وأن عيسى هو عبد الله ورسوله، {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} (آل عمران: 61) فدعاهم إلى المباهلة فنكصوا على أعقابهم، وعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صادق فيما أخبر عن ربه، ولذلك قال ربنا تعقيبًا على هذه المباهلة، وما جاء من حديث القرآن عن آل عمران، وعما كان من أمر مريم، وعما كان من أمر حملها بعيسى عليه السلام وما آتاه الله من الآيات المبينات، وأنه جاء مصدقًا لما بين يديه من التوراة، يقول تعالى تعقيبًا على هذه القصة العظيمة:{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} (آل عمران: 62).
نعم؛ هذا قصص القرآن هو القصص الحق، لا مجال فيه لخيال ولا مجال فيه لكذب، ولا مجال فيه لافتراء، إنما هو وحي الله الذي أوحاه لنبيه؛ لتحقيق أغراض عظيمة وأهداف نبيلة، فيها بناء الإنسان وتثبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطمين قلبه.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.