المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌موقع القصة من الآيات التي سبقتها والآيات التي ستلحقها - التفسير الموضوعي ٢ - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال الأخلاق في القرآن الكريم

- ‌التعريف بالتفسير الموضوعي

- ‌الأخلاق في القرآن الكريم

- ‌الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌الدرس: 2 مفهوم العلة

- ‌الصفح" و"العفو" في معاجم اللغة

- ‌كلمة الصفح في القرآن الكريم

- ‌العفو في السنة المشرفة

- ‌الدرس: 3 الإحسان إلى الوالدين

- ‌معنى كلمتي الإحسان والبر

- ‌الإحسان إلى الوالدين في القرآن الكريم

- ‌الإحسان إلى الوالدين في السنة المشرفة

- ‌الدرس: 4 إكرام الضيف

- ‌معنى كلمة الضيف

- ‌حقوق وإكرام الضيوف في القرآن الكريم

- ‌حقوق وإكرام الضيوف في السنة المشرفة

- ‌إكرام الضيف عند الإمام الغزالي

- ‌الدرس: 5 التغاضي عن الجار ومواساته

- ‌المقصود بكل من: التغاضي - الجار - المواساة

- ‌المواساة بين الجيران من خلال السنة الشريفة وأقوال العلماء

- ‌الدرس: 6 الأخلاق في القرآن الكريم (1)

- ‌الإيثار في كتب اللغة

- ‌الإيثار في السنة وأقوال العلماء

- ‌الدرس: 7 الأخلاق في القرآن الكريم (2)

- ‌الصدق في اللغة

- ‌الصدق في القرآن الكريم والسنة المطهرة

- ‌أهل الصدق في القرآن

- ‌الدرس: 8 الآداب الاجتماعية في القرآن الكريم

- ‌تعريف الأسرة

- ‌الأسس التي بنى عليها الإسلام العلاقة الأسرية

- ‌الدرس: 9 عشرة الرجل مع أهله

- ‌المقصود بالعشرة

- ‌بداية العشرة الزوجية

- ‌الحقوق المشتركة بين الزوجين

- ‌الدرس: 10 الأحكام عند سوء العشرة أو الافتراق

- ‌الأسباب التي أدت إلى سوء العشرة

- ‌الحلول القرآنية للمشكلات الزوجية

- ‌الدرس: 11 أهمية القصة في القرآن الكريم

- ‌المقصود بالقصة وأمثلة لها في القرآن الكريم

- ‌قصة موسى، والدروس المستفادة من قصص القرآن

- ‌الدرس: 12 قصة أصحاب الكهف

- ‌الفرق بين تناول القصة في التفسير الموضوعي، وتناولها في الفن القصصي

- ‌قصة أصحاب الكهف وما فيها من العظات والعبر

- ‌الدرس: 13 قصة صاحب الجنتين

- ‌موقع القصة من الآيات التي سبقتها والآيات التي ستلحقها

- ‌قصة صاحب الجنتين

- ‌الدرس: 14 قصة موسى والخضر

- ‌بين يدي قصة موسى والخضر

- ‌رحلة البحث عن العبد الصالح

- ‌رحلة الأسرار مع العبد الصالح

- ‌علم الله المكنون وكشف الأسرار

- ‌الدروس المستفادة من قصة موسى والخضر

- ‌الدرس: 15 قصة يوسف مع امرأة العزيز

- ‌بين يدي قصة يوسف عليه السلام

- ‌أحداث القصة

- ‌يوسف مع امرأة العزيز

- ‌الدرس: 16 قصة أصحاب الجنة

- ‌وجه ارتباط قصة أصحاب الجنة بمطلع السورة

- ‌أصحاب الجنة، وعاقبة فعلهم

- ‌الدرس: 17 الأمثال في القرآن الكريم، وتأثيرها على السامعين

- ‌المثل؛ تعريفه، وأهميته، وفوائده

- ‌أمثلة ضربها الله في القرآن في للكافرين، والمشركين، والمنافقين

- ‌أمثلة ضربها الله في القرآن للدنيا

- ‌الدرس: 18 منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله

- ‌الحكمة من خلق الإنسان

- ‌مسلك الأنبياء في تبليغ رسالة ربهم

- ‌الدرس: 19 أوصاف الداعية في القرآن ومسلكه في دعوته

- ‌أهم صفات الداعية

- ‌كيف ينجح الداعية في دعوته

- ‌الدرس: 20 دعوة نوح عليه السلام

- ‌التعريف بنوح عليه السلام ودعوته

- ‌رد قوم نوح عليه وكيفية استقبالهم لدعوته

- ‌الدرس: 21 دعوة إبراهيم وموسى عليهما السلام

- ‌دعوة إبراهيم عليه السلام

- ‌دعوة موسى عليه السلام

- ‌الدرس: 22 دعوة عيسى ومحمد عليهما السلام

- ‌دعوة عيسى عليه السلام

- ‌دعوة النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌موقع القصة من الآيات التي سبقتها والآيات التي ستلحقها

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الثالث عشر

(قصة صاحب الجنتين)

‌موقع القصة من الآيات التي سبقتها والآيات التي ستلحقها

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمن هو صاحب الجنتين؟ وماذا كان من أمره؟ وكيف كانت بدايته ونهايته؟:

قبل أن نجيب عن هذه التساؤلات، هيا لنعرف موقع هذه القصة من الآيات التي سبقتها والآيات التي ستلحقها، ففي ذلك ما يكشف سر ذكر الله لها في هذا الموضع من السورة، في الآيات السابقة يقرر الله قيمة عالية من قيم الإيمان قولًا وفعلًا وسلوكًا؛ لتكون هذه القيمة منارة يهتدي بها أهل الإسلام، بل منهجًا لا تصعد الإنسانية لغيره.

هذه القيمة هي الإيمان الذي يتمثل في إنسان مؤمن، بكل ما يتطلبه الإيمان من الكمالات، وما يعنيه هذا الإيمان في الإنسان المؤمن، بالنسبة لما يمتلكه الآخرون من متاع ومال، وما يتبع ذلك من رياش وفراش، وكلمة مسموعة ومكانة مرموقة، إن الإيمان والإنسان المؤمن هو الذي تصلح به الحياة، وهل تصلح الحياة بغير المساواة والعدالة والتواضع والحياء والخلق الكريم، وهي وأمثالها روافد الإيمان ومظهره المشرق في محيا أهل الإيمان، وهل يمكن أن تنتظم حياة الناس بالعنصرية والعصبية، والتعالي والتفاخر بالأحساب والأنساب والأموال والأولاد، وبخس الآخرين حقهم، في حياة كريمة يشعرون فيها بآدميتهم.

الآيات التي جاءت بعد قصة أصحاب الكهف تحمل هذه المعاني في وضوح، فبعد أن ختم الله قصة أصحاب الكهف بتقرير ما اتصف به من العلم بغيب السموات والأرض، وأنه السميع البصير {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} (الكهف: 26).

وأن من أشركوا به لا ناصر لهم من الله ولا معين، وأن الحكم في هذه الحياة

ص: 233

وغيرها له وحده، ولا يشرك في حكمه أحدًا، أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يواصل تلاوته لما أوحاه إليه من كتاب ربه، إذ لا مبدل لكلماته، ولن تجد من دونه ناصرًا ولا وليًّا إن أنت بدلت كلماته، وفي هذا إشعار بحرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تبليغ وحي الله دون تحريف أو تبديل.

وقد بلغ صلوات الله وسلامه عليه الرسالة وأدى الأمانة، فوصل إلينا هذا القرآن محفوظًا بحفظ الله، ومن جملة الأسباب التي أدت إلى حفظه اختيار الله لأناس حببهم فيه، واصطفاهم لصحبة نبيه، فكانوا نور الحياة وبهجتها، وحملة كتاب الله وقراءه، وهؤلاء هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أغنياء الصحابة كأبي بكر وعثمان وابن عوف وغيرهم، ومنهم الفقراء كابن مسعود وبلال والكثير من الصحابة من العبيد والموالي، ومن لا مال لهم، وكلا الفريقين من الأغنياء والفقراء سواء في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم تجمعهم أخوة الإيمان، ويضمهم هدف واحد هو نصرة هذا الدين، والعمل على حفظ كتاب الله ونشر مبادئه.

لكن المشركين لهم مقاييس مختلفة، فمقاييسهم قائمة على أساس من المال والجاه، فأصحاب المال والجاه أهل الحظوة والقرب والفضل والمكانة، قولهم مسموع وكلمتهم مطاعة، وغيرهم من الفقراء ومن لا مال لهم ولا جاه خدم لهم وعبيد لإحسانهم، ومكانهم خلف الصفوف، ولا يحق لهم أن يجلسوا في مجلس الأثرياء وأصحاب الأموال، وبهذه المقاييس الخاطئة حكموا على أقدار الناس ومنزلتهم، فكانت العنصرية البغيضة سببًا للفرقة وبابًا للأحقاد والبغض، وما بهذا كما قلنا تستقيم حياة الناس، ولا بهذا تنهض الأمم والشعوب.

وانطلاقًا من هذا الفهم لأقدار الناس ومكانتهم، طلب المشركون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخصص لهم مجلسًا يجلسون فيه معه، لا يجلس فيه أحد من هؤلاء الفقراء من

ص: 234

الصحابة؛ إذ لا يليق بسادة القوم أن يجلس معهم هؤلاء الضعاف والفقراء، مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل الوحي يرسي حقيقة الحياة بين الناس، ويبين أن القيمة الحقيقية للرجال في إيمانهم لا في أموالهم، ولا فيما ملكت أيديهم، وأن الإسلام ليس في حاجة إلى متكبرين ومتجبرين، يظنون أن قيمة الإنسان فيما يملك من حطام الدنيا، لا فيما استقر في وجدانه من معرفة الله، والعمل بكتابه وسنة نبيه.

وجاء التوجيه الإلهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا * وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا * أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} (الكهف: 28 - 31).

فهذا الحق الذي جاء به الوحي أبلج، فيه الرشد والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة، وقد أعطى الله الإنسان حرية الاختيار فيما يمكن الاختيار فيه، ومن ذلك اختياره للكفر والإيمان والحق والباطل والهدى والضلال، فأيهما يختار، لكن فليعلم أنه محاسب على اختياره، ولما كان المقام مقام إنذار وتخويف من الكفر وعاقبته، ذكر عاقبة من كفر أولًا، وسمى من كفر ظالمًا، وبيّن ما ينتظر هذا الظالم من سوء العذاب، فقال:{إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} .

ص: 235

ثم ثنى بذكر جزاء من اختار الهدى ودين الحق، فقال:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا * أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ} إلى قوله: {وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} .

وتأكيدًا لهذه الحقائق وتوضيحًا لها في صورة شاخصة، أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يضرب للمشركين وغيرهم مثلًا من واقع الحياة، يبين عاقبة من غره ماله وأعماه سلطانه، ولم يستجب لنصح الناصحين، ويذكر المثل اعتزاز المؤمن بدينه، واستعلاءه على ملذات الحياة وبهجتها بإيمانه.

وكانت هذه القصة -قصة صاحب الجنتين- هي المثل الذي ضربه الله لهؤلاء، فقال عز من قائل:{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا * هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} (الكهف: 32 - 44).

لو تأملتم فيما استمعتم إليه من الآيات، لوجدتم أن القصة سارت في أشواطها دون أن تشعرك بالانتقال من شوط إلى شوط، أو فصل إلى فصل، إنما تنساب أحداثها حتى تختم

ص: 236

بنتيجتها: {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} وتأتي الدروس التابعة والنابعة منها في آيتين في قوله: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (الكهف: 45) الآية وما بعدها.

والشوط الأول يبدأ من: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ} (الكهف: 32) إلى قوله: {وَأَعَزُّ نَفَرًا} (الكهف: 34) فيصور لنا الجنتين هذا التصوير الرائع، والشوط الثاني من قوله:{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} (الكهف: 35) إلى قوله: {مُنْقَلَبًا} (الكهف: 36) ليرسم لنا صورة لهذا الرجل المغرور المعجب بماله وجنتيه. أما الشوط الثالث فيبدأ من قوله: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ} (الكهف: 37) إلى قوله: {فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا} (الكهف: 41) فيذكر فيه المولى سبحانه وتعالى ما دار من حوار بين هذا الرجل المتكبر وصاحبه الفقير، وما كان من نصح هذا الفقير لذلك الغني الجاحد، وفي الشوط الرابع والذي يبدأ من:{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} (الكهف: 42) إلى نهاية القصة، بيان لما انتهى إليه أمر هذا الرجل وجنتيه، وما في ذلك من الدروس النافعة والعظات البالغة.

ولكم تقف مشدوهًا تستولي آيات القرآن في القصة على أحاسيسك ومشاعرك، وأنت تتأمل أحداثها وكيف ساقها القرآن، فجلى هذه الأحداث، وانتقل بك من حدث إلى حدث كما قلنا في سلاسة ويسر، وبقي القرآن في آياته تمثل كل ثلاث آيات منه معجزة، يتحدى الله بها الثقلين:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (الإسراء: 88).

فكم هناك من معجزات، وعلى عادة القرآن في قصصه لا يذكر أسماء، ولا يهتم بمكان القصة وأين جرت أحداثها، لا يذكر مِن هذا وذاك إلا ما دعت إليه الضرورة، وكان في ذكره

ص: 237