الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَضِيلَةِ [أَبِي بَكْرٍ] الصِّدِّيقِ (1) وَاسْتِحْقَاقِهِ (2) لِهَذَا الْأَمْرِ يُغْنِي عَنِ الْعَهْدِ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَتَرَكَهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ وَظُهُورِ فَضِيلَةِ الصِّدِّيقِ وَاسْتِحْقَاقِهِ، وَهَذَا أَبْلَغُ مِنَ الْعَهْدِ.
[فَصْلٌ بطلان مزاعم ابن المطهر عن بيعة أبي بكر]
فَصْلٌ
وَأَمَّا قَوْلُ [الرَّافِضِيِّ](3) .
إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ (4) الْإِمَامَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبُو بَكْرٍ، بِمُبَايَعَةِ عُمَرَ، بِرِضَا أَرْبَعَةٍ (5) .
فَيُقَالُ لَهُ: لَيْسَ (6) هَذَا قَوْلَ أَئِمَّةِ أَهْلِ (7) السُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْكَلَامِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْإِمَامَةَ تَنْعَقِدُ بِبَيْعَةِ أَرْبَعَةٍ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: تَنْعَقِدُ بِبَيْعَةِ
(1) ن، م: فَضِيلَةِ الصِّدِّيقِ.
(2)
أ، ب: وَاسْتِخْلَافِهِ.
(3)
ن، م: وَأَمَّا قَوْلُهُ.
(4)
إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(5)
انْظُرْ مَا سَبَقَ ص 126. وَفِي هَامِشِ (م) أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ كُتِبَ: " بَحْثُ مَتَى يَصِيرُ الْإِمَامُ إِمَامًا ".
(6)
ن، م: فَلَيْسَ.
(7)
أَهْلِ: زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ.
اثْنَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَنْعَقِدُ بِبَيْعَةِ وَاحِدٍ، فَلَيْسَتْ هَذِهِ أَقْوَالَ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ (1) .
بَلِ الْإِمَامَةُ عِنْدَهُمْ تَثْبُتُ بِمُوَافَقَةِ أَهْلِ الشَّوْكَةِ عَلَيْهَا، وَلَا يَصِيرُ الرَّجُلُ إِمَامًا حَتَّى يُوَافِقَهُ أَهْلُ الشَّوْكَةِ عَلَيْهَا (2) الَّذِينَ يَحْصُلُ بِطَاعَتِهِمْ لَهُ مَقْصُودُ الْإِمَامَةِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْإِمَامَةِ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ، فَإِذَا بُويِعَ بَيْعَةً حَصَلَتْ بِهَا الْقُدْرَةُ وَالسُّلْطَانُ صَارَ إِمَامًا.
وَلِهَذَا قَالَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ (3) : مَنْ صَارَ لَهُ قُدْرَةٌ وَسُلْطَانٌ يَفْعَلُ بِهِمَا (4) مَقْصُودَ الْوِلَايَةِ، فَهُوَ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِطَاعَتِهِمْ مَا لَمْ يَأْمُرُوا بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَالْإِمَامَةُ مُلْكٌ وَسُلْطَانٌ، وَالْمُلْكُ لَا يَصِيرُ مُلْكًا بِمُوَافَقَةِ وَاحِدٍ وَلَا اثْنَيْنِ وَلَا أَرْبَعَةٍ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ مُوَافَقَةُ هَؤُلَاءِ تَقْتَضِي مُوَافَقَةَ غَيْرِهِمْ بِحَيْثُ يَصِيرُ مُلْكًا بِذَلِكَ. وَهَكَذَا كُلُّ أَمْرٍ يَفْتَقِرُ إِلَى الْمُعَاوَنَةِ عَلَيْهِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِحُصُولِ مَنْ يُمْكِنُهُمُ التَّعَاوُنُ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا لَمَّا بُويِعَ عَلِيٌّ رضي الله عنه (5) وَصَارَ مَعَهُ شَوْكَةٌ صَارَ إِمَامًا.
وَلَوْ كَانَ جَمَاعَةٌ فِي سَفَرٍ فَالسُّنَّةُ أَنْ يُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " «لَا يَحِلُّ لِثَلَاثَةٍ يَكُونُونَ فِي سَفَرٍ إِلَّا أَنْ يُؤَمِّرُوا
(1) انْظُرِ الْكَلَامَ عَمَّا يَصِحُّ بِهِ عَقْدُ الْإِمَامَةِ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ لِأَبِي الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيِّ، ص [0 - 9]- 7، الْقَاهِرَةُ، 1298؛ الْفِصَلِ لِابْنِ حَزْمٍ 5/13 - 18؛ مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ، 2/133، أُصُولِ الدِّينِ، ص 280 - 281.
(2)
عَلَيْهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(3)
أ، ب: أَئِمَّةُ السُّنَّةِ.
(4)
ن، م، أ: بِهِ.
(5)
ن، م: عَلِيٌّ عليه السلام.
وَاحِدًا مِنْهُمْ» (1) " فَإِذَا أَمَّرَهُ أَهْلُ الْقُدْرَةِ مِنْهُمْ صَارَ أَمِيرًا. فَكَوْنُ الرَّجُلِ أَمِيرًا وَقَاضِيًا وَوَالِيًا وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي مَبْنَاهَا عَلَى الْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ، مَتَى حَصَلَ مَا يَحْصُلُ بِهِ مِنَ الْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ حَصَلَتْ وَإِلَّا فَلَا؛ إِذِ الْمَقْصُودُ بِهَا عَمَلُ أَعْمَالٍ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِقُدْرَةٍ، فَمَتَى حَصَلَتِ الْقُدْرَةُ الَّتِي بِهَا يُمْكِنُ تِلْكَ الْأَعْمَالُ (2) كَانَتْ حَاصِلَةً وَإِلَّا فَلَا.
وَهَذَا مِثْلُ كَوْنِ الرَّجُلِ رَاعِيًا لِلْمَاشِيَةِ، مَتَى سُلِّمَتْ إِلَيْهِ بِحَيْثُ يَقْدِرُ أَنْ يَرْعَاهَا، كَانَ رَاعِيًا لَهَا وَإِلَّا فَلَا، فَلَا (3) عَمَلَ إِلَّا بِقُدْرَةٍ عَلَيْهِ، فَمَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْعَمَلِ لَمْ يَكُنْ عَامِلًا.
وَالْقُدْرَةُ عَلَى سِيَاسَةِ النَّاسِ إِمَّا بِطَاعَتِهِمْ لَهُ، وَإِمَّا بِقَهْرِهِ لَهُمْ، فَمَتَى
(1) الْحَدِيثُ بِلَفْظٍ مُقَارِبٍ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 10/174 - 176 وَأَوَّلُهُ: " لَا يَحِلُّ أَنْ يَنْكِحَ الْمَرْأَةَ بِطَلَاقِ أُخْرَى. . الْحَدِيثَ، وَفِيهِ:. . وَلَا يَحِلُّ لِثَلَاثَةِ نَفَرٍ يَكُونُونَ بِأَرْضِ فَلَاةٍ إِلَّا أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ أَحَدَهُمْ ". وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر الْحَدِيثَ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3
(كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي الْقَوْمِ يُسَافِرُونَ يُؤَمِّرُونَ أَحَدَهُمْ) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ ". وَفِي نَفْسِ الْكِتَابِ وَالْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ ". وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر الْحَدِيثَيْنِ وَقَالَ: إِنَّ إِسْنَادَهُمَا صَحِيحٌ (الْمُسْنَدَ فِي الْمَوْضِعِ السَّابِقِ) ، كَمَا أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْحَاكِمَ رَوَى فِي مُسْتَدْرَكِهِ 1/443 - 445 الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَقَالَ الْحَاكِمُ: " حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ " وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ. وَانْظُرْ أَيْضًا: نَيْلَ الْأَوْطَارِ لِلشَّوْكَانِيِّ 9/157 - 158، الْقَاهِرَةُ، 1344.
(2)
ن، (فَقَطْ) : فَمَتَى حَصَلَتِ الْقُدْرَةُ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا يُمْكِنُ بِهَا تِلْكَ الْأَعْمَالُ. . . إِلَخْ.
(3)
فَلَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (أ) ، (ب) .
صَارَ قَادِرًا عَلَى سِيَاسَتِهِمْ بِطَاعَتِهِمْ أَوْ بِقَهْرِهِ، فَهُوَ ذُو سُلْطَانٍ مُطَاعٍ، إِذَا أَمَرَ بِطَاعَةِ اللَّهِ.
وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ فِي رِسَالَةِ عُبْدُوسِ بْنِ مَالِكٍ الْعَطَّارِ (1) : " أُصُولُ السُّنَّةِ عِنْدَنَا التَّمَسُّكُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إِلَى أَنْ قَالَ: " وَمَنْ وَلِيَ الْخِلَافَةَ فَأَجْمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ وَرَضُوا بِهِ، وَمَنْ غَلَبَهُمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى صَارَ خَلِيفَةً وَسُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَدَفْعُ الصَّدَقَاتِ إِلَيْهِ جَائِزٌ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا ".
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ (2)، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» " (3) مَا مَعْنَاهُ؟ فَقَالَ: تَدْرِي مَا الْإِمَامُ؟ الْإِمَامُ الَّذِي يُجْمِعُ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، كُلُّهُمْ يَقُولُ: هَذَا إِمَامٌ؛ فَهَذَا مَعْنَاهُ
(1) عُبْدُوسُ بْنُ مَالِكٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْعَطَّارُ، مِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَابِلَةِ، وَكَانَتْ لَهُ مَنْزِلَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. تَرْجَمَتُهُ فِي طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 1/241 - 246. وَانْظُرْ:" مَنَاقِبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، ص 137، 616، تَحْقِيقُ د. عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُحْسِنِ التُّرْكِيِّ، 1399/1979.
(2)
ن، م: إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ بَهْرَامَ أَبُو يَعْقُوبَ الْكَوْسَجُ الْمَرْوَزِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 251. سَمِعَ مِنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَرَوَى عَنْ أَحْمَدَ، وَأَخْرَجَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. تَرْجَمْتُهُ فِي طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 1/113 - 115؛ مَنَاقِبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، ص 129، 615؛ تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 2/524؛ تَارِيخِ بَغْدَادَ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ 6/362 - 364، الْقَاهِرَةُ، 1349/1931.
(3)
الْحَدِيثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/96 وَلَفْظُهُ: " مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إِمَامٍ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ".
وَالْكَلَامُ هُنَا فِي مَقَامَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِي كَوْنِ أَبِي بَكْرٍ كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلْإِمَامَةِ، وَأَنَّ مُبَايَعَتَهُمْ (1) لَهُ مِمَّا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَهَذَا ثَابِتٌ بِالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَتَى صَارَ إِمَامًا، فَذَلِكَ بِمُبَايَعَةِ أَهْلِ الْقُدْرَةِ لَهُ. وَكَذَلِكَ عُمَرُ لَمَّا عَهِدَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، إِنَّمَا صَارَ إِمَامًا لَمَّا بَايَعُوهُ وَأَطَاعُوهُ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُمْ لَمْ يُنَفِّذُوا عَهْدَ أَبِي بَكْرٍ وَلَمْ يُبَايِعُوهُ لَمْ يَصِرْ إِمَامًا، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا أَوْ غَيْرَ جَائِزٍ.
فَالْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَفْعَالِ، وَأَمَّا نَفْسُ الْوِلَايَةِ وَالسُّلْطَانِ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْقُدْرَةِ الْحَاصِلَةِ، ثُمَّ قَدْ تَحْصُلُ عَلَى وَجْهٍ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، كَسُلْطَانِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَقَدْ تَحْصُلُ عَلَى وَجْهٍ فِيهِ مَعْصِيَةٌ، كَسُلْطَانِ الظَّالِمِينَ.
وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ عُمَرَ وَطَائِفَةً مَعَهُ بَايَعُوهُ، وَامْتَنَعَ سَائِرُ الصَّحَابَةِ عَنِ الْبَيْعَةِ، لَمْ يَصِرْ إِمَامًا بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا صَارَ إِمَامًا بِمُبَايَعَةِ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ، الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْقُدْرَةِ وَالشَّوْكَةِ. وَلِهَذَا لَمْ يَضُرَّ تَخَلُّفُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ [لَا](2) يَقْدَحُ فِي مَقْصُودِ الْوِلَايَةِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ الْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ اللَّذَيْنِ بِهِمَا تَحْصُلُ (3) مَصَالِحُ الْإِمَامَةِ، وَذَلِكَ قَدْ حَصَلَ بِمُوَافَقَةِ الْجُمْهُورِ عَلَى ذَلِكَ.
(1) ن، م: مُتَابَعَتَهُمْ.
(2)
لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَبِهَا يَتِمُّ الْمَعْنَى.
(3)
ن، م: الَّذِي بِهِ يَفْعَلُ. . . إِلَخْ.
فَمَنْ قَالَ إِنَّهُ يَصِيرُ إِمَامًا بِمُوَافَقَةِ وَاحِدٍ أَوِ اثْنَيْنِ أَوْ أَرْبَعَةٍ، وَلَيْسُوا هُمْ ذَوِي الْقُدْرَةِ وَالشَّوْكَةِ، فَقَدْ غَلِطَ؛ كَمَا أَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ تَخَلُّفَ الْوَاحِدِ أَوِ الِاثْنَيْنِ وَالْعَشَرَةِ يَضُرُّهُ، فَقَدْ غَلِطَ.
وَأَبُو بَكْرٍ بَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، الَّذِينَ هُمْ بِطَانَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالَّذِينَ بِهِمْ صَارَ لِلْإِسْلَامِ قُوَّةٌ وَعِزَّةٌ، وَبِهِمْ قَهَرَ الْمُشْرِكُونَ، وَبِهِمْ فُتِحَتْ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ، فَجُمْهُورُ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ. وَأَمَّا كَوْنُ عُمَرَ أَوْ غَيْرِهِ (1) سَبَقَ إِلَى الْبَيْعَةِ، فَلَا بُدَّ فِي كُلِّ بَيْعَةٍ (2) مِنْ سَابِقٍ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ كَانَ كَارِهًا لِلْبَيْعَةِ، لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي مَقْصُودِهَا، فَإِنَّ نَفْسَ الِاسْتِحْقَاقِ لَهَا ثَابِتٌ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ أَحَقُّهُمْ بِهَا، وَمَعَ قِيَامِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يَضُرُّ مَنْ خَالَفَهَا، وَنَفْسُ حُصُولِهَا وَوُجُودِهَا ثَابِتٌ بِحُصُولِ الْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ، بِمُطَاوَعَةِ (3) ذَوِي الشَّوْكَةِ.
فَالدِّينُ الْحَقُّ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْكِتَابِ الْهَادِي وَالسَّيْفِ النَّاصِرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 25](4) .
(1) ن، م: عُمَرَ وَغَيْرِهِ.
(2)
أ: فِي كُلِّ بَيْعَةٍ فَلَا بُدَّ؛ ب: فَفِي كُلِّ بَيْعَةٍ لَا بُدَّ.
(3)
ن، م: بِطَاعَةِ.
(4)
ن، م: لِلنَّاسِ الْآيَةَ.