الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاللَّازِمُ وَالْمَلْزُومُ (1) قَدْ يَكُونُ زَمَانُهُمَا جَمِيعًا، كَمَا يَقُولُونَ:(2) الصِّفَةُ تَفْتَقِرُ إِلَى الْمَوْصُوفِ، وَالْعَرَضُ إِلَى الْجَوْهَرِ، وَإِنْ كَانَا مَوْجُودَيْنِ مَعًا، وَيَقُولُونَ:(3) إِنَّمَا افْتَقَرَ الْعَرَضُ إِلَى الْمَوْصُوفِ لِكَوْنِهِ مَعْنًى قَائِمًا بِغَيْرِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُقَارِنٌ لِافْتِقَارِهِ إِلَى الْمَوْصُوفِ.
[الْبُرْهَانُ السَّادِسُ والرد عليه]
قَالَ [الرَّازِيُّ] : (4)
(الْبُرْهَانُ السَّادِسُ: أَنَّ الْمُمْكِنَ إِذَا لَمْ يُوجَدْ فَعَدَمُهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِأَمْرٍ أَوْ لَا لِأَمْرٍ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ لَا لِأَمْرٍ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَعْدُومًا لِمَا هُوَ هُوَ، وَكُلُّ مَا (هُوُيَّتُهُ) كَافِيَةٌ فِي عَدَمِهِ، فَهُوَ مُمْتَنِعُ الْوُجُودِ، فَإِذَنِ الْمُمْكِنُ الْعَدَمِ (5) مُمْتَنِعُ الْوُجُودِ، هَذَا خُلْفٌ، فَتَبَيَّنَ (6) أَنْ يَكُونَ لِأَمْرٍ، ثُمَّ ذَلِكَ الْمُؤَثِّرُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُشْتَرَطَ فِي تَأْثِيرِهِ فِيهِ تَجَدُّدُهُ أَوْ لَا يُشْتَرَطَ، وَمُحَالٌ أَنْ يُشْتَرَطَ ذَلِكَ، [فَإِنَّ الْكَلَامَ](7) مَفْرُوضٌ فِي الْعَدَمِ السَّابِقِ عَلَى وُجُودِهِ، وَالْعَدَمُ الْمُتَجَدِّدُ هُوَ الْعَدَمُ بَعْدَ الْوُجُودِ، فَإِذَنْ لَا يُشْتَرَطُ فِي اسْتِنَادِ عَدَمِ الْمُمْكِنَاتِ إِلَى مَا يَقْتَضِي عَدَمُهَا تَجَدُّدُهُ (8) ، وَإِذَا كَانَ الْعَدَمُ الْمُمْكِنُ مُسْتَنِدًا إِلَى
(1) ن، م: وَالْمَلْزُومُ وَاللَّازِمُ.
(2)
ن، م: يَقُولُ إِنَّ.
(3)
ن، م: وَيَقُولُ.
(4)
الرَّازِيُّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(5)
ن، م: الْمُمْكِنُ الْمَعْدُومُ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(6)
أ، ب، ن، م: فَتَبَيَّنَ ; ش (490) فَبَقِيَ، وَكِلَاهُمَا صَوَابٌ.
(7)
عِبَارَةُ " فَإِنَّ الْكَلَامَ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(8)
ش: تَجَدُّدُهَا.
الْمُؤَثِّرِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّجَدُّدِ عَلِمْنَا أَنَّ الْحَاجَةَ وَالِافْتِقَارَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّجَدُّدِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ) (1) .
فَيُقَالُ: مِنَ الْعَجَائِبِ، بَلْ مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ أَنْ يُجْعَلَ مِثْلُ هَذَا الْهَذَيَانِ بُرْهَانًا فِي هَذَا (2) الْمَذْهَبِ الَّذِي حَقِيقَتُهُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا، بَلِ الْحَوَادِثُ تَحْدُثُ بِلَا خَالِقٍ، وَفِي إِبْطَالِ أَدْيَانِ [أَهْلِ](3) الْمِلَلِ، وَسَائِرِ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَكِنَّ هَذِهِ (4) الْحُجَجَ الْبَاطِلَةَ وَأَمْثَالَهَا لَمَّا صَارَتْ تَصُدُّ كَثِيرًا مِنْ أَفَاضِلِ النَّاسِ وَعُقَلَائِهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ عَنِ الْحَقِّ الْمَحْضِ الْمُوَافِقِ لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ وَصَحِيحِ الْمَنْقُولِ، بَلْ تُخْرِجُ أَصْحَابَهَا عَنِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ كَخُرُوجِ الشَّعَرَةِ مِنَ الْعَجِينِ إِمَّا بِالْجَحْدِ وَالتَّكْذِيبِ وَإِمَّا بِالشَّكِّ وَالرَّيْبِ احْتَجْنَا إِلَى بَيَانِ بُطْلَانِهَا لِلْحَاجَةِ إِلَى مُجَاهَدَةِ أَهْلِهَا، وَبَيَانِ فَسَادِهَا مِنْ أَصْلِهَا (5) إِذْ كَانَ فِيهَا مِنَ الضَّرَرِ بِالْعُقُولِ وَالْأَدْيَانِ مَا لَا يُحِيطُ بِهِ إِلَّا الرَّحْمَنُ.
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: قَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُكُمْ قَبْلَ هَذَا بِأَسْطُرٍ إِنَّ الْعَدَمَ نَفْيٌ مَحْضٌ، فَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى الْمُؤَثِّرِ أَصْلًا. وَجَعَلْتُمْ هَذَا مُقَدِّمَةً فِي الْحُجَّةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ فَكَيْفَ تَقُولُونَ بَعْدَ هَذَا بِأَسْطُرٍ الْمَعْدُومُ الْمُمْكِنُ لَا يَكُونُ عَدَمُهُ إِلَّا لِمُوجِبٍ؟ .
(1) نَقَلَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ الْبُرْهَانَ السَّادِسَ بِنَصِّهِ فِيمَا عَدَا الِاخْتِلَافَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.
(2)
هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(3)
أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(4)
أ، ب: لَكِنَّ مِثْلَ هَذِهِ.
(5)
ن: فَاسِدِهَا مِنْ أَضَلِّهَا ; م: فَاسِدِهَا مِنْ أَصْلِهَا.
وَقَدَّمْنَا أَنَّ جَمَاهِيرَ نُظَّارِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْعَدَمَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى عِلَّةٍ، وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنَ النُّظَّارِ جَعَلَ عَدَمَ الْمُمْكِنِ مُفْتَقِرًا إِلَى عِلَّةٍ إِلَّا هَذِهِ الطَّائِفَةَ الْقَلِيلَةَ مِنْ مُتَأَخِّرِيِ (1) الْمُتَفَلْسِفَةِ كَابْنِ سِينَا وَأَتْبَاعِهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ هَذَا قَوْلَ قُدَمَاءِ الْفَلَاسِفَةِ لَا أَرِسْطُو وَلَا أَصْحَابِهِ كَبَرْقِلِسَ (2) ، وَالْإِسْكَنْدَرِ الْأَفْرُودِيسِيِّ (3) شَارِحِ كُتُبِهِ، وَثَامَسْيُطُوسَ (4) ، وَلَا غَيْرِهِمْ [مِنَ
(1) ن، م: مُتَأَخِّرَةِ.
(2)
بَرْقِلِسُ proclus آخِرُ وَأَشْهَرُ مُمَثِّلِي الْأَفْلَاطُونِيَّةِ الْجَدِيدَةِ neoplatonism وُلِدَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ سَنَةَ 412 (مِيلَادِيَّةً) وَتَلَقَّى الْفَلْسَفَةَ فِي الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ ثُمَّ فِي أَثِينَا حَتَى صَارَ زَعِيمَ مَدْرَسَتِهَا الْفَلْسَفِيَّةِ، وَقَدْ كَانَ بَرْقِلِسُ مِنَ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ 485. وَقَدْ تَرْجَمَ لَهُ ابْنُ النَّدِيمِ فِي الْفِهْرِسْتِ (ص [0 - 9] 52 - 253) وَذَكَرَ مُصَنَّفَاتِهِ وَأَوْرَدَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 2/157 - 162 أَدِلَّتَهُ عَلَى قِدَمِ الْعَالَمِ. وَقَدْ نَشَرَ الدُّكْتُورُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَدَوِي رِسَالَةً لَهُ فِي قِدَمِ الْعَالَمِ (مَعَ رَسَائِلَ أُخْرَى) فِي كِتَابِهِ " الْأَفْلَاطُونِيَّةِ الْمُحْدَثَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ "، الْقَاهِرَةِ 1955.
(3)
ن، م: الْأَفْرُدِيوُسِيَّ، أ، ب: الْأَفْرُدِيُوسِيَّ ; وَالْمَشْهُورُ مَا أَثْبَتْنَاهُ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِ التَّرَاجِمِ الْعَرَبِيَّةِ. وَالْإِسْكَنْدَرُ الْأَفْرُودِيسِيُّ ale \ ander of aphrodisias مِنْ أَعْظَمِ شُرَّاحِ أَرِسْطُو وَقَدْ وُلِدَ فِي أَفْرُودِيسِيَا مِنْ أَعْمَالِ آسْيَا الصُّغْرَى، وَتَوَلَّى تَدْرِيسَ الْفَلْسَفَةِ الْأَرِسْطِيَّةِ فِي أَثِينَا مَا بَيْنَ سُنَّتِي 198، 211. انْظُرْ تَارِيخَ الْفَلْسَفَةِ الْيُونَانِيَّةِ لِيُوسُفَ كَرَمٍ، ص [0 - 9] 2، الْقَاهِرَةِ 1958 ; وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَمُصَنَّفَاتِهِ فِي ابْنِ أَبِي أُصَيْبِعَةَ 1/105 - 107 ; الْفِهْرِسْتَ لِابْنِ النَّدِيمِ، ص [0 - 9] 52 - 253 ; الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 2/163 - 164. وَقَدْ نَشَرَ لَهُ الدُّكْتُورُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَدَوِيُّ بَعْضَ مَقَالَاتِهِ فِي كِتَابِهِ " أَرِسْطُو عِنْدَ الْعَرَبِ ".
(4)
أ، ب: وَالْإِسْكَنْدَرُ الْأَفْرَدْيُوسِيُّ شَارِحُ كُتُبِ تَامَسْيُطُوسَ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَتَامَسْيُطُوسَ themistius. (فِي (م) : تَامَسْيُطُوسَ ; (أ)، (ب) : تَامَسْيُطُوسُ مِنْ شُرَّاحِ أَرِسْطُو مَعَ أَنَّهُ كَانَ أَفْلَاطُونِيًّا جَدِيدًا، وَقَدْ وُلِدَ سَنَةَ 317 م، وَعَاشَ فِي الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَأَيَّدَ الْإِمْبِرَاطُورُ جُولْيَانُ فِي الْعَمَلِ عَلَى بَعْثِ الْوَثَنِيَّةِ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 388 م. انْظُرْ: يُوسُفَ كَرَمٍ، الْمَرْجِعَ السَّابِقَ، ص [0 - 9] 03 ; وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَالْكَلَامَ عَنْ آرَائِهِ وَمُصَنَّفَاتِهِ فِي ابْنِ النَّدِيمِ، ص [0 - 9] 53 ; ابْنِ الْقِفْطِيِّ، ص 107 ; الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 2/162 - 163 وَقَدْ نَشَرَ لَهُ الدُّكْتُورُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَدَوِيُّ فِي كِتَابِهِ " أَرِسْطُو عِنْدَ الْعَرَبِ " السَّالِفِ الذِكْرِ مَقَالَةً وَشَطْرًا مِنْ شَرْحِهِ لِمَقَالَةِ " اللَّامِ ".
الْفَلَاسِفَةِ] (1) ، وَلَا هُوَ قَوْلُ أَحَدٍ مِنَ النُّظَّارِ كَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَيْسَ هُوَ قَوْلَ طَائِفَةٍ مِنْ طَوَائِفِ النُّظَّارِ لَا الْمُتَكَلِّمَةِ، وَلَا الْمُتَفَلْسِفَةِ، وَلَا غَيْرِهِمْ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: (مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ (مَعْدُومًا) لَا لِأَمْرٍ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَعْدُومًا لِمَا هُوَ هُوَ، وَكُلُّ مَا هُوُيَّتُهُ كَافِيَةٌ فِي عَدَمِهِ، فَهُوَ مُمْتَنِعُ الْوُجُودِ) .
فَيُقَالُ: هَذَا تَلَازُمٌ بَاطِلٌ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ مَعْدُومًا لَا لِأَمْرٍ لَمْ يَكُنْ مَعْدُومًا لَا لِذَاتِهِ، وَلَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَقَوْلُكَ:(فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَعْدُومًا لِمَا هُوَ هُوَ) بَاطِلٌ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَعْدُومٌ لِأَجْلِ ذَاتِهِ، وَأَنَّ ذَاتَهُ هِيَ الْعِلَّةُ فِي كَوْنِهِ مَعْدُومًا كَالْمُمْتَنِعِ لِذَاتِهِ، وَهَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَنَا مَعْدُومٌ لَا لِأَمْرٍ، فَكَيْفَ يَكُونُ نَفْيُ (2) الشَّيْءِ لَازِمًا لِثُبُوتِهِ؟ .
فَإِنْ قِيلَ: مُرَادُهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِأَمْرٍ، أَوْ لَا لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ قِيلَ: فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ غَيْرَ حَاصِرَةٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا لَا لِعِلَّةٍ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: الْفَرْقُ مَعْلُومٌ بَيْنَ قَوْلِنَا: ذَاتُهُ لَا تَقْتَضِي وُجُودَهُ وَلَا عَدَمَهُ، أَوْ لَا تَسْتَلْزِمُ (3) وُجُودَهُ، وَلَا عَدَمَهُ، أَوْ لَا تُوجِبُ وُجُودَهُ وَلَا عَدَمَهُ، وَبَيْنَ قَوْلِنَا تَقْتَضِي وُجُودَهُ أَوْ عَدَمَهُ، أَوْ تَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ أَوْ تُوجِبُهُ، فَإِنَّ مَا اسْتَلْزَمَتْ ذَاتُهُ وُجُودَهُ كَانَ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ، وَمَا اسْتَلْزَمَتْ عَدَمَهُ كَانَ مُمْتَنِعًا، وَمَا لَمْ تَسْتَلْزِمْ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَلَا مُمْتَنِعًا، بَلْ كَانَ هُوَ الْمُمْكِنُ.
(1) مِنَ الْفَلَاسِفَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
أ، ب: نَفْسُ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(3)
ن (فَقَطْ) : يَسْتَلْزِمُهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
فَإِذَا قِيلَ: إِنَّهُ مَعْدُومٌ لَا لِأَمْرٍ لَمْ يُوجِبْ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ أَمْرٌ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَهُ (1) ، بَلْ يَقْتَضِي أَلَّا يَكُونَ هُنَاكَ أَمْرٌ (2) يَسْتَلْزِمُ وُجُودَهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَكُونُ مُمْتَنِعَ الْوُجُودِ.
وَلِهَذَا يَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَمَشِيئَتُهُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِوُجُودِ مُرَادِهِ، وَمَا لَا يَشَاؤُهُ لَا يَكُونُ، فَعَدَمُ مَشِيئَتِهِ مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِهِ لَا أَنَّ الْعَدَمَ (3) فَعَلَ شَيْئًا، بَلْ هُوَ مَلْزُومٌ لَهُ، وَإِذَا فَسَّرْتَ الْعِلَّةَ هُنَا بِالْمَلْزُومِ، وَكَانَ النِّزَاعُ لَفْظِيًّا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ.
وَقَوْلُنَا: ذَاتُهُ اسْتَلْزَمَتْ وُجُودَهُ، أَوِ اسْتَلْزَمَتْ عَدَمَهُ (4) لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْهُ أَنَّ فِي الْخَارِجِ شَيْئًا كَانَ مَلْزُومًا لِغَيْرِهِ، فَإِنَّ الْمُمْتَنِعَ لَيْسَ بِشَيْءٍ أَصْلًا فِي الْخَارِجِ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، وَلَكِنْ حَقِيقَةُ الْأَمْرِ أَنَّ نَفْسَهُ هِيَ اللَّازِمُ، وَالْمَلْزُومُ إِمَّا الْوُجُودُ وَإِمَّا الْعَدَمُ (5) ، فَعَدَمُ الْمُمْتَنِعِ مَلْزُومٌ عَدَمُهُ، وَوُجُودُ الْوَاجِبِ مَلْزُومٌ وُجُودُهُ، وَأَمَّا الْمُمْكِنُ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ مَلْزُومٌ [لِوُجُودٍ](6) وَلَا عَدَمٍ، بَلْ إِنْ حَصَلَ مَا يُوجِدُهُ، وَإِلَّا بَقِيَ مَعْدُومًا.
[الْوَجْهُ](7) الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: إِذَا كَانَ كُلُّ مُمْكِنٍ لَا يَعْدَمُ إِلَّا بِعِلَّةٍ
(1) فِي (ن) فَقَطْ: عَنْهُ، وَالتَّصْوِيبُ مِنْ (م) .
(2)
(1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(3)
ن: لِأَنَّ الْعَدَمَ ; م: لِأَنَّ الْمَعْدُومَ.
(4)
ن، م: وَاسْتَلْزَمَتْ.
(5)
ن، م، أ: وَالْمَلْزُومُ إِمَّا لِلْوُجُودِ وَإِمَّا لِلْعَدَمِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) .
(6)
لِوُجُودِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(7)
الْوَجْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
مَعْدُومَةٍ مُؤَثِّرَةٍ فِي عَدَمِهِ، فَتِلْكَ الْعِلَّةُ الْمَعْدُومَةُ إِنْ كَانَ عَدَمُهَا وَاجِبًا كَانَ وُجُودُهَا مُمْتَنِعًا، فَإِنَّ الْمَعْلُولَ يَجِبُ بِوُجُوبِ عِلَّتِهِ، وَيَمْتَنِعُ بِامْتِنَاعِهَا، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ عَدَمُ الْمُمْكِنِ عِلَّتُهُ وَاجِبَةٌ، وَوُجُودُهُ مُمْتَنِعًا، فَإِنَّ الْمَعْلُولَ يَجِبُ بِوُجُوبِ عِلَّتِهِ، وَيَمْتَنِعُ بِامْتِنَاعِهَا، وَحِينَئِذٍ (1) كُلُّ مُمْكِنٍ يُقَدَّرُ إِمْكَانُهُ، فَإِنَّهُ مُمْتَنِعٌ، وَهَذَا فِيهِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ مَا هُوَ فِي غَايَةِ الِاسْتِحَالَةِ: كَيْفِيَّةٍ وَكَمِّيَّةٍ.
وَإِنْ قِيلَ: عَدَمُ عِلَّتِهِ يَفْتَقِرُ إِلَى عَدَمٍ يُؤَثِّرُ فِي وُجُودِهَا وَعَدَمِ ذَاكَ الْمُؤَثِّرِ لِعَدَمِ مُؤَثِّرٍ فِيهِ، وَهَلُمَّ جَرَّا، فَلِذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ التَّسَلْسُلُ الْبَاطِلُ الَّذِي هُوَ أَبْطَلُ مِنْ تَسَلْسُلِ الْمُؤَثِّرَاتِ الْوُجُودِيَّةِ.
[الْوَجْهُ](2) الْخَامِسُ: [أَنْ يُقَالَ](3) : إِنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ الْعَدَمَ الْمُسْتَمِرَّ لَهُ عِلَّةٌ قَدِيمَةٌ، وَأَنَّ الْمَعْلُولَ إِذَا كَانَ عَدَمًا مُسْتَمِرًّا كَانَتْ عِلَّتُهُ الَّتِي هِيَ عَدَمٌ مُسْتَمِرٌّ عِلَّةً أَزَلِيَّةً لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْجُودُ الْمُعَيَّنُ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ وَأَنْ يَعْدَمَ قَدِيمًا أَزَلِيًّا، وَيَكُونَ الْفَاعِلُ لَهُ لَمْ يَزَلْ فَاعِلًا لَهُ بِحَيْثُ يَكُونُ فَاعِلُ الْمَوْجُودَاتِ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا قَطُّ، فَإِنَّ قِيَاسَ الْمَوْجُودِ الْوَاجِبِ الْقَدِيمِ الْأَزَلِيِّ الْخَالِقِ فَاعِلِ الْمَوْجُودَاتِ الْمَخْلُوقَةِ عَلَى الْعَدَمِ الْمُسْتَمِرِّ الْمُسْتَلْزِمِ لِعَدَمٍ مُسْتَمِرٍّ مِنْ أَفْسَدِ الْقِيَاسِ، وَهُوَ قِيَاسٌ مَحْضٌ مِنْ غَيْرِ جَامِعٍ، فَكَيْفَ يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِمِثْلِ هَذَا التَّشْبِيهِ الْفَاسِدِ فِي مِثْلِ هَذَا
(1)(1 - 1) : سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(2)
الْوَجْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(3)
أَنْ يُقَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .