الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنَ النُّظَّارِ.
وَهَذَا التَّمْثِيلُ وَالْمُوَازَنَةُ لَيْسَتْ صَحِيحَةً، بَلِ الْمُوَازَنَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ تَقُولَ: مَا أَعْطَيْتُكَ دِرْهَمًا إِلَّا أَعْطَيْتُكَ قَبْلَهُ دِرْهَمًا، فَتَجْعَلَ مَاضِيًا قَبْلَ مَاضٍ، كَمَا جَعَلْتَ هُنَاكَ مُسْتَقْبَلًا بَعْدَ مُسْتَقْبَلٍ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: لَا أُعْطِيكَ حَتَّى أُعْطِيَكَ، فَهُوَ نَفْيٌ لِلْمُسْتَقْبَلِ حَتَّى يَحْصُلَ مِثْلُهُ (1) فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَكُونُ قَبْلَهُ، فَقَدْ (2) نَفَى الْمُسْتَقْبَلَ حَتَّى يُوجَدَ الْمُسْتَقْبَلُ، وَهَذَا مُمْتَنَعٌ، لَمْ يَنْفِ (3) الْمَاضِيَ حَتَّى يَكُونَ قَبْلَهُ مَاضٍ فَإِنَّ هَذَا مُمْكِنٌ، وَالْعَطَاءُ الْمُسْتَقْبَلُ ابْتِدَاؤُهُ مِنَ الْمُعْطِي، وَالْمُسْتَقْبَلُ الَّذِي لَهُ ابْتِدَاءٌ وَانْتِهَاءٌ لَا يَكُونُ قَبْلَهُ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، فَإِنَّ وُجُودَ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فِيمَا يَتَنَاهَى مُمْتَنَعٌ.
فَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ لِلنَّاسِ فِيمَا لَا يَتَنَاهَى.
[التَّسَلْسُلُ نَوْعَانِ]
وَالتَّسَلْسُلُ نَوْعَانِ: تَسَلْسُلٌ فِي الْمُؤَثِّرَاتِ كَالتَّسَلْسُلِ فِي الْعِلَلِ وَالْمَعْلُولَاتِ، وَهُوَ التَّسَلْسُلُ فِي الْفَاعِلِينَ وَالْمَفْعُولَاتِ، فَهَذَا مُمْتَنَعٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ تَسَلْسُلُ الْفَاعِلِينَ وَالْخَالِقِينَ وَالْمُحْدِثِينَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْمُحْدَثُ لَهُ مُحْدِثٌ، وَلِلْمُحْدِثِ مُحْدِثٌ [آخَرُ](4) إِلَى مَا لَا يَتَنَاهَى. فَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ - فِيمَا أَعْلَمُ - عَلَى امْتِنَاعِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُحْدِثٍ لَا
(1) مِثْلُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .
(2)
ا، ب: فَعَلَ. وَهُوَ خَطَأٌ.
(3)
م (فَقَطْ) : لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفِ.
(4)
آخَرُ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .
يُوجَدُ بِنَفْسِهِ، فَهُوَ مَعْدُومٌ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ، [وَهُوَ مُمْكِنٌ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ](1) ، فَإِذَا قُدِّرَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يَتَنَاهَى، لَمْ تَصِرِ الْجُمْلَةُ مَوْجُودَةً وَاجِبَةً بِنَفْسِهَا، فَإِنَّ انْضِمَامَ الْمُحْدِثِ إِلَى الْمُحْدِثِ وَالْمَعْدُومِ إِلَى الْمَعْدُومِ وَالْمُمْكِنِ إِلَى الْمُمْكِنِ، لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُفْتَقِرًا (2) إِلَى الْفَاعِلِ لَهُ، بَلْ كَثْرَةُ ذَلِكَ تَزِيدُ حَاجَتُهَا وَافْتِقَارُهَا إِلَى الْفَاعِلِ، وَافْتِقَارُ الْمُحَدِّثِينَ الْمُمْكِنِينَ أَعْظَمُ مِنَ افْتِقَارِ أَحَدِهِمَا، كَمَا أَنَّ عَدَمَ الِاثْنَيْنِ أَعْظَمُ مِنْ عَدَمِ أَحَدِهِمَا. فَالتَّسَلْسُلُ فِي هَذَا وَالْكَثْرَةُ لَا تُخْرِجُهُ عَنِ الِافْتِقَارِ وَالْحَاجَةِ، بَلْ تَزِيدُهُ حَاجَةً وَافْتِقَارًا.
فَلَوْ قُدِّرَ مِنَ الْحَوَادِثِ وَالْمَعْدُومَاتِ وَالْمُمْكِنَاتِ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَقُدِّرَ أَنَّ بَعْضَ ذَلِكَ مَعْلُولٌ لِبَعْضٍ أَوْ لَمْ يُقَدَّرْ ذَلِكَ، فَلَا يُوجَدُ [شَيْءٌ مِنْ](3) ذَلِكَ إِلَّا بِفَاعِلٍ صَانِعٍ لَهَا خَارِجٍ عَنْ هَذِهِ الطَّبِيعَةِ الْمُشْتَرَكَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِلِافْتِقَارِ وَالِاحْتِيَاجِ، فَلَا يَكُونُ فَاعِلُهَا مَعْدُومًا وَلَا مُحْدَثًا وَلَا مُمْكِنًا يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، بَلْ لَا يَكُونُ إِلَّا مَوْجُودًا بِنَفْسِهِ وَاجِبَ الْوُجُودِ لَا يَقْبَلُ الْعَدَمَ قَدِيمًا لَيْسَ بِمُحْدَثٍ، فَإِنَّ كُلَّ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ مُفْتَقِرٌ إِلَى مَنْ يَخْلُقُهُ وَإِلَّا لَمْ يُوجَدْ.
وَأَمَّا التَّسَلْسُلُ فِي الْآثَارِ كَوُجُودِ حَادِثٍ بَعْدَ حَادِثٍ، فَهَذَا فِيهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ: إِمَّا مَنْعُهُ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ، كَقَوْلٍ جَهْمٍ وَأَبِي الْهُذَيْلِ. وَإِمَّا مَنْعُهُ فِي الْمَاضِي فَقَطْ، كَقَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ. وَإِمَّا
(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(2)
ن: مُنَقِّصٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(3)
شَيْءٌ مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.